العلي
كلمة العليّ في اللغة هي صفة مشبهة من العلوّ، والصفة المشبهة تدل...
العربية
المؤلف | أحمد عبدالرحمن الزومان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الأديان والفرق |
حينما يقص علينا القرآن الكريم كيد أهل الكتاب أعني اليهود والنصارى لهذا الدين ولحملته وشرقهم به حيث كانوا يظنون أن النبي المبشر به منهم (وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ) وحين يذكر لنا ما يختلج في نفوس القوم وشعورهم بالاستعلاء على الآخرين وازدراءهم غيرهم ولو كانوا في ميزان الله خيراً منهم لتقواهم لشعورهم بأنه جنس فاضل على غيرهم ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
أما بعد: حينما يقص علينا القرآن الكريم كيد أهل الكتاب أعني اليهود والنصارى لهذا الدين ولحملته وشرقهم به حيث كانوا يظنون أن النبي المبشر به منهم (وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ) وحين يذكر لنا ما يختلج في نفوس القوم وشعورهم بالاستعلاء على الآخرين وازدراءهم غيرهم ولو كانوا في ميزان الله خيراً منهم لتقواهم. لشعورهم بأنه جنس فاضل على غيرهم.
فمن أسباب تيههم وإعجابهم بأنفسهم زعمهم الكاذب أن لهم الحظوة عند الله فهم أحبابه وخيرته من خلقه فعلى هذا. ما عداهم من الآدميين منحط الرتبة لا يدانيهم بالمرتبة وعلى الأميين أن يدركوا هذه الحقيقة بزعمهم و يتعاملوا معهم وفق هذا التفضيل الإلهي تعالى الله عن كذبهم علواً كبيراَ (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) فإذا كانت هذه مقولة أسلافهم فكيف بخلفهم الذين يتتلمذون على هذه الأباطيل وما زادها الزمن إلا زيادة في الظلال والانحراف ويزيد خلفَهم عجباً وكبراً ما أوتوا من تقنية حديثة وابتكارات علمية وقوة عسكرية فزادتهم عُلُوًّا كَبِيرًا ويأتي الرد المفحم لهم من الله داحضاً هذا الإدعاء (قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء).
ومن سيما القوم استخفافهم بالرسل وبما أرسلوا به فلا يرعون لهم حرمة ولا يخافون فيهم مرسلَهم فإذا كان الحق الذي جاؤوا به لا يوافق نفوسهم التي أشربت حب الشهوات نسبوهم إلى الكذب ولم يقبلوا الحق الذي جاؤوا به وهذا في أحسن الأحوال وحين يلجون في غيهم يقتلون خيرة خلق الله المرسلين (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) فإذا كان هذا حالهم مع رسلهم الذين هم من بني جلدتهم و تربطهم فيهم أواصر فغيرهم من باب أولى لاسيما الأميين فلذا كادوا لنبينا ولدعوته بأساليب مختلفة وكذلك الشأن مع كتبهم السماوية فتارة يحرفونها وتارة يكتمون ما فيها من الحق استخفافا بها ونقضا للعهد الذي أخذ عليهم بالعمل بها وبيان الحق الذي فيها. فلا يستغرب على هؤلاء القوم ألا يراعوا الحرمات الدينية لغيرهم ولا يعظموا ما أوجب الله تعظيمه فلا يستغرب منهم الاعتداء على مقدسات المسلمين وشعائرهم الدينية وعدم احترامها بل استخفافهم بها وتعمد إهانتها وانتهاك حرمتها.
وهم مع ذلك يسعون في تشكيك المسلمين في دينهم ومن مكائدهم السالفة أن تدعي طائفة منهم الإسلام و يدخلون في صفوف المسلمين ويزعمون بحثهم عن الحق وطلبهم للحقيقة فيقومون بإلقاء الشبه على المسلين تشكيكا لهم في دينهم وفي نهاية المطاف يرتدون عن الإسلام الذي دخلوه ظاهرا بزعم أنهم لم يجدوه حقا لا سيما أن العرب تقتدي بهم في هذا الباب لأنهم أهل كتاب (وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) ولا زال هذا ديدنهم فأسلافهم هذا كيدهم في وقت التشريع وخلفهم المستشرقون بكتباتهم عن الإسلام والقرآن والسنة وإثارة الشبه حولهما وحول بعض الأحكام الشرعية كالقصاص وبعض أحكام الأحوال الشخصية والإعلاميون منهم عبر وسائل إعلامهم المختلفة فهم يخلطون الحق بالباطل حتى لا يتميز الحق و يتعمدون نقل الحقائق على غير ما جاءت ونسبة العوائد الخاطئة التي يمارسها بعض المسلمين إلى الإسلام تنفيراً للناس عن دخولهم في هذا الدين لاسيما بني جلدتهم الذين ليس لهم في الغالب مصادر تلقي إلا عن طريقهم (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ)
الخطبة الثانية
الحمد لله القائل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ)
فقد حذرنا ربنا عز وجل من عاقبة الإصغاء لأهل الكتاب وأمتثال أمرهم لما تقدم من انحراف معتقدهم وخبث سريرتهم وسوء نيتهم فلا يمكن أن نلتقي مع ما يدعوننا إليه للاختلاف بيننا وبينهم في النظرة العامة والاعتقاد فإذا وجدوا منا أذانا صاغية فسوف يستخدمون ذلك في إخراجنا من ديننا ردة لأن بعض ما يعتقدونه ينافي أساسيات اعتقادنا فاستحسانه فضلا عن اعتقاده ردة عن الدين فلذا اعتنى ربنا عز وجل في كتابه بفضح خطط القوم و بيان ما هم عليه من فساد في التصور والاعتقاد فهذه الأمة المسلمة رسم الله لها طريقا تسير عليه في شتى مناحي الحياة منهاجا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لأنه تنزيل من حكيم حميد.
ثم يتبادر إلى الذهن سؤال وهو: ما هو الحد الذي إذا أطعناهم فيه قبلوا منا وتركونا وشأننا؟ والجواب عن ذلك السؤال ِمن مَنْ خلق هؤلاء القوم وعلم سرائرهم وما تكنه صدورهم حيث يقول ربنا عز وجل: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) فالمسألة لا تقبل إنصاف الحلول ولا الالتقاء في منتصف الطريق فإما أن تحقق هذه الأمة المسلمة ولاءها لربها وتلتزم أحكامه وإما أن ترتمي في ظلالات أهل الكتاب وتكون تابعة لهم تسير في مؤخرة قافلتهم.
وانسلاخ الأمة من دينها لا يكون دفعة واحدة إنما هي مراحل. ولا نظن أن من بيده اتخاذ القرار من أهل الكتاب حكومات علمانية لا تدين بالولاء لدينها. بل المحرك لها عقائد منحرفة موغلة في التطرف أحياناً ويظهر ذلك في فلتات لسانهم.
إخواني: العدل سمة هذا الدين عدل مع المحب والمبغض مع العدو والصديق فالسمة العامة لأهل الكتاب ما تقدمت بعض أوصافهم الذميمة. ولا يمنع أن يوجد فيهم أفراد أو جماعات لا ترتضي هذا السلوك المشين وهذا الاعتقاد المنحرف بل هي على الجادة في الإيمان وعدم التحريف وهم بعض من تقدم رسالة نبينا محمد أو ينكرون الظلم والاعتداء على الآخرين بوسائلهم الخاصة من المعاصرين يقول ربنا تعالى منصفا هؤلاء (لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ) (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا).
ولنوطن أنفسنا على أننا سنسمع ونرى من أهل الكتاب كل كريهة (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) ويرشدنا ربنا في هذه الحالة إلى الصبر وتفويت الفرصة عليهم متسلحين بالتقوى فهي أعظم عدة في حال الشدائد فنتقي الله عامة في فعل المأمور وترك المنهي حتى في أهل الكتاب نتقي الله فيهم فمن كان منهم محارباً أعطي أحكام المحاربين وأما من كان من أهل العهد فيعطى أحكام المعاهد (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) ولاشك أن الصبر والتقوى قد يكونان شاقين على بعض النفوس لكن عاقبتهما حميدة النصر والتمكين فهذا يوسف الصديق بعد أن كيد له صبر وأتقى فقال بعد التمكين (إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ).