المنان
المنّان في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من المَنّ وهو على...
العربية
المؤلف | عبدالله بن حسن القعود |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
هو ذكر جلاله وكبريائه، وإيجاده للخلق جمعاء، وهيمنته الكاملة وعلوِّه المطلق عليهم، ذاتاً وصفة، وقدراً ذكرُه بالقلب هو خوف عقابه عندما تعرِض للإنسان أطماع دنيوية محرمة، خوفُ عقابه عندما يعرض للإنسان عارض الرياء وحب الظهور، خوف عقابه، عندما تتحرك في الإنسان الغريزة الجنسية لمقارفة جريمة الزنا أو اللواط أو ما يحرّ إليهما ..
الحمد لله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ) [الأعراف:205] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي كان يذكر الله على كل أحيانه استجابة لربه وتعليماً لأمته.
اللهم صلّ وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه، والذاكرين الله كثيراً والذاكرات، كما صليت وباركت على إبراهيم، وآل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وسلِّم تسليماً كثيراً.
أمَّا بعد:
فيا عباد الله: إنَّ القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، وتعطش كما يعطش الزرع.
وما من لحظة من لحظاتها إلاَّ وهي فيها كالمريض المقرر له دواء سلامته بإذن ربه في تناوله، وإن نظافتها وريّها ودواءها الشَّافي لفي الإكثار من ذكر خالقها ومعبودها. ورحمةً بالمؤمن وتشريعاً للناس أجمعين.
جاء الإسلام ببعث الضمائر وإحيائها وشفاء القلوب وإنارتها ومحاربة ما فيه موتها أو إمراضها، جاء ليربطها دواماً بالله وليقطع صِلتها بكل ما يبعدها عن الله، وينسيها ذكر الله كالصدود والغفلة، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الأنفال:45]
ويقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [الأحزاب:41-42] ويقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [المنافقون:9] ويقول: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ) [النور:37]
فاتّقوا الله -عباد الله- واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون، وإذا ذكرتموه تعالى فاذكروه بقلوبكم وألسنتكم وأفعالكم. وذكر الله بالقلب هو إخلاص العمل له وحده وتنقيته وتصفيته من شوائب الشرك والبدع والعصيان.
هو ذكر جلاله وكبريائه، وإيجاده للخلق جمعاء، وهيمنته الكاملة وعلوِّه المطلق عليهم، ذاتاً وصفة، وقدراً ذكرُه بالقلب هو خوف عقابه عندما تعرِض للإنسان أطماع دنيوية محرمة، خوفُ عقابه عندما يعرض للإنسان عارض الرياء وحب الظهور، خوف عقابه، عندما تتحرك في الإنسان الغريزة الجنسية لمقارفة جريمة الزنا أو اللواط أو ما يحرّ إليهما.
ففي مثل هذه المواقف يتجلى ذكر الله بالقلب في تركها خوف عقابه، يقول صلى الله عليه وسلم: "سبعة يُظلّهم الله في ظلِّه يوم لا ظل إلا ظلُّه"، وذكر منهم: "رجلاً دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إنّي أخاف الله".
وكما يتجلّى ذكره بالقلب في تلكم المواقف وأمثالها بترك الجريمة خوف عقاب الله، يتجلّى في رجاء ثوابه عندما يدعو داعي البرِّ ومنادي الفلاح، بانقياد المسلم لله طائعاً برغَب ورهَب. متجاوباً بكلياته عندما يسمع أمثال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الحج:77]
ذكر الله باللسان نطقه بكلمة التوحيد (لا إله إلا الله) وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأمثالها من ألوان الذكر وبالأفعال امتثالُ أوامره واجتناب نواهيه.
فاذكروا الله -أيُّها المسلمون- بقلوبكم ذكراً صادقاً يدفع اللسان إلى أن يعلن عما في القلب من خير بكثرة ذكر الله ظاهراً بكامل معانيه التي سمعتموها، فخير الذكر ما اتفق عليه القلب واللسان، وصدقه العمل، بإقامة أركان الإسلام، والإيمان بأصول الإيمان، والحفاظ على شعائر الدين. فكل ممتثل أمراً لله يعدّ ذاكراً.
وكل منته عن منهي يعد ذاكراً، فاتَّقوا الله واذكروه دوماً وبالغدو والآصال، ولا تكونوا من الغافلين، اذكروا الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه، والوقوف عند حدوده، فبذكركم إيَّاه يكون معكم، ويذكركم في ملإ خير من الملأ الذي ذكرتموه فيه، وإن ذكره لكم وثوابه لكم على ذكركم له الأعظم وأجلّ من ذكركم له. يقول سبحانه: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) [البقرة:152] ويقول: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) [العنكبوت:45]
ويقول في الحديث القدسي الذي رواه البخاري ومسلم: "أنا عند ظنِّ عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسه، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم"؛ فاذكروا الله فبذكركم له، تحيا قلوبكم، وتزكوا نفوسكم، وتطيب مجالسكم، وتكونوا من السابقين.
يقول -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري: "مثل الذي يذكر الله والذي لا يذكره مثل الحي والميت" ويقول: "سبق المفردون"، قيل: وما المفردون؟ قال: "الذاكرون الله كثيراً والذاكرات" ويقول: "ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه، ولم يصلوا على نبيِّهم إلا كان عليهم ترة: أي حسرة".
أقول قولي هذا، واسأل الله أن يجعلنا من الذاكرين، أسألُ الله أن يوقظ الغافلين، ويهب الاستقامة للذاكرين، وأن يغفر لنا وللمسلمين والمسلمات، إنَّه غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
وردت نصوص عديدة في كتاب الله وسنة رسوله ما سمعتم منا وما لم تسمعوا، كلها تأمر بذكر الله بمعناه الواسع الذي يشمل الذكر بالقلب واللسان والعمل، ونقدم نماذج لذكر الله باللسان ولذكره بالقلب ولذكره بالعمل.
وهناكم أذكار منها: ما هو مؤقت بأوقات كالأذكار المشروعة إدبار الصلوات المنصوصة بأنواع متعددة من أنواع الأذكار، وكأذكار الصباح والمساء، ووقت أذكار الصباح من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ووقت أذكار المساء من صلاة العصر إلى غروب الشمس. لقوله سبحانه: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) [قّ:39]
وإن فعلت أذكار الصباح بعد طلوع الشمس أو أذكار المساء بعد غروب الشمس فلا بأس بذلك لشمول مسمى الصباح أو مسمى المساء لذلك، وفي الأحاديث من قال حين يمسي وحين يصبح.... إلخ
ومن الأذكار ما هو غير موقت بوقت لقوله -عليه الصلاة والسلام- فيما رواه الشيخان عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة؛ كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرز من الشيطان يومه ذلك حين يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه".
وقال: "من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة؛ حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر" وقال: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم" رواه الشيخان.
وقال له رجل: "يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ؛ فأخبرني بشيء أتشبث به قال: "لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله تعالى"، وقال خير قائل وأصدق قائل: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران:190-191]