المحيط
كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...
العربية
المؤلف | عبدالله بن حسن القعود |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
إنَّ خير مقامٍ يقومه المؤمن في هذه الدُّنيا هو أن يهتّم دوماً بما يربطُه بالله تعالى، ويُقوِّي صلته به، وأن يقوم مقاماً مخلصاً لله، وموافقاً لما جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مقام ذوي السعي الحثيث إلى الله، مقام المؤمنين بأنَّ الله عالم محيط بكل شيء، وخلق كل شيء فقدره تقديراً، وعلى كل شيء قدير، وأنه لا يُخلف الميعاد ..
الحمدُ لله كاشِف الضُرِّ والبلوى، الحمدُ لله الذي لا يُحمَد غيره على الضرّاء والسرّاء، أحمدهُ سبحانه لا مانع لما أعطى، ولا مُعطي لما منع؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمرنا بالدُّعاء ووعدنا الإجابة بعد أن نبذل أسبابها من الإيمان بالله والاستجابة لأوامره (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:186] وأشهدُ أنَّ سيّدنا ورسولنا محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أمَّا بعد:
فيا عباد الله: إنَّ خير مقامٍ يقومه المؤمن في هذه الدُّنيا هو أن يهتّم دوماً بما يربطُه بالله تعالى، ويُقوِّي صلته به، وأن يقوم مقاماً مخلصاً لله، وموافقاً لما جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مقام ذوي السعي الحثيث إلى الله، مقام المؤمنين بأنَّ الله عالم محيط بكل شيء، وخلق كل شيء فقدره تقديراً، وعلى كل شيء قدير، وأنه لا يُخلف الميعاد.
وإنَّ أعظم المقامات التي تزيد في إيمان المسلم، وتُقوِّي عقيدته، وصلته بالله: هو مقام اللجوء إلى الله سبحانه، نعم مقام اللجوء إلى الله الذي يحقق لمن صدق في لجوئه من المسلمين طلبه ورجاءه، عاجلاً أو آجلاً، والذي يقول وقوله الحقّ: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل:62]، (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر:60]، (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام:43]
أيُّها المسلمون: إنَّ في هذه الآيات القُرآنية الكريمة، لأعظم ترغيب، وأصدق وعدٍ، بل وأخطر وعيدٍ، فيها تَرغيبٌ في الاتِّعاظِ بالبأساء والضرّاء، واللجوء حالتهما إلى الله، والتضرُّع بين يديه، فيها بشارةٌ عُظمى للسائلين بصدقٍ ويقين، وإنذارٌ صارخٌ للصادِّين، والقاسية قلوبهم، والمستكبرين.
نعم، والله إنذارٌ وتهديد، ووعيدٌ بالنَّار والصَّغار لمن لم يلجأوا إلى الله حالة الحاجة، حالة الشدَّة والبأس: (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر:60]
فاتَّقوا الله -أيُّها المسلمون-، وتقرَّبوا إلى الله بعبادته التي خلقكم لها، وأمركم بها، ومُخُّ العبادة ولُبابُها هو دُعاؤه واللجوء والتضرُّع إليه، بصدقٍ وإخلاص، لجوء وتضرُّع من بذل أقوى الأسباب من طاعة الله.
وأنجح الوسائل فيما يُرضي الله: لجوء وتضرُّع من عمل بطاعة الله على نورٍ من الله، يرجو ثواب الله، لجوء موقنٍ بالإجابة، مؤمنٍ بأنَّ الله على كلِّ شيءٍ قدير، وأنَّه يعلم نيَّات السائلين، ويسمع لهجات الدَّاعين، فلا يخفى عليه خافية.
فاتَّقوا الله باللجوء والتضرُّع إليه ابتداءً، وفي كلِّ نائبةٍ أو نازلةٍ تنزلُ بكم في مالٍ أو صحَّةٍ أو ولدٍ أو غير ذلك، وتوسّلوا إليه تعالى بأسمائه الحسنى كما أمركم قائلين: اللهمّ إنَّا نسألك بأسمائك الحُسنى، وصفاتك العُلا، كذا مما تحتاجون إليه في أمر دينكم ودنياكم، وإذا دعوتم الله فتجنّبوا موانِعَ الإجابة كأكل الحرام، ودعاء بإثم أو قطيعة رحم.
وتحرّوا أوقاتها وأحوالها الفاضلة كآخر الليل وكيوم عرفة، وشهر رمضان، ويوم الجمعة، سيّما ما بين أن يحضر الإمام إلى أن تُقضى الصلاة، وما بين صلاة العصر وغروب الشمس، وكأدبار الصلوات، وما بين الأذان والإقامة وحالة السجود، وحالة نزول الغيث؛ وحالة رقّة القلب، وتفرّغه وحضوره.
واحذروا أن تَهِنوا فتكسلوا، أو تقولوا دعونا فلم يُستجب لنا، فقد روى الإمام أحمد -رحمه الله- عن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل، قيل: وكيف يستعجل؟ قال: "يقول: دعوت فلم يُستجب لي".
أقول قولي هذا، وأسأل الله تعالى بأسمائه الحُسنى أن يغفر لنا ولوالدينا، وللمؤمنين والمؤمنات، إنَّه غفور رحيم.