الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
العربية
المؤلف | ماجد العتيبي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - التاريخ وتقويم البلدان |
بلدة تصحو آمنة مطمئنة، ثم وهم في القائلة يضرب زلزالٌ البحر، فترتفعُ أمواجُ البحرِ كالجبال، لتجرِفَ كل ما أمامها من مدن وقرى، أكوامٌ من الحديد والبشر تطفو فوق الماء، ألسنةٌ من اللهب اختلطت بموج البحر، سياراتٌ معدة للتصدير احترقت ودمرت، عشرات الآلاف من الضحايا والمشردين والمفقودين. آلاف البشر ناموا على الطرق، وتوسدوا الحقائب، بلا مأوى ولا سكن ..
الحمد لله الذي خلق كل شيء بقدر، وسجد له النجم والشجر، وخلق عباده وأمر، وعمَّ بنعمه جميع البشر، فمنهم من شكر، ومنهم من كفر، أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الذي ابتلي فصبر، وأعطي فشكر، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ما طلع الشمس والقمر.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، فهي النجاة في الأولى والآخرة: (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الزمر: 61].
إخوة الإيمان: بلدة تصحو آمنة مطمئنة، ثم وهم في القائلة يضرب زلزالٌ البحر، فترتفعُ أمواجُ البحرِ كالجبال، لتجرِفَ كل ما أمامها من مدن وقرى، أكوامٌ من الحديد والبشر تطفو فوق الماء، ألسنةٌ من اللهب اختلطت بموج البحر، سياراتٌ معدة للتصدير احترقت ودمرت، عشرات الآلاف من الضحايا والمشردين والمفقودين.
آلاف البشر ناموا على الطرق، وتوسدوا الحقائب، بلا مأوى ولا سكن، فيبدل الله أمنَهم خوفًا، وعمارَهم خرابًا، وفرَحهم تَرَحًا.
هذه البلاد يُضرب بها المثل في التقدم والحضارة، والعلم والصناعة، حواسيبُ وسيارات، مبانٍ ضد الزلازل وإنذارات، بناء السنين دمره زلزال استمر دقيقتين.
وهم مع تقدمهم وتطورهم عجزوا عن صد دمار الزلزال، بل طلبوا المساعداتِ من دول أخرى.
عباد الله: هذا مصداق قول الله -جل وعلا-: (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [يونس: 24].
صنعوا ما لم يصنعه الشرق والغرب، وظنوا أنهم قوة لا تُغلب في الصناعة، لكنهم نسُوا (أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) [فصلت: 15].
عباد الله: إن حدوث مثل هذا الأمر يوجب الخوف من الله، قال -جل وعلا-: (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا) [الإسراء: 59]، ويوجب كذلك سؤال الرحمةِ من الله لمن نجاه الله وعافاه، قال سبحانه: (وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ * إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ) [يس: 43، 44].
إخوة الدين: تخيلوا أن زلزالاً بالأرض حلَّ الآن، ماذا أنت فاعل؟! أين ستذهب؟! هل أخذت استعدادك؟! هل ستذكر أهلَك وولدك؟! هل ستبحث عن مالِك؟!
نعم -إخوة الدين- سيحصل هذا حقًّا: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ) [الزلزلة: 1- 6]، فسينكشف كلُّ شيء، فما الخلاص من هذا اليوم؟! قال تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة: 7، 8].
فكل ما على الأرض سيزول ويتبدل، المساكن، والسيارات، والأموال، كل ما على الأرض سيزول بفعل زلزلة يومِ القيامة: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) [إبراهيم: 48].
فلنبادر بالأعمال الصالحة قلّت أو كثرت، ولا نحقرن من المعروف شيئًا، فإن الميزان يوم القيامة بما قدَّمت من أعمال صالحة: (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ) [المؤمنون: 102، 103].
اللهم يا من رحمته وسعت كلَّ شيء؛ اللهم ارحمنا في هذه الدنيا وفي الآخرة.
أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروا إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي حقق لنا الأمن والاستقرار، وأصلي وأسلم على النبي المختار، وعلى آله وصحبه الأطهار، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار.
أما بعد: ففي نفس الوقت الذي تضرب فيه بلاد بالزلازل والطوفان، هناك بلادٌ أخرى، مجاورة وبعيدة، حلَّ بها طوفانٌ آخر، طوفانٌ من التظاهراتِ والاعتصامات، هلع وفزع، قتلى وجرحى، فتنٌ وفوضى، نقصٌ في الغِذاء والطعام، اختلط فيها الحق والباطل.
أمَّا نحن في هذه البلاد؛ أمن في أوطاننا، وصحة في أبداننا، ووفرة في أموالنا، أرضنا مستقرة، وسماؤنا ممطرة، وحياتنا مستمرة.
وإن من الواجب علينا أن نذكر نعم الله: (فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الأعراف: 69]، وأن نشكر اللهَ عليها، فقد تأذن اللهُ تعالى للشاكرين بالمزيد، وتهدد الكافرين بالعذاب الشديد، فقال: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7].
إخوة الدين: لقد ضمن الله -جلّ وعلا- الأمان لمن حقق الإيمان، فقال: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام: 82].
ووعد سبحانه المستغفرين التائبين بالأمن، والسلامة من العذاب، فقال: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال: 33].
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "كَانَ فِيهِمْ أَمَانَانِ: نَبِي اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَالاِسْتِغْفَارُ، فَذَهَبَ النّبِي صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ- وَبَقِيَ الاِسْتِغْفَارُ".
وقد أخبر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أن الزلازل ستكثر في آخر الزمن، وأن الفتن ستظهر، ويكثر القتل، كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والبخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ تَقُومُ السّاعَةُ حَتّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزّلاَزِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ، وَهْوَ الْقَتْلُ، الْقَتْلُ". صدق المصطفى -عليه الصلاة والسلام-، فهذا بالفعل قد حصل في زمننا هذا.
إخوة الإيمان: وإن مما يؤمن القلوب، ويفرج الهموم، ويغفر الذنوب، ويثبت الأقدام على الصراط، الإكثار من الصلاة والسلام على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة نبينا محمد.
اللهم صلٍّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد...
اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن.