الواحد
كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصلاة |
وقد خُّصت الصلاة من بين سائر العبادات بخصائص عظيمة، وميِّزاتٍ كريمة، تدل على عظيم شأنها، ورفيع قدرها، وعلو مكانتها، وعظيم محبة الله لها، وهذه الخصائص -أيها العباد- كلما ازداد العبد عنايةً بها ازداد تعظيمًا للصلاة، ومحافظةً عليها، وعنايةً بإقامتها كما أمر الله.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين, ما ترك خيراً إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شراً إلا حذّرها منه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: أيها المؤمنون عباد الله، اتقوا الله -تعالى-؛ فإنَّ من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
أيها المؤمنون: إن الصلاة أفضل موضوع، وأعظم العمل، وخير ما تُقرِّب به إلى الله -جل في علاه-.
أيها المؤمنون: وقد خُّصت الصلاة من بين سائر العبادات بخصائص عظيمة، وميِّزاتٍ كريمة، تدل على عظيم شأنها، ورفيع قدرها، وعلو مكانتها، وعظيم محبة الله لها، وهذه الخصائص -أيها العباد- كلما ازداد العبد عنايةً بها ازداد تعظيمًا للصلاة، ومحافظةً عليها، وعنايةً بإقامتها كما أمر الله.
أيها المؤمنون: فمن خصائص هذه الصلاة أن الله -عز وجل- افترضها على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- في ليلة المعراج أشرف ليالي النبي -عليه الصلاة والسلام- وأعظمها، تلك الليلة العظيمة المباركة التي عُرج فيها بالنبي -عليه الصلاة والسلام- إلى ما فوق السماء السابعة، وسمع في تلك الليلة كلام الله -عز وجل- من الله بلا واسطة فافترض الله عليه هذه الصلاة. بينما سائر العبادات ينزل بها جبريل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ وهذا من دلائل عظيم شأن هذه العبادة، وعلو مكانتها، ورفعة شأنها.
ومن خصائصها -أيها المؤمنون- أنها فُرضت أول ما فرضت خمسين صلاةً في اليوم والليلة ثم خُفِّفت؛ فجعلها الله -عز وجل- خمس صلوات بالفعل وخمسين بالوزن، فمن صلى -أيها المؤمنون- هذه الخمس في اليوم والليلة فكأنما صلى فيهما خمسين صلاةً كما جاء في الحديث في الصحيحين وغيرهما: "هِيَ خَمْسٌ، وَهِيَ خَمْسُونَ"؛ أي خمسٌ بالفعل وخمسون بالوزن، وهذا من عظيم فضل الله وجزيل منِّه -جل في علاه- على أمة الإسلام أمة محمد -عليه الصلاة والسلام-.
ومن خصائص هذه الصلاة أنها شريعة الله ودينه في شرائع جميع النبيين، فما بعث الله نبيًا إلا وبعثه بالصلاة، والشواهد والدلائل على ذلك في قصص النبيين وسيَرهم في القرآن كثيرة جدا.
أيها المؤمنون: ومن خصائص هذه الصلاة أنها أول الأعمال التي يُسأل عنها العبد يوم القيامة، ففي الترمذي وغيره عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاَتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ".
ومن خصائصها -أيها المؤمنون- أنها أول الأعمال إيجابًا على العباد، وفي هذا دلائل وشواهد كثيرة، منها ما جاء في الصحيحين في قصة بعث معاذ إلى اليمن حيث قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ شَهَادَة أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ, فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ".
ومن خصائصها -أيها المؤمنون- أن الله -تبارك وتعالى- سمَّاها في القرآن إيمانا؛ قال الله -تعالى-: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) [البقرة:143]، أي: صلاتكم، وذلك -عباد الله- أنها ميزان الإيمان وبرهان صِدقه كما في الحديث في المسند وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلَا بُرْهَانٌ وَلَا نَجَاةٌ".
ومن خصائصها -أيها المؤمنون- تخصيصها بالذكر في آياتٍ كثيرة في القرآن بعد دخولها في العموم؛ ومن ذلكم قول الله -عز وجل-: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ) [العنكبوت:45]، وتلاوة الكتاب: اتباعه والعمل به، والصلاة داخلة إلا أنه خصَّها بالذكر. وقال الله -عز وجل-: (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ) [الأنبياء:73]، والصلاة من جملة الخيرات إلا أنها خُصَّت بالذكر. وقال الله -عز وجل-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ) [البقرة:277] فخصَّها بالذكر مع دخولها في العمل الصالح في آيات كثيرة من كتاب الله -عز وجل-، وهذا التخصيص بعد التعميم يدل دلالة بينة على عظيم مكانتها وشريف منزلتها.
ومن خصائصها -أيها المؤمنون- أن الله -عز وجل- افترضها كل يوم خمس مرات في العمر كله، وهذا لم يكن في عبادة أخرى؛ فالصيام حولي، والزكاة حولية، والحج عمري، أما الصلاة فإنها فريضة الله على العباد في كل يوم وليلة خمس مرات.
ومن خصائصها -أيها المؤمنون- أن الله -عز وجل- افترضها على العبد على أيِّ حال كان؛ سواءً كان مريضًا أو مسافرًا أو نحو ذلك، فلم تُسقَط عنه هذه الصلاة، وإنما خُفف لأمثال هؤلاء في شرائطها أو أعمالها أو نحو ذلك ولم تُسقَط عن عبد كاملة.
ومن خصائص هذه الصلاة أن الله -عز وجل- اشترط لإقامتها أن يكون المسلم على أشرف أحواله في كمال طهارته، وجمال زينته، واستقباله لبيت الله -جل في علاه-.
ومن خصائص هذه الصلاة أن لا يشغل المرء نفسه في صلاته بغير الصلاة، فلا حظ للعبد من صلاته إلا ما عقل منها، فلا يشغل فِكره عن صلاته لا بلفظٍ ولا بفكرٍ ولا غير ذلك، وإنما يجمع قلبه وعمله على هذه الصلاة مقبلًا على الله -جل في علاه-.
هذه -أيها العباد- بعض خصائص هذه الصلاة، وهي كثيرة جدا، قد بيَّنها أهل العلم -رحمهم الله-، فينبغي على العبد أن يتأمل في هذه الخصائص لهذه العبادة العظيمة، وأن يقبِل على هذه الصلاة؛ تعظيمًا لها، ومحافظةً عليها، وإقامةً لها، كما أمر الله -جل في علاه-.
وأسأل الله -عز وجل- بأسمائه الحسنى، وصفاته العليا، أن يجعلنا أجمعين وذرياتنا من المقيمين الصلاة، وأن يصلح لنا شأننا كله إنه -تبارك وتعالى- سميع الدعاء، وهو أهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: عباد الله، اتقوا الله -تعالى-.
أيها المؤمنون: ومع هذه المكانة العظيمة للصلاة والرفعة لقدرها والعلو لشأنها وما أعدَّ الله -عز وجل- لأهلها من عظيم الثواب، وكريم المآب؛ إلا أن كثيرًا من الناس قد خف ميزان الصلاة في قلوبهم، وهان شأنها في نفوسهم؛ ولذا صار كثيرٌ من الناس يشغله عن هذه الصلاة توافه الأمور، وحقير الأشياء، فكم تُضيَّع هذه الصلاة العظيمة! وكم يستهان بها! وكم يتهاون كثير من الناس في إقامتها! وهذا -عباد الله- من رقة الدين، ووهاء الإيمان، وعدم المعرفة بشأن هذه الصلاة ومكانتها العلية العظيمة.
ألا فليتق الله عبدٌ ناصح لنفسه، مشفقٌ من لقاء ربه -جل وعلا- في صلاته محافظةً عليها، وعنايةً بها، وثباتًا على إقامتها إلى الممات. والله وحده ولي التوفيق والسداد، نسأله -جل في علاه- أن يعيننا وأهلينا وذرياتنا على حسن إقامة هذه الصلاة والتعظيم لها، إنه -تبارك وتعالى- سميعٌ قريبٌ مجيب.
وصلوا وسلموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: " مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.
وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين: أبي بكرٍ، وعمرَ، وعثمانَ، وعلي؛ وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-, اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كُن لهم ناصرًا ومُعينا وحافظًا ومؤيدا يا رب العالمين، اللهم احفظ وانصر جنودنا في حدود البلاد، أيِّدهم يا ربنا بتأييدك، واحفظهم بحفظك يا حي يا قيوم.
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفِّق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وسدِّده في أقواله وأعماله يا رب العالمين.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات. ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.