البحث

عبارات مقترحة:

العفو

كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...

الكبير

كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...

المولى

كلمة (المولى) في اللغة اسم مكان على وزن (مَفْعَل) أي محل الولاية...

شكر النعمة

العربية

المؤلف صالح بن سليمان الهبدان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. حقيقة الشكر .
  2. مظاهر الشكر .
  3. مقام الشكر .
  4. شكر الأنبياء الكرام .
  5. نعم الله على هذه البلاد .
  6. قرارات ولي الأمر الأخيرة .
  7. وجوب شكر نعم الله المتوالية على بلدنا .

اقتباس

فمن تمام نعمته، وعظيم بِره، ووافر كرمه، ولطيف جوده، أن ينعم عليك، ثم يوزعك شكر النعمة، ويوفقك إلى الثناء عليها، ويرضى عنك؛ ثم يعيد إليك منفعة شكرك له، ويجعله سببًا لتوالي نعمه عليك، واتصالها إليك؛ يمن عليك بالزيادة في الدنيا، والمغفرة في الآخرة؛ فهو يحب منك الشكر، ويرضاه لك، ويثيبك عليه، ومنفعته لك، وثمرته لك ..

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خصَّنا بخير كتاب نزل، وأكرمنا بخير نبي أرسل. 

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح لهذه الأمة، تركنا على المحجة البيضاء، على الطريقة الواضحة الغراء، ليلها كنهارها، لا يزيغ إلا هالك، فمن يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فقد ضل ضلالا بعيداً .

أما بعد: يقول الله جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [البقرة:172]، والشكر لله اعتراف بفضله، واحترام لكرمه، وإجلال لنعمه، وثناء على عطائه، واعتراف بجميله؛ انه ظهور أثر النعمة، وجلاء لطيف المنة، ووضوح فضل المتفضل بالثناء عليه، والمحبة له، واستعمال ما أعطى فيما يحب، والانقياد لأمره، والرضا بحكمه.

ومعرفة مصدر النعمة شكر، والثناء عليها شكر، وتوجيهها في الطاعة شكر، ومشاهدة المنة بها شكر، وحفظ حرمات المنعم شكر، وامتلاء القلب بمحبته هو شكر له، ولهج اللسان بذكره شكر، والتسبيح بحمده شكر، اللهم اجعلنا من الشاكرين الذاكرين .

الشكر عباد الله يزيد النعم، ويزيل النقم، ويبلغ المنى؛ إن الإيمان نصفان نصف شكر ونصف صبر، بل قد يبعد الأمر إذا قلنا الدين كله شكر، فمن شُكر الله الاعتراف بوحدانيته والإيمان برسله، والصلاة شكر، والزكاة شكر، والصوم والحج شكر، والذكر شكر، والعابد لله حقاً هو الشاكر: (وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [النحل:114].

قرن عبادته تعالى بالشكر فقال: (وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [العنكبوت:17]، وإبراهيم -عليه السلام- (كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِراً لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [النحل:120-121]، ونوحًا -عليه السلام-: (كَانَ عَبْداً شَكُوراً) [الإسراء:3].

ومن أسماء الله جل وعلا: (شاكر وشكور)، يحب لعباده أن يتصفوا بهذه الصفة الربانية، والسمة الإلهية، ولقد ورد في آية واحدة الحث على الشكر، وبيان أن الله تعالى شاكر عليم، وتلك فيها لفتة كريمة، ولطيفة بديعة، والله تعالى يقول: إذا أمرتكم بالشكر فامتثلوا الأمر فإنها رتبة رفيعة، ودرجة عالية، ولذا كانت من أسمائه -جل وعلا- وصفاته، وهو يحب لعباده ويدفع عنهم بها العذاب: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً) [النساء:174].

الشكر يرضاه الرب، ويحبه المولى: (وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر:7]، والشاكر سعيه مأجور، وعمله مشكور: (وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً) [الإنسان:22]، والله جل وعلا هدى الناس لعلهم يشكرون، أتم نعمته عليهم لعلهم يشكرون، بيَّن آياته للناس لعلهم يشكرون، ورزقهم الطيبات لعلهم يشكرون، سخر لهم ما في الأرض جميعًا منه لعلهم يشكرون.

إن نعم الله عظيمة، وآلاءه كريمة، ومننه متتالية، وأفضاله متتابعة، يسَّرها جميعًا للناس، ووهبها للبشر؛ ليقوموا بشكره، ويسبحوا بحمده، ويعترفوا بفضله، فله الحمد والشكر في الأولى والآخرة.

ومن عظمة العزيز الشكور، وفضل الرحيم الغفور، أن جعل الشاكر مشكورا، انظر إلى بديع لطفه، وعظيم فضله، وواسع عطائه، هو الذي خلقك، وهو الذي رزقك، وهو الذي هداك للإيمان، وجملك بالإسلام، وأعانك على ذكره، ووفقك لشكره، فكل الفضل والمن والثناء والحمد والشكر له جل وعلا.

لكن، مع ذلك فمن تمام نعمته، وعظيم بره، ووافر كرمه، ولطيف جوده، أن ينعم عليك، ثم يوزعك شكر النعمة، ويوفقك إلى الثناء عليها، ويرضى عنك، ثم يعيد إليك منفعة شكرك له، ويجعله سببًا لتوالي نعمه عليك، واتصالها إليك، يمن عليك بالزيادة في الدنيا، والمغفرة في الآخرة؛ فهو يحب منك الشكر، ويرضاه لك، ويثيبك عليه، ومنفعته لك، وثمرته لك (وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) [لقمان:12].

فشكرك إحسان منك إلى نفسك، وتفضل منك على ذاتك في الدنيا والآخرة، وهو غنيٌّ عنك، غير محتاج إليك، هو المنعم المتفضل، الخالق للشكر والشاكر ولا يُشكر عليه، ولا يستطيع أحد أن يكافئ نعمه، ويقابل إحسانه، ويحصي ثناءً عليه، وإنَّ شُكْرك له نعمة منه تحتاج إلى شكر منك.

قال ابن منظور: الشكر عرفان الإحسان ونشره، يقال: شكرت لله، وشكرت الله، وشكرت بالله، وكذلك شكرت نعمة الله؛ ورجلٌ شكورٌ: كثير الشكر، وهو الذي يجتهد في شكر ربه بطاعته، وأداء ما وظّف عليه من عبادته.

وقال ابن القيم -رحمه الله-: الشكر ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناءً واعترافًا، وعلى قلبه شهودًا ومحبة، وعلى جوارحه انقيادًا وطاعة. يقول صاحب المنازل: ومعنى الشكر ثلاثة: معرفة النعمة، ثم قبول النعمة، ثم الثناء بها.

والأنبياء -عليهم السلام- أسبق الناس إلى كل خير، وأقربهم من كل فضل، وأعلمهم بعظمة المولى، وفضل الخالق، وقدر العظيم؛ قليل من عباده الشكور، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام- هم من هذه الفئة الشاكرة الطاهرة، أبو البشر آدم -عليه السلام- وأمهم -حواء عليها السلام-: (دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) [الأعراف:189]، ونوح -عليه السلام-: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً) وإبراهيم (شَاكِراً لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) وداود قال الله تعالى له (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ:13]، وسليمان قال: (ربِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) [النمل:19].

وأفضل الأنبياء وأقربهم إلى الله جل وعلا هو محمد -صلى الله عليه وسلم- إمام الشاكرين، أعظم الناس شكراً لله، هو إمام الشاكرين، وسيد العابدين، لقد امتزج الشكر بأنفاسه، وسار في عروقه، ورسخ في وجدانه -صلى الله عليه وسلم-، لبس حلّة الشكر، وارتدى برداء الثناء، ونطق لسانه بترانيم الشكر، وعبقت جوارحه بأريج الثناء، وترجم شكره لله بأعمال ذاكية، وأفعالٍ رائعة، وأقوال علمها الناس فقاموا بها.

قام حتى تفطرت قدماه، فقيل له في ذلك: لماذا تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فلم يزد على الإجابة الشافية، والعبارة الكافية: "أفلا أكون عبدًا شكورًا؟". لقد كان -صلى الله عليه وسلم- يسأل الله دائما أن يجعله شاكراً لنعمه.

اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك. ومن دعائه: رب اجعلني لك شكَّاراً، لك ذاكراً، لك رهباً .

كان -صلى الله عليه وسلم- إذا سُر بالأمر، وفرح بالخبر، واستبشر بالنبأ، فإن أول ما يخطر في ذهنه، وينقدح في فؤاده، أن يخر ساجداً لله جل وعلا، شاكراً لنعمه .

اللهم اجعلنا لك شاكرين، اللهم اجعلنا شاكرين لنعمك، مثنين بها عليك، قابليها؛ وأتمها علينا يا رب العالمين.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم .

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى أثره واهتدى بهداه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً .

أما بعد: عباد الله: فإن من تمام النعمة أن نشكر الله جل وعلا على من به على هذه البلاد من وحدة الصف، في هذا الوقت الذي تلاطمت فيه الفتن في كثير من البلاد الأخرى، حفظ الله بلادنا ورد كيد أعدائنا في نحورهم.

ونحمد الله ونشكره على هذا التآلف، وهذه المحبة، واجتماع الكلمة، وتألف القلوب على الخير والتقوى بين الراعي والراعية، في هذه البلاد المباركة؛ وكلمة ولي أمرنا وفقه الله في الجمعة الماضية دلت على مكانة الشعب في قلبه، ومحبته لهم، ومحبتهم إياه.

وهذه القرارات التي صدرت -ولله الحمد- إنما هي قرارات خير ونعمة، فيها رسالة للمسلم وللعالم أجمع أن هذا البلد بلد إسلام، نشأ على الإسلام، وعاش على الإسلام، ولم يتحول عنه بحول الله، حكامه المتعاقبون يحكمون بشرع الله، ثابتون عليه.

قرارات أعاد ولي الأمر بها للعلم وأهله هيبتهم، أعاد فيه لدعاة الفضيلة وحماتها مكانتهم، الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر؛ أعاد فيها للدعوة إلى الله مسارها، وللمساجد حرمتها، ولحِلق تحفيظ القرآن استمرارها، فكانت ضربة على أهل النفاق والعلمنة الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.

كانوا يراهنون على امن هذه البلاد فرد الله كيدهم في نحورهم، ثم قرارات متتالية: منها التأمين الاجتماعي من مساكن وقروض، ومحافظة على سلع من التلاعب، وقرارات فيها تأمين طبي على هذا الشعب المبارك، كل هذه القرارات رسالة على أن أهل هذه البلاد هم بتلاحمهم وتعاونهم يرفضون الفتن والمصائب، ويقفون مع الحق، ويؤيدون قادتهم على الخير والتقوى، قرارات عمت بخيرها جميع أفراد هذه البلد المبارك، وفئاته المتنوعة من العلماء والقضاة والدعاة والمعلمين، ورجال الأمن وموظفي الدولة، وطلبة العلم والجامعات وذوي الدخل المحدود، وغير ذلك ... بل ختمت بتأكيد على ملاحقة الفساد والمفسدين، سواء كان فسادهم أمنياً أو إدارياً أو مالياً؛ حتى يقفوا عند حدهم .

وإنا لنشكر الله عز وجل على ما جعله بين أهل هذه البلاد وبين حكامها، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين، من حب وتلاحم، وتراحم وتعاطف، عَزَّ نظيرُه في دول العالم، فأثلج صدور المحبين، وأرغم أنوف المغرضين، وحطم فلول المحرضين، الذين راهنوا على هذا الشعب المبارك الأمين، فردهم الله على أعقابهم خائبين، وجمع ألفتنا، فله الحمد أولا وأخيراً. (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ) [العنكبوت:67].

نعم، بلاد حفظها الله من الاستعمار أولا، فنسأل الله أن يحفظها إلى أن يرث الأرض ومن عليها؛ خرج الإسلام منها، وحفظها الله في عقود مضت، حتى في حروب صليبية استعمر فيها كثير من بلاد العالم، فحفظ الله هذه البلاد المباركة من الاستعمار، وظل الإسلام فيها على خير، ويزداد، ولله الحمد.

نسأل الله أن يحفظها بالإسلام إلى أن يرث الأرض ومن عليها، نعم لقد أخبرنا الحبيب -صلى الله عليه وسلم- أن الإسلام يأرز إلى مكة والمدينة كما تأرز الحية إلى جحرها، أن يرجعوا إلى أصله، فهو خرج منه وإليه يعود، والعالم يتوجه إلى قبلة هذه البلاد، صلاة وذكراً ودعاء لله جل وعلا، فنسأل الله أن يحفظها، وأن يحفظ قادتها ويوفقهم لكل خير، ويحفظ علينا أمننا واستقرارنا .