الشاكر
كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
العربية
المؤلف | فهد بن عبدالله الصالح |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الصيام |
ومن فضل الله علينا أن شرع شهر رمضان المبارك، وأوجب علينا أن نكف عن الطعام والشراب والشهوة، ليس لأن الله تعالى في حاجةٍ إلى جوعنا، حاشا وكَلَّا! هو الغنى ونحن الفقراء، وهو الذي -سبحانه وتعالى- لا تنفعه طاعة المخلوقين، ولا تضره معصيتهم، وإنما أمر الله الناس بذلك لأن الجميع يستطيع التوقف عن الأكل والشرب والشهوة، وحتى يكون الصومُ عن هذه المفطرات قائداً إلى صوم جميع الجوارح عن المحرمات ..
الحمد لله على نعمة الإسلام والإيمان، وعلى ما منً به علينا من شهر الصيام والقيام، أحمده -سبحانه- وأشكره، وأشهد أن لا إله إلاَ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خير من صَلَّى وصام، وقام بالليل والناس نيام، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وعلى من تبع هداه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيرا.
أمًا بعد : فأوصيكم ونفسي -أيها الناس- بتقوى الله، فهي الكنزُ العظيم، والحصن الحصين، إن خيري الدنيا والآخرة مجموع فيها، (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة:197]، وقبول الأعمال مُعَلَّقٌ بها، (إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة:27]، والغفران والثواب موعودٌ عليها، (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرَاً) [الطلاق:5].
لكن مادية الحياة وزخرف الدنيا كسَتْ قلوب المتعلقين بها سحابةً من الغفلة، وأعمَتْ أبصارَهم غشاوة ٌ من الضلالة، حتى أصبحت المادة هي المقياس عندهم، فالمحظوظ -في نظرهم القاصر- هو من ترقَّى في جاه الدنيا وأموالها وسلطانها, والخاسر والشقيُّ -حسب زعمهم- هو مَن قلَّتْ مادَّتُه، أو تناساه الناس.
وقد نسِيَ هؤلاء أو تناسَوا قول الحق تبارك وتعالى: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجَاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [طه:131].
يُقَال ذلك -أيها المسلمون- ونحن في هذا الشهر الكريم، شَهْرٌ فرَض الله عليكم صيامه لعلكم تتقون.
غاية الصوم -أيها الإخوة- تقوى الله -عز وجل-، وذلك في جميع الجوارح، بما فيها القلب, فالقلب إذا صلح صلحت الجوارح والأعمال، وسلمت الحياة من العطب، والاستقامة على الدين تكون باستقامة الجوارح.
ومن فضل الله علينا أن شرع شهر رمضان المبارك، وأوجب علينا أن نكف عن الطعام والشراب والشهوة، ليس لأن الله تعالى في حاجةٍ إلى جوعنا، فحاشا وكلا! هو الغنى ونحن الفقراء، وهو الذي -سبحانه وتعالى- لا تنفعه طاعة المخلوقين، ولا تضره معصيتهم، وإنما أمر الله الناس بذلك لأن الجميع يستطيع التوقف عن الأكل والشرب والشهوة، وحتى يكون الصومُ عن هذه المفطرات قائداً إلى صوم جميع الجوارح عن المحرمات.
وقد جاء في الحديث الصحيح التقريع والتوبيخ لمن تصوم أفواههم عن الطعام والشراب ولا تصوم جوارحهم عن المعاصي والمنكرات؛ لأن الصيام شُرع وسيلةً تقوِّى إرادة الإنسان على ضبط تصرفاته، وإلزام جوارحه الصيام عن المحرمات، فمَن أبَى إلاَ الاستمرار في المعاصي مكتفياً بالامتناع عن الطعام والشراب فهو لم يستفد شيئاً من هذا الشهر المبارك.
فعن أبى هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عليه وسلم-: "مَن لم يدَعْ قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة ٌ في أن يدع طعامهُ وشرابهُ" رواه البخاري.
نعم -أيها الإخوة-، مَن لم يدَعْ قول الكذب والحَرام والهذيان والتلفظ بما لا يعنيه، ومن لم يدع العمل المحرم بشتى صوره وألوانه، ومن لم يدع التعدي على حرمات الله وحرمات الناس، من لم يدع هذه المنكرات فليس لله حاجة ٌ في مثل هذا الصيام؛ لأنه لم يحقق معنى الصيام، وهو التوصل للتقوى.
وقد جاء حديث آخر يؤكد هذا المعنى، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "ليس الصيام من الأكل والشرب، وإنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابَّكَ أحَدٌ أو جهِل عليك فقل: إني صائم إني صائم" رواه ابن حزيمة وابن حبان والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم.
وقد أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالكف عن أي أمر يخدش الصيام، أو يذهب معناه، وذلك بقوله: "فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم، إني صائم" رواه البخاري ومسلم.
وقال جابر -رضي الله عنهما-: إذا صمتَ فليصُمْ سمعُكَ وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك سكينة ووقار يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء. وقال بعض السلف: أهون الصيام ترك الشراب والطعام. وقال بعضهم:
إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي السَّمْعِ مِنِّي تَصَامُمٌ | وَفِي مُقْلَتِي غَضٌّ وَفِي مَنْطِقِي صَمْتُ |
فَحَظِّي إِذَاً مِنْ صَوْمِيَ الجُوعُ والظَّمَا | وَإِنْ قُلْتُ إِنِّي صُمْتُ يَوْمَاً فَمَا صُمْتُ |
ورحمةُ الله وسِعَت كلَّ شيء -أيها المسلمون-، فمن رحمة الله بالعباد كي يستفيدوا من شهر الصيام أن صُفِّدَت الشياطين في رمضان ليستريح الصائمون من وسوستهم بالإثم، وتزيينهم للشر، ولتسهل عليهم الطاعة والالتزام.
عن أبى هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا جاء شهرُ رمضانَ فُتحَتْ أبواب الجنة، وغُلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين" رواه البخاري ومسلم.
وثمة أمر آخر -أيها المسلمون- فيه ترغيبٌ من الله تعالى في الاستفادة من هذا الموسم العظيم، جاء فيه بيان فضل صيام هذا الشهر، ففي الصحيحين عن أبى هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ صام رمضان إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه"، وفي حديث آخر: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفِّرات ما بينهنً، إذا اجْتُنِبَت الكبائر".
أيها الإخوة في الله: مع هذا الفضل العظيم من الرب الرحيم نجد أن الكثير منا قد فرط في الاستفادة من هذا الموسم العظيم، فالشهر يبدأ ثم ينتصف ثم ينتهي وهو لم يستفِدْ منه شيئاً، ولم يتغير من سلوكه أو من تفكيره شيءٌ, إنما الذي تغير هو مواعيد الأكل والنوم والتجمعات، فلَذَّة الطاعة لم يستمتع بها، وحلاوة الإيمان لم يتذوقها؛ هذا إن لم يبارز الله بالمعاصي والآثام، عياذاً بالله من الخذلان.
وبعد أيها المسلمون: هل حقق معنى الصيام من خلا بطنه من الطعام والشراب وامتلأ بأكل المال الحرام؟ وهل صام فعلاً من أمسك عن المفطرات وأطلق لسانه و سمعه في الحرام؟ وهل صام رمضان مَن تعدى على الآخرين في أعراضهم أو أموالهم أو أجسادهم أو شارك في ذلك؟
وهل صام حقاً من أمسك عن الغذاء وقلبه وفكره مليئان بالأحقاد والدسائس على المسلمين وقضاياهم؟.
وصدق الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- لما قال: "مَنْ لم يدَعْ قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".
فَحَرِيٌّ بالمسلم أن يبدأ بتدريب نفسه عملياً على الاستفادة من هذا الشهر، وأن يعتقد بأنها فرصة سنوية لبقية شهور العام، وأن من حِكَم مشروعية الصيام الوصول للتقوى، وكفى بها من فائدة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة:185].