الشاكر
كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المهلكات |
وهكذا تدور الأيام، وتتعاقب الأعوام، ولا تتبدل سنة الله تعالى القاضية بأن الظلم والطغيان، والعلو والاستكبار سببٌ لسقوط الحضارات، وهلاكِ الأمم؛ وما ورثت أمَّةٌ أخرى إلا بذلك، ولا يَعتبر من البشر إلا مَن هداه الله تعالى، ووفَّقَه صراطه المستقيم، وقليل مَّا هم!.
الحمد لله؛ خلق الخلق بقدرته، وقضى فيهم بعدله وحكمته، وأحاطهم بعنايته ورحمته؛ أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا يخرج شيء عن أمره، ولا يستعصي أمرٌ على قدرته، فما شاء -سبحانه- كان، وما لم يشأ لم يكن، (بِيَدِهِ المُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الملك:1]، (يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) [فاطر:41] .
وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله؛ عرف الله تعالى حق المعرفة، فعظمه وخشيه واتَّقاه، فكان أتقى الخلق لله تعالى، وأكثرهم خضوعاً وإجلالاً لعظمته -تبارك وتعالى-، كان -عليه الصلاة والسلام- يطيل الركوع في صلاته ذلاً لله تعالى وتعظيماً، وكان يقول في ركوعه: "سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة" أخرجه النسائي وغيره، وأصله في مسلم؛ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله تعالى، فاتقوه حق التقوى، واستمسكوا بالعروة الوثقى؛ اتقوا من بيده ملكوت كل شيءٍ وهو يجير ولا يجار عليه، ارجوا رحمته، وخافوا عذابه، واحذروا نقمته؛ فإنه عزيز ذو انتقام (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الغَفُورُ الوَدُودُ * ذُو العَرْشِ المَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) [البروج:12-16]، (أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ) [الزُّمر:36-37]، بلى وعزة ربنا وقدرته وعظمته!.
اتصف بالكبرياء والعظمة، والملك والجبروت، قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يقبضُ اللهُ تبارك وتعالى الأرض يوم القيامة، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملكُ، أين ملوكُ الأرض" متفق عليه.
وعن ابن عمر -رضي الله عنه- ما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يطوي الله عز وجلَّ السموات يوم القيامة، ثم يأخذهنَّ بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرض بشماله، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟" رواه الشيخان واللفظ لمسلم.
وفي رواية لمسلم قال ابن عمر يحكي صفة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يحدث بهذا الحديث على المنبر: "حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه حتى إني لأقول: أساقِطٌ هو برسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟. وفي لفظ: رجف المنبر برسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى قلنا ليخِرَنَّ به.
ومَن نازَع الله تعالى في العظمة والكبرياء والجبروت، فقد استوجب عذاب الله تعالى؛ كما قال -سبحانه- في الحديث القدسي، "الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منها قذفته في النَّار" رواه أبو داود، وفي رواية لمسلم: "فمن ينازعني عذبته".
وقد دلت شواهدُ التاريخ، وواقعُ البشر، على هذه السنة الكونية القاضية بأن من نازع الله تعالى في الكبرياء والعظمة والملك والجبروت أهلكه الله عز وجلَّ، وسلَّط عليه من خلقه من لم يحتسب، (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) [المدَّثر:31].
إن البشر ضعفاء؛ إذا اغتنوا طغَوا: (كَلَّا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى) [العلق:6-7] ، وإذا طغوا تكبروا، وإذا تكبروا تجبروا، وإذا تجبروا ظلموا؛ وإذا ظلموا أفسدوا، (وَاللهُ لَا يُحِبُّ الفَسَادَ) [البقرة:205]، وقد قال -سبحانه-: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا) [الأعراف:56]، ومن أعظم الفساد: الظلمُ الذي ينشأ عن العلو والاستكبار، العلو على الله تعالى وعلى شريعته، والعلو على الخلق، والاستكبار عن قبول الحق.
لقد قامت في الأرض حضارات، وانتشرت أمم، فشيَّدَتْ عمراناً عظيماً، وخلَّفَتْ تُراثاً كثيراً؛ ولكنها استكبرت وظلمت، فأخذها الله تعالى أخذ عزيز مقتدر، فما بقي من حضارتهم وعمرانهم إلا آثارٌ تدل الأجيال المتعاقبة على شدة بأسهم وقوتهم، وما كانت قوتهم لتدفع عنهم عذاب الله تعالى: (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ) [الطُّور:7-8]، (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا) [فاطر:44].
لقد غدا الظلم سنةً من السنن في هلاك الأجيال، وتقرر سبباً من الأسباب الرئيسة في سقوط الحضارات، وإبادة المدنيات، وإزالة الدول والحكومات، (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود:117] .
ظلمت عاد وثمود، وقوم نوح وقوم لوط، وفرعونُ وهامانُ وقارونُ؛ فأين هم؟ وأين ممالكهم؟ وأين عمرانهم؟! أهلكهم الله تعالى بالغرق، والخسف، والريح، والصيحة، وعذبهم بأنواع من العذاب، وأنزل بهم ألواناً من العقوبات، (وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) [الرعد:11].
وحضاراتٌ أخرى سلط الله عليها جنداً، لا يخافون الله فيها، ولا يرحمونها؛ فاستباحوا ديارها، وأبادوا خضراءها، هذه حضارة اليونان العتيدة التي ورَّثت تراثاً ضخماً، طغت وظلمت، وعلت واستكبرت، واستعبدت الخلق حتى قال فيلسوفهم أرسطوطاليس: إن اليونانيين ينبغي لهم أن يعاملوا الأجانب بما يعاملون به البهائم؛ فلم تمكث إلا يسيراً حتى آلت إلى الانقراض، وسلَّط الله عليها الرومان؛ فاستباحوها، وورثوها، ولم تقم لها قائمة أبد الدهر، ولم يبق منها إلا ما ينقلُ من تراثها، وبعضُ آثارها، شاهداً عليها.
ولم يكن الرومانُ أحسن حالاً من اليونان، إذ طغوا وكفروا وظلموا؛ فبادت حضارتهم كما باد غيرها، إنها سنة كونية، وآيةٌ ربانية، جعلها الله تعالى لمن يعتبر من البشر، وذكرها القرآن العظيم؛ ليستفيد المسلمون من ذلك.
فقد ذكر الله -سبحانه- قصص الأنبياء وما جرى لهم من تكذيب أقوامهم، ثم ما حدث لأقوامهم من الهلاك والعذاب، ثم عقَّب -سبحانه- وتعالى على ذلك بقوله: (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ القُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آَلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ * وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود:100-102].
وما أكثر القرى التي أهلكها الظلم والطغيان! فها هي عروشهم ساقطة، وآبارهم معطلة، وديارهم خراب يباب؛ فكانت عبرة للمعتبرين، ومنظراً موحشاً كئيباً مؤثراً في الناظرين، داعياً إلى التأمل في الصور الخالية، والمنجزات الذاهبة: (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج:46-47] .
هذه أمة سبأ أخبر الله تعالى عن بساتينها وخضرتها، وأشجارها وعمرانها، ذكر -سبحانه- أنها آية، جنتان عن يمين وشمال؛ فكفرت بالله تعالى، ولم تشكر نعمته، فأرسل عليها سيل العرم، وجعلها أحاديث للناس يتحدثون بها، ومزقهم شر ممزق؛ فكانوا آية للمعتبرين.
والدولة الشيوعية الكبرى التي ظلمت وطغت، وقررت العقيدة الإلحادية، وقالت: لا إله، والحياة مادة، سلط الله عليها البلاء من داخلها، فتخلخلت وتفككت إلى دويلات، ومُزِّقت شر مُمَزَّق، وأضحت تستجدي العالم طعامها وكساءها، وأصبح بناتها يبذلن أعراضهن بملء بطونهن!.
الله أكبر! إنها آية حضرناها، وشهدناها، ونشهد عليها، فمَن كان من البشر يظن أن الدب الشيوعي الجاثم على الصدور سينهار هذا الانهيار المريع؟ وأن رفاقها، وحملة شعاراتها الذين كانوا يفاخرون بها، ويدعون إليها، قد ولّوا الأدبار عنها إلى غيرها، وصاروا يستحون من ماضيهم، ويخجلون مما قالوا وكتبوا؟!.
وهكذا تدور الأيام، وتتعاقب الأعوام، ولا تتبدل سنة الله تعالى القاضية بأن الظلم والطغيان، والعلو والاستكبار سببٌ لسقوط الحضارات، وهلاكِ الأمم؛ وما ورثت أمة أخرى إلا بذلك، ولا يَعتبر من البشر إلا مَن هداه الله تعالى، ووفَّقَه صراطه المستقيم، وقليل مَّا هم! فاعتبروا -يا عباد الله- واتعظوا، وأحْسِنوا قراءة القرآن، وتدبروه، واعملوا بما فيه؛ وإياكم والغرور! فما اغترَّت أمة إلا هلكت، ولا ظلمت إلا سقطت، (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف:49]، (فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [التوبة:70].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ المُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) [السجدة:22] .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].
أيها المؤمنون: ما حدث قبل أيام للقطب الرأسمالي (في الحادي عشر من سبتمبر) الذي يتربعُ على سدة الزعامة في العالم، ويتفردُ بالقرار، ويقررُ مصير الشعوب والأمم، لا يخرج عن سنة الله تعالى في الأمم والحضارات؛ وإن فيه من الدروس والعبر شيئاً كثيراً لمن تأمله، وفهم واقع البشر، مع فهمه للسنن الكونية التي سجلها القرآن العظيم، وإنه ينبغي للمسلم في مثل هذه الحوادث العظيمة أن يغلب جانب العبرة والعظة على جوانب الشماتة والتشفِّي، ونعوذ بالله أن نكون من الشامتين الغافلين، ونسأله تعالى أن يجعلنا من المعتبرين المتذكرين.
إن هذا الحدث لم يخرج عن تدبير الله -سبحانه- وتعالى وتقديره قيد أنملة، فما كان لعملية ضخمة، تتعدد أطرافها، ويكثر مخططوها ومنفذوها، أن تنجح هذا النجاح الذي بهر العالم كله وأدهشه لولا أن الله تعالى أراد لها النجاح؛ وهذا من الدلائل على قدرة الخالق -سبحانه-، كما أنه يدل على ضعف البشر مهما كانت قدرتهم وقوتهم، فلعل هذا نذير من الله تعالى للقطب الرأسمالي كي يرعوي ويقلع عن ظلمه وعلوه وجبروته؛ إذ إن من المتقرر أن من نازَعَ الله تعالى في كبريائه وعظمته وجبروته عذبه الله تعالى.
والكل يعلم الغطرسة والكبرياء والجبروت الذي يمارسه القطب الرأسمالي على البشر منذ سقوط الإمبراطورية الشيوعية؛ لقد برزت منازعتهم للخالق -سبحانه- في كثير من المجالات، وقادوا العالم بالظلم والعسف، ولم يقوموا فيهم بالعدل الذي هو السببُ في بقاء الحضاراتِ وازدهارها.
إنهم نازعوا الله -عز وجلَّ- في شرعه وأمره، فقرروا فرض نظامهم الطاغوتي على جميع الأمم، على اعتبار أنه أصلحُ نظام للبشر! ولم يتركوا للناس أديانهم وثقافاتهم وقيمهم التي يختارونها؛ بل سعوا بكل غطرسة وكبرياء إلى عولمة البشر على وفق مبادئهم ونظامهم السياسي والاقتصادي والأخلاقي والاجتماعي، متوعدين كل من يقف في وجه إلحادهم الصارخ بالويل والثبور، والعقوبات الاقتصادية، والمقاطعة الدولية، وربما بالعمليات العسكرية! وهذا من أعظم الظلم والبغي!.
إنهم -وهم يحكمون العالم- يمارسون الظلم، ويكيلون بمكيالين؛ فمن كان من غير البيض فالويل له، فإن دان بالإسلام ازداد ويله! واليهود القتَلة الذين يستبيحون الحرمات، ويقتلون النساء والأطفال يجدون منهم كامل الدعم والتأييد فيما يمارسونه من ظلم وعدوان.
إن هذه الحادثة أظهرت ضعف البشر مهما أوتوا من قوة، وكشفت حقيقة مهمة تتلخص في أن أمر الله تعالى لا يرده حرص حريص، ولا تجدي معه الأقمار الاصطناعية، والأجهزة التجسسية؛ ولقد صدَّق كثير من الناس أن أقمارهم وأجهزتهم تظهر نملة تدبُ في صحراء مظلمة، وتدل على ورقة سقطت في غابة مورقة؛ فإذا هذه النظرة تتحطم، والأسطورة تزول، ويأتيهم أمر الله تعالى من داخلهم، نسأل الله العافية والسلامة.
إن الرعب الذي أصاب كثيراً من البشر، وإغلاق الأجواء، وتوقُّف حركة الطيران، والارتباك الذي حصل في أسواق المال؛ لمن أكبر الدلائل على ضعف البشر وعجزهم، في أكبر دولة تُحتذى في البناء والعمران والتطور؛ وقد رأى الناس هذه المباني العظام التي شيدها البشر تهوي في لحظة واحدة، ويخرج من نجا مِن تحت أنقاضها كأنهم الموتى إذا بعثوا من قبورهم، فزعين خائفين، وهذا يذكِّر بفزع يوم القيامة الذي لا يساوي فزع الدنيا عنده شيئاً! نسأل الله تعالى أن يؤمننا يوم الفزع والخوف.
أيها الإخوة: إن مكافحة الإرهاب، والقضاء على أعمال العنف لن تنجح إلا بإقامة العدل، ورفع الظلم عن المظلومين، ولن يجدي أي أسلوب آخر مهما كانت قوته وشدته؛ وفرعونُ كان يقتل المواليد من بني إسرائيل لدفع أمر الله تعالى؛ ولكن الله تعالى أتاه من حيث لم يحتسب، فتربى عدوه في بيته، وأكل طعامه، وشرب شرابه، ثم كان هلاكُه على يده بعد ذلك! والظلم مبيد الأمم، ومقوض الحضارات.
أسال الله تعالى أن يحرس بلادنا وبلاد المسلمين من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يكفينا شر أنفسنا وشر ذنوبنا، وشر أعدائنا؛ وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأن يتوفانا على الإسلام والسنة غير خزايا ولا مفتونين، وأن يصلح ولاة أمرنا، ويدلهم على ما فيه خير البلاد والعباد إنه سميع مجيب.
سبحان ربك رب العزة عمَّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد رب العالمين ...