البحث

عبارات مقترحة:

المحسن

كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...

المؤمن

كلمة (المؤمن) في اللغة اسم فاعل من الفعل (آمَنَ) الذي بمعنى...

الرءوف

كلمةُ (الرَّؤُوف) في اللغة صيغةُ مبالغة من (الرأفةِ)، وهي أرَقُّ...

سنة التغيير

العربية

المؤلف محمد أحمد حسين
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
  2. ضرورة تغيير المسلمين ما بأنفسهم .
  3. حال الأمة في عهد عزتها .
  4. فساد أحوال الأمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
  5. ضرورة العودة الصادقة إلى دين الله تعالى .

اقتباس

لا يبدل الله ما بقومٍ من عافية وأمنٍ وعزةٍ ونعمة وسلطانٍ ومنعة إلا إذا كفروا تلك النعم، وارتكبوا المنكرات، وغيّروا حالهم من الطاعة إلى المعصية، ومن اتباع منهاج الله إلى اتباع الأهواء، ومن حاكمية الله إلى سلطان البشر، وقد ورد في الأثر: "أوحى الله إلى نبيٍّ من أنبياء بني إسرائيل أن قل لقومك: إنه ليس من أهل قرية ولا أهل بيت يقومون على طاعة الله، فيتحولون منها إلى معصية الله إلا حوّل الله عنهم ..

 

 

 

 

أيها المسلمون: من سنن الله الاجتماعية أنه تعالى لا يبدل ما بقومٍ من عافية وأمنٍ وعزةٍ ونعمة وسلطانٍ ومنعة إلا إذا كفروا تلك النعم، وارتكبوا المنكرات، وغيّروا حالهم من الطاعة إلى المعصية، ومن اتباع منهاج الله إلى اتباع الأهواء، ومن حاكمية الله إلى سلطان البشر، وقد ورد في الأثر: "أوحى الله إلى نبيٍّ من أنبياء بني إسرائيل أن قل لقومك: إنه ليس من أهل قرية ولا أهل بيت يقومون على طاعة الله، فيتحولون منها إلى معصية الله إلا حوّل الله عنهم ما يحبون إلى ما يكرهون"، ثم قال: إن تصديق ذلك في كتاب الله: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) [الرعد:11].

أيها المسلمون: تعالوا بنا نطبق هذا النص الكريم على حال أمتنا اليوم، لنرى مدى حاجتها إلى تغيير أحوالها، إلى تغيير النوايا والسلوك والأعمال، فقد ربطت مشيئة الله تغيير الأحوال سلبًا أو إيجابًا بنية الأفراد والجماعات والأمم، فإقبال الأمة بنية خالصة لله، مع العمل الصالح والسلوك السوي يرشحها للتغيير نحو الخير والأفضل؛ لأن الجزاء من جنس العمل، والله يقول: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال: 53]، فتغيير الحال لا يكون بالتمني والأماني، ولكن بالعمل الجاد والنية الخالصة والسلوك القويم، فمن أراد أن يصل إلى بر الأمان وشاطئ السلامة، فعليه أن يعد الزاد من التقوى والعمل الصالح، وأن يحكم السفينة ويتعهد الراحلة، وإلا كان كما قال القائل:

ترجو النجاة ولم تسلك مسـالكها

إن السفينة لا تمشي على اليبس

لأن بحر أعمالكم هو الذي يقودكم إلى العزة والكرامة.

أيها المسلمون، يا خير أمةٍ أخرجت للناس: هل تدارستم حال الأمم السابقة التي أعرضت عن هدايات الله وخالفت رسله، فأخذها الله بذنوبها، وجعلها عبرةً لكم؟! (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ) [الأنفال: 54].

ولكم -أيها المسلمون- أسوةٌ حسنة في حال سلفنا الصالح الذين قبلوا نعمة الله، وحملوا الإسلام الذي رضيه الله لنا دينًا، حملوا الإسلام عقيدة وشريعة ونظام حياة، فغيّر الله أحوالهم من الضعف إلى القوة، ومن الفرقة إلى الوحدة، ومن الضلال إلى الإيمان، ومن الذل إلى العزة، وغدت دولة الإسلام هي الدولة الأولى في العالم عدة قرونٍ من الزمان، يطمع في عدلها الضعفاء، ويهابها الأعداء، وينتشر سلطانها من الصين شرقًا إلى المحيط الأطلسي غربًا، يحكم خليفتها بكتاب الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وتطبِّق رايتها شرع الله، في سلوكٍ لا يعتريه الخلل، وعملٍ لا يشوبه الزلل، (حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) [الحج: 31]، فأيّدهم الله بنصره، وأمدّهم بتوفيقه وعونه، ومكن لهم في الأرض، واستخلفهم فيها، أليس الله هو القائل: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) [النور:55]؟!

يقول ابن مسعودٍ -رضي الله عنه-: "من كان متأسيًا فليتأسَ بأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإنهم كانوا أبرّ هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، وأقومها هديًا، وأحسنها حالاً، اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم". رضي الله عنهم ورضوا عنه، وفي الحديث الشريف عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى"، قالوا: يا رسول الله: ومن يأبى؟! قال: "من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى"، أو كما قال.

فيا فوز المستغفرين، استغفروا الله، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

 

الحمد لله الهادي إلى الصراط المستقيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمةً للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن اهتدى واقتدى بهداهم إلى يوم الدين.

اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد.

وبعد:

أيها المسلمون: يا خير أمةٍ أخرجت للناس: كيف يغير الله حال أمتنا وهي تقيم على المعاصي، انظروا أنى شئتم إلى أحوالنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فهل هذه الأحوال مرشحةٌ للتغيير أو تقود الأمة نحو الأفضل؟!

إن الأمة تحكم بغير ما أنزل الله، وقد نحي دستور الإسلام الخالد عن سدّة حكمها منذ زوال الخلافة الإسلامية التي حكمت بالإسلام، واتخذت القرآن دستورًا، وسنة نبينا هاديًا ودليلاً، وأصبحت أشكال الحكم ومسمياته في دنيا المسلمين لا تقرّ معروفًا ولا تنهى عن منكر، بل تشرع وفق الهوى بعيدًا عن هدايات الله، وتأخذ بالقوانين الوضعية التي تبعد الناس عن روح العقيدة وعن أحكام الشريعة، (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة:50].

أما اقتصاد المسلمين فيقوم على الربا الذي حرّمه الله، وأصبحت المؤسسات الربوية ركيزة من ركائز الاقتصاد الرأسمالي القائم على الربا والاحتكار وجمع الثروة بأية وسيلة، دون النظر إلى آفاتها وآثارها على المجتمع، أصبحت هذه المؤسسات هي المتحكمة في اقتصاد المسلمين، مع أن الله -جل وعلا- لم يعلن حربًا على ذنب كإعلانه الحرب على الربا والمتعاملين به، يقول -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) [البقرة: 278، 279]، نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. فكيف يتغير حال أمة تحارب الله ورسوله بأكل الربا والتعامل به؟!

أما أحوالنا الاجتماعية فحدث ولا حرج عن السفور والتبرج والاختلاط بين الرجال والنساء، وتشبه الجنسين بعضهم ببعض، وكأن مقياس الحضارة الاجتماعية أصبح الميوعة والتخنث وتقليد المجتمعات الإباحية التي لا تعرف للفضيلة معنًى ولا للمروءة قيمة، المروءة التي عرفها المسلمون تحافظ على العرض، وترعى الشرف، وتضع المرأة في مكانها اللائق من الصون والكمال والعفة.

أيها المسلمون: وأما أحوالنا الثقافية فقد غزتها أفكار الآخرين وثقافاتهم، التي أخرجت أبناء الأمة عن تميزهم بالشخصية الإسلامية، التي توازن بين أشواق الروح ومتطلبات البدن؛ لتخرج إنسانًا سويًّا في فكره وأخلاقه وعلمه وثقافته، وتشده إلى كوامن الإيمان ونوازع الخير، فهل قامت فلسفة التربية والتعليم في بلاد المسلمين على بناء الشخصية الإسلامية وفق المفهوم الإسلامي، أم تركز هذه التربية على سلخ الإنسان المسلم من ماضيه وحاضره، ليلحق بركب المستعمرين الذين يروجون لمشاريع التغيير في ديار المسلمين، بما يسمى بمشروع الشرق الأوسط الكبير أو الصغير أو الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟! هذا المشروع الذي يسعى للهيمنة على ديار المسلمين، فقد أعد ليشمل كل بلاد المسلمين التي نعمت حتى أجلٍ قريب بحكم الإسلام، وامتد إليها سلطان المسلمين، وكان خليفتهم يخاطب السحابة قائلا: "أمطري أين شئت، فإن خراجك محمول إلينا".

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: مادام تغيير الأحوال يرتبط بتوجه الأمة ونواياها وأعمالها وسلوكها نحو الخير، فلا بد لأمتنا من سلوك هذا التوجه، ليغير الله أحوالها، ويأخذ بيدها نحو مراقي العزة والفلاح.

جديرٌ بالأمة بعد أن جربت كل المبادئ الأرضية من قومية واشتراكية ورأسمالية أن تعود ثانية إلى رحاب إسلامها، الذي أخرجها من الظلمات إلى النور، وأنزلها المنزلة اللائقة بها بين أمم الأرض: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران: 110]، (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) [البقرة:143].

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: إن الإسلام العظيم الذي وقف في وجه المغول والتتار يوم كان شعار المعركة في عين جالوت "وا إسلاماه"، هو نفسه الذي وحّد المسلمين بقيادة الناصر صلاح الدين، وحرّر القدس وبلاد الشام من دنس الصليبيين، وهو نفسه -أي: إسلامكم- القادر إذا توجهت الأمة إليه بتحكيمه والاحتكام لشرعه، أن يقف في وجه المشاريع الاستعمارية، التي تسعى لبسط نفوذها على ديار المسلمين، وهي جادةٌ بالقضاء على حضارتهم وثقافتهم وتفكيك وحدتهم، ووضع حدٍ لنهضتهم وقوتهم، في حربٍ لا تخفي أهدافها، للقضاء على العقيدة الإسلامية والمسلمين، من خلال شعارات براقة ومبادئ هدامة، يدركها من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

أما أنتم -يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، يا من شرفكم الله بالرباط في بيت المقدس وأكنافه، وجعلكم سدنة وحراسًا لمسجدها الأقصى الذي بارك الله فيه وبارك حوله- فعليكم بمزيدٍ من الصبر والثبات والعمل المخلص ذي النوايا الحسنة، وعليكم بالعزيمة الصادقة على وحدة الصف والموقف والكلمة، في مواجهة الأخطار التي تحيط بكم وبقضيتكم وبمقدساتكم وبمقدرات شعبكم، في زمن العجز العربي والصمت الدولي على ما يجري في أرضكم الطاهرة، فإرادة الحرية وإرادة العزة لا يقمعها الحديد، ولا يخمدها البطش، ولا تقهرها السجون، ينشرون كل ما من شأنه أن يفتّ في عضدكم من السماسرة والعملاء والخونة والجواسيس، الذين لا همّ لهم إلا متاع الدنيا الزائل والثمن البخس في مواقفهم الجبانة، التي تمكن للاحتلال والمحتلين.

ولا تيأسوا -أيها المسلمون- من روح الله، (إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ) [يوسف:87]، واعلموا أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا.

دع المقادير تجري في أعنّتها

ولا تبيتنّ إلا خالي البـالما بين طرفة عينٍ وانتباهتها يحوّل الله من حال إلى حال

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران: 200].