الكبير
كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...
العربية
المؤلف | عبدالله بن حسن القعود |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات |
وتجنبوا الكبر والإعجاب فإنَّهُما مصدر التصعير والمرح اللذين نهي عنهما، فاجتنبوهما ودواعيهما، فإنَّ ذلكم لمن أشر الأدواء خطراً، وأقبحها أثراً على الإنسان في دنياه وأخراه، فما من شر في الإنسانية إلاَّ وللكِبر فيه أثر، إذْ إن الكبر مصدر شقاء الإنسانية ومنشأ ضلالها، فقد أمر الله سبحانه إبليس بالسُّجود لآدم قبل أن يوجد في الدنيا سيئة، فأُعجِب إبليس بعنصره الذي هو النار ..
الحمد لله الكبير المتعال، أحمده سبحانه له العزة الكاملة، والجبروت والكبرياء والجلال، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وعنت له الوجوه وخضع له كل شيء (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً) [مريم:93] وأشهد أن سيِّدنا ونبيَّنا محمداً عبده ورسوله، أول مصدق ومنقاد لما أنزل الله عليه (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) [الحجر:88]، صلّى الله وبارك عليه، وعلى آله وأصحابِه، الذين هم أذلَّة على المؤمنين أعزّة على الكافرين، وعلى كل من اقتفى آثارهم واتّصف بصفاتهم إلى يوم الدين وسلَّم تسليماً كثيراً.
أمَّا بعد: فيقول الله سبحانه وتعالى: (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً) [الإسراء:37] ويقول عن لقمان في وصيته لابنه: (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [لقمان:18]
عباد الله: ينهى الله سبحانه وتعالى في هاتين الآيتين وما في معناهما من كتاب الله، وسنَّة رسوله، عن تصعير الخد وعن المرح في الأرض، وتصعير الخد: عبارة عن إمالة الإنسان خدَّه والإعراض به عن الناس تعاظماً وإِعْجاباً بنفسه، وتكبراً وتعالياً عليهم.
والمرح: هو تبختر الإنسان وتمايله في المشية، وتطاوله على الناس وتعاظمه عليهم بشيء ما أُوتيه من مقدرات حسيّة، كمالٍ أو منصب، أو معنوية، كنسب أو شيءٍ من علم، ويخبر سبحانه بأن الله: (لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ).
فاتَّقوا الله -أيُّها المسلمون-، وتجنبوا الكبر والإعجاب فإنَّهُما مصدر التصعير والمرح اللذين نهي عنهما، فاجتنبوهما ودواعيهما، فإنَّ ذلكم لمن أشر الأدواء خطراً، وأقبحها أثراً على الإنسان في دنياه وأخراه، فما من شر في الإنسانية إلاَّ وللكِبر فيه أثر، إذْ إن الكبر مصدر شقاء الإنسانية ومنشأ ضلالها، فقد أمر الله سبحانه إبليس بالسُّجود لآدم قبل أن يوجد في الدنيا سيئة، فأُعجِب إبليس بعنصره الذي هو النار، ومنعَه إِعْجابُه بنَفْسه وكِبره من السجود؛ فحقّت عليه لعنة الله تترى إلى يوم القيامة.
فاتَّقوا الله يا قيوم، واحذروا أن تعجبوا بطيب عنصر أو عراقة أَصل، أوْ بِعِلْم أو عقْل، أو سمَعٍ أو بَصَر، أو قوَّة أو مال أو جمال، فإبليس لعنه الله، ذو علم ومعْرِفة، ولما أعجِب بنَفْسِهِ واستَكْبر أصبَح قائد من اتّبعه إلى النار.
ولا غرو -والله-؛ فما خالط الإعجابُ نفْساً عالِمة إلا وأضاع علمها، وحال بينها وبين فهم الحق ومعالمِ الهدى، يقول سبحانه: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) [الأعراف:146]، (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) [غافر:35]
وكفى من أعجبوا وتكبروا إثماً وشرًّا؛ أن إمامهم وقائدهم في ذلك إبليس لعنه الله، وفرعون وقارون وأمثالهم، وأن من عمِل عمل قوم حري أن يحشر معهم، وحريٌّ أن يعذَّب بمثل ما عذبوا به.
نعم والله، حري بذلك، فقد قال تعالى في قارون (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ) [القصص:81]، وقال رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الشيخان: "بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجل رأسه يختال في مشيته إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة"، وأكل عنده رجل بشماله، فقال: "كل بيمينك" قال: لا أستطيع، فقال: "لا استطعت" ما منعه إلا الكبر فما رفعها إلى فيه".
فاتَّقوا الله -أيُّها المسلمون-، واحذروا الإعجاب والتكبر فإنَّه لوخيم العاقبة شديد النكاية، ما دب في مجتمع إلاَّ وأضاعه، ولا في قوّة إلا وحالفها الذلُّ والفشل، حتى ولو كانت مسلمة مصلية مزكية صائمة، فأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما أعجبوا بكثرتهم يوم حنين ابتُلوا بالهزيمة والفشل، ولم تنفعهم كثرتهم، يقول تعالى: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) [التوبة:25]
فاجتنبوا التعاظم والكبر والإعجاب -أيها المسلمون-، فإنَّ ذلكم ليس لمخلوق ضعيف مفتقر إلى غيره في جميع أحواله، إنَّما هو لمن فطر السماوات والأرض، وجميع الخلق مفتقرون إليه سبحانه. يقول تعالى في الحديث القدسي الذي رواه أبو داود: "الكبر ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار" وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أخبركم بأهل النار: كل عتل جواظ مستكبر" رواه الشيخان. وقال فيما رواه مسلم: "لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال ذرة من كبر".
وحقيقة الكبر كما قال رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم-: "بطر الحق وغمط الناس" بطر الحق بمعنى ردِّ الحق، وغمط الناس بمعنى احتقارهم واستصغارهم، فاحذروا أن تردوا حقاً أو أن تغمطوا مسلماً، فتقعوا في الكبر.
واحذروا أن تنظروا إلى أنْفُسكم نظرة إكْبار وتعاظم وكمال، وإلى غيركم نظرة ازدراء واحتقار. يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتَّى لا يبغي أحدٌ على أحد، ولا يفخر أحد على أحد"، ويقول: "ما تواضع أحد لله إلاَّ رفعه الله".
وخطب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على المنبر، فقال: "أيُّها الناس تواضعوا، فإنِّي سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من تواضع لله رفعه الله". وقال: "انتعش نعشك الله، فهو في أعين الناس عظيم وفي نفسه صغير، ومن تكبر قصمه الله"، وقال: "اخسأ، فهو في أعين الناس صغير وفي نفسه كبير"، ويقول خير قائل وأصدقه: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [القصص:83]
أقول قولي هذا وأسأل الله تعالى أن يعيذنا من الكبر ودواعيه، وأن يرزقنا التواضع له سبحانه، وللمؤمنين في غير منقصة، إنه تعالى غفور رحيم.