البحث

عبارات مقترحة:

الوهاب

كلمة (الوهاب) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) مشتق من الفعل...

الواحد

كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...

اللطيف

كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...

صفات القلب السليم

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. متى يكون القلب سليمًا؟ .
  2. المؤثرات على القلوب .
  3. قلب الإنسان له أربعة أبواب .
  4. القلب السليم سَلِمَ من ستة أدواء .
  5. وسائل معينة على سلامة القلوب .
  6. أسباب ووسائل سلامة القلب .
  7. سلامة القلب من أهم صفات عباد الرحمن. .

اقتباس

ومن وسائل سلامة القلب: حسن الظن بالمسلمين، فإحسان المسلم الظن بالمسلمين من دواعي سلامة القلب؛ عن سعيد بن المسيب أنه قال: "كتب إليَّ بعض إخواني من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلّك، ولا تظنن بكلمة خرجت من امرئ مسلم شرًّا وأنت تجد لها في الخير محملاً...

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَنْ يَهْدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له ومَنْ يُضْلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله. اللهم صلِّ على سيدنا محمد النبي، وأزواجِه أمهاتِ المؤمنين، وذرِّيته وأهل بيته، كما صليتَ على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].

أما بعدُ: فإنَّ أصدقَ الحديث كتابُ الله تعالى، وخيرَ الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور مُحْدثاتُها، وكلَّ محدَثة بدعةٌ، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. [حديث خطبة الحاجة أخرجه أبو داود (2118) وصححه الألباني].

أما بعد:

عباد الله: اتقوا الله حق تقاته، وعظّموه حق تعظيمه، وأثنوا عليه بما هو أهله، وآمنوا به حق الإيمان، واحذروا مخالفة أوامر ربكم وعصيانه، واعلموا أن القلب ملك البدن، والجوارح جنوده؛ فإذا صلح القلب صلح الجسد كله، وإذا فسد القلب فسد الجسد كله.

إن القلب السليم مملوءٌ بمحبة الله ومحبة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، والرغبة في الطاعة، والنفور من المعصية، وصاحب القلب السليم يسير على نورٍ من الله، مجتنبٌ للمحرمات، متوقٍ للشبهات، يترك ما لا بأس به؛ حذرًا مما به بأس، وبالمقابل فبمرض القلوب وفسادها؛ يغلب الهوى، وتنبعث النفوس إلى المعاصي، وتغرق بالشهوات، وتضلّ بالشبهات، فيحلّ الضعف، وينتشر الفساد، ويعمّ التحلل والانحلال، وإن مما يتميز به مرضها وسلامتها واعوجاج الجوارح واستقامتها مسائل الحلال والحرام، أكلاً وشربًا، ولبسًا وتعاملاً.

لقد أخبرنا الله في كتابه إلى أنه لن ينجو في الآخرة إلا من سلمت قلوبهم، فقال تعالى حاكيًا لنا دعاء إبراهيم -عليه السلام- أنه قال: (وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 87 - 89]، وبين لنا الله -تبارك وتعالى- صفات القلب السليم، فقال -جل وعلا-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) [الأنفال: 2، 3].

وفي الحديث عن النُّعْمَان بْنِ بَشِيرٍ -رضي الله عنهما-، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ" [البخاري (52)].

عباد الله: إن القلب هو شريان الحياة، فمع أول خفقة منذ كنا مضغة، ثم علقة دبت الحياة في أوصالنا معلنة وصولنا للحياة محطة الاختبار، وفيها محطات صعود وهبوط، والسعيد من يكون دائمًا في صعود مهما اختلفت محطاته.

القلب السليم هو الذي ينجو من عذاب الله يوم القيامة، وهو الذي سلم من مرض الشهوات، وعُوفي من مرض الشبهات، وسلّم لربه، وسلّم لأمره، ولم تبقَ فيه منازعة لأمره، ولا معارضة لخبره، فهو سليم مما سوى الله وأمره، لا يريد إلا الله، ولا يفعل إلا ما أمره الله -عزَّ وجلَّ-، فالله وحده غايته، وأمره وشرعه وسيلته، لا تعترضه شبهة تحول بينه وبين تصديق خبره، ولا شهوة تحول بينه وبين متابعة رضاه.

والقلب السليم هو الذي سلم لعبودية ربه حبًّا وخوفًا، ورجاءً وطمعًا، وسلم لأمره وسلّم لرسوله تصديقًا وطاعة، واستسلم لقضاء الله وقدره، فلم يتهمه ولم ينازعه، ولم يتسخط لأقداره، وسلم جميع أحواله وأقواله، وأعماله الظاهرة والباطنة، وسالَم أولياء الله وحزبه المفلحين، المدافعين عن دينه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، والقائمين بها، والداعين إليها، وعادَى أعداءه المخالفين لكتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، الخارجين عنهما، الداعين إلى خلافهما, قال تعالى: (بلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة: 112]، وفي الحديث عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: "مَنْ أَحَبَّ فِي اللَّهِ، وَأَبْغَضَ فِي اللَّهِ، وَأَعْطَى فِي اللَّهِ، وَمَنَعَ فِي اللَّهِ، فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ" [تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي (1 / 406)].

ومتى كان قلب العبد كذلك فهو سليم, سليم من الشرك، وسليم من البدع، وسليم من المعاصي، وسليم من الغيّ، وسليم من الباطل، فأسلم لربه ومولاه انقيادًا وخضوعًا، وذلاً وعبودية.

إن المؤمن حي، والكافر ميت، والميت لا يؤمر بصلاة ولا صيام حتى تُنفَخ فيه روح الإيمان، وإن كان سيحاسب على تركه الإيمان والأعمال يوم القيامة، فإذا حيى قلبه بالإيمان، صار قابلاً ومستعدًّا لقبول الأوامر والنواهي، والمؤمن حي، والحي إما صحيح، وإما مريض، (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) [الأنعام: 122]، فصاحب القلب السليم هو الصحيح، وصاحب القلب المريض هو السقيم.

أيها المسلمون: والمرض قسمان: مرض شبهة كما قال -سبحانه- عن المنافقين: (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) [البقرة: 10]، والثاني مرض شهوة، كما قال -سبحانه-: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا) [الأحزاب: 32]، وقد ورد شفاء هذين المرضين في القرآن العظيم، قال -سبحانه-: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ) [فصلت: 44].

وحتى يتأثر القلب بالقرآن أو بالمواعظ لا بد من أربعة أمور: المؤثر: كالقرآن مثلاً يسمعه أو يقرؤه. والمحل القابل: وهو القلب العضو الحي الذي يعقل عن الله. ووجود الشرط: وهو الإصغاء. وانتفاء المانع: وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب. فإذا تمت هذه الشروط، حصل الأثر، وهو الانتفاع والتذكر والاستقامة، وقد وردت هذه كلها في آية واحدة، قال -سبحانه-: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق: 37]، فالمؤثر هو قوله: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى)، والمحل هو قوله: (لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ)، والشرط وهو الإصغاء (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ)، وانتفاء المانع قوله: (وَهُوَ شَهِيدٌ).

وقلب الإنسان له أربعة أبواب، وكلها تصبّ في القلب، وهي: اللسان: فما يتكلم به اللسان يتأثر به القلب، فإذا تكلم بالإيمان، وتلاوة القرآن، تأثر بذلك قلبه، وزاد إيمانه. والأذن: فإذا سمع كلمات الإيمان والقرآن تأثر بها قلبه، وزاد إيمانه، قال تعالى: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ) [آل عمران: 193] والدماغ: فكلما تفكر في عظمة الله، وعظيم إحسانه، تأثر بذلك القلب، وزاد إيمانه.

والعين: فالنظر إلى المخلوقات، وعظيم صنع الباري يؤثر في القلب، وتعلم الإيمان بالنظر للكاملين في الإيمان، فكلما نظروا إلى المخلوق زاد إيمانهم بالخالق -سبحانه-، ونقص الإيمان هو النظر إلى المخلوق والإغراق فيه، فذلك ينقص إيمانه؛ لأنه اشتغل به ولم يتعداه إلى خالقه: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ) [يونس: 101].

عباد الله: والقلب السليم هو ما سلم من ستة أدواء، فهو سليم من الشرك، وسليم من الجهل، وسليم من الكبر، وسليم من الغفلة، وسليم من حب الدنيا، وسليم من سيئ الأخلاق، فهو قلب طاهر زكي، مملوء بالإيمان والتوحيد والعلم، والتواضع لربه، يحب الله والدار الآخرة، متجمل بمكارم الأخلاق، وهذا القلب السليم إذا نظر الله إليه أحبّه واجتباه، وأعانه على كل خير، ومنع عنه كل سوء، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وصدق الله (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69].

ولا تتم سلامة القلب مطلقًا حتى يسلم من خمسة أشياء، من شرك يناقض التوحيد، ومن بدعة تخالف السنة، ومن شهوة تخالف الأمر، ومن غفلة تناقض الذكر، ومن هوى يناقض التجريد، وهذه الخمسة حُجُب عن الله، ولهذا اشتدت حاجة العبد بل ضرورته إلى أن يسأل الله أن يهديه الصراط المستقيم كل يوم، بل في كل صلاة، بل في كل ركعة.

وإذا تأكد المسلم من صحة قلبه وسلامته، فهو مطالَب بالمحافظة عليه بما يحفظ عليه قوته بالإيمان وأعمال الطاعات، وإلى وقاية من المؤذي الضار، وذلك باجتناب الآثام والمعاصي والمحرمات، وإلى تنقيته من المواد الفاسدة التي تعرض له بالتوبة النصوح والاستغفار، وإلى شغله بكل ما يورث القلب إيمانًا، ويزيده من العلم النافع، والعمل الصالح، والدعوة إلى الله، فكل ذلك أغذية للقلب.

عباد الله: وأصل أعمال القلوب المأمور بها: الإيمان، والإحسان، والتقوى، والتوكل، والخوف، والرجاء، والإنابة، والتسليم ونحوها، وأصل ذلك كله الصدق، فكل عمل صالح ظاهر وباطن فمنشؤه الصدق، وأضداد ذلك من أعمال القلوب المنهي عنها هي: الرياء، والعُجب، والكبر، والفخر، والخيلاء، والبطر، والأشر، والعجز، والكسل، والجبن، وغيرها، وأصل ذلك كله الكذب.

فكل عمل فاسد ظاهرًا وباطنًا فمنشؤه الكذب، والله -عزَّ وجلَّ- يعاقب الكذاب، بأن يُقعِده ويثبّطه عن مصالحه ومنافعه، ويثيب الصادق، بأن يوفّقه للقيام بمصالح دينه ودنياه وآخرته، وقد دعا الله -سبحانه- عباده بعد سياق قصة الثلاثة الذين خلفوا لكنهم صدقوا في عذرهم وصدقوا في توبتهم، فجعل الله -سبحانه- منهم مثلا يقتدى بهم، قال -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].

فما استُجلِبَت مصالح الدنيا والآخرة بمثل الصدق، ولا استُجْلِبَت مضار الدنيا والآخرة ومفاسدهما بمثل الكذب، ولهذا رغَّب الله عباده المؤمنين بالصدق، وأمرهم بلزوم أهل الصدق في القول والعمل.

ومنه كان الصدق أساس البر، والكذب أساس الفجور، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقاً. وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ الله كَذَّاباً" [البخاري (6094) ومسلم (2607)].

وأول ما يسري الكذب من النفس إلى اللسان فيفسده، ثم يسري إلى الجوارح فيفسد عليها أعمالها، كما أفسد على اللسان أقواله، فيستحكم عليه الفساد، ويترامى داؤه إلى الهلكة، إن لم يتداركه الله بدواء الصدق الذي يقلع تلك المادة من أصلها، (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران: 8].

عباد الله: وقد ذكر أهل العلم أسبابًا تعين صاحبها لجعل قلبه سليما، ومن أهم هذه الأسباب -بعد معرفة الله والإيمان به-: إخلاص العمل لله وحده، قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 62، 163]، وقال -جل شأنه-: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة: 5].

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ".. ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ صَدْرُ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ أُولِي الْأَمْرِ، وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ" [أحمد (13350) وحسنه الأرناؤوط]، قال ابن القيم -رحمه الله- في معنى هذا الحديث: "أي لا يبقى فيه غل، ولا يحمل الغل مع هذه الثلاثة، بل تنفي عنه غلّه وتنقيه منه، وتخرجه عنه، فإن القلب يغلّ على الشرك أعظم غل، وكذلك يغلّ على الغش، وعلى خروجه عن جماعة المسلمين بالبدعة، والضلالة، فهذه الثلاثة تملؤه غلاً ودغلاً". وقال ابن الأثير -رحمه الله- في معنى هذا الحديث أيضًا: "هذه الخِلال الثلاث تستصلح بها القلوب، فمن تمسك بها طهر قلبه من الخيانة والدغل والشر".

نسأل الله السلامة والعافية في الدين والدنيا والآخرة، ونسأله -سبحانه- أن يصلح لنا قلوبنا، ويهدي لنا نفوسنا، ويصلح لنا أحوالنا، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي بدأ الخلق ثم يعيده وهو على كل شيء قدير، الحمد لله الذي خلق الخلق ليعبدوه فيجازيهم بعملهم والله بما يعملون بصير، ف-سبحانه- من رب عظيم وإله غفور رحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الخلق والملك والتدبير، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا.

أيها الناس: اتقوا الله ربكم حق تقاته، وعظموه حق تعظيمه، واحرصوا على سلامة قلوبكم من الشبهات والشهوات، وارضوا عن الله -تبارك وتعالى- في أمره وقضائه وقدره وحكمه وشرعه، واعلموا أن الرضا عن الله من أهم وسائل سلامة القلب، والمقصود برضا العبد عن ربه هو القبول عنه في كل ما قضى وقدّر.

الرضا يفتح للعبد باب السلامة، فيصير قلبه سليمًا نقيًّا من الغش والدغل والغل، والناجي من عذاب الله هو من أتى الله بقلب سليم، وسلامة القلب تستحيل مع السخط وعدم الرضا، فالخبث والدغل والغش قرين السخط، وسلامة القلب ورضاه وبره ونصحه قرين الرضا عن الله وحكمه وأمره، فكما أن الحسد هو من ثمرات السخط، فكذلك سلامة القلب منه من ثمرات الرضا.

عباد الله: من وسائل إصلاح القلوب: تلاوة القرآن، فهي أعظم دواء لأمراض القلوب وأسقامها، بشرط أن تجد قلبًا يقبل الحق ويرفض الباطل. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [يونس: 57] وقال -سبحانه-: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) [الإسراء: 82].

فالقرآن فيه الشفاء والرحمة، لكن ليس ذلك لكل أحد، وإنما ذلك للمؤمنين به، المصدقين بآياته، العاملين به، وأما الظالمون بعدم التصديق به أو عدم العمل به، فلا تزيدهم آياته إلا خسارًا؛ إذ به تقوم عليهم الحجة، والشفاء الذي تضمنه القرآن عام لشفاء القلوب والأرواح من الشُّبَه، والجهالة، والآراء الفاسدة، والانحراف السيئ، والمقاصد السيئة، وهو شفاء للأبدان مما يعرض لها.

قال ابن القيم -رحمه الله-: "القرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحد يؤهل ويوفّق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به، ووضعه على دائه بصدق وإيمان وقبول تام واعتقاد جازم، واستيفاء شروطه، لم يقاومه الداء أبدًا، وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء، الذي لو نزل على الجبال لصدعها، أو على الأرض لقطعها، فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحمية منه لمن رزقه الله فهمًا في كتابه".

ومن وسائل سلامة القلب: حسن الظن بالمسلمين، فإحسان المسلم الظن بالمسلمين من دواعي سلامة القلب؛ عن سعيد بن المسيب أنه قال: "كتب إليَّ بعض إخواني من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلّك، ولا تظنن بكلمة خرجت من امرئ مسلم شرًّا وأنت تجد لها في الخير محملاً، ومن عرَّض نفسه للتُّهَم فلا يلومن إلا نفسه". [شعب الإيمان للبيهقي 1/ 323].

ومن أسباب سلامة القلب: النصيحة للمسلمين، والمسلم حريص على نصيحة إخوانه سرًّا، بدون توبيخ أو تشهير، وذلك فيما يعتقد أنه يخالف الكتاب والسنة، ويمكن أن تكون هذه النصيحة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ولكن دون تجريح. قال الفضيل بن عياض: "المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعيّر"، ويقول الشافعي:

تعمدني بنصحك في انفراد

وجنبني النصيحة في الجماعة

فإن النصح بين الناس نوعٌ

من التوبيخ لا أرضى استماعه

فإن خالفتني وعصيت أمري

فلا تجزع إذا لم تلق طاعة

وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: "رحم الله امرأً أهدى إليّ عيوبي، وكان يستمع للصحابة وهم ينصحونه".

ومن وسائل سلامة القلب الدعاء: لذا على للمسلم أن يلجأ إلى الله، ويسأله أن يجعل قلبه سليمًا من كل وباء، ومعافى من كل داء، والدعاء بسلامة القلب من صفات عباد الرحمن، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر: 10]. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-  يَدْعُو: "رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي، وَأَجِبْ دَعْوَتِي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي، وَاهْدِ قَلْبِي، وَسَدِّدْ لِسَانِي، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي". [أبو داود (1337) وصححه الألباني].

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخاف من تحوّل القلوب وانصرافها عن الخير، وتوسل إلى ربه ويرجوه أن يثبت قلبه ولا يزيغه، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُكثر أن يقول: "يا مقلب القلوب! ثبّت قلبي على دينك"، فقلت: يا رسول الله! آمنا وبك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: "نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلّبهما كما يشاء" [الترمذي(2140) وصححه الألباني]. وعن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنهما- قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "اللهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ" [مسلم(2654)].

عباد الله: ومن وسائل سلامة القلوب: إفشاء السلام ففيه سلامة للقلوب، ويقوّي الروابط، ويؤلف بين القلوب المتنافرة، وينشر المحبة، ويذهب العداوة والبغضاء بين المسلمين، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ" [مسلم(54)].

وإن الهدية باب من أبواب سلامة القلوب، فإن القلوب جُبلت على حبّ من أحسن إليها، وفُطرت على حفظ المنة لصاحب الجميل، فللإحسان تأثير كبير في طبع الإنسان، لذا فإن الهدية تُؤلف بين القلوب، وتُذهب العداوة والحسد منها، وتعبّر عما في قلب من يقوم بإهدائها من حبّ واحترام للآخرين، من أجل ذلك حثنا عليها الإسلام، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "تَهادُوا تَحابُوا" [صحيح الإرواء (1601)].

وإن حب الخير للآخرين وعدم الرغبة في الانتقام منهم، وحب نجاتهم، من علامات القلب السليم، وأسلم تلك القلوب قلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: عن عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- زَوْجَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ، قَالَ: "لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ العَقَبَةِ؛ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ، ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا" [البخاري(3231)، ومسلم(1795)].

فانظر -أخي الكريم- إلى سلامة قلبه، فإنه لم يغضب لنفسه، إنما سلّم أمره لله تعالى وحده، ورغِب في نجاة من خالفوه، بل جعل يدعو لهم، كما في حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ، ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، وَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ" [البخاري (3477) ومسلم (1792)].

قال ابن القيم -رحمه الله-: "وتأمل حال النبي -صلى الله عليه وسلم-.. كيف جمع في هذه الكلمات أربعة مقامات من الإحسان، قابل بها إساءتهم العظيمة إليه: عفوه عنهم، واستغفارهم لهم، واعتذاره عنهم بأنهم لا يعلمون، واستعطافه لهم بإضافتهم إليه، فقال: اغفر لقومي، كما يقول الرجل لمن يشفع عنده فيمن يتصل به هذا ولدي، هذا غلامي، هذا صاحبي فهبه لي".

ولم يقف هذا الخلق عند الأنبياء بل سرى إلى أتباعهم، وتعدى إلى أصحابهم، فقد مدح الله أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- الله في كتابه قائلاً: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر: 9- 10].

فاحرصوا -أيها الإخوة- على القلب السليم، واعلموا أنه القلب الذي لا يعرف الغش ولا الحسد ولا البغضاء ولا الشحناء، فاللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك، وارزقنا حسن تلاوة كتابك، وحسن العمل بشرعك، وصدق الإخلاص في عبادتك: (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) [آل عمران: 53]. فجددوا إيمانكم، واحذروا أمراض القلوب، وعودوا لربكم، ولا تغرنكم الحياة الدنيا.

نسأل الله كمال الإيمان به، وجميل التوكل عليه، وحسن الظن فيه، ونسأله أن يصلح لنا قلوبنا.

اللهم املأ قلوبنا ثقة بك، وتوكلاً عليك، ومحبة لك، اللهم إنا نسألك إيمانًا صادقًا، ولسانًا ذاكرًا، وقلبًا خاشعًا.

اللهم ثبتنا على الإسلام، وارزقنا حلاوة الإيمان، واجعلنا من أهل السعادة يا كريم يا منان.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.