الحسيب
(الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...
العربية
المؤلف | أحمد عبدالرحمن الزومان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الأديان والفرق |
منذ ظهور نور الإسلام إلى يومنا هذا و أهل الكتاب اليهود و النصارى يكيدون لهذا الدين ولأتباعه تارة بالخفا وتارة بالعلن بالعساكر الجرارة التي تطأ أراضي المسلمين و تستبيحها وتهلك الحرث والنسل وتستولي على أجزاء من بلاد الإسلام وقد اشتدت هذه الحملة على بلاد المسلمين بتمكين يهود الشتات من فلسطين الأرض المباركة مسرى رسول الله وتعاقبت الدول النصرانية على دعمهم لضمان بقائهم وهذه الهجمة التي يتعرض لها المسلمون من اليهود المغضوب عليهم ومن النصارى الصليبيين ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ.
إخوتي: منذ ظهور نور الإسلام إلى يومنا هذا و أهل الكتاب اليهود و النصارى يكيدون لهذا الدين ولأتباعه تارة بالخفا وتارة بالعلن بالعساكر الجرارة التي تطأ أراضي المسلمين و تستبيحها وتهلك الحرث والنسل وتستولي على أجزاء من بلاد الإسلام وقد اشتدت هذه الحملة على بلاد المسلمين بتمكين يهود الشتات من فلسطين الأرض المباركة مسرى رسول الله وتعاقبت الدول النصرانية على دعمهم لضمان بقائهم وهذه الهجمة التي يتعرض لها المسلمون من اليهود المغضوب عليهم ومن النصارى الصليبيين التي اسقطت دولاً إسلامية وشردت أهلها و دمرت قدراتهِا المادية هي أمتداد للحروب الصليبية الغابرة ولا ينبغي أن تعزل هذه الحوادث عما سبقها من حملات فليس الأمر متعلق بدولة بعينها أو بشخص بعينه فهذه الحملات وجدت قبل وجود بعض الدول الصليبية المعاصرة و هذه الحملات مع القدرة عليها باقية ما بقيت العقائد.
من الخطأ أن تختزل هذه الحروب و هذه الحملات على مجرد إسقاط حكومة أو اقتحام قطاع؛ بل هذه الأحداث تنفيذ أمر الرب بزعمهم تعالى ربنا عن الظلم والإعتداء، فالقضية قضية عقدية تستمد توجهاتِها من نصوص محرفة.
فالحامل على هذه الممارسات على المسلمين حكومات و أفراد هو توجهات عقدية تحمل في طياتها أنهم جنس أختصهم الله من بين سائر الأمم فهم في المنزلة الرفيعة عند ربهم بزعمهم فهم أحبابه في الدنيا و خيرة خلقه ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) وحاصل دعواهم أن لهم فضلاً ومزية عند الله تعالى على سائر الخلق فرد سبحانه عليهم ذلك وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (قُلْ) إلزاماً لهم وتبكيتاً (فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) [المائدة:18]. فهذه الغطرسة على الأمم و هذا التعالى على الشعوب وليد هذه الفرية على الله عز وجل.
يحركهم الطمع في حملاتهم العسكرية في الاستيلاء على خيرات الشعوب ونهب ثرواتهم يستحلون ذلك في قرارة أنفسهم بما يفترونه على ربهم بأنه لم يجعل عليهم حَرَجا في أكل أموال الأمييّن، وهم العرب وإنه قد أحلها لهم ( وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران:75] وقد اختلقوا هذه المقالة، وافتروا على الله بهذه الضلالة، فَإن الله حَرم عليهم أكل الأموال إلا بحقها، وإنما هم قوم بُهْت (وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
من الخطأ حينما نظن أن أهل الكتاب سوف ينصفوننا من بعضهم أو من أبناء عمومتهم فقد نهانا ربنا من توليهم بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء) [المائدة:51] معللاً ذلك بأن(بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) فهم متفقون على كلمة واحدة ضد المسلمين في كل ما يأتون وما يذرون فالكل مجمعون على مضادتنا ومضارتنا بحيث يبغوننا الغوائل فكيف يتصور منهم النصر لنا و إنصافنا من المعتدين منهم.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: متى يكفُ أهل الكتاب شرهم عن المسلمين ويتركونهم وشأنهم؟! متى يقفُ تدخل أهل الكتاب في خصوصيات المسلمين؟ يبين ذلك ربنا بقوله تعالى: (وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ) إذا هم يتعاملون مع حفنة من الناس ضالون في تصورهم وفي اعتقادهم وسلوكهم ومعاملاتهم وتعليمهم وإعلامهم وسائر شؤونهم والحل في علاج هذا الضلال بزعمهم أن يسلموا زمامهم للغرب ويتخلوا عن كل ما عندهم إذا لن تقف هذه الحملة إلا إذا تم تغريب الأمة كلها وسلخها عن ميراثها من الوحيين وتنصيرها عن بكرة أبيها ولعلى هذا يتجلى ظاهراً في دعم نصارى العرب الدعم المادي بالمال والسلاح وبالدعم المعنوي في المحافل السياسية والضغط على الحكومات التي توجد فيها هذه الأقليات لتحصيلِ المكاسب لهم فالكل عرب إلا أن هذه الأقليات تدين بالنصرانية بخلاف الأغلبية العربية التي تدين بالإسلام.
(وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ) [البقرة:120].
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة و السلام على من ابتلي وصبر حتى أتاه اليقين وبعد:
عباد الله: يقول ربنا تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [النـور:11]. فأخبر ربنا عز وجل أن ما حصل من اتهام أم المؤمنين الطاهرة المطهرة عائشة في عرضها مع ما فيه من أذى لبيت النبوة خير لما آل إليه الأمر من خير لعائشة خاصة وللمؤمنين عامة وكشف حال المنافقين فكذلك هذه الحملات الجائرة على بلاد المسلمين وعلى المسلمين العزل على ما فيها من آلام وحزن و اعتداء على الحرمات وإهلاك الحرث والنسل إلا أن فيها جوانب خير حيث جعلت أكثر المسلمين يستيقنون كذب إدعاء أن الحكومات الغربية علمانية التوجه و ليس للكنيسة أثر في توجهها حيث هذه الحروب الصليبية تحركها نصوص محرفة.
ومن خيرها أنها أسقطت ما يتشدق به أهل الكتاب من حق الشعوب في تقرير مصيرها. ومن خيرها أنها فضحت ما يتشدق به أهل الكتاب من حقوق الإنسان حيث أصبحوا مضرب المثل في امتهان الإنسان الذي يخالفهم في توجهه. ومن خيرها أنها نسفت الديمقراطية التي يتغنى بها أهل الكتاب ويبشرون بها الشعوب لتحريرهم مما هم فيه حيث نصبوا حكاماً أتوا بهم على ظهور الدبابات.
ومن خيرها أنها أظهرت أنه ليس أحد بمنأ عن هذه الحملة الغاشمة الظالمة. ومن خيرها أنها أحيت الولاء والبراء عند بعض المسلمين. ومن خيرها أنها جعلت دعاة التغريب في بلاد الإسلام يتبرؤن من مصدر إلهامهم ويتورون من سوء صنيعهم ويلبسون دعوتهم لبوساً آخر. ومن خيرها أنها أسقطت دعوى حرية الإعلام فهذه الحرية مشروطة بخدمة توجهات الغرب وإظهاره بالمظهر الحسن أما حينما تظهر وجهه القبيح وهمجيته فمن أول من يستهدف الإعلاميون ومقارهم.
ومع اشتداد الحملة على المسلمين لا يزال الأمل و الثقة بنصر الله وتمكينه لأوليائه هو الحادي على العمل فكلما أشتد الخطب وازداد الكرب و تمادى المعتدي في غيه فهذا مؤذن بنزول النصر وقصم المعتدي (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) [الأحزاب:22] ولم ينتصر المسلمون في معاركهم الفاصلة بكثرة عدد وعدة بل بالتوكل على الله مع بذل الأسباب بل لما ركنوا إلى عددهم و عدتهم ديل الأمر عليهم أول الأمر (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ) [ التوبة:25-26].
إخوتي: في نهاية المطاف ما الذي يتعين علينا فعله كأفراد لرد هذا الاعتداء.لنعلم أن الله لايكلف نفساً إلا وسعها فعلينا أن نبذل وسعنا في رد هذا الاعتداء ومن ذلك استنزال النصر بالدعاء بنصر المسلمين وهزيمة المعتدين في كل وقت خصوصاً في أوقات الإجابة ولا يعجز عن الدعاء إلا عاجز واشتهر في السير أن رسول الله في بدر لا زال يستغيث بربه ويدعوه حتى سقط رداؤه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فرده ثم التزمه من ورائه ثم قال: يا رسول الله كفاك مناشدتُك ربَك فإنه سينجز لك ما وعدك.
ومما يتعين علينا القيام بما افترض الله علينا فقد وعد من لا يخلف الميعاد أن الذي ينصره بالأقوال والأفعال ييسر له أسباب النصر فكيف ينتصر على العدو من لم ينتصر على نفسه وشيطانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد:7] ومما يتعين علينا مد يد العون للمسلمين في كل مكان على قدر الوسع بالطرق المتاحة من غير أن يذل المسلم نفسه.