النصير
كلمة (النصير) في اللغة (فعيل) بمعنى (فاعل) أي الناصر، ومعناه العون...
العربية
المؤلف | سعد بن سعيد الحجري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصلاة |
لأهمية صلاة الفجر شرع الله لها أذانين مع أن الزمن بينهما يسير، وهما مع الإقامة ثلاث وأربعون جملة، ومن لم يجب فهو من أهل الغفلة الذين (لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون).
الحمد لله الكريم المنان جعل صلاة الفجر ميزان وميز بها أهل الإيمان وحرم منها أهل العصيان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الرحيم الرحمن وعد أهل الفجر بالجنان والحفظ من النيران، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله سيد ولد عدنان جعله الله لهذه الأمة أمان صلى الله عليه وسلم كلما حوفظ على صلاة الفجر وجبر بها الكسر وعلى آله وصحبه ومن نهج نهجه إلى يوم القيامة.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون اتقوا الله واعملوا صالحاً إنه بما تعملون عليم، وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون.
واعلموا أنه لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون، وواظبوا على العمل الصالح فإنه رضوان الله وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والطريق إلى الجنة والنجاة من النار، شرعه الله تعالى لحفظ الأوقات واغتنامها في الصالحات فالصلوات الخمس لحفظ اليوم والليلة. يقول صلى الله عليه وسلم: "الصلوات الخمس كفارة لما بينها إذا اجتنبت الكبائر". والجمع لحفظ الأسبوع. يقول صلى الله عليه وسلم: "الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينها" وصوم ثلاثة أيام من كل شهر لحفظ الشهر. يقول صلى الله عليه وسلم: "من صام ثلاثة أيام من كل شهر فقد صام الدهر" وصوم رمضان لحفظ العام يقول صلى الله عليه وسلم: "رمضان إلى رمضان...".
ورحم الله أحد السلف إذ يقول: الصلوات الخمس ميزان اليوم والليلة، والجمعة ميزان الأسبوع، ورمضان ميزان العام، والحج ميزان العمر.
وشرع الله العمل الصالح لمضاعفة الحسنات إلى عشر وإلى سبعمائة ضعف وإلى أضعاف كثيرة. يقول تعالى: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ) [الأنعام: من الآية160]، وقال صلى الله عليه وسلم: "كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله" وقال للذي تصدق بناقة واحدة في سبيل الله "لك بها سبعمائة ناقة مخطومة في الجنة".
وبالعمل الصالح يغفر الله السيئات. قال تعالى: ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) [هود: من الآية114]، وقال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) [طـه:82]، ويقول صلى الله عليه وسلم: "من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر" ويقول صلى الله عليه وسلم: "من توضأ للصلاة فأسبغ الوضوء ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة فصلاها مع الناس غفر الله له ذنوبه" وقال: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه".
وبالعمل الصالح يحيا الإنسان حياة طيبة في الدنيا ويحيا حياة أبدية سعيدة في الآخرة. يقول تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) [النحل: من الآية97]، وقال: (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) [غافر:40]، ويقول تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [المؤمنون:9-11].
ويقول صلى الله عليه وسلم: "والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".
وبالعمل الصالح يتقرب العبد من ربه ويرتفع الدرجات العالية ويكون مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
والقرب من الله تعالى علو وسمو ورفعة وحفظ. يقول تعالى: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) [الواقعة:10-11]، ويقول تعالى: ( وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) [العلق: من الآية19].
ويقول صلى الله عليه وسلم: " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" ويقول: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته".
ويقول تعالى في الحديث القدسي: "وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه".
وثواب العمل الصالح لصاحبه. يقول تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ) [فصلت: من الآية46]، ويقول في الحديث القدسي: "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".
ومن العمل الصالح الذي ضيعه الناس وخسروه وقدموا عليه الأهواء والشهوات "صلات الفجر" وتضييعها إما بتركها بالكلية أو بصلاتها بعد وقتها أو بصلاتها في البيوت فمن تركها بالكلية فهو كافر مرتد خارج من الإسلام ويعامل معاملة الكفار، وأما من صلاها بعد خروج وقتها فإن تعمد ذلك فالراجح كفره لأنه تارك للصلاة إذ لا تصح الصلاة منه بعد خروج وقتها وأما إذا غلبه النوم أحياناً وليس دائماً فهو غير مضيع لها ولكن يجب عليه الحرص على أدائها في وقتها في المسجد، وأما إذا صلاها في البيت فهو آثم إثماً كبيراً إذ ترك واجب من الواجبات وهو الصلاة في المسجد وعند بعض العلماء لا تصح صلاته لقوله صلى الله عليه وسلم: "من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر" .
وصلاة الفجر إحدى الفرائض الخمس التي فرضها الله تعالى بل هي من آكدها وأهمها إذ لا يعذر المسلم بتركها ما دام عقله معه ولعل من أسباب تضييعها فساد القلوب بالقسوة والظلام والانتكاسة والمرض وما ذاك إلا لكثرة القيل والقال وقلة ذكر الله تعالى وكثرة الضحك التي تميت القلب وكثرة المحرمات وقلة الطاعات وكثرة أكل الحرام وقلة مراقبة الله تعالى وقلة الخوف منه ونسيانه والتهاون بالذنوب ونحو ذلك ومنها: طول السهر من بعد صلاة العشاء إلى قبيل الفجر أو إلى مضي ثلثي الليل أو قريباً من ذلك، وبطول السهر ضيع حق الله تعالى عليه وحق نفسه وحقوق أهله وحقوق إخوانه المسلمين وحقوق المخلوقات الأخرى وخالف سنة الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وحرم من قيام الليل الذي هو دأب الصالحين قبلنا ومرضاة ربنا، ومنهاة عن الإثم وتكفير للذنوب ومطردة لداء الجسد، وحرم بالسهر من إجابة الدعاء ومن إعطاء السؤال ومن مغفرة الذنب، وخسر خسراناً مبيناً.
ومنها: كثرة الذنوب والمعاصي كالسهر على مشاهدة الشاشات المحرمة التي تعرض صوراً خليعة وأعمالاً شنيعة وكالسهر على سماع الأغاني المحرمة، ومع قرناء السوء فإن المعاصي تطفئ نور القلب ونور الوجه وتوهن قوة البدن وتقعد عن الأعمال الصالحة.
ومنها: إتعاب البدن بالأعمال الشاقة التي تنهك قوته وتعطل نشاطه فيكثر بها النوم ويتعطل بها العمل الصالح.
ومنها: الاغترار بالدنيا ونسيان الآخرة، والاغترار بالشباب ونسيان الهرم، والاغترار بالصحة ونسيان السقم، والاغترار بالغنى ونسيان الفقر، والاغترار بالفراغ ونسيان الشغل وهذه الغفلة بعينها لأنهم أحياء لم يستفيدوا من حياتهم وأصحاء وليسوا بمرضى، ومقيمون وليسوا بمسافرين، وفي أمن وليس في خوف، وشبعى وليسوا بجوعى.
وليعلم المضيعون لصلاة الفجر أن الفجر عظيم، وصلاته عظيمة أقسم الله به في كتابه ولا يقسم الله إلا بعظيم وجعل القسم من أجل الفجر فلم يحتج إلى جواب، وقرن الفجر بأفضل الأوقات فهو عظيم مع عظماء، وفاضل مع فضلاء قرنه بعشر ذي الحجة التي هي أفضل أيام الدنيا، وبالشفع والوتر لأن الأعداد لا تخرج عنهما، وبالليل الذي هو أفضل من النهار. والفجر هو أكثر الأوقات ذكراً في القرآن إذ ذكره الله تعالى حوالي ست مرات بينما لم يذكر غيره إلا مرة ولربما لم يذكر غيره ولا مرة.
وكثرة الذكر تدل على كثرة الأجر وكثرة الفضل، ووجوب الاهتمام به بحيث إذا نسي في موضع يذكر في موضع آخر.
والفجر هو الصلاة المشهودة التي تشهدها الملائكة عليهم السلام. قال تعالى: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً) [الإسراء: من الآية78].
ويقول صلى الله عليه وسلم: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار يجتمعون في صلاتي العصر والفجر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم: كيف تركتم عبادي: فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون".
وصلاة الفجر هي أحدى البردين الموجبتين للجنة: يقول صلى الله عليه وسلم: "من صلى البردين دخل الجنة" وسبب ذلك لغفلة الناس عن هذين الوقتين إما بدنياهم وإما بكثرة النوم.
وصلاة الفجر سبب من أسباب رؤية المؤمن لربه في الجنة، ورؤية الرب تعالى من أعظم النعيم لأن ذلك من النضارة والحسن والجمال. قال تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) [القيامة:23]، ولأن ذلك من زيادة الإحسان. يقول تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) [يونس: من الآية26]، قال صلى الله عليه وسلم: "الزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم". وفي الحديث القدسي "يقول الله تعالى: يا أهل الجنة أزيدكم. قالوا: ألم تبيض وجوهنا وتدخلنا الجنة وتنجينا من النار. فيكشف الرب عن وجهه الكريم فيرونه فلا يرون نعيماً أعظم من ذلك". ولذا يقول صلى الله عليه وسلم: "إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا".
وصلاة الفجر هي صلاة المجاهدة مجاهدة النفس بترك النوم، وبالذكر والقرآن وبالوضوء وبالصلاة، وأعظم الجهاد جهاد النفس. قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69]، ويقول صلى الله عليه وسلم: "والمجاهد من جاهد نفسه" ويقول ابن عمر: "ابدأ بنفسك فجاهدها وابدأ فاغزها".
ومجاهدة الشيطان الذي يعقد على قافية النائم ثلاث عقد يقول على كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد: ويحل الإنسان هذه العقد بذكر الله وبالوضوء وبالصلاة ويصبح طيب النفس نشيطاً.
ومجاهدة الأعداء إذ كان صلى الله عليه وسلم يغير أعدائه إذا طلع الفجر وكان يستمع للأذان فإن سمع أذاناً أمسك وإلا أغار، فسمع رجلاً يقول: الله أكبر. قال: على الفطرة. قال أشهد أن لا إله إلا الله. قال: خرجت من النار. ويروى عن محمد الفاتح أنه لما أراد فتح القسطنطينة قال لجيشه: أريد قائداً يقودنا واشترط فيه ألا يكون قد ترك صلاة الفجر في المسجد منذ بلغ الخامسة عشر فما تقدم أحد فقال: أنا والله ما فاتتني صلاة الفجر منذ بلغت الخامسة عشرة، ثم تقدم فقاد الجيش وانتصر بإذن الله.
وصلاة الفجر حفظ للعبد في ليله وحفظ له في نهاره، أما حفظه في ليله فيقول صلى الله عليه وسلم: "من صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله" وأما حفظه في نهاره فيقول صلى الله عليه وسلم: "من صلى الفجر -وفي رواية-: من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي". وقد ورد أن الحجاج إذا أراد قتل أحد سأله: هل صليت الفجر في جماعة. فإن قال نعم ترك قتله، وقال: هو في ذمة الله، وإن لم يصل الفجر في جماعة قتله.
وما الضياع الذي نراه اليوم إلا لتضييع صلاة الفجر وغيرها وهي ميزان المؤمن الذي بها يعرف ويتميز عن المنافق فإن الله تعالى قال عن المنافقين: (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى) [التوبة: من الآية54]، وقال صلى الله عليه وسلم: "أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً"، وقال ابن عمر لما كثر النفاق في المدينة: "ما كنا نعرف أهل الإيمان من أهل النفاق إلا بصلاة الفجر، فمن صلى الفجر علمنا أنه مؤمن، ومن لم يصل أسأنا به الظن".
وهي أقرب الصلوات إلى الله تعالى إذ ينزل الرب تعالى في الثلث الأخير من الليل نزولاً يليق بجلاله إلى السماء الدنيا وأقرب صلاة لهذا النزول هي صلاة الفجر.
وصلاة الفجر بركة في العمل. يقول صلى الله عليه وسلم: "من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة"، وهي بركة في المال. يقول صلى الله عليه وسلم: "بارك الله لأمتي في بكورها"، قال صخر الغامدي: "وكان إذا بعث سرية أو جيشاً بعثهم أول النهار". وكان صخر رجلاً تاجراً وكان إذا بعث تجارة بعثها أول النهار فأثرى وكثر ماله.
ولأهميتها شرع الله لها أذانين مع أن الزمن بينهما يسير وهما مع الإقامة ثلاث وأربعون جملة ومن لم يجب فهو من أهل الغفلة الذين لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم...
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سلك طريقه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
ثم أما بعد:
فيا أيها المسلمون اتقوا الله وأيقنوا أن فضائل صلاة الفجر كثيرة تفوق الحصر وحتى يتمكن المسلم من المحافظة على صلاة الفجر في المسجد فإنه يجب عليه بذلك الأسباب المعينة على أدائها جماعة ومن هذه الأسباب: النوم مبكراً بعد صلاة العشاء ليختتم عمله بالصلاة، وليعطي جسمه حقه من النوم، وليحظى بأحسن أوقات النوم، وليتبع السنة فإنه كان صلى الله عليه وسلم ينام أول الليل، ويستيقظ آخره. وقد عكسنا هذه السنة إذ نسهر أول الليل وننام آخره، وكان صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها وخير الهدي هديه صلى الله عليه وسلم. قال طاووس بن كيسان: "ما كنت أظن أحداً ينام وقت السحر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم". ويقول لقمان الحكيم لابنه: "يا بني لا يكون الديك أزكى منك يقوم لصلاة الفجر ويؤذن وأنت لا تقوم ولا تصلي". وكم من الناس الديك أزكى منهم إذ يقوم لصلاة الفجر وهؤلاء العقلاء لا يقومون..
ومن الأسباب التأدب بآداب النوم كالوضوء وصلاة ركعتين والوتر إن كان لا يوتر آخر الليل، والنوم على الجنب الأيمن، وقول الأذكار الواردة وقراءة آية الكرسي وجمع الكفين وقراءة قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ثلاثاً ومسح الجسد بها، والإكثار من ذكر الله قبل النوم وفي أثناء النوم وبعد القيام من النوم.
وأيضاً استخدام الأسباب الحسية: كالساعة المنبهة كساعة الأذان أو ساعة التكبير ونحوها وجعلها في مكان بعيد يضطرك للقيام وعدم العودة أو طلب الأهل لإيقاظك أو أحد الجيران أو الأصحاب أو الهاتف ونحو ذلك.
ومنها الاهتمام بقيام الليل فإنه مفتاح من مفاتيح الخير، وجهاد للنفس عظيم وصفة من صفات أهل الجنة، وقوة للبدن، ونور للقلب، وبياض في الوجه، وبه يصبح الإنسان نشيطاً طيب النفس.
ومنها النظر في حاله للدنيا لو أراد سفراً وقت الفجر أو امتحاناً دنيوياً أو كسب مال أو مراجعة مستشفى لقام في الوقت المطلوب. فلماذا لا يقوم للفجر وهو قيام أولى وأوجب؟!
ومنها معرفة فضل صلاة الجماعة والسبق إلى الخيرات وكسب الحسنات والسلامة من السيئات وقول: سمعنا وأطعنا قبل أن يندم ولا ينفع الندم، ويقول يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله.
ومنها معرفة عواقب ترك صلاة الفجر من خبث النفس و الكسل والإفلاس وتسلط الشيطان عليه بربط العقد على رأسه وقوله له: عليك ليل طويل فارقد. وبوله على أذنه، وحرمان البركة وعدم الحفظ ولربما قبض وهو مضيع لصلاة الفجر.
وها نحن نرى الناس اليوم يبكرون للمدارس ويوقظون أولادهم لها. فلماذا لا يبكرون للفجر ويوقظون أولادهم لها ليربحوا في الدنيا والآخرة.
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين وأن يحبب إليهم الصلاة عموماً وأن يرزقهم الاهتمام بالفجر فإنها مقياس دقيق للمؤمن وإنها علامة الصدق في المجاهدة وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.