السبوح
كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...
العربية
المؤلف | سليمان بن حمد العودة |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | كتاب الجهاد |
إياك أن تكون عنصر تعويق في أمتك، واعلم أن معصيتك لله، وانحرافك عن صراطه المستقيم خروقٌ في سفينة الأمة، وأن ضعفك وتراخيك في مجاهدة نفسك أو مجاهدة الأعداء، إنما هو ثُلمةٌ في بنيان أمتك، ورحم اللهُ الخليفة الراشد حينما أوصى قائد جنده السائر للمعركة بقوله: "واعلم أن ذنوب الجيش أشدُّ عليه من أعدائه".
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واتقوا الله وكونوا مع الصادقين، واتقوا الله ويعلمكم الله.
إخوة الإسلام: وهناك شعيرةٌ عظيمةٌ من شعائر ديننا يقل الحديث عنها، أو يُقصرُ في مفهومها، وربما قل أو ضعف العمل فيها، أو في أحدٍ من جوانبها.
إنها شعيرةُ الجهاد في سبيل الله بمفهومها الواسع، وبأنواع الجهاد ومراتبه المختلفة.
إن عدداً من الناس حين يسمع كلمة الجهاد يتبادر إلى ذهنِهِ جهادُ الأعداء بالسيف، وقتالُ الكفار بالأسلحة المادية، وهذا النوعُ من الجهاد – وإن كان مهماً ودرجتهُ عاليةٌ في الأمة- فليس هو الجهاد كله، فثمة مراتبُ أخرى من مراتب الجهاد، أوصلها بعض العلماء إلى ثلاثة عشر مرتبة، لا بد من معرفتها والعمل بها.
وهذه المراتب المختلفةُ والمتفاوتةُ لا يُعفى مسلم ولا مسلمة من المساهمة فيها، وكلما أخذ المرء منها بنصيب أوفر، كان نصيبه من الإيمان والجهاد أكبر، أجل، لقد جاء ذكرُ الجهاد في كتاب الله كثيراً، وشملت آياته جهاد الكفار، وجهاد المنافقين، وجهاد النفس، وجهاد الشيطان، والجهاد بالمال، وجهاد الحُجّة والبيان، وكذا جاءت نصوص السنة مبينة لما أجمل في القرآن، وموضحة فضل ومنازل المجاهدين.
ومما يلفت النظر، ويوسع مفهوم الجهاد في القرآن، أن واحدةً من آيات الجهاد نزلت في سورة مكية- أي قبل أن يفرض الجهادُ في المدينة. يقول تعالى في سورة الفرقان مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم وآمراً له بالجهاد من حين بعثه: (وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً) [الفرقان:51-52].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (وَجَاهِدْهُمْ بِهِ) يعني: بالقرآن، وقال ابن زيد: بالإسلام، وقيل: بالسيف، وهذا فيه بُعدٌ لأن السورة مكية نزلت قبل الأمر بالقتال – كذا نقل القرطبي، وقال في معنى (جِهَاداً كَبِيراً) أي: لا يخالطه فتور.
يا أخا الإسلام: وإليك مراتب الجهاد، وسائل نفسك بأي قدر أخذت منها، بل وكم نجحت أو غُلبت في شيء منها. قال ابنُ القيم رحمه الله: الجهاد أربعُ مراتب: جهادُ النفس، وجهادُ الشيطان، و جهادُ الكفار، وجهادُ المنافقين، فجهادُ النفس أربع مراتب أيضاً:
الأولى: أن يُجاهدها على تَعلُّم الهدى ودين الحق الذي به سعادة المرء وفلاحه في الدارين.
الثانية: أن يجاهدها على العمل به بعد علمه، وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها.
الثالثة: أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يَعلمُه، وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزلَ الله من البينات والهدى..
الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق، ويتحمل ذلك كله لله، فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين، فإن السلف مجمعون على أن العالِمَ لا يستحقُ أن يُسمى ربانياً حتى يعرفَ الحق، ويعمل به، ويُّعلَّمه.
وأما جهاد الشيطان فمرتبتان: جهادهُ على دفْع ما يُلقي إلى العبد من الشبهات، والشكوك القادحة في الإيمان. والثانية: جهاده على دفع ما يُلقي إليه من الإيرادات الفاسدة والشهوات..
وأما جهاد الكفار والمنافقين فأربع مراتب، بالقلب، واللسان، المال، والنفس. وجهادُ الكفار أخصُّ باليد، وجهادُ المنافقين أخص باللسان.
وأما جهادُ أرباب الظلم والبدع والمنكرات فثلاثُ مراتب.
الأولى: باليد إذا قدر، فإن عجز انتقل إلى اللسان، فإن عجز جاهد بقلبه.
فهذه كما يقول ابن القيم رحمه الله ثلاثة عشر مرتبةً من الجهاد: "ومن مات ولم يغزُ ولم يُحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق".
إخوة الإيمان: ويحتاج المسلمُ والمسلمةُ إلى المعرفة والعمل بهذه المراتب كلها – في كل زمان- ولكن الحاجةَ إلى ذلك تشتد في مثل هذه الأزمان التي تكاثر فيها الأعداء على المسلمين، فالعدو الخارجي انتهك بلادهم، وقتل وشرد، واستباح حرماتهم، والمنافقون باتوا يجمعون فلولهم وجاؤوا يركضون، وأشغلوا الأمة عن قضاياها المصيرية مع أعدائها بطرح شعارات كاذبة، ودعاوى خبيثة، وفتن مستشرية، هذا مع ما في الأمة من ضعف وخورٍ، وجبن وهلع، وتبعية ممقوتة، و تشبث بمظاهر كاذبة، وتعلق بأشياء تافهة إلا ما شاء الله، والمؤلمُ إذا سرى في الأخيار منهم داء الوهم و الوهن، وأصيبوا بالتلاوم والإحباط، و شغلوا بالدنيا عن الدين، أو بالمهاترات والخلافات الممقوتة، وحصروا أنفسهم في دائرة ضيقة ما كان العدو يطمع أن يصيروا إليها.
عباد الله: ونحتاج لمعرفة هذه المراتب من الجهاد في معركتنا المتجددة مع أنفسنا ومع الشيطان، وفي ظل معركة الشبهات والشهوات، وفي عالم حرب الفضائيات وغزو القنوات.
ونحتاج للعلم والعمل بهذه المراتب الجهادية لانتشار رقعة الفساد، وغربة الإسلام، وموجة التقليد، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، وغياب الهدف الأسمى للوجود في هذه الحياة عند فئام من المسلمين.
أيها المسلمون: ويستخلص مما مضى أن أعداء الإنسان المأمور بمجاهدتها أربعة: النفس، والشيطان، الكفار، والمنافقون، وإن هناك حكمة إلهيةً لتسليط هؤلاء الأعداء على الإنسان، وذلك ليبلوَ الله الصادقين من الكاذبين، ويميز الخبيث من الطيب، ويمتحن الله من يتولاه ورسلَه، عمن يتولى الشيطان وحزبه، كما قال تعالى:(وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً) [الفرقان: 20].
وقال تعالى: (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) [محمد: 4]. وقال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) [محمد:31].
عباد الله: وفي ظل هذه المعركة، و الأعداء المسلطة، لم يترك الله عبده دون مدد، ولم يُخلِهِ من مدافعةٍ، بل جعل له السمع والبصر والعقلَ والقُوى، وأنزل عليه كتبه، وأرسل إليه رسله، وأمدهم بملائكته، وقال لهم:(أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) [الأنفال: 12].
وأمرهم بدوام المجاهدة والمصابرة ووعدهم على ذلك رضاه والجنة، وأخبرهم أنه مع المتقين، ومع المحسنين، ومع المؤمنين، ومع الصابرين، وذلك حتى لا يستوحشوا أو يفتروا، بل أخبرهم بدفاعه عنهم: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) [الحج: 38].
ولكن هذه المدافعة بحسب إيمانهم، وثقتهم وتوكلهم ودعائهم لخالقهم... مهما أحاطت بهم الخطوب، وتكاثرت عليهم الأعداء، ومن قبلُ قال إخوانُهم المؤمنون: (وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً) [الأحزاب:22]، بل وكان حالُ الأنبياء السابقين مع النصر كما قال تعالى: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) [يوسف:110].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين أوحى إلى عبده: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [التوبة:73].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فاوت بين المجاهدين والقاعدين من المؤمنين غير أولي الضرر: (لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) [النساء:95].
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أخبر أن طائفةً من أمته: "لا تزال على الحق تُقاتل على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يُقاتل آخرُهم المسيح الدجال".
اللهم صل وسلم عليه، وعلى سائر أنبياء الله ورسله.
إخوة الإيمان: أخرج الإمام أحمد رحمه الله من حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: "ألا أخبركم بالمؤمن؟ مَنْ أَمِنَهُ الناسُ على أموالهم وأنفسهم، والمسلمُ من سلم الناسُ من لسانه ويده، والمجاهدُ من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجَر الخطايا والذنوب"، والحديث صححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي. "المستدرك": 1/11.
وهكذا يتسع مفهوم الجهاد في السنة، ويؤكد المصطفى صلى الله عليه وسلم فيه على تربية النفس على طاعة الله، والإقلاع عن الذنوب والخطايا.. فتلك بدايات أساسية للجهاد في مجالاته الأخرى، قال العارفون: إن مجاهدة النفس مقدمٌ على جهاد العدو في الخارج، فإنه ما لم يجاهدها لتفعل ما أمرت به، وتترك ما نُهيت عنه، لم يمكنه جهادُ عدوه في الخارج... بل لا يمكنه الخروج لمنازلة العدو حتى يجاهد نفسه على هذا الخروج.
عباد الله: ولا يتم الجهادُ إلا بالهجرة، ولا الهجرةُ والجهادُ إلا بالإيمان، والراجون رحمةَ الله هم القائمون بهذه الثلاث كما قال تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [البقرة:218].
وكما أن الإيمان فرضٌ على كل أحدٍ، ففرضٌ عليه هجرتان في كل وقت: هجرةٌ إلى الله عز وجل بالتوحيد، والإخلاص، والإنابة، والتوكل، والخوف، والرجاء، والمحبة، والتوبة.
وهجرة إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بالمتابعة والانقياد لأمره والتصديق بخبره، وتقديم أمره وخبرِه على أمرِ غيرِه وخبره.
وهكذا –إخوةَ الإيمان- يتسع مفهموم الهجرة كما اتسع مفهوم الجهاد- ويفرض على كل مسلم جهاد نفسه في ذات الله، وجهاد شيطانه، وهذا مما لا ينوب فيه أحد عن أحد، فانظر – أيها العاقل- في نفسك، وقوِّمها في باب المجاهدة والهجرة، فإن وجدت خيراً فاحمد الله؛ واسأل ربك الثبات والمزيد، وإن وجدت خلاف ذلك فتدارك نفسك ما دام في الأمر مهلةٌ، وتُبْ مما يُثقل كاهلك يوم العرض على الله: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً) [النساء:110].
يا أخا الإسلام: إياك أن تكون عنصر تعويق في أمتك، واعلم أن معصيتك لله، وانحرافك عن صراطه المستقيم خروقٌ في سفينة الأمة، وأن ضعفك وتراخيك في مجاهدة نفسك أو مجاهدة الأعداء، إنما هو ثُلمةٌ في بنيان أمتك، ورحم اللهُ الخليفة الراشد حينما أوصى قائد جنده السائر للمعركة بقوله: "واعلم أن ذنوب الجيش أشدُّ عليه من أعدائه".
أما طاعتُك – أخا الإسلام- وجهادك في سبيل الله فهو رافدٌ لنهضة الأمة، وسببٌ من أسباب نصرها، فإياك أن تحقر نفسك، أو تهمش دورك، أو تُرحل المسؤولية على غيرك، فعليك سهمٌ في الجهاد والدعوة أينما كان موقعُك، ومهما كانت قدراتك:(لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ) [البقرة: 286]، ولكن: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ) آل عمران: 102]، فإن قلت أنك في عداد الضعفاء، فليس يعجزك أن ترفع يديك إلى السماء داعياً بتسديد سهام المجاهدين، وإبطال كيد الكائدين، وذكر رهبان الليل بسهم الدعاء فهو لا يخطئ، ولا يغبْ عن بالك أن الأمة إنما يرحمون وينصرون بضعفائهم... وهكذا تتكامل الطاقات، وتسدد المواقع، وتوصد الأبواب دون المفسدين.
يا أخا الإيمان: وكيف تتأخرُ في التقوى والمجاهدة، وربُّك يخاطبك بآيتين حريٌّ بك أن تتأملهما وتعمل بمقتضاهما، وهما: قوله تعلى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) آل عمران:102، و الأخرى قوله تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج: 78].
قال العالمون: ولم يُصبْ من قال إن الآيتين منسوختان، لظنه أنهما تضمنتا الأمرَ بما لا يُطاق، (حَقَّ تُقَاتِهِ) و (حَقَّ جِهَادِهِ) هو ما يُطيقه كل عبدٍ في نفسه، وذلك يختلف باختلاف أحوال المكلفين في القدرة، والعجز، والعلم، والجهل، فحقُّ التقوى وحقُّ الجهاد بالنسبة إلى القادر المتمكن العالم شيءٌ، وبالنسبة إلى العاجز الجاهل الضعيف شيء... وفي قوله: ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج: 78]، تأكيدٌ على أن الأمر يَسعُ كلَّ أحدٍ، وكلٌّ بحسبه.
لا مفرَّ – يا أخا الإيمان- من المسؤولية، ولا مناص عن المشاركة في الجهاد والدعوة... ولربما فاق درهمٌ ألفَ درهم، وكم من فئةٍ قليلة غلبت فئةً كثيرةً بإذن الله، وصدق الله:(إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ ) [النساء: 104]
فإذا علمت سعةَ مفهوم الجهاد... وكثرةَ مراتبه... فسارع إلى المساهمة العاجلة في الخير، وفكّر في أي أبواب الجهاد تثمر، وأعْمِلْ فكرك، وجدِّد في وسائل الدعوة ومشاريعها... وأرجو أن أعينك بشيء من ذلك مستقبلاً، نفعك الله ونفع بك وسدد سهامك، وأقال عثرتك، وشتَّت شمل عدوِّك وعدوِّ المسلمين، إنه سميع الدعاء.