البحث

عبارات مقترحة:

المقتدر

كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...

الشكور

كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

المليك

كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...

من شمائل النبي صلى الله عليه وسلم

العربية

المؤلف محمد بن سليمان المهنا
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - أعلام الدعاة
عناصر الخطبة
  1. صفات النبي الكريم الخَلقية .
  2. صفات النبي الكريم الخُلقية .
  3. عظيم عبادته لله تعالى .

اقتباس

ولم يكن الجوع وضيق الحال ليحولا بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين عبادة ربه سبحانه، بل كان صلى الله عليه وسلم في كل أحيانه متعبداً متخشعاً قانتاً لربه؛ حتى لقد ذكروا من عبادته ما يُقضى منه العجب، فكان يطيل القيام، ويكثر الصيام، ويديم الذكر والاستغفار؛ فربما قام في الليل فقرأ سُدُسَ القرآن في ركعة، بل كان يطيل القيام وهو مريض وجِع صلى الله عليه وسلم

أما بعد، فيا أيها الناس: ما أطيب اللحظات وهي تُقضى مع خير المرسلين! وما أحلى الأوقات وهي تُمضي مع إمام المتقين! فبذكره يطيب الاستماع، وعلى سيرته يحلو الاجتماع، وباتباع سنته يزيد الإيمان، وتزول الأحزان، وتتآلف قلوب المؤمنين في كل زمان ومكان.

إنه الحديث عن رجل، ولكنَّ الله اصطفاه من بين الرجال فجعله خير البرية، وسيد البشرية، فما وطئ الثرى أكرم منه -صلى الله عليه وسلم-، فهو مِنَّة الله على المؤمنين: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [آل عمران:164].

أيها المسلمون: لا شك أن قلوبكم الآن قد اشتاقت لسماع أخباره، وأن نفوسكم قد تاقت لمعرفة آثاره، فهلمَّ -يا عباد الله- نستمع إلى أصحابه وهم يصفونه خلْقاً وخُلُقاً.

هذا البراء بن عازب يحدثنا عنه -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث المتفق عليه فيقول: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس وجهاً، وأحسنهم خَلْقاً، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير.

وفي رواية قال: "كان مربوعاً بعيدَ ما بين المنكبين، له شعرٌ يبلغ شحمة أذنيه، رأيتُه في حُلَّةٍ حمراءَ لم أر شيئاً أحسن منه".

وأخرج البخاري ومسلم أيضاً عن أنس -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أزهر اللون كأن عَرَقَه اللؤلؤ. وقال أبو هريرة: كان رسولُ الله أبيضَ كأنما صُنع من فضة.

وعن جابر بن سمرة قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ليلة إضحيان (يعني في ليلة مقمرة مضيئة) قال: فجعلت أنظر إليه وإلى القمر، فَلَهَو عندي -صلى الله عليه وسلم- أحسن من القمر.

وكان -صلى الله عليه وسلم- ذا شعر يبلغ إلى قريب من منكبيه، وكان كثير شعر اللحية، ومع ذلك فقد توفي وعمره يزيد عن الستين ولما يشبْ من لحيته إلا أقل من عشرين شعرة، فإذا ادَّهَن واراهنَّ الدُهن، أي: أخفاهن.

ومع جمال خِلْقَتِهِ فقد حباه الله جمالاً في الأخلاق، وكرماً في الطباع، وحُسْناً في السيرة، وصفاء في السريرة.

كان دائم البشر، كثير التبسط مع أصحابه، يلاطفهم، ويمازحهم، ويحسن معاملتهم. قال خادمه أنسٌ -رضي الله عنه-: خدمت النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين، فما قال لي قط: أفٍ! وما قال لشيء صنعتُه لم صنعتَه؟ ولا لشيء تركتُه لم تركتَه، كان من أحسن الناس خُلُقاً، ولا مسست خزاً قط ولا حريراً ولا شيئاً كان ألين من كف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا شممت مسكاً قطُّ ولا عطراً كان أطيب من عرق النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وفي رواية للطبراني قال أنس: خدمت رسول الله عشر سنين، فما دريت شيئاً قط وافَقَه ولا شيئاً قط خالَفَه، رضاً من الله بما كان.

ولم يكن -صلى الله عليه وسلم- يغضب لنفسه، ولا ينتقم لها؛ بل كان حليماً رحيماً، قالت عائشة -رضي الله عنها-: ما ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئاً قطُّ بيده، ولا امرأة، ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله؛ وما نِيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه، إِلَّا أن يُنتهك شيءٌ من محارم الله فينتقم" أخرجه مسلم.

وكان -صلى الله عليه وسلم- سهلاً سمحاً عظيم التواضع، فعند البخاري عن أنس قال: إن كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد النبي -صلى الله عليه وسلم- فتنطلق به حيث شاءت.

وكما كان للجد وقتٌ عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكذلك كان ربما عدل عنه إلى المزاح في بعض الأحيان، ففي يوم من الأيام جاءته عجوز من عجائز المسلمين وقالت له: يا رسول الله: ادع الله أن يدخلني الجنة، فأراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يلاطفها ويمزح معها فقال لها: "يا أم فلان، إن الجنة لا يدخلها عجوز"! فارتاعت العجوز، وحزنت، وظنّت أن العجائز لا يدخلون الجنة، فولّت تبكي، فلما رأى ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَخْبِروها أنها لا تدخل الجنة وهي عجوز" يعني ستدخلها وهي شابة لا عجوز، ثم قال لها: إن الله يقول: (إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً) [الواقعة:35-37].

وأخرج الترمذي -بإسناد صحيح- عن أنس أن رجلاً من أهل البادية اسمه زاهر، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحبه، وكان رجلاً دميماً، وفي يوم من الأيام كان زاهرٌ في السوق، وكان يبيع متاعاً له، فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- من خلفه وزاهر لا يدري، فأمسكه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال زاهر: من هذا؟ أرسِلْني. يعني: اتركني. ثم التفت فعرف النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأمسكه -صلى الله عليه وسلم- وقال: "مَن يشتري هذا العبد؟ من يشتري هذا العبد؟" فقال زاهر: يا رسول الله، إذاً والله تجدني كاسداً. فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لكنك عند الله ليس بكاسد" أو قال: "أنت عند الله غالٍ".

يا لها من أخلاق عالية! أكرم الخلق على الله يأتي إلى السوق فيجد أحد أصحابه فيمسك به من خلفه أمام الناس يمازحه وكأنه يريد أن يبيعه، فيضحك الرجل، وينظر الناس إلى ذلك النبي الكريم وهو يمازح صاحبه ويلاطفه.

فأين المتكبرون؟ وأين المتجبرون الذين لا يكادون ينظرون إلى الناس؟ فضلاً عن تكليمهم! فضلاً عن ملاطفتهم!.

ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يظهر البِشْر والسرور مع ما كان عليه من ضيق العيش وقلة ذات اليد، فربما بات طاوياً لا يجد ما يسدُّ جوعته، وربما خرج من بيته من شدة الجوع، وربما قضى الأيام الطوال وليس له طعام إلا رديء التمر.

يقول عروة ابن الزبير: قالت عائشة -وكانت خالته-: والله يا ابن أختي، إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال: ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقد في أبيات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نار!. قلت: يا خالة، فما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء. متفق عليه.

وأخرج البخاري ومسلم -أيضاً- عنها -رضي الله عنها- قالت: ما شبع آل محمد من خبز شعيرٍ يومين متتابعين حتى قُبض.

وفي صحيح مسلم عن النعمان بن بشيرٍ قال: لقد رأيت نبيكم -صلى الله عليه وسلم- وما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه. والدقل التمر الرديء.

وخرّج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- فقال: ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟ قالا: الجوع يا رسول الله. فقال -صلى الله عليه وسلم- : وأنا، والذي نفس بيده، لَأَخرجني الذي أخرجكما. ثم قال: قوما. فقام أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- معه فأتوا رجلاً من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلما رأته المرأة قالت: مرحباً وأهلاً! فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أين فلان؟ قالت: ذهب يستعذب لنا الماء. فجاء الأنصاري فنظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه، ثم قال: الحمد لله، ما أحدٌ اليوم أكرمُ أضيافاً منى. فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورُطَب، فقال: كلوا. وأخذ المدية، فقال لـه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إياك والحلوبَ!" فذبح لهم، فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق، وشربوا، فلما أن شبعوا ورووا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: "والذي نفسي بيده! لتُسألنَّ عن هذا النعيم يوم القيامة؛ أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم!"!.

الله أكبر! ما أعجب تلك الحال من أولئك الرجال الذين تركوا الضِّياع والأموال طلباً لما عند الله مما أعده لعباده الصالحين!.

ولم يكن الجوع وضيق الحال ليحولا بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين عبادة ربه سبحانه، بل كان -صلى الله عليه وسلم- في كل أحيانه متعبداً متخشعاً قانتاً لربه؛ حتى لقد ذكروا من عبادته ما يُقضى منه العجب، فكان يطيل القيام، ويكثر الصيام، ويديم الذكر والاستغفار؛ فربما قام في الليل فقرأ سُدُسَ القرآن في ركعة، بل كان يطيل القيام وهو مريض وجِع -صلى الله عليه وسلم-.

فعند أبي يعلى والحاكم أنه -صلى الله عليه وسلم- قرأ ليلةً وهو وجِع السبعَ الطوالَ. والسبع الطوال هي: سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والتوبة.

وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه صلَّى مع النبي -صلى الله عليه وسلم- يوماً فأطال النبي -صلى الله عليه وسلم- القيام، قال ابن مسعود: فلم يزل قائماً حتى هممت بأمر سوء. قيل وما هممت به؟ قال: هممتُ أن أجلس وأدعه. متفق عليه.

وكان -صلى الله عليه وسلم- كثيراً ما يبكي من خشية الله، فربما قرأ القرآن فبكى، وربما قُرئ عليه القرآن فذرفت عيناه، وربما جلس على شفير القبر فبكى حتى بل الثرى من الدموع، وكان إذا صلى سُمع لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء.

وجمله القول أنه ما أقلت الغبراء، ولا أظلت الخضراء، أكرمَ على الله من عبده ورسوله محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-.

فاللهم لك الحمد كل الحمد أن جعلنا من أمته واتباعه.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...

(( لا توجد خطبة ثانية ))