الجبار
الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...
العربية
المؤلف | أحمد بن عبد العزيز القطان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | فقه النوازل |
تجولت هناك كثيرٌ بين المسلمين ألقيت عليهم الدروس والمحاضرات يتعجبون! ينظرون إليّ وإلى وجهي يقولون: هكذا كانت وجوه الصحابة، هكذا كانت أشكالهم، إننا نحبكم كثيراً كثيراً، أيها العرب المسلمون تذكروننا بالسلف الصالح رضي الله عنهم وأرضاهم.
أيها الأحبة الكرام:
كما للمسلمين في هذا البلد علىّ حقٌ، فاللمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها عليّ حقوق، وقد قمت بجولة أتفقد فيها أحوال المسلمين فوجدتهم كأيتام على موائد لئام أو قطيع من الأغنام في ليلة ظلماء مطيرة أحاطت بها الذئاب تتناوشها في كل جانب، ذهبت هناك الأفغان وإلى جرحاهم فوجدت فيهم عجباً، هُناك في الأرض التي رُفعت فيها راية الجهاد يقوم العدو بقصف القرى وهدم البيوت وحرق المحاصيل والمعارك تدور والتقيت بالجرحى في المستشفيات أرجلٌ مقطوعة، وأجساد ممزقة، أسأل طفلٌ في العاشرة ألا تتألم مما أنت فيه؟ يقول: من أجلِ حبِ محمد صلى الله عليه وسلم يهون كل شيء.. عجباً لأولئك الرجال.. أطباء مصريون جاءوا من نقابة الأطباء أقول لهم: أتداوون الجرحى فقط؟، فقالوا: والله لقد جئنا لذلك، فلما رأينا القوم أصبحنا مدرسين نعلمهم لغة القرآن، وأطباء أطباء قلوب نُلقي عليهم الدروس والمحاضرات ونحسُ أننا نتعلم منهم أكثر مما يتعلموا منا، صغارٌ ولكنهم كالأسود، ثباتٌ وصبر وتحملٌ عجيب، إنها بركة الدعاء والجهاد في سبيل الله، ودارت معركة في ليلة القدر وانتهت في العيد في منطقة جاجي فيها مجاهدون عرب وأفغان واستشهد سبعون منهم 11 عربي مسلم، وحرص العدو على أن يأسرهم فلم يستطع لكي يناوروا بهم إعلامياً ولكن أبى الله سبحانه وتعالى إلا أن ينصر جنده... قذفٌ مستمر أيام رمضان الأخيرة وهم يستغيثون الله ربهم ويردون على عدوهم فتصيب قذائفهم العدو إصابات عجيبة، وصدق الله (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ) [الأنفال: من الآية17] حتى أنني التقيت بالأبطال الذين خاضوا وجاهدوا هذه الحرب الخالدة قالوا: قذفنا العدو بأكثر من 40 ألف قذيفة وصاروخ وكانت القذائف فوقنا تتفجر في الليل والنهار، 6 أيام بلا نوم ونتعجب كيف إنها انتهت وكأننا في مهرجان للألعاب النارية، مالذي خفف وطأة القذائف التي تنزل عليهم حميماً وناراً، إنه الله الذي قال لنار إبراهيم: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ) [الأنبياء:69].
يقول لي أحد المجاهدين اسمه الشيخ/ تميم... قال: "والله لما أصبحت الخنادق لا تأوينا أصبحت الحياة والموت عندنا سواء، واشتقنا للجنة والحور العين، ورأيت المجاهدون يحملون مصاحفهم يجلسون خارج الخنادق تحت القذف يقول وإنني جلست أقرأ سبعة أجزاء من كتاب الله، فما مستني شظية واحدة فأصبح عندي يقين في قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ) [آل عمران: من الآية145] وصدق خالد بن الوليد "فلا قرت أعين الجبناء"...
ثم عُدت بعد ذلك أتفقد مشاريع المسلمين المساجد والمعاهد والمدارس والمأوى ثم انتقلت مرة ثانية إلى كشمير المسلمة، المنسية المهجورة، كما نُسيت الأندلس اليوم، كشمير هذه بلاد المسلمين في باكستان أقطتعها العدو فقطها نصفين مزقها تمزيقاً، عرض أهلها عبر السنين الماضية إلى إبادة، أذكر في السنين الماضية دخل قطار طويل كبير فيه 15 ألف من المسلمين في عراباته الممتدة في نفق عبر الجبال، فأوقفه الكفار هناك في كشمير المسلمة التي سُلمت يداً بيد بأيدي المتأمرين، هناك في النفق في الظلام أطلقوا عليهم أفواه البنادق وخرج القطار يسبح بالدم، 15 ألف أو يزيدون لم يخرج منهم مسلم واحد يرزق!! رأيت هناك في كشمير أمة تبلغ أمة مقابر المسلمين حولت إلى ملاعب، المساجد إلى متاحف وخمارات وهم ينشرون الإلحاد، يريدونهم يعبدون كل شيء إلا الله رب العالمين، وألقيت بعض الدروس والمحاضرات هناك، ورأيت المسلمين يبكون يتشبثون بي كتشبث الغريق بالقشة، وهل تُنجيه القشة من الغرق؟.
ثم انتقلت بعد ذلك إلى المسلمين في الفلبين، وما أدراك ما المسلمين في الفلبين هناك في جنوب الفلبين، إن كان العوالم اليوم تُعدد، العالم الأول الثاني والثالث، فعالمهم هو العالم الأخير، فهم في دنيا غير دُنيانا –ضرورات الحياة- الكهرباء، التلفون، إذا أراد مسلم في جنوب الفلبين أن يتصل بالتليفون يُسافر من قريته وبلدته أكثر من ثلاثة ساعات حتى يستطيع أن يتصل بالتليفون.
لا تزال حياتهم البدائية، أنا لا أدري أموال القروض من صناديق القروض والتنميات التي تُأخذ من بلادنا أين تذهب؟ شوارعهم غير مرصوفة، الوحل فيها دائم، المستنقعات دائمة، أطفالهم تُعرض للأمراض، لا علاج ولا طب، ومن أعجب ما رأيت الإقامة هناك وحظر التجول من السادسة إلى السادسة، ويا ويل من يخرج في هذا الوقت في قرى الجنوب يتعرض لإطلاق النار، وقد قتلوا 5 من جماعة التبليغ وكما تعلمون أن جماعة التبليغ لا تدعوا إلى السياسة، ولكن الكفار لا يفرقون، أوقفوهم الساعة السابعة مساء، وأطلقوا عليهم النار وأردوهم قتلى، وهم الآن يزوجون المسلمات المؤمنات الغافلات للنصارى تحت الضرب والقهر، أيما مسلمة لا واليّ لها يتيمة أو مسكينة أو لا يؤويها أحد يزوجونها نصراني لماذا؟ حتى تتم الوحدة الوطنية، لا تتم الوحدة إلا أن يتزوج النصراني مسلمة، المسلمون هناك في الفلبين يحتاجون إلى معونات، المسلمون هناك يحتاجون إلى كل مصحف إلى كل ورقة، إنهم يريدون أن يُنقذوا دينهم، أراضيهم التي فتحها الدعاة المخلصون المجاهدون، الذين جاهدوا بالكلمة والقدوة الحسنة، التجار الدعاة الذين فتحو تلك الديار أندونسيا، والفلبين بلاد شرق أسيا فتحوها بالكلمة الطيبة المباركة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، الآن الأعداء يبتلعونها قطعة قطعة، أراضي المسلمين هناك جنة الله في الأرض ولكن من يستغلها؟.
وصلت في أقصى الجنوب في الفلبين وجدت بحيرة هائلة أكبر من أرض الكويت عدة مرات، فلم أجد سمكة واحدة يستفيدون منها، فقلت عجباً أين ذهب السمك؟ ولكن الحكومة الكافرة استوردت أسماك صغيرة وتأكل بيض السمك فألقته في البحيرة فقضت على جميع أنواع الحياة فيها حتى لا نسترزق من تلك البحيرة وتعالى نستمع إلى شعارات الفاتيكان والباباوات عندما يرفعون الصليب جاء اليسوع المخلص داعية السلام، ثم يقولون نصف الرغيف لنا ونصفه ليسوع، نحن جئنا للسلام للسلام، ويرفع هذا الصليب، أي سلام وأي رغيف تحاربون الفقراء والمساكين في سمكات صغيرات يسترزقون من ورائها في بحيرة؟ ، الكفر ملة واحدة أيها الأحباب.
تجولت هناك كثيرٌ بين المسلمين ألقيت عليهم الدروس والمحاضرات يتعجبون! ينظرون إليّ وإلى وجهي يقولون: هكذا كانت وجوه الصحابة، هكذا كانت أشكالهم، إننا نحبكم كثيراً كثيراً، أيها العرب المسلمون تذكروننا بالسلف الصالح رضي الله عنهم وأرضاهم، ولكن قلوبنا يعتصرها الألم عندما نذهب إلى العاصمة وإلى المدن فنجد العرب لا يأتون إلينا إلا للزنا والفجور وشرب الخمور، أهذا هو الإسلام الذي نقله أجدادكم إلينا؟، وتحقق قول الله فيهم سبحانه وتعالى في العرب، الذين يسافرون إلى تلك الديار للفجور والخمور:(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) [مريم:59].
أحبتي في الله:
وحرصت حرصاً شديداً على أن ألتقي بأبنائنا ؛ الطلبة الدارسين في أرض الفلبين، فوجدتهم غرقاً في بحر الظلام إلا من رحم الله، وإنني أحذر جميع الآباء أن يرسلوا أبنائهم إلى تلك البلاد للدراسة، لما نزلت هناك في مطارهم ماذا رأيت وماذا شاهدت؟ أعداد النساء هناك يزيد سبعة أضعاف أعداد الرجال والبغاء منتشر في كل مكان، في الأسواق، في الشوارع، في الفنادق، في المطاعم أينما تذهب تجد من يتعلق بك ويدعوك للرذيلة، وأولادنا المساكين منهم من يصبر شهراً، ومنهم من يصبر شهرين ثم يتساقطون واحداً تلو الآخر، والمحظوظ من حفظه الله تعالى.
أوصي الآباء أن يستغيثوا الله في صلاة الفجر بأن يحفظ الله أبناءهم، التقيت بهم في دروس وخطب واجتمع حوالي أعداد هائلة منهم، منهم الذي يصلي، ومنهم الذي لا يصلي، ومنهم الذي وقع في الزنا وجاء ليتوب، ويبكون بكاءً حاراً، يقولون يا شيخ تورطنا في هذه الديار، أصعب ما يكون فيها الحلال، وأسهل ما يكون فيها الحرام، وإننا نقول لأهلينا زوجُونا حتى لا نقع فلا يزوجُننا، فنحن في أمر عظيم من يصبر على هذه الفتنة، السعار الجنسي يطاردهم في كل مكان، والسواح العرب عندما يأتون إلى تلك الديار زادت الطين بلّه بئست القدوات لأولئك الشباب.
والله يا إخوان وأنا في المطار أريد أن أسافر من هذا البلد رأيت رجالاً أعرفهم عليهم العُقل ولا عقل لهم، وعليهم ثياب الوطنية ولا وطنية لهم ويتمسحون باسم الإسلام، ولا إسلام لهم يسحبون البغايا عند باب المطار لا يستطيعون فراقهم، وإني رأيت بعضهم يجري كالمهابيل عند باب المطار ثم يعود يجري يمسك عقاله وتصل البغايا خارج الباب يُقبلها أمام الناس والناس ينظرون، أي دين هذا؟ إنه دين عليهم سُيرد، لا يميزون بين الصالح والطالح، تذكرت بيتين للإمام ابن القيم وزدت علها ثلاثة أبيات:
ونساء الأرض لما أن بدت أقبلت نحــوي وقــالت لـي إلـيّ
فتعاميت كأن لم أراها عندمـا أبصــرت مقصودي لدي
بئسـت اللـذة إن كان بـها غضب الجبــار والسخـط عليّ
كيـف ألقـى الله ربي أثمــاً يـوم حشــر النـاس إذ غُلت يدي
فمعـاذ اللـه هــذه صيحتـي قالها يوسـف قلها يا أخي
رأيت هناك في أرض الفلبين نوعين –أعاذكم الله- من دورات المياه، دورات من حجر، ودورات من بشر، تتنقل في الطرقات لكل من يأتي فيقضي بها حاجته، أولادنا عندما يعودون سينقلون الإيدز، والهربز، والسيلان، والزهري والأمراض الجنسية، ثم يتزوجون بنياتنا فيعدونهم ويعتدى على الأجنة في الأرحام، سبحان ربي لا إله إلا هو الذي جمع الشرك وقتل النفس والزنا في آية واحدة، استمعوا لحكمة عظيمة، جمعها الله في آية واحدة ليتبين خطورة هذا الأمر (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ) [الفرقان: من الآية68] ويقول سبحانه: (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى) [الإسراء: من الآية32] ويبين الله حقيقة رهيبة أن من يتعاطى هذا الفعل مصيره ومصير المشركين عنده في النار.
(وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) [النور: من الآية3] وصدق النبي صلى الله عليه وسلم القائل: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن".
أيها الأحباب الكرام:
استمعوا إلى الإمام الشافعي رحمة الله عليه وهو يقول هذه الحكم المشرقة ويبين أن الزنا دين، اسمعوا هذه القصة:
سافر شاب فقال له أبوه: يا بُني حافظ على عرض أختك في سفرك، قال يا أبتي: أختي عندك في البيت، كيف أحافظ عليها في سفري؟ قال: أي بُني خذ نصيحتي وستعلم نبأها بعد حين، وذهب الشاب وفي لحظة خلوة قبل امرأة أجنبية في نفس الوقت كان سقا الماء الذي في بيت أبيه يملأ الإناء ماء فمرت أخته في فناء فقفز عليها فقبّلها ولم يكن يفعل ذلك من قبل، فلما نظر الوالد لهذا المشهد وعاد الولد من سفره فقال له الأب: ألم أقل لك حافظ على عرض أختك، والله يا بُني لقد قبلها سقا الماء ، دقةٌ بدقة، ولو زدتَ لزاد السقا، إنما هو دين يأخذ من الإنسان ولو بعد حين.
يقول الإمام الشافعي رحمة الله عليه إلى الذين يتركون المؤمنات الزوجات النظيفات العفيفات ويسافرون إلى بانكوك وتايلاند ومنيلا، هذه التي كان أسمها يوماً بأنفاس الدعاة المؤمنين، أمان الله يوم أن فُتحت بالإسلام والأخلاق الآن منيلا، يقول الشافعي:
عُفوا تَعـفُ نساؤكم في المحرم وتجـنبوا ما لا يليـقُ بمُســـلمِ
إن الزنا دينٌ فإن أقرضُتـــهُ كان الوفا من أهـل بيتكَ فاعـلمِ
يا هاتكا حُـرمَ الرجالِ وقاطعاً سُبلَ المودةِ عشتَ غيرَ مُكرمِ
لو كنت حُراً من سُلالةِ مـاجدٍ مـا كُنت هتاكاً لحُرمـةِ مسـلمِ
من يزن يُزن به ولـو بجدارهِ إن كنـتَ يـا هـذا لبيبـاً فافهمِ
اللهم صُن أعراضنا، اللهم أحفظ نساءنا، اللهم احقن دماءنا، اللهم سلم أموالنا، اللهم نسألك للمسلمين إخلاص النية، وحسن الاعتقاد، وصلاح العمل ونور اليقين، وحلاوة الإيمان، وبرد الرضا، وبركة الدعوة وإجابة الدعاء، ونظافة العفة برحمتك يا أرحم الراحمين، ونسألك أن تنصر المجاهدين في سبيلك، وأن تُكرم الشهداء، وتُثبت الغرباء، وتفك المأسورين، وأن تنصر المجاهدين في كل مكان واغفر ذنبهم، واجعل الدنيا بأيدينا ولا تجعلها في قولبنا، هؤلاء حسان الأرض وعرائس الوجود تزينت للناظرين ليبلوهم أيهم، يؤثرهنُ على عرائس الآخرة، نسألك عرائس الآخرة الحور العين قاصرات الطرف برحمتك يا أرحم الراحمين ...