البحث

عبارات مقترحة:

القهار

كلمة (القهّار) في اللغة صيغة مبالغة من القهر، ومعناه الإجبار،...

الحفيظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...

البارئ

(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...

آيات الله في الظواهر الكونية (الغبار)

العربية

المؤلف عبد العزيز بن عبد الله السويدان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. صفات المؤمنين الذين يعتبرون بآيات الكون .
  2. الأسباب المحتملة للظواهر الكونية غير المعتادة .
  3. أهمية التدبر والاعتبار بآيات الله الكونية .
  4. الهدْي النبوي في التعامل مع الظواهر الكونية .
  5. عدم تعارض القياسات العلمية والدين .
  6. تفاؤل المؤمن ونظره لإيجابيات الأحداث لا يعني إهماله لتقصيره .

اقتباس

إنَّ الله سبحانه يبعث إلينا بين الحين والآخر من حقائق قدرته ومِنَنِهِ العظيمة ما يغيب عن أذهاننا وحواسِّنا في غمرة الحياة ومشاغلها، ولو لم يفعل ذلك ربما طالت غفلتنا كثيراً، ومن هذه الحقائق تصريفه المحكم لخلقه -جل وعلا-، وقدرته المطلقة على اتخاذه مِن شتَّى مخلوقاته ما يؤدِّب به الناس، أو ما يؤمِّنهم، أو يخوِّفهم، أو يرقِّق قلوبهم ..

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

يقول الخالق سبحانه: (إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ * وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ) [الجاثية:3-6].

لقد وصفت الآيات المعتبرين الذين تحركهم آيات الله الكونية في ثلاث صفات: الإيمان، واليقين، والعقل، (لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ- آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ - آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)، رزقَنِي الله وإياكم من هذه الصفات الشريفة.

أيها الإخوة: آيات الله حولنا لا يحصى عددها، والخوف ليس من رؤيتها أو الإقرار بوجودها ولكن الخوف من أن تمر علينا الآيات فلا نعتبر ولا نتعظ ولا نستفيد، كما قوله سبحانه: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) [يوسف:105].

حديث المجالس في الأيام الماضية، وما زال مستمراً، هو حول الغبار الذي غلب على سقف المنطقة واستقر فيها فترة طويلة لم يسبق لها مثيل، وما زال مستقراً، يخف يوماً ويزداد آخر، والمؤمن الحق -كما تقدم- يستفيد من هذه التقلبات ما لا يستفيد منه الغافل. ولهذا؛ نريد اليوم إن شاء الله أن نتناول هذا الموضوع من جانبه الإيماني.

معاشر الإخوة: إن الله سبحانه يبعث إلينا بين الحين والآخر من حقائق قدرته ومِنَنِهِ العظيمة ما يغيب عن أذهاننا وحواسنا في غمرة الحياة ومشاغلها، ولو لم يفعل ذلك ربما طالت غفلتنا كثيراً، ومن هذه الحقائق تصريفه المحكم لخلقه -جل وعلا-، وقدرته المطلقة على اتخاذه من شتى مخلوقاته ما يؤدِّب به الناس، أو ما يؤمِّنهم، أو يخوِّفهم، أو يرقِّق قلوبهم.

ولهذا صح في البخاري قوله -صلى الله عليه وسلم- لما خسفت الشمس: "إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد، ولا لحياته، ولكنهما آيات من آيات الله يُريهما عباده؛ فإذا رأيتم ذلك فافزعوا للصلاة"، وقال أيضا: "وصلُّوا حتى يُفَرِّجَ الله عنكم".

والظواهر الطبيعية من براكينَ وزلازلَ وفيَضَانَاتٍ وعواصفَ أو جدْبٍ كلها بمقدار، (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ) [الرعد:8]، وبحكمة بالغة من العليم القدير، ولا يقدِرُ على دفعها أو منعها سوى ربِّ العباد، والناس تجاهها ضعفاء عاجزون.

هذه الظواهر الطبيعية الناس تجاهها ضعفاء عاجزون مهما بلغت قُوَّتُهُم وقدرتُهم العلمية والتِّقَنِيَّة، هُمْ قبل وُقوعها في حالة انتظار وعَجْز، وأثناء جريانها في حالة ذهول وكبَد، وبعد انتهائها في لملمةٍ للعافية من جديد، ولسان حالهم يقول: متى تتوقف هذه الظاهرة أو تلك الطامة؟ وقد تكون الظاهرة أو السنة الإلهية الواحدة عقوبة لقوم، وابتلاء لقوم آخرين بحسب الحكمة.

خذ الموت مثلا، هو سنة الله، فقد قضى الله الموت على عباده كلهم بلا استثناء، والموت في ظاهره شرّ، ولكن كونه شرَّاً أو خيراً فإنما هو كذلك بالنسبة للميت، فموت المؤمنين الصالحين ليس كموت المشركين أو الظالمين.

ألم يأمر الله نبيه والمؤمنين معه أن يقولوا لمشركي قريش: (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) [التوبة:52]؟ أي: النَّصر أو الشهادة، والشهادة موت، (وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا)، فسمَّى موت الكافرين عذاباً، وسمى موت المؤمنين حسنى، مع أن الموت واحد، (فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) [التوبة:52].

ولهذا؛ لما قال أبو سفيان بعد معركة أحُد، يتشمت بالمؤمنين يوماً بيوم بدر، والأيامُ دُوَلٌ، والحَرْبُ سِجَالٌ، رَدَّ عليه عمر الفاروق -رضي الله عنه- فقال: لا سواء! قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار. القتل واحدٌ، ولكن العاقبتين أبعد مما بين الأرض والسماء؛ ولهذا فإن تحديد الغاية أو الحكمة من الظاهرة أيا كانت نعمة أو نقمة إنما هو بغلبة الظن لا بالجَزْم، إلا فيما يتعلق بالكافرين الظالمين، فالمصائب في حقهم عقوبات، والنِّعَمُ إملاءٌ ومتاع إلى حين.

والمؤمن بخلاف الكافر، إذا مرَّتْ عليه أو على غيره هذه الآيات يتعظ ويتأمل ويشكر نعمة الله، ويعرف قيمة الإيمان، وقيمة الرخاء، وقيمة الأمن، ويعظِّم ربَّه القدير، ويتذكر رحمته، فالغبار إذا استمر عرف المؤمن نعمة الله التي كان يعيش فيها من قبل، وتذكَّر صفاء الجو الذي كان ينعم فيه، وسأل الله العفو والعافية من أن يستمر هذا الغبار ولا ينقطع.

وتذكَّرَ قولَه تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) [القصص:71-72].

أيها الإخوة: قد يظن البعض أن إرجاع بعض الظواهر السيئة في ظاهرها كالعواصف والهزات الأرضية أو الغبار أو غير ذلك إلى المعاصي، وتبديل النعمة كفراً بالتبذير، أو بخس الحقوق، أو الربا، أو موالاة الكافرين، أو إعانة المفسدين ومعاداة الصالحين المصلحين، أو ما شابهها من المعاصي؛ وقد يظن البعض أن إرجاع هذا الطقس إلى تلك المعاصي خطأ ولون من التشاؤم، والصحيح أن يظن المؤمن في نفسه التقصير في جنب الله دائماً ولا يأمن مكر الله، ويتوب ويستغفر دائما.

فقد صح في السنن من حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قط مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه لهواته، إنما كان يتبسم، وكان إذا رأى غيما أو ريحا عُرِفَ ذلك في وجهه، فقلت: يا رسول الله! الناس إذا رأوا الغيم فرِحوا رجاءَ أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عُرفَتْ في وجهك الكراهية! فقال: "يا عائشة، ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب؟ قد عُذب قومٌ بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا هذا عارضٌ مُمْطِرُنا".

هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خير البشر في خير العصور، ومع ذلك يحمل هذه المشاعر، فكيف بنا نحن؟ وقد صرح القرآن بكل وضوح أن البحر والبر يفسدان بما تكسبه أيدي الناس من المعاصي: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم:41]. وصرح في الوجه المقابل بأثر الإيمان والتقوى على بركة السماء والأرض بقوله: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) [الأعراف:96].

فلو قلنا إن السبب الرئيسي وراء نشاط الغبار أو الرياح هو نشوء مرتفعات جوية في منطقة البحر الأبيض المتوسط تقابلها منخفضات في المحيط الهندي فيما يسمى بموسم البارح لكان ذلك صوابا، ولو قلنا إن هذا الغبار الذي يعم المنطقة اليوم هو أثر قدرة الله تعالى وقدَره، قدَّرَ وقتَه المحدد، حملته الرياح وما زالت تحمله من مكانه المقدر لتنشره على منطقة الخليج والرياض ليبين لنا ربنا ضرورة التوبة والإنابة والاستغفار حتى ينجلي هذا الغبار، لكان ذلك أيضا صوابا، ولو قلنا إنه سبحانه يذكرنا بمِنَنِه علينا إذ لم يجعل هذا الغبار علينا سرمداً إلى يوم القيامة لَكان ذلك صواباً.

وقد ذكرنا في مقام سابق أن العذاب أو العقوبة لها موعد محدد لا يستأخر ساعة ولا يستقدم، ولهذا ينبغي أن نعلم أن قياس بعض الظواهر الطبيعية بعلم الحساب الفلكي المعروف لا ينافي أصل مبعثها الذي هو الله تعالى، ولا ينافي موعدها المقدر.

فالإسلام هو دين العلم لا دين الخرافة، يقر بكل ما أمكن قياسه بالعلم الأرضي، وما كان خارجاً عن نواميس الحياة الدنيا من حياة برزخية أو أخروية أو ما له علاقة بالروح أو غيرها من الأمور من أمور الغيب، أو المعجزات الثابتة في الكتاب والسنة، فهو من العلم، ولكنه لا يقاس لا بالمحسوس ولا بغيره، وإنما يؤمن به القلب، وهل أوتينا من العلم إلا قليلا.

ولهذا قال الإمام ابن تيمية -رحمه الله- وقد كان موسوعة متكاملة في علم الشريعة والحياة والسياسة والفلك، قال معلقاً على حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته"، قال: وما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- لا ينافي كون الكسوف له وقت محـدود يكون فيه؛ حيث لا يكون كسوف الشمس إلا في آخر الشهر ليلة السرار، ولا يكون خسوف القمر إلا وسط الشهر وليالي الأبدار(أي حين يكون القمر بدر).

ومن ادَّعـى خـلاف ذلك من المتفقهة أو العامة فلعدم علمه بالحساب؛ ولهذا يمكن المعرفة بما مضى من الكسوف وما يستقبل، كما يمكن المعرفة بما مضى من الأهِلَّة وما يستقبل، إذ كل ذلك بحساب، كما قال تعالى: (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا) [الأنعام:96]، وقال تعالى: (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) [الرحمان:5]، وقال تعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ) [يونس:5].

ثم قال: كما أن تعذيب الله لمن عذبه بالرياح الشديدة الباردة كقوم عاد كانت في الوقت المناسب، وهو آخر الشتاء، كما قد ذكر ذلك أهل التفسير وقُصاص الأنبياء. قال: وكذلك الأوقات التي ينزل فيها الرحمة كالعشر الأخيرة في رمضان، والأول من ذي الحجة، وكجوف الليل، وغير ذلك، هي أوقات محدودة لا تتقدم ولا تتأخر، وينزل فيها الرحمة ما لا ينزل في غيرها. اهـ.

فالأسباب الطبيعية التي فطر الله عليها الكون لا تهمل ولا تلغى، ولكن ينبغي -أيها الإخوة- أن تكون لنا نظرتنا الإيمانية فيما يتعلق بهذه الظواهر، فمن خلال هذه النظرة فقط يمكن الاعتبار والاتعاظ والاستفادة، وإلا فسوف تمر علينا الآيات والمتغيرات والظواهر الطبيعية ونحن غافلون، نسأل الله السلامة.

تأملْ سطورَ الكائناتِ فإنها

من الملأ الأعلى إليكَ رسائلُوقد خُطّ فيها لو تأملتَ سَطرُها ألَا كُلُّ شيءٍ ما خلا الله باطلُتشير بإثباتِ الصفاتِ لربها فصامِتُها يهدي ومَن هو قائلُ

أسأل الله تعالى أن يحيي قلوبنا بالإيمان، وأستغفر الله فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد: فأسأل الله العلي العظيم، اللطيف الكريم، الرؤوف الرحيم، أن يلطف بنا، ويتجاوز عن زلاتنا، وأن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، فالأرض مليئة بذنوب العباد، سواء الجاحدين للنعمة منهم، أو أصحاب الإرادة الضعيفة المأسورين في سجن شهواتهم.

ونحن نتفاءل بالخير الباقي، ولكن مهما تفاءل المؤمن فإن تفاؤله مقصور على قدَر الله، وبتدبيره لعباده ما مآله الخير، فلا بأس بأن نبحث عن الإيجابيات في الحدَثِ نفسه أو الظاهرة نفسها، كأن نذكر محاسن الغبار مثلا، لا بأس، لكن لا يكون ذلك على حساب نسيان التفكير في التقصير، ولا الإعراض عن التفكير في الإنابة، والتأمل في الأخطاء التي تمارَس في المجتمع، والتي قد تستوجب عقوبة ما مثل هذه الظاهرة، وأنه ربما يراد من طمرنا بالغبار الاستيقاظ من الغفلة.

ولقد وصلني من الأخبار قبل أن يستفحل الغبار من كان يربط بين صلاة الاستسقاء والغبار فيقول: لا يصلون صلاة استسقاء إلا جاء بعدها غبار! فإذا كان صاحب هذه المقولة يقولها من قلب صادق، يعني يقولها من باب تحقير النفس، والاعتراف بالذنوب، والحث على التوبة النصوح التي يُتوسل بها في الاستسقاء، فذلك أهون إن شاء الله، وإن كان ترْك هذه المقولة مطلقاً أسلم.

أما إن كان يقولها من باب الاستهزاء والسخرية بأهل الفضل فويلٌ له، ثم ويلٌ له؛ لأن الاستهزاء بأهل الفضل من أجل دينهم، ولمزهم في هيئاتهم وعباداتهم من علامات النفاق الأكبر، ونحن نعلم ما يفعل النفاق الأكبر بصاحبه؛ ولقد تكفل رب العالمين بنفسه بعقوبتهم: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) [الحجر:95].

أسأل الله تعالى أن يعفو عنَّا، وأن يرحم ضعفنا وحاجاتنا إلى مغفرته وكرمه.