الخلاق
كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...
العربية
المؤلف | عبدالله بن صالح القصير |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - الصيام |
إن انتصار الله تعالى للحق وجنده المؤمنين، وانتقامه -سبحانه- من الباطل وحزبه المستكبرين في كل زمان ومكان - هو نصر للحق وذلة للباطل، وغيظ للمتكبر، ونعمة من أجلِّ نعم الله تبارك وتعالى تتجدد على المؤمنين على مر الزمان، وفي كل مكان، يقوى بذكراها الإيمان، ويتمكن بنصر الله تعالى لعباده المؤمنين ما نصروه وصبروا، واتقوه وجاهدوا، وأحسنوا وتوكلوا، وحذروا من أعدائه وتميزوا ..
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أحمده سبحانه على ما اختص به بعض الأوقات من مزيد الفضل والحرمة، وأشكره على ما أسبغ علينا من نعمة وصرف عنا من نقمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الكبير، المتفرد بالخلق والتدبير، ناصر أوليائه، ومهلك أعدائه، فنعم المولى ونعم النصير، لا إله إلا هو له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين، وخيرة الله من خلقه أجمعين، وسيد الأنبياء والمرسلين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى، واذكروا آلاءه لعلكم تفلحون، واذكروا أيام الله بنصره لرسله وأتباعهم المؤمنين لعلكم تشكرون، وتذكروا خذلانه تعالى لأعدائه ومن والاهم لعلكم تعتبرون وتحذرون.
أيها المسلمون: إن انتصار الله تعالى للحق وجنده المؤمنين، وانتقامه -سبحانه- من الباطل وحزبه المستكبرين في كل زمان ومكان - هو نصر للحق وذلة للباطل، وغيظ للمتكبر، ونعمة من أجلِّ نعم الله تبارك وتعالى تتجدد على المؤمنين على مر الزمان، وفي كل مكان، يقوى بذكراها الإيمان، ويتمكن بنصر الله تعالى لعباده المؤمنين ما نصروه وصبروا، واتقوه وجاهدوا، وأحسنوا وتوكلوا، وحذروا من أعدائه وتميزوا، ولم تأخذهم في الله لومة لائم مهما استحكمت من الشدائد الحلقات، وتراكمت من الباطل الظلمات، ومهما كان له ولأهله من صولات وجولات؛ فإن الله تعالى قد وعد المؤمنين الصادقين، وبشرهم بالنصر المبين في محكم الآيات؛ كقوله تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) [غافر:51]. وقوله سبحانه: (وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) [الصافات:173]. وقوله تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ) [الأنبياء:105-106].
أيها المسلمون: وفي قصة موسى -عليه السلام- مع فرعون، -والتي وقعت في هذا الشهر الحرام- عبرة يعتبر بها كل ذي عقل سليم، ويوقن أن النصر للمؤمنين؛ ولو بعد حين، وأن العاقبة أبداً للمتقين؛ فإن الله تعالى نصر موسى -عليه السلام- وأتباعه المؤمنين؛ إذ كانوا على الحق المبين، على فرعون اللعين وملئه المستكبرين المتجبرين، وذلك ما أشار الله إليه في عدد من قصص القرآن عن موسى وفرعون، كقوله سبحانه في سورة طه قال -يعني فرعون لموسى-: (قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى). قال -يعني موسى لفرعون-: (مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ -يعني يوم عاشوراء- وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى * فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى) [طه:57-60].
ومضى -سبحانه- في ذكر القصة حتى يبين نتيجة المعركة وثمرة الصراع بقوله: (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى) [طه:67-70].
فنصر الله تعالى كليمه موسى ومن معه من جند الهدى على فرعون الذي طغى وبغى، حتى قال: أنا ربكم الأعلى، نصر الله تعالى موسى بعصاه حيث انقلبت حية عظمى هائلة تسعى، فجعلت تتبع عصي السحرة وحبالهم التي جاءوا بها نصرة للباطل، وكيداً للحق، وفتنة للناس، فلم تترك شيئًا مما جاءوا به يمكرون، إلا تلقفته وابتلعته والناس ينظرون، بقدرة الله الذي إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون، ورأى الناس ذلك عياناً جهرة نهاراً ضحوة، فقامت المعجزة، واتضح البرهان، وظهر الحق وبطل كيد أهل الشرك والكفران، والعناد والبهتان، فآمن السحرة، وكانوا -فيما قيل- ثمانين ألفاً، وانتصر موسى عليه السلام وجنده أهل الإيمان، وذل فرعون وقلب الله كيده عليه، وغلبه غلباً لم يشهد العالم مثله؛ فالحمد لله رب العالمين الذي صدق وعده، ونصر عبده، وأعزّ جنده، وهزم الأحزاب وحده؛ فلا إله غيره.
أيها المسلمون: وفي يوم عاشوراء من هذا الشهر نصر الله تعالى موسى والمؤمنين معه مرة أخرى في آية كبرى، كما بين سبحانه ذلك في آيات على مر الزمان تتلى، قال تعالى: (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ * فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء:52-62].
وذلك أن الله سبحانه أمر موسى أن يتوجه بقومه إلى حيث أمره الله، فعند ذلك استنفر فرعون جنده -لعنهم الله-، وساروا في أثر موسى ومن معه من المؤمنين؛ يريدون إبادتهم والقضاء عليهم عن آخرهم -غير مستثنين- فانتهى موسى عليه السلام بمن معه من المؤمنين إلى البحر، ولحق بهم فرعون وجنده، وهنالك تزايد قلق قوم موسى واشتد خوفهم من عدوهم؛ فالعدو خلفهم والبحر أمامهم، ولا وسيلة لهم لمجاوزته، فعندئذ قالوا لموسى: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)، فأجابهم إجابة المتوكل على ربه الواثق بنصره: (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ). فعندئذ أوحى الله إلى موسى (أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) [الشعراء:63].
فصار البحر -فيما ذكر أهل التفسير- اثني عشر طريقاً، لكل سبط من بني إسرائيل طريق، وبعث الله ريحاً على قعر البحر فلفحته فصار يبساً كوجه الأرض، وأمر الله موسى وقومه أن يسيروا عليه، ودخل فرعون وجنوده خلفهم على الطريق مطمئنين إليه، فلما تتام أصحاب موسى خارجين وتتام فرعون وجنده داخلين اضطم عليهم البحر فأغرقهم الله في الماء الذين كانوا به يفتخرون، بعد أن أنجى الله موسى وقومه، وأمنهم مما كانوا يحذرون، قال تعالى: (وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) [الشعراء:64-67].
فما أعظم المعجزة، وما أجلّ العبرة، لكن لمن ألقى السمع وهو شهيد.
فاللهم لك الحمد على عظيم نصرك لأوليائك، وشديد انتقامك من أعدائك، ولك الشكر على جزيل جودك وعظيم عطائك لصالح عبادك.
أيها الناس: إن إهلاك الله تعالى لفرعون الطاغية اللعين، ومن تبعه من ملئه المستكبرين، وإنجاءه سبحانه موسى عليه السلام ومن معه من المؤمنين نعمة تذكر فتشكر، وموعظة لكل من طغى وتجبر؛ فالحق منصور، والباطل مبتور (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ) [سبأ:48-49]، وقال تعالى: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) [الأنبياء:18].
فانصروا الله ينصركم، واشكروه على نعمه يزدكم، والجأوا إليه في الرخاء والشدة يحببكم ويعطكم ويحفظكم، ولا تخافوا من جند الباطل وجيوش الضلال؛ فإنهم أتباع الشيطان، وقد وصف سبحانه كيد الشيطان بالضعف فقال تعالى: (فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) [النساء:76].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعاً بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.