الحسيب
(الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...
العربية
المؤلف | سامي بن خالد الحمود |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - الأديان والفرق |
فبعد انتهاء العدوان اليهودي، كان نصر الله يردد: لن نطلق رصاصة واحدة في داخل لبنان ولو جرونا للقتال جرًّا، وقال: هذا وعد مني. وصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما قال: "آية المنافق ثلاث .. وإذا وعد أخلف" فإذا بحزب الشيطان هذه الأيام لا يُجَرّ، بل يبادر بإطلاق الرصاص واحتلال عاصمة بلده مستغلاً ما تعانيه لبنان من فراغ رئاسي وأزمة سياسية ..
أما بعد: قبل ما يقارب السنتين، تحدثت على هذا المنبر حول العدوان اليهودي على لبنان، والمواجهات بين جيش اليهود وبين يسمَّى بـ"حزب الله" الحرب التي كان الإعلامُ هو المحارب الأول فيها، فحرك العواطف، وأظهر الدمار الحاصل بسبب القصف اليهودي، مع أن أكثر المتضررين من هذه الحرب هم أهل السنة في لبنان الذين لا بواك لهم ولا مدافع عنهم، أما ما يسمَّى بـ"حزب الله" فمع وقوعِ مناطقه تحت طائلة القصف اليهودي فلم يمس بشيء، بل حقق العديد من المكاسب سياسيًا وإعلاميًا، وظهر بصورة البطل الذي مرغ أنف اليهود بالتراب، وكسر شوكتهم، ودغدغ رموزه عواطف الناس بالانتصار على اليهود، وتحرير القدس وفلسطين.
أقول: ليس غريبًا حينها، أن ينكر عليَّ بعد تلك الخطبة أحد الإخوة العرب من ضحايا الإعلام المضلل، بحجة أن حزب الله فعل وفعل، وأننا نحن والشيعة في حرب مع اليهود فلا تفرقوا الأمة.
وليس غريبًا أن أصعق بكلمة قالها لي أحد المصلين في هذا الجامع بعد إحدى الصلوات، حينا قال: ليتنا كلنا حسن نصر الله, ومضت الأيام، لتكشف الأحداث الأخيرة عن الأقنعة المزيفة والشعارات الوهمية.
فبعد انتهاء العدوان اليهودي، كان نصر الله يردد: لن نطلق رصاصة واحدة في داخل لبنان ولو جرونا للقتال جرًّا، وقال: "هذا وعد مني" وصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما قال: "آية المنافق ثلاث, وإذا وعد أخلف" فإذا بحزب الشيطان هذه الأيام لا يُجَرّ، بل يبادر بإطلاق الرصاص واحتلال عاصمة بلده مستغلاً ما تعانيه لبنان من فراغ رئاسي وأزمة سياسية, سقط بسبب هذا الانقلاب عشرات القتلى، ودمرت العديد من المؤسسات الإعلامية والاقتصادية والاجتماعية في بيروت, وامتدت رحاها إلى مدن أخرى في لبنان, وسبب الانقلاب والقتل كما يدعي الحزب هو قرار الحكومة اللبنانية، الأول: باعتبار شبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله خارجة عن القانون، والثاني: بعزل مدير أمن المطار بعد اكتشاف اتصالات مريبة، وكاميرات مراقبة لحزب الله في مدرجات الطائرات.
وإن العاقل ليتساءل: ما الذي يريده حزب الشيطان؟ وهل نقل ضابط يعمل في المطار، يبرر الانقلاب على حكومة دولة, وهل منع وضع أجهزة تنصت وكاميرات، يسوغ قتل الناس، أم أن هناك خطة مسبقة لكل ما حدث في لبنان, كما صرح بذلك سمو وزير الخارجية في بلادنا وفقه الله.
عباد الله: ما هي حقيقة حزب الله؟
إن الجماهير المستضعفة حينما ترى أبناءها يقتلون، ومصالحها تستلب، وأرضها تستباح، فإن نفوسها تتعلق بكل من يرفع راية المقاومة ضد العدو، وتسير خلفه، وتردد شعاراته، دون أن تعي حقيقة الصراع, حتى قال أحد الجهلة عن حسن نصر الله: "إنه صلاح الدين في القرن العشرين".
وهذا يذكرنا ببعض من انخدعوا بالشعارات التي رفعتها ثورة الخميني، أو التي رفعها حزب البعث العراقي، ثم تبين للناس أنها أبعد ما تكون عن الإسلام.
إن الهوان الذي نتجرعه جميعًا كل يوم على يد الإسرائيليين في فلسطين، والأمريكيين في العراق وأفغانستان، دفع بعضنا إلى التأييد الجارف لحزب الله، فهل تخلى الحزب عن مخططاته الصفوية، وعقائده الكفرية ضد الصحابة خاصة، وأهل السنة عامة؟ هل هذا الحزب يعمل لمصلحة الأمة، أو يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا؟
وبيانًا للحقيقة نقول:
حزب الله -كما يعترف أمينه حسن نصر الله- هو أحد صور الثورة الخمينية على العالم الإسلامي والتي وجدت في جنوب لبنان أرضًا خصبة لإقامة نظام خميني آخر.
فخميني العرب حسن نصـر الله يقول: "فلم تكن الحرب بضواحي البصرة وعلى ساحل شط العرب، إلاّ مقدمةَ حروبٍ كثيرة، أوكلت إليها القياداتُ الخمينيةُ الشابة، التمهيدَ لفَرَج المهدي صاحب الزمان، من غيبته الكبرى، ولبسطه راية العدل، على الأرض كلها، وتوريثِه ملكَ الأرض للمستضعفين".
ويقول: "إنّ المرجعية الدينية هناك في إيران تشكل الغطاء الديني والشرعي، لكفاحنا ونضالنا" اهـ .
يجب أن يفهم العرب والمسلمون أن حزب الشيطان على استعداد لحرق بلدانهم من أجل إيران, فهو يقاتل دفاعا عن مصالح الشيعة وعن مستقبل مشروعهم, وقتاله لليهود هو من باب تضارب المصالح، فلو اتفقت مصلحته مع اليهود أو الأميركيين فسيقلب سياسته ويغير جلده, وأما تبنيه للقضية الفلسطينية فلأنها الباب الوحيد للولوج إلى قلوب العرب والمسلمين.
وربما يقول قائل: نحن نعلم فساد عقائد الشيعة، لكننا أمام عدوان اليهود، فلماذا لا نجتمع معهم، ونوحد الجهود ضد اليهود، ونؤجل الكلام في الخلافات الفرعية.
فأقول: هذا الكلام غير صحيح لا شرعًا ولا عقلاً: أما شرعًا: فخلافنا مع الرافضة خلاف في الأصول وليس في الفروع، إننا نختلف مع الشيعة في أصول عظام من أصول الدين، وقد كفر أئمةُ الإسلام علماءَ الرافضة الذين يتبنون عقائدهم الكفرية بالإجماع، ولولا وجود العذر في حق عامتهم بالشبه وعدم قيام الحجة لم يختلفوا في كفرهم أيضًا.
وأما عقلاً: فإن هؤلاء القوم لا يؤمن جانبهم، وقد أثبت التاريخ قديمًا وحديثًا، الكثير من خياناتهم وكذبهم وتبنيهم عقيدة التقية التي يسترون بها سوءاتهم, والواجب هو تصحيح المعتقد وهو أصل الدين، وسبب نزول النصر المبين.
اقرؤوا التاريخ، هل تجدون دولة شيعية نصرت الإسلام، وأقامت الشريعة، وجاهدت الكفار في سبيل الله؟
لا, ألم يسفك سلفهم دماء المسلمين، ويقتلعوا الحجر الأسود من الكعبة، ويتآمروا على إسقاط الخلافة ببغداد واستباحة التتار لها، حتى جاء خلفهم فأحدثوا التفجيرات في الحرم المكي، وكانوا عونًا للمحتلّ الأمريكي في العراق, بل أذكر كلامًا لأمين هيئة علماء المسلمين في العراق أن ضحايا أهل السنة في العراق وصل عددهم إلى 200 ألف؛ 100ألف قتلوا على أيدي القوات الأمريكية المحتلة, والمائة الأخرى على أيدي الميليشيات الصفوية بقيادة الحكيم والصدر وبأوامر مباشرة من إيران, وإذا كان اسمه أبا بكر أو عمر فلا يكفيه القتل، بل إنهم يمثلون بجثته بعد قتله، فما الذي ننتظره من هؤلاء القتلة؟ (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [المنافقون:4].
ولهذا قال بعض العلماء: لا يكون لليهود والنصارى قوة في بلاد المسلمين إلا وتنشأ دولة شيعية؛ لأن الشيعة في الغالب يوالون أعداء الله من الكفار.
من هو العدو الحقيقي لليهود؟ لماذا تغتال اليهود الشيخ أحمد ياسين -رحمه الله وغفر له- وتترك هذا المهرج حسن نصر الله؟
أترك الجواب لمجرم الحرب السفاح شارون عليه من الله ما يستحق، يزيل الغموض ويضع النقاط على الحروف، ويبين من هم العدو الأول لإسرائيل؟
اطلعت على صفحات من كتاب مذكرات أرييل شاروون، يقول في ص584: "لم أر يومًا في الشيعة أعداء إسرائيل على المدى البعيد، ولا حتى في الدروز, أما عدونا الحقيقي الذي رأيته هنا، فيتمثل بالمنظمات الإرهابية الفلسطينية" ويقول -في ص575 يتحدث عن الخطة العسكرية في لبنان- فيقول: "سنحرص حتى لا تطال هذه العملية الشيعة والدروز والمسيحيين" اهـ.
ولا يفوتني في هذا المقام أن أتقدم للمجرم شارون بأحر التمنيات وأصدق الدعوات بأن يعذبه الله في الدنيا والآخرة، هو ومن أعانه على استباحة دماء المسلمين، بقدر دماء الأبرياء، صرخات الأطفال والنساء، وأنات الثكالى، وآهات اليتامى (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) [الدخان:49] (لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ ) [النور:11].
عباد الله: إنه على الرغم مما أصاب إخواننا في لبنان، فإنا نقول: (لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) [النور:11].
الأمر لا يخلو من حكم ومصالح أرادها الله –تعالى- ولعل من أهم هذه الحكم: انكشاف حقيقة هذا الحزب الشيطاني للعالم، فقد جاءت هذه الأحداث صفعة لكل من طبل لحزب الله، بدعوى أنه يقاتل اليهود، أو أن هذا الحزب الرافضي الفارسي أقرب إلينا من اليهود.
لقد نجح حزب الشيطان فيما مضى في وضع مساحيق الاعتدال على وجهه الطائفي الصريح، في برامجه الفضائية، وخطابات قادته النارية, لكن هذه المساحيق سرعان ما انقشعت مع عواصف الأزمات المذهبية، كما انقشعت مع عواصف الفتنة الطائفية في العراق.
لقد أدرك أهل السنة وغير أهل السنة، بل وغير المسلمين في لبنان أن ما قام به حزب الشيطان هو احتلالٌ طائفي شيعي, وأن الفكر الشيعي السياسي الديني لا يعيش إلا في الظلام، وإذا خرج للنور احترق, وصدق الله العظيم: (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال:42] أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه:
ما الذي يجب أن يقال لإخواننا أهل السنة في لبنان؟
إن أخشى ما يخشاه الغيور أن يكون ما قام به حزب الشيطان في بيروت، مناورة تدريب للسيطرة عليها عند الضرورة، ودحر أهل السنة، وتحويل لبنان إلى دولة شيعية، ناهيك عن آلاف المخازن من الأسلحة الخفيفة والثقيلة والتي لا يمتلكها إلا ذلك الحزب.
إن أهل السنة دولًا وأفرادًا وعلماء وجماعات مدعوون إلى أن يعدوا العدّة ويأخذوا بأسباب القوة؛ كما قال الله (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ) [الأنفال:60].
وأعظم القوة قوة الإيمان، وتصحيح التوحيدِ والعلاقةِ مع الله، ثم القوة العسكرية والإعداد للجهاد لحماية الدين والنفس والعرض؛ فإنه لا عزاء للضعفاء، متى ما ركنوا إلى الضعف، وتسلط عليهم الأعداء.
إن الواجب على إخواننا في لبنان أن يستثمروا الوقت الراهن لاتخاذ خطوات جادّة تعمل على النهوض بحال أهل السنة دعوة وعلمًا وتوعية وإعدادًا للجهاد في سبيل الله بضوابطه الشرعية، ودفعًا للظالم المعتدي.
وأقول بكل حسرة: إلى الله نشكو أحوال أهل السنة في لبنان، وأنت ترى إصرار الكثير من الساسة المنسوبين لأهل السنة، على الانتماء العلماني المتحرر، بينما يتشبث الآخرون بهوياتهم الدينية والمذهبية، ونظرة سريعة في وسائل الإعلام اللبنانية المختلفة تظهر لك هذا الشرخ الكبير في الهوية وللأسف.
لبنان: البلاد الطيِّبة الخضراء، أرض العلماء والأدباء، ولكن، أريد لها في هذا الزمن أن تكون مجمعًا للفساد، ومصدرًا لثقافة العري، ومرتعًا للعهر والخنا بعدما فتح صانعو القرار فيها ذراعهم للثقافات الغربيَّة بخيرها وشرِّها.
والواجب على المسلمين أن تكون لهم وقفة مراجعة مع النفس، لماذا سلَّط الله عليهم الأعداء، فأذاقوهم مرَّ البلاء؟ نرجو الله أن يجعل من هذه الحروب والفتن تكفيرًا للسيئات، وإيقاظًا من الغفلات, وأن يجعل منها صعقاتِ إحياءٍ لا إماتة, وسببًا من أسباب الرجوع إليه سبحانه.
وختامًا, لا ننسى -عباد الله- الموقف المشرف الحكيم الذي اتخذته بلادنا المباركة تجاه هذه الأزمة, وكم فرحنا وفرح أهل السنة في لبنان عندما صرح سمو وزير الخارجية -وفقه الله- بأن ما حدث في لبنان هو انقلاب من حزب الله، وقال: "إذا كانت إيران تدعم ما حصل في لبنان من انقلاب وتؤيده، فهذا شيء يؤثر في علاقتها مع جميع الدول العربية والإسلامية"
وأقولها -شهادة لله- لقد عبر لي العديد من الإخوة اللبنانيين في هذا الجامع عن مدى حبهم لهذه البلاد، وأنهم يرون فيها الأمل لأهل السنة في لبنان -بعد الله تعالى- نسأل الله أن يوفق ولاة أمورنا لكل خير، وأن يلهمهم رشدهم، وينصرهم على من عاداهم، وأن يجمع عليهم قلوب المسلمين.