البحث

عبارات مقترحة:

الشاكر

كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

الأحد

كلمة (الأحد) في اللغة لها معنيانِ؛ أحدهما: أولُ العَدَد،...

القريب

كلمة (قريب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فاعل) من القرب، وهو خلاف...

خلافة على منهاج النبوة

العربية

المؤلف حاتم فريد الواعر
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. تقسيم تاريخ حكم الأمة لأربع مراحل .
  2. استشرافنا للمرحلة الرابعة مرحلة الخلافة .
  3. الحرب الشعواء على الإسلام .
  4. التسلح بالمعرفة والصبر والحكمة لتمييز ومواجهة الأعداء .
  5. الرد على دعوات إقصاء الإسلام .
  6. سعادة الدنيا والآخرة في اتباع إرادة الله .
  7. منع استيرادنا للدساتير لا يعني مقاطعة المنافع .

اقتباس

فلابد أن يكون سعينا الآن موافقاً لهذا الخبر القدري الذي أخبر عنه -صلى الله عليه وسلم-، إننا نريد أن ننتقل من زمان الملك الجبري إلى زمان الخلافة الراشدة التي تكون على منهاج النبوة، وإن كل زمان يضيع منا الآن يكون إعطاء مدة زمنية لإمداد هذا الملك الجبري، فإما أن نمد في هذه المدة ونطيلها، وإما أن نعجل بها ونتكلم عن الإسلام، ونتكلم عن حكم الله تبارك وتعالى وشرعه ..

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير، هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم، هو الأول فلا شيء قبله، وهو الآخر فلا شيء بعده، وهو الظاهر فلا شيء فوقه، وهو الباطن فلا شيء دونه، هو جبار السماوات والأرض، لا رادّ لحكمه، ولا معقب لقضائه وأمره، إنما أمره إذا أراد شيء أن يقول له كن فيكون.

وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

ثم أما بعد: روى الإمام أحمد عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيّاً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ" ثم سكت.

هذا الحديث يصنف تاريخ الأمة إلى أربع مراحل :
المرحلة الأولى: مرحلة النبوة والخلافة الراشدة، النبوة كانت مدة ثلاثة وعشرين عاماً، ثم كانت الخلافة الراشدة بعد ذلك مدة ثلاثين عاماً، لحديث سفينة مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الخلافة في أمتي ثلاثون عاما، ثم بعد ذلك الملك".

ثم بعد هذه المرحلة تبدأ المرحلة الثانية: مرحلة الملك العضوض، وهذا الملك كان منذ قيام الدولة الأموية إلى سقوط الدولة العثمانية سنة 1924م.

ثم بعد ذلك المرحلة الجبرية : وهذه المرحلة هي التي أعقبت الاستعمار الغربي حيث تم تقسيم الدولة الإسلامية إلى دويلات صغيرة بموجب اتفاقية، ثم بعد ذلك أخذ كل ملك وكل رئيس حظه من البلاد وصار رئيسه بعد ذلك ولكن تحت قيادة غربية، وتحت طريقة الاستعمار الغربي، هذا هو الملك الجبري.

ثم بعد ذلك الملك الجبري الذي نتكلم عنه الآن، والذي قام بعد سقوط الدولة العثمانية.
ثم بعد هذه المرحلة الثالثة كانت المرحلة الرابعة، وهي مرحلة الخلافة التي تكون على منهاج النبوة.

إذن أنت أمام أربع مراحل: المرحلة الأولى مضت، والثانية مضت، وأنت الآن في المرحلة الثالثة وهي مرحلة الملك الجبري، وهو الذي قام منذ سقوط الدولة العثمانية إلى يومنا هذا، ثم بعد ذلك ستأتي المرحلة المرجوة المنتظرة التي يأملها كل مسلم، وهي مرحلة الخلافة التي تكون على منهاج النبوة.

وإننا إذ نعمل الآن، وإذ نتكلم الآن، فإننا نتكلم تحت بُشْرى وأمل، وذلك لقيام الدولة الإسلامية؛ لأنها في مرحلة اضمحلالٍ للملك الجبري، هذا الملك الجبري الذي يحكم الآن كل الدول العربية، فأنت إذ وجهت نظرك يمينا أو يسارا فما وجدت إلا ملكاً جبرياً في كل دولة من الدول العربية، ولكن الأمور بدأت تختل في جميع المناطق، أو في كثير من المناطق.

إن هذا ينشطني وينشط كل مسلم أن يتكلم عن الإسلام، ويعرض آراء الإسلام، وحكم الله تبارك وتعالى، فإن القوم منذ أكثر من خمسين عاماً ما سمعوا عن الإسلام شيئاً، فالإسلام عندما يُسمع فإنه يسمع في زاوية محدودة لا صوت له، ولا إعلام له، ولا قالب له.

هكذا منذ أكثر من خمسين عاماً الحرب على الإسلام وأهل الإسلام، فلا صوت لهم ولا إعلام لهم، والقوم الآن عندما يتكلمون ويعرضون الإسلام فإنهم الآن يحاربون من كل بقاع الأرض، فإن القوم يستطيعون أن يسمعوا منك كل شيء إلا أن ترفع صوت الإسلام، فهذا أمرٌ يغضب القوم، وأيضاً يستاؤون له؛ من أجل ذلك يشنون الحرب مرة ثالثة ورابعة إلى أن تقوم الساعة على الإسلام وأهل الإسلام.

أنا أحيلك إلى موقع مفكرة الإسلام حتى تسمع عن هذه الحرب الحقيرة التي يشنها اليوم أعداء الإسلام على الإسلاميين والمسلمين، وعلى الذين يتبنون راية الإسلام، أحيلكم إلى الموقع حتى تنظروا ماذا يقوله القوم، فإن قوماً من الصحفيين الأمناء قد وجه إليهم رؤساؤهم بحملة تشويه على من يسمون أنفسهم بالسلفيين أو غير السلفيين أو الإخوان أو غير الإخوان، المهم أن كل من يتبنى الإسلام أو صوت الإسلام فلابد أن تقوم عليه الحرب، وأنا أحيلك على الموقع، فالموقف ليس موقف تفصيل.

ثم بعد ذلك نقول لك، وحتى لا تحزن، وحتى لا تشغل بالك، فأنت أفضل أم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل ذلك وهو يؤسس الدولة الإسلامية وهو ينادي بشرع الله قالوا عنه شاعر، وقالوا عنه مجنون، اتهموه في عقله، واتهموه في خلقه، وهو منذ قليل كان يلقب بالصادق الأمين، ولكن القوم يقبلون منه كل شيء إلا أن يسفِّه عقيدتهم، من أجل ذلك قالوا شاعر ومجنون، فأخبر القرآن ونزل بتزكية محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقال الله -عز وجل-: (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:1-4].

في ختام السورة أيضا يقول الله تبارك وتعالى (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ ) [القلم:48]، استمر وانشر دعوتك ولا تعبأ بآراء القوم فإنك صاحب رسالة، وإن صاحب الرسالة دائما لابد أن يعلم أنه محارَب، فلا يعبأ بالقوم، فإن الله تبارك وتعالى معه، فإن الله -عز وجل- ولي المؤمنين، ولي المتقين، ولي الصالحين، كما أخبر القرآن الكريم في قوله تعالى: (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) [الأعراف:196].

فلابد أن يكون سعينا الآن موافقاً لهذا الخبر القدري الذي أخبر عنه -صلى الله عليه وسلم-، إننا نريد أن ننتقل من زمان الملك الجبري إلى زمان الخلافة الراشدة التي تكون على منهاج النبوة، وإن كل زمان يضيع منا الآن يكون إعطاء مدة زمنية لإمداد هذا الملك الجبري، فإما أن نمد في هذه المدة ونطيلها، وإما أن نعجل بها ونتكلم عن الإسلام، ونتكلم عن حكم الله تبارك وتعالى وشرعه.

ولكن القوم لا يريدون هذه النبرة، ولكن القوم لا يريدون منا أن نتكلم بالإسلام، وبلغة الإسلام، وهذا لا يهم كثيرا، فالمهم أن أعرف أنا وأن تعرف أنت أنك على الحق، ولا تترك نفسك أبداً للإعلام وأهله وأدواته ووسائله تستقي منه ثقافتك ورأيك، فهذا ضلال مبين، إلا مَن رحم الله تبارك وتعالى.

فلابد أن تعلم هذا جيداً، من أجل ذلك يقول لك الإمام علي بن أبي طالب: اعرف الحق تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف أهله. فلابد أن تتعرف على كتاب الله ولابد أن تتعلم سنة نبيك -صلى الله عليه وسلم-، حتى إذا خرج قوم من السفهاء علمت ما عليهم وقلت في نفسك هذا لا يرضي الله ولا رسوله فتبتعد عنه.

وإن القوم منذ أكثر من خمسين عاماً وهم يقولون بأن الدين لابد أن يبقى في المسجد، لابد وألا نسمع صوتاً للمسلمين خارج المسجد، يتكلمون بلغة الكتاب وبلغة السنة خارج المسجد، هكذا قالوا، وإن قالوا ذلك فهم مخطئون؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي علمني أن أصف الصفوف وأنا أقف بين يدي ربي داخل المسجد هو أيضاً الذي علمني أن أصف صفاً واحداً مستوياً وأنا أقاتل أعداء الإسلام، قال الله -عز وجل-: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) [الصف:4].

وإذا غفل القوم عن هذا فإنني أيضا أحيلهم إلى التاريخ، وأحيلهم أيضا إلى كيف كان المسجد هو الذي يحكم، ففي المسجد كان الحكم وكانت الخلافة، فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يصدر أمراً من الأوامر نادى المنادي: الصلاةُ جامعةٌ. ثم يجمع الناس، ثم يأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأوامر ربه.

ولكنهم قالوا نريد فصل للدين عن السياسة، الدين دين والسياسة سياسة، وهم في ذلك أيضا مخطئون، لأن السياسة إذا كانت تعني إدارة البلاد والعباد فإن القرآن جاء خصيصاً لإدارة البلاد والعباد، ليسوقهم إلى مرضاة الله تبارك وتعالى؛ وإذا قالوا نريد فصلا عن الدين أو فصل الدين عن السياسة فإن ذلك لا يتماشى مع عقيدتي كمسلم، اقرؤوا إن شئتم قوله تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي) [الشورى:10]، أي: إن أعرض هؤلاء فقل: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي)، لا مرجعية لي إلا له، (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [الشورى:10].

وقال الله -عز وجل-: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) [النساء:59]، علامة إيمانك وعلامة إسلامك أن تكون مرجعيتك كتاب الله وسنة نبيك -صلى الله عليه وسلم-، قال بعد ذلك (ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) [النساء:59].

ثم قال بعد ذلك يسفه ما يقوم به القوم الآن من أنهم يتبنون شريعة أو دستوراً غير دستور القرآن وغير منهج النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال القرآن بعد ذلك في شأن المنافقين: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) [النساء:60-61].

الموقف لم يتغير كثيراً، أنت أمام قوم زعموا أنهم مؤمنون موحدون لله، ومؤمنون بكتاب الله، وبسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال لهم الحكماء والعقلاء تعالوا نتحاكم إلى شرع الله، قالوا لا نريد شرع الله! (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ)، قال المفسرون إن هذه الآية نزلت في المنافقين، فالذين نبذوا شرع الله وأرادوا أن يتحاكموا إلى الجاهلية القديمة وصدوا عن ذلك صدودا، أي لم يقبلوا شرع الله.

والآية -وإن كانت فيهم خاصة- فهي عامة لكل من ينبذ شرع الله، ويريد أن يتحاكم إلى غير شرع الله، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا)، أي يعرضون عنك إعراضا كالمستكبرين، فهم وحالهم، وهم وشأنهم يعرضون كما يعرضون، ولكنني كمسلم لا أقبل إلا شرع الله، وإلا دين الله -عز وجل-.

فإذا قلنا لهم تعالوا إلى الإسلام قالوا تعالوا إلى الحرية والاستقلال والديمقراطية، وإذا قلنا لهم تعالوا لنتحاكم إلى شريعة الله ونجعل مرجعيتنا كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، قالوا مرجعيتنا الشعب وما يريده الشعب، فما الحل إذن إذا كان الشعب لا يريد أن يحكم بشرع الله؟ وما الحل إذن إذا كان الشعب لا يريد أن يتعبد لدين الله ويخضع له؟ أنخضع للشعب أم نخضع لله؟ أنستكين للشعب أم نستكين لله؟ بل نخضع ونمتثل لأوامر الله، وندعو إلى الله تبارك وتعالى بالحكمة والموعظة الحسنة كما أخبر القرآن وأمر به: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [النحل:125].

إذن دعوة وصبر، ومجادلة بالتي هي أحسن، والصبر هذا هو الذي أستند إليه وأنا علي هذه الحرب الشرسة وأنا أواجه أعداء الإسلام، صبر ودعوة وحكمة واستعانة بالله، ولا أميل إلى آراء القوم أبداً، ولكن القوم قالوا أيضا: دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله. قلنا لهم: قيصر وما يملكه قيصر كل ذلك يملكه الله، فكيف تحكم في ملكه بغير شرعه؟!.

أيُعقَل أن تعمل في مؤسسة من المؤسسات ثم تقول لصاحب العمل: دعني أعمل وشاني! ثم تعمل لحساب مؤسسة أخرى تواجه وتنافس هذه المؤسسة التي تعمل فيها! أيعقل ذلك؟ إنك تفصل من ساعة أن تعلن هذا الأمر، ستفصل.

ولكن الله -عز وجل- ما فصلك وما رفضك، ولكن فتح لك باب التوبة بالليل والنهار، وإن الله -عز وجل- كما أخبر عن نفسه في الحديث القدسي: "يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل"، فما فصلك وما طردك وما أبعدك، ولكن فتح لك باب التوبة، كل ذلك من باب رحمته وعطفه وجوده على عباده.

وإن يوماً من الأيام ستتغير هذه الأرض، أقول هذا الكلام إلى الذين يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت، ويريدون أن يحكموا هذه الأرض بغير دين الله، نقول لهم إن يوما من الأيام ستتغير هذه الأرض، وتتغير السماوات كما أخبر القرآن، (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) [إبراهيم:48]، في هذا اليوم العصيب ينادي الله عز وجل ويقول: أنا الملك، أنا الجبار، أنا المتكبر، أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ أين الذين يريدون أن يتحكموا في ملكي بغير شرعي؟ في هذه اللحظات العصيبة أتعتقد أن يجيب أحد؟! لا يجرؤ أحد أن يتكلم خشية وهيبة من الرحمن، (وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا) [طه:108].

ولكن الملك وحده هو الذي يجيب فيقول: لمن الملك اليوم؟ هل يستطيع أحد أن يجيب؟ هو يجيب عن نفسه، لله الواحد القهار، (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) [غافر:17]، (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63]، لا تغفل عن كلام الله ولا عن شرعه ولا عن دستوره، إن الذين ترضونهم اليوم في هذه الدنيا سوف يغضبون عليكم في الدنيا، وسوف يتبرؤون عنكم أيضا في الآخرة، ويناديهم الله يوم القيامة، (أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ) [النحل:27]، هل ينفعونهم؟ إنهم ما نفعوهم في الدنيا إلا بإرادة الله، وبرضا الله، وبإذنه، فكيف ينفعونهم في الآخرة؟.

أسأل الله عز وجل لي ولهم الهداية، وأن تبقى راية الإسلام عالية خفاقة في مشارق الأرض ومغاربها. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

 

الحمد لله، (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ? وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ) [الشورى:25-26].

عباد الله: روى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليست السَّنَة بألَا تمطر [والسنة المراد بها القحط]؛ ولكن السنة بأن تمطر وتمطر ولا تنبت الأرض شيئاً". اسمع الحديث مرة أخرى: "ليست السنة بألا تمطر؛ ولكن السنة بأن تمطر وتمطر ولا تنبت الأرض شيئاً"، فليس القحط بألا تمطر السماء، ولكن القحط كل القحط أن تملك أسباب الإنبات ثم لا تنبت الأرض شيئاً؛ وذلك لغضب الله على أهل الأرض.اسمع الحديث مرة ثالثة: "ليست السنة بألا تمطر، ولكن السنة بأن تمطر وتمطر ولا تنبت الأرض شيئاً".

ربما تملك مالا ولكنه لا يغني، ربما تملك زوجة ولكنها لا تعفو، ربما تملك دستوراً وضَعه أفضل الحكماء على أهل هذه الأرض ولكنه لا يصلح، ولكن الذي يسعدك ويصلحك أن تكون إرادتك تابعة لإرادة الله؛ حتى تنعم بعطاء الله -عز وجل-.

الذين يريدون التمكين في الأرض، الذين يريدون أمناً في الأرض وسعة ورغدا، كل ذلك لابد أن يكون تبعاً لإرادة الله وتبعاً لشرعه، قال الله -عز وجل-: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور:55].

قال -صلى الله عليه وسلم- فيما صح عنه: "لَحَدٌّ يُقام في الأرض خير لأهلها من أن يمطر أربعين صباحاً"، حد واحد يقام في هذه الأرض خير لك من الرزق والسعة والمعاش، "لَحَدٌّ يقام في الأرض خير لأهلها من أن يمطر أربعين صباحاً".

(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) [الأعراف:96]، يأمر الله السماء أن تتفتح ببركاتها، ويأمر الله الأرض أن تتفتح ببركاتها، يحيط بك الخير من جميع الجوانب، ومن فوقك ومن تحتك، من أجل ماذا؟ من أجل إيمانك وتقواك، ومتابعتك لشرع الله، أتراني أقرأ أسطورة من أساطير العرب؟ أتراني أقرأ نثراً من دواوين أهل الشعر واللغة؟ إنني لا أقرأ إلا كتاب الله، (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف:96].

شرع الله، كتاب الله، سبب كل خير وفلاح ونجاة، فكيف لي بعد ذلك أن أتبنى أي دستور غير دستور كتاب الله، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-؟ تكلموا كما شئتم فإني أسمع من هنا وأفرغ من هنا؛ لأن الكلام غير مطابق لكتاب الله وسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم-، هكذا لابد أن تسمع بأذن صاغية، ولابد أن تميز بعقل الحق، بين الحق والباطل، هذه الحرب الشرسة على الإسلام وأهله لابد أن يكون لها صدى من العقلاء والحكماء، لا تكن أبداً مغيباً عن دين الله وشرعه، لا تكن أبداً مغيباً عن طريق الله -عز وجل-، أرشِد إلى كتاب الله وأرشد إلى سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- تفلح وتؤجر.

إننا في هذا المقام لا نسد الأبواب التي تأتينا من الخارج أو الداخل، فإننا لا نمنع أن نستورد أي شيء ينفعنا في أمر دنيانا ومعايشنا، فالحكمة ضالة يأخذها أينما وجدها، ولكننا نمنع أن نستورد دستوراً يخالف دستور كتاب الله، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.

إن القوم كانوا في القديم قبل الإسلام كانوا في ضياع وفي خوف وفي هلاك، فذكّرهم الله -عز وجل- بعد الإسلام بقوله تبارك وتعالى: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الأنفال:26]، فكانت المؤاواة وكان النصر، وكان العز، كل ذلك كان تبعاً لموافقتك لشرع الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-

إننا في هذا المقام نذكر بأن هذه الحرب الشرسة لن تدوم أبداً، فإن الله -عز وجل- لا يصلح عمل المفسدين. وإننا نذكر أيضا في هذا المقام بأن هذا لا يؤثر على أهل الإسلام، ولا يؤثر على المشايخ، ولا على الحكماء ولا على العقلاء، فإنهم يكفيهم فخراً وشرَفاً أنهم يعرفون أنهم على الحق، وأن النتيجة ليست لي وليست لك، وأن النتيجة عند الله تبارك وتعالى، هو الذي يعطيني ويعطيك ويعطي كل الناس، فالمهم أن تعرف أنك على الحق، والمهم أن تسعى وتتحرك، ولا تلتفت أبداً للمثبطين ولا للمعوقين.

أسأل الله عز وجل أن يصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا.