القدير
كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن عبد الله السويدان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات - الأديان والفرق |
إن المؤمن بكتاب الله -تعالى- الكريم وأحاديث النبي المصطفى -صلى الله عليه وسلم- لا يتردد في اعتقاده بأزلية عداوة اليهود للبشرية عامة من غير عرق وللمسلمين خاصة، هذا هو اعتقاده مهما رأى أمامه يوم من عجائب الزمن؛ ولذلك فإن من يتوهم أن يهود اليوم غير يهود الأمس، وأن المفاهيم قد تطورت لديهم، وأنه يمكن التعايش معهم بوئام لا غدر ولا خداع إنما يسعى خلف سراب، هم خوّانون للعهود نابذون لها، فكيف...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
هل نعجب من أفعال اليهود! هل نتعجب من جرائمهم! هل نستنكر البغض المستحكم في قلوبهم للمسلمين عامة، والعرب منهم على الأخص؟!
لا نعجب أبداً؛ فاليهود هم أشد الناس عداوة للذين آمنوا بنص كلام الله -تعالى- الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
وهم لا يرقبون في مؤمن إلًّا ولا ذمة، ولا يقصرون في أذى المسلمين ولا الإضرار بهم يودّون عنتهم ويتمنون ضلالهم وغيهم (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ..) [البقرة: 109].
وقد أخبر الله -تعالى- بحقيقة هذه العداوة الشديدة، وكشف عن درجاتها ومستواها بقوله -تعالى-: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ) [المائدة: 82]؛ في هذا النص الكريم يؤكد -سبحانه وتعالى- بالقسم وبنون التوكيد كليهما أن أشد الناس عداوة للمؤمنين اليهود والذين أشركوا.
والخطاب في الآية للنبي -صلى الله عليه وسلم- (لَتَجِدَنَّ)، وإذا كان الخطاب له -عليه الصلاة والسلام-؛ فإن كلمة (لَتَجِدَنَّ) فيها معنى توكيد العداوة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان فعلاً يجدها محسوسة واضحة في المعاملات التي تقع بينه وبين يهود وبينه وبين المشركين.
ويلاحظ بعض أمور؛ أولها أنه –سبحانه- ذكر اليهود قبل الذين أشركوا؛ لأن عداوة اليهود منشؤها الحقد والحسد اللذان يرسخان في النفس اليهودية؛ كما قال -تعالى- قبل قليل: (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ)، (وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ) [آل عمران: 69]، (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ) [النساء: 54].
الحسد حسدٌ من عند أنفسكم؛ لأنهم كانوا يريدون أن تكون النبوة دائمًا فيهم لا تخرج عنهم، والحسد والحقد دائمًا في تلك العداوة ما دام اليهود على هذه الحال التي أركسوا أنفسهم فيها، وحتى لو كان هناك من اليهود مَن يظهر منه الحياد فهو شذوذ في القاعدة؛ وكما قال العلماء: الحكم للغالب، والشاذ لا حكم له.
ونلاحظ أن القرآن لم يقل الذين هادوا، بل اليهود فيه إشارة إلى أن العداوة حال دائمة مستمرة مستحكمة، ومع أن اليهود في الجملة أقرب لنا من الاعتقاد في النصارى في الجملة، ولكن العداوة لا تتبع القرب أو البعد في الاعتقاد، بل تتبع مقدار الحسد والبغض فإن من طبع اليهود، وإن لم يظهروه، أن كل مخالف لهم في عرقهم عدو لهم.
يحتقرونه ويبغضونه، ويحقدون عليه، وأشد بغضهم منصرف للمسلمين العرب؛ لأنهم في زعمهم سرقوا النبوة منهم.
ولذلك ذكر القرآن علة الكره الشديد الذي يكِنّه اليهود للمسلمين في قوله -تعالى-: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ) [المائدة:59]، "هل تنقمون منا"، أيْ: أنكم تبالغون في كراهتنا من أجل إيماننا.
وكفر اليهود ليس ككفر النصارى؛ لأن كفر النصارى كفر جهل وضلال، أما كفر اليهود فكفر غطرسة وجحود وكبر وحسد؛ ككفر إبليس تمامًا.
علق ابن كثير -رحمه الله تعالى- في شدة عداوتهم للمؤمنين فقال: "وما ذاك إلا لأن كفر اليهود عناد وجحود ومباهتة للحق وغمط للناس، وتنقص بحملة العلم، ولهذا قتلوا كثيرًا من الأنبياء حتى همُّوا بقتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غير مرة، وسحروه وألَّبُوا عليه أشباههم من المشركين عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة".
أيها المسلمون: لا يزال نجاح اليهود في العالم الإسلامي محدودًا، سواء كان على المستوى الثقافي أو السياسي أو الاقتصادي، أو حتى الإعلامي، ولولا غفلة الأمة لما استطاع اليهود أن يتمكنوا من شيء من هذه المستويات أبداً.
وبالرغم من هذه الغفلة إلا أنه سرعان ما يكون في الأمة -بفضل من الله- انبعاث وتشديد فيتصدى لمكرهم دعاة، بل وعامة الناس.
ولم تستعصِ أمة من الأمم على اليهود كأمة الإسلام اليهود؛ حرَّفوا كل الشرائع والأديان الوضعية والسماوية ما عدا الإسلام، ما استطاعوا أن يحرِّفوه النابع من القرآن الكريم والسنة المطهرة ومحاولتهم لا تزال مستمرة لا تنقطع لكنهم يفشلون يومًا وراء يوم.
وقبل أيام تجرؤوا على واحد من أقدس مواقع الإسلام عند مليار ونصف المليار من المسلمين؛ تجرؤوا ومنعوا المصلين من أولى القبلتين المسجد الأقصى المبارك، وأغلقوا أبوابهم تمهيدًا لإنشاء بوابات إلكترونية لمضاعفة اضطهاد روّاد المسجد وإرهاقهم حتى ينصرفوا عنه.
مكر اليهود للأقصى علوي وسفلي؛ حفريات من الأسفل لهدم أساسات المسجد وقواعده؛ تمهيدًا لبناء هيكلهم المزعوم على أنقاض المسجد، ونصب بوابات إلكترونية من الأعلى للتحكم فيه بشكل مطلق في هذه المرحلة وتعويد روّاده على هجره واضطهاد أهله.
معاشر المسلمين: إن المؤمن بكتاب الله -تعالى- الكريم وأحاديث النبي المصطفى -صلى الله عليه وسلم- لا يتردد في اعتقاده بأزلية عداوة اليهود للبشرية عامة من غير عرق وللمسلمين خاصة، هذا هو اعتقاده مهما رأى أمامه يوم من عجائب الزمن؛ فقد قال الصادق المصدوق كما في صحيح البخاري: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الحجر ورائه اليهودي يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله".
ولذلك فإن من يتوهم أن يهود اليوم غير يهود الأمس، وأن المفاهيم قد تطورت لديهم، وأنه يمكن التعايش معهم بوئام لا غدر ولا خداع إنما يسعى خلف سراب، هم خوّانون للعهود نابذون لها بنص الكتاب يقول سبحانه: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ) [البقرة:100].
فكيف تستقيم حياة بجانبهم؟! وكيف يستأمنون والحقد يأكل أكبادهم والكبر ينخر في صدورهم نخرًا؟!
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم..
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أما بعد:
قد نزلت آيات من السماء ثابتة غير منسوخة فيها نهي وتحذير من موالاة اليهود، وفيها تحذير منهم، ووصف لمن يتولاهم، يقول -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) [المائدة: 51- 52]، في مولاتهم وجعلهم محل الثقة الندم والخسران.
معاشر الإخوة: مرة أخرى المسجد الأقصى ثالث المساجد في المنزلة عند الله -سبحانه-، والذي ذكر اسمه في القرآن الكريم، والذي تُشَدُّ إليه الرحال مع المسجد الحرام والمسجد النبوي، هذا المسجد المبارك العظيم من يهتم بشأنه ولم يقلقه، وما يكاد له من اليهود وأعوانهم، فليراجع إيمانه، فمن صريح وصدق الإيمان أن يتحرك قلب المسلم للمقدسات، فإن لم يتحرك قلبه فليبحث له عن قلب فإنه لا قلب له.
الأقصى جريح ولا مسعف له، ولا شك أن في الأمة من ضعف وشقاق وخلاف لا يعين على نجدته ولا التحرك الفعلي لحمايته (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال: 46]، وهذا لا يعني ألا نفعل شيئًا بل لا بد من التأمل جيدًا في آية من سورة النور تلك الآية ترسم لنا منهج الفلاح والتمكين ولو طال المسار.
يقول الله سبحانه: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور:55].
قال (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ) وعد الله –عز وجل-، والمقصود بـ"الذين آمنوا منكم" الإيمان الذي يستغرق الإنسان كله بخواطر نفسه، وخلجات قلبه، وأشواق روحه، وميول فطرته، وحركات جسمه، ولفتات جوارحه وسلوكه مع ربه منفردًا ومع أهله ومع الناس جميعًا.
يتوجه بهذا كله إلى الله وحده، يتمثل هذا في قوله –سبحانه- في الآية نفسها: (يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)، الشرك مداخل وألوان، وجّهوا إلى غير الله -تعالى- بعمل أو شعور هو لون من ألوان الشرك بالله فيما لا يقدر عليه إلا الله.
إن العودة إلى الله بصدق، وتربية الجيل على تعظيم الدين، وأخذ الدين مأخذ الجد هي مفاتيح النصر للأمة، هذه هي النظرة البعيدة نعم بطيئة لكنها قوية الأثر مضمونة النجاح، قال سبحانه: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج: 40- 41]، ليس لأحد آخر لله عاقبة الأمور.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين.