ثلاث رسائل في المحبة : تحتوي هذه الرسالة على: محبة الله - أسبابها - علاماتها - نتائجها، والحب في الله والبغض في الله والموالاة في الله والمعاداة في الله، وحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلاماته. - هذه الرسالة مقتبسة من كتاب بهجة الناظرين فيما يصلح الدنيا والدين.
التفاصيل
ثلاث رسائل في محبة الله مقدمة الرسالة الأولى محبة الله - أسبابها - علاماتها - نتائجها الرسالة الثانية الحب في الله والبغض في الله والموالاة في الله والمعاداة في الله الرسالة الثالثة حب النبي صلى الله عليه وسلم وعلاماته ([60]) ثلاث رسائل في محبة اللهمحبة الله - أسبابها - علاماتها - نتائجهاو الحب في الله والبغض في الله والموالاة في الله والمعاداة في اللهوحب النبي صلى الله عليه وسلم وعلاماتهجمع الفقير إلى الله تعالىعبد الله بن جار الله بن إبراهيم آل جار اللهغفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين بسم الله الرحمن الرحيم مقدمةالحمد لله رب العلمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. وسلم تسليماً كثيراً.أما بعد: فقد سألني من تعينت إجابته بأن أفرد من كتابي "بهجة الناظرين فيما يصلح الدنيا والدين"([1]) بعض المواضيع المهمة في حياة المسلم لتكون قريبة التناول خفيفة المحمل ولأن الكتاب الصغير هو الذي يقرأ غالبا ويكون في متناول أيدي الناس فأجبته إلى ذلك سائلا الله تعالى أن ينفع بها من طبعها أو قرأها أو سمعها. وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم ومن أسباب الفوز لديه بجنات النعيم وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.المؤلف 1/4/1409هـ فصلقال ابن القيم رحمه الله تعالى:ومن منازل (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) منزلة "المحبة"([2]) وهي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون. وإليها شخص العاملون. وإلى علمها شمر السابقون. وعليها تفانى المحبون. وبروح نسيمها تروح العابدون. فهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وقرة العيون. وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات. والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات, والشفاء الذي من عدمه حلَّت بقلبه جميع الأسقام. واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام.وهي روح الإيمان والأعمال، والمقامات والأحوال. التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه. تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا بشقِّ الأنفس بالغيها. وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا بدونها أبداً واصليها. وتبوؤهم من مقاعد الصدق مقامات لم يكونوا لولاها داخليها. وهي مطايا القوم التي مسراهم على ظهورها دائما إلى الحبيب. وطريقهم الأقوم الذي يبلغهم إلى منازلهم الأولى من قريب. تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة. إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب. وقد قضى الله - يوم قدر مقادير الخلائق بمشيئته وحكمته البالغة -: أن المرء مع من أحب. فيا لها من نعمة على المحبين سابغة.تالله لقد سبق القوم السعاة، وهم على ظهور الفرش نائمون. وقد تقدموا الركب بمراحل، وهم في سيرهم واقفون.من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويدا؟ وتجيء في الأول أجابوا منادي الشوق إذ نادى بهم: حيَّ على الفلاح. وبذلوا نفوسهم في طلب الوصول إلى محبوبهم، وكان بذلهم بالرضى والسماح. وواصلوا إليه المسير بالإدلاج والغدو والرواح. تالله لقد حمدوا عند الوصول سُراهم. وشكروا مولاهم على ما أعطاهم. وإنما يحمد القوم السُّرَى عند الصباح.تالله ما هزلت فيستامها المفلسون.ولا كسدت فيبيعها بالنسيئه المعسرون. لقد أقيمت للعرض في سوق من يزيد. فلم يرض لها بثمن دون بذل النفوس. فتأخر البطالون, وقام المحبون ينظرون: أيهم يصلح أن يكون ثمناً؟ فدارت السلعة بينهم. ووقعت في يد (54:5 }أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ{.لما كثر المدعون للمحبة طولبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى. فلو يعطى الناس بدعواهم لادعى الخلي حرقة الشجي. فتنوع المدعون في الشهود. فقيل لا تقبل هذه الدعوى إلا ببينة (31:3 }قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ{.فتأخر الخلق كلهم. وثبت أتباع الحبيب في أفعاله وأقواله وأخلاقه. فطولبوا بعدالة البينة بتزكية (54:5 }يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ{.فتأخر أكثر المحبين وقام المجاهدون، فقيل لهم: إن نفوس المحبين وأموالهم ليست لهم. فهلموا إلى بيعة (111:9 }إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ{.فلما عرفوا عظمة المشتري، وفضل الثمن، وجلالة من جرى على يديه عقد التبايع: عرفوا قدر السلعة، وأن لها شأناً. فرأوا من أعظم الغبن أن يبيعوها لغيره بثمن بخس. فعقدوا معه بيعة الرضوان بالتراضي، من غير ثبوت خيار. وقالوا "والله لا نقيلك ولا نستقيلك".فلما تم العقد وسلموا المبيع، قيل لهم: مذ صارت نفوسكم وأموالكم لنا رددنا عليكم أوفر ما كانت، وأضعافها معاً (169:3، 170 }وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ.فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ{.إذا غرست شجرة المحبة في القلب، وسقيت بماء الإخلاص ومتابعة الحبيب أثمرت أنواع الثمار, وآتت أكلها كل حين بإذن ربها. أصلها ثابت في قرار القلب. وفرعها متصل بسدرة المنتهى. لا يزال سعي المحب صاعداً إلى الحبيب لا يحجبه دونه شيء (10:35 }إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ{.وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد. بسم الله الرحمن الرحيم الرسالة الأولى محبة الله - أسبابها - علاماتها - نتائجهاالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:فإن من واجبات الإيمان ولوازمه محبة الله تعالى ومحبة رسوله ومحبة عبادة المؤمنين ومحبة ما يحبه الله ورسوله من الإيمان والعمل الصالح وتوابع ذلك وبغض ما يبغضه الله من الكفر والفسوق والمعاصي وبغض أعداء الله من الكفرة والمشركين والعصاة والملحدين الحب في الله والبغض في الله والموالاة في الله والمعاداة في الله أوثق عرى الإيمان وأحب الأعمال إلى الله تعالى والمرء مع من أحب يوم القيامة كما وردت السنة بذلك، فمحبة الله تعالى ورسوله ﷺ مقدمة على محبة الأولاد والأموال والنفوس قال الله تعالى }قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ{([3]).أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتوعد من أحب أهله وماله وعشيرته وتجارته ومسكنه فآثرها أو بعضها على فعل ما أوجبه الله عليه من الأعمال التي يحبها الله تعالى ويرضاها كالجهاد والهجرة ونحو ذلك. قال ابن كثير رحمه الله تعالى أي انتظروا ماذا يحل بكم من عقابه، والوعيد لا يقع إلا على فرض لازم وحتم واجب وفي الصحيحين عن أنس أن رسول الله ﷺ قال: " والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" وفي الصحيحين أيضًا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (يا رسول الله: والله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي فقال لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال: والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال: الآن يا عمر) ومعلوم أن محبة الرسول إنما هي تابعة لمحبة الله جل وعلا لازمة لها فإن الرسول إنما يحب موافقة لمحبة الله له ولأمر الله بمحبته وطاعته واتباعه فمن ادعى محبة النبي بدون متابعته وتقديم قوله على قول غيره فقد كذب كما قال تعالى }وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ{([4])فنفى الإيمان عمن تولى عن طاعة الله ورسوله فإذا كان لا يحصل الإيمان إلا بتقديم محبته صلى الله عليه وسلم على الأنفس والأولاد والآباء والخلق كلهم فما الظن بمحبة الله عز وجل، وقد جعل النبي ﷺ تقديم محبة الله ورسوله على محبة غيرهما من خصال الإيمان ومن علامات وجود حلاوة الإيمان في القلوب ففي الصحيحين عن أنس عن النبي ﷺ قال: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله. وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار". قال النووي معنى حلاوة الإيمان: استلذاذ الطاعات وتحمل المشاق وإيثار ذلك على أعراض الدنيا، ومحبة العبد لله بفعل طاعته وترك مخالفته وكذلك الرسول ﷺ ، قال ابن رجب رحمه الله: ومحبة الله سبحانه على درجتين أحدهما: فرض لازم وهي أن يحب الله سبحانه محبة توجب له محبة ما فرضه الله عليه وبغض ما حرمه عليه ومحبة رسوله المبلغ عنه أمره ونهيه وتقديم محبته على النفوس والأهلين أيضا كما سبق. والرضا بما بلغه عن الله من الدين وتلقي ذلك بالرضا والتسليم ومحبة الأنبياء والرسل والمتبعين لهم بإحسان لله عز وجل وبغض الكفار والفجار لله عز وجل وهذا القدر لابد منه في تمام الإيمان الواجب ومن أخل بشيء منه فقد نقص من إيمانه الواجب بحسب ذلك قال الله تعالى }فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا{([5])وكذلك ينقص من محبته الواجبة بحسب ما أخل به من ذلك فإن المحبة الواجبة تقتضي فعل الواجبات وترك المحرمات ولهذا المعنى كان الحب في الله والبغض في الله من أصول الإيمان. اهـ ([6]).وخرج الترمذي من حديث معاذ بن أنس الجهني عن النبي ﷺ قال: "من أعطى لله ومنع لله وأحب لله وأبغض لله فقد استكمل إيمانه". وخرجه الإمام أحمد وزاد فيه "وأنكح لله" وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة وخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: "من أحب لله وأبغض لله ووالى لله وعادى في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا وذلك لا يجدي على أهله شيئًا" أي لا ينفعهم بل يضرهم. كما قال تعالى }الأخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ{ سورة الزخرف آية 67.قال في فتح المجيد (فإذا كانت البلوى قد عمت في هذا في زمن ابن عباس خير القرون فما زاد الأمر بعد ذلك إلا شدة حتى وقعت الموالاة على الشرك والبدع والفسوق والعصيان وقد وقع ما أخبر به ﷺ بقوله: "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ" رواه مسلم. فلابد من إيثار ما أحبه الله من عبده وأراده على ما يحبه العبد ويريده فيحب ما يحبه الله ويبغض ما يبغضه ويوالي فيه ويعادي فيه ويتابع رسوله ﷺ وبهذا يحصل التمييز بين المحبة في الله ولأجله التي هي من كمال التوحيد وبين المحبة مع الله التي هي محبة الأنداد من دون الله لما يتعلق في قلوب المشركين من الألهية التي لا تجوز إلا لله وحدة، قال ابن رجب رحمه الله الدرجة الثانية من المحبة لله درجة السابقين المقربين وهي أن ترتقي المحبة إلى محبة ما يحبه الله من نوافل الطاعات وكراهة ما يكرهه من دقائق المكروهات وإلى الرضا بما يقدره ويقضيه مما يؤلم النفوس من المصائب إلى أن قال: فقد تبين بما ذكرناه: أن محبة الله إذا صدقت أوجبت محبة طاعته وامتثالها وبغض معصيته واجتنابها.وأما الأسباب التي تستجلب بها محبة رب الأرباب"، فمن ذلك:1- معرفة نعم الله على عباده، التي لا تعد ولا تحصى }وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا{ وقد جلبت القلوب على محبة من أحسن إليها، والحب على النعم من جملة الشكر المنعم ولهذا يقال: إن الشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح.2- معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله فمن عرف الله أحبه ومن أحب الله أطاعه ومن أطاع الله أكرمه ومن أكرمه الله أسكنه في جواره ومن أسكنه الله في جواره فطوبى له.3- ومن أعظم أسباب المعرفة الخاصة: التفكير في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء. وفي القرآن شيء كثير من التذكير بآيات الله الدالة على عظمته وقدرته وجلاله وكماله وكبريائه ورأفته ورحمته وبطشه وقهره وانتقامه إلى غير ذلك من أسمائه الحسنى وصفاته العليا. فكلما قويت معرفة العبد بالله قويت محبته له ومحبته لطاعته وحصلت له لذة العبادة من الصلاة والذكر وغيرهما على قدر ذلك.4- ومن الأسباب الجالبة لمحبة الله عز وجل معاملة الله بالصدق والإخلاص ومخالفة الهوى فإن ذلك سبب لفضل الله على عبده وأن يمنحه محبته.5- ومن أعظم ما تستجلب به المحبة كثرة ذكر الله تعالى فمن أحب شيئا أكثر من ذكره وبذكر الله تطمئن القلوب، ومن علامة المحبة لله دوام الذكر بالقلب واللسان.6- ومن أسباب محبة الله لعبده كثرة تلاوة القرآن الكريم بالتدبر والتفكر ولاسيما الآيات المتضمنة لأسماء الله وصفاته وأفعاله الباهرة ومحبة ذلك يستوجب به العبد محبة الله ومحبة الله له.7- ومن أسباب المحبة تذكر ما ورد في الكتاب والسنة من رؤية أهل الجنة لربهم وزيارتهم له واجتماعهم يوم المزيد فإن ذلك يستجلب به المحبة لله تعالى([7]). وذكر ابن القيم رحمه الله أن الأسباب الجالبة لمحبة الله لعبده ومحبة العبد لربه عشرة:أحدها: قراءة القرآن بالتدبر لمعانيه وما أريد به.الثاني: التقرب إلى الله تعالى بالنوافل بعد الفرائض كما في الحديث القدسي: "ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه" رواه البخاري.الثالث: دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل والحال فنصيبه من المحبة على قدر هذا.الرابع: إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى.الخامس: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها وتقلبه في رياض هذه المعرفة وميادينها.السادس: مشاهدة بره وإحسانه ونعمه الظاهرة والباطنة.السابع: وهو أعجبها: انكسار القلب بين يديه.الثامن: الخلوة به وقت النزول الإلهي آخر الليل وتلاوة كتابه ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة.التاسع: مجالسة المحبين الصادقين والتقاط أطاب ثمرات كلامهم، ولا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام وعلمت أن فيه مزيدًا لحالك ومنفعة لغيرك.العاشر: مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل.فمن هذه الأسباب العشرة وصل المحبون إلى منازل المحبة ودخلوا على الحبيب ا هـ من مدارج السالكين ج 3 ص17 – 18.هذا، ومن علامات المحبة الصادقة لله ولرسوله التزام طاعة الله والجهاد في سبيله واستحلاء الملامة في ذلك وأبتاع رسوله. قال الله تعالى }أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَّرْتَدَّ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ{ سورة المائدة آية 54.وقال تعالى }قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{ سورة آل عمران آية 31. وصف سبحانه المحبين له بخمسة أوصاف:أحدها: الذلة على المؤمنين: والمراد بها لين الجانب والرأفة والرحمة للمؤمنين وخفض الجناح لهم كما قال تعالى }وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{ سورة الشعراء آية 215 ووصف أصحابه ﷺ بمثل ذلك في قوله }مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ{ سورة الفتح آية 29 وهذا يرجع إلى أن المحبين لله يحبون أحبابه ويعودون عليهم بالعطف والرحمة.الثاني: العزة على الكافرين: والمراد بها الشدة والغلظة عليهم كما قال تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ{ سورة التحريم آية 9 وهذا يرجع إلى أن المحبين له يبغضون أعداءه. وذلك من لوازم المحبة الصادقة.الثالث: الجهاد في سبيل الله وهو مجاهدة أعدائه بالنفس واليد والمال واللسان وذلك أيضا من تمام معاداة أعداء الله الذي تستلزمه المحبة.الرابع: أنهم لا يخافون لومة لائم والمراد أنهم: يجتهدون فيما يرضى به من الأعمال، ولا يبالون في لومة من لامهم في شيء إذا كان فيه رضى ربهم، وهذا من علامات المحبة الصادقة أن المحب يشتغل بما يرضى به حبيبه ومولاه ويستوي عنده من حمده في ذلك أو لامه.الخامس: متابعة الرسول ﷺ وطاعته في أمره ونهيه وقد قرن الله بين محبته ومحبة رسوله في قوله }أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ{ سورة التوبة آية 24. والمراد: أن الله لا يوصل إليه إلا عن طريق رسوله ﷺ باتباعه وطاعته.قال ابن رجب ومحبة الرسول على درجتين أحدهما فرض وهي المحبة التي تقتضي قبول ما جاء به الرسول ﷺ من عند الله وتلقيه بالمحبة والرضا والتعظيم والتسليم وعدم طلب الهدى من غير طريقه بالكلية ثم حسن الاتباع له فيما بلغه عن ربه من تصديقه في كل ما أخبر به من الواجبات والانتهاء عما نهى عنه من المحرمات ونصرة دينه والجهاد لمن خالفه بحسب القدرة فهذا القدر لابد منه ولا يتم الإيمان بدونه.والدرجة الثانية: وهي المحبة التي تقتضي حسن التأسي به وتحقيق الاقتداء بسنته في أخلاقه وآدابه ونوافله وتطوعاته وأكله وشربه ولباسه وحسن معاشرته لأزواجه وغير ذلك من آدابه الكاملة وأخلاقه الطاهرة والراقية والاعتناء بمعرفة سيرته وأيامه واهتزاز القلب عند ذكره وكثرة الصلاة والسلام عليه لما سكن في القلب من محبته وتعظيمه وتوقيره ومحبة استماع كلامه وإيثاره على كلام غيره من المخلوقين، ومن أعظم ذلك الاقتداء به في زهده في الدنيا الفانية والاجتزاء باليسير منها والرغبة في الآخرة الباقية. أ . هـ . من كتاب استنشاق النسيم الأنس.ومن علامات محبة الله ورسوله: أن يحب ما يحبه الله ويكره ما يكرهه الله ويؤثر مرضاته على ما سواه وأن يسعى في مرضاته ما استطاع وان يبعد عما حرمه الله ويكرهه أشد الكراهة ويتابع رسوله ﷺ ويمتثل أمره. ويترك نهيه كما قال تعالى:}مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ{ [سورة النساء آية 80].فمن آثر أمر غيره على أمره وخالف ما نهى عنه فذلك علم على عدم محبته لله ورسوله فإن محبة الرسول من لازم محبة الله كما تقدم فمن أحب الله وأطاعه أحب الرسول وأطاعه ومحبة الله تستلزم محبة طاعته فإنه يحب من عبده أن يطيعه والمحب يحب ما يحبه محبوبه ولابد.ومن لازم محبة الله أيضًا: محبة أهل طاعته كمحبة أنبيائه ورسله والصالحين من عبادة فمحبة ما يحبه الله ومن يحبه الله من كمال الإيمان ومن أحب الله تعالى أحب فيه ووالى أولياءه وعادى أهل معصيته وأبغضهم وجاهد أعداءه ونصر أنصاره وكلما قويت محبة العبد لله في قلبه قويت هذه الأعمال المترتبة عليها وبكمالها يكمل توحيد العبد.هذا وقد نهى الله سبحانه عن موالاة أعدائه في مواضع كثيرة من القرآن وأخبر أن موالاتهم تنافي الإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر وأنها سبب للفتنة والفساد في الأرض وأن من والاهم ووادهم فليس من الله في شيء وأنه من الظالمين الضالين عن سواء السبيل وأنه مستوجب لسخط الله وأليم عقابه في الآخرة والآيات في هذا كثيرة منها: قول الله تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ{ إلى قوله تعالى }وَمَن يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ{ [سورة الممتحنة آية 1]. وقوله تعالى: }لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ{....) ([8]). [سورة المائدة آية 51]. فمن أطاع الرسول ووحد الله لا يجوز له موالاة ومحبة من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب قال تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{([9])وفي النص على الأقارب دليل على أن مصارمة من سواهم من الكفار مطلوبة بطريق الأولى والأحرى. وقال تعالى }لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ{([10]).قال البغوي رحمه الله تعالى: أخبر الله أن إيمان المؤمنين يفسد بموادة الكفار وأن من كان مؤمنا لا يوالي من كفر وإن كان من عشيرته. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: أخبر سبحانه وتعالى أنه لا يوجد مؤمن يواد كافراً فليس بمؤمن... أ. هـ.وقال تعالى (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ)([11]).والركون: هو المحبة والميل بالقلب. إذا علم تحريم موالاة أعداء الله تعالى وموادتهم فليعلم أيضًا أن الأسباب الجالبة لموالاتهم وموادتهم كثيرة جدًّا ومن أقربها وسيلة مساكنتهم في الديار، ولاسيما في ديارهم الخاصة بهم ومخالطتهم في الأعمال ومجالستهم ومصاحبتهم وزيارتهم وتولي أعمالهم والتزيي بزيهم والتأدب بآدابهم وتعظيمهم بالقول والفعل وكثير من المسلمين واقعون في ذلك. ولا حول ولا قوة إلا بالله.وقد وردت أحاديث كثيرة بالنهي عما فيه تعظيم لأعداء الله تعالى فمن ذلك بداءتهم بالسلام ومصافحتهم والترحيب بهم والقيام لهم وتصديرهم في المجالس والتوسيع لهم في الطريق لما في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام. وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه" رواه مسلم.وقد ورد النهي عن مجامعة المشركين ومساكنتهم في ديارهم لأن ذلك من أعظم الأسباب الجالبة لموالاتهم ومحبتهم والأحاديث في ذلك كثيرة منها قوله ﷺ "من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله" رواه أبو داود. ورواه الترمذي عن النبي ﷺ قال "لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم فمن ساكنهم أو جامعهم فهو مثلهم" وقوله ﷺ "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين" رواه أبو داود والترمذي. فليتأمل المسلمون الساكنون مع أعداء الله تعالى هذه الأحاديث وليعطوها حقها من العمل فقد قال الله تعالى: }فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ{([12]).فالحب في الله والبغض في الله والموالاة في الله والمعاداة في الله من أهم أمور الدين، وأوثق عرى الإيمان وأفضل الأعمال عند الله وبالله التوفيق وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. بسم الله الرحمن الرحيم الرسالة الثانية الحب في الله والبغض في الله والموالاة في الله والمعاداة في اللهالحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.أما بعد:فإن من واجبات الإيمان ولوازمه محبة الله تعالى ومحبة رسوله ﷺ ومحبة المؤمنين ومحبة ما يحبه الله ورسوله من الإيمان والعمل الصالح وتوابع ذلك وبغض ما يبعضه الله ورسوله من الكفر والشرك والفسوق والمعاصي وبغض أعداء الله ورسوله من الكفرة والمشركين واليهود والنصارى والعصاة والملحدين فالحب في الله والبغض في الله والموالاة في الله والمعاداة في الله أوثق عرى الإيمان وأحب الأعمال إلى الله تعالى والمرء مع من أحب يوم القيامة كما وردت السنة بذلك فمحبة الله تعالى ورسوله ﷺ مقدمة على محبة الأولاد والأموال والنفوس. قال الله تعالى }قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ{. [سورة التوبة آية 24]ومن لازم محبة الله ورسوله عداوة المشركين والكافرين وقد أوجب الله ذلك وحرم موالاتهم وشدد فيها ورتب على موالاة الكافرين سخطه والخلود في العذاب وأخبر أن ولايتهم لا تحصل إلا ممن ليس بمؤمن، وأما أهل الإيمان بالله وكتابه ورسوله فإنهم لا يوالونهم بل يعادونهم كما أخبر الله عن خليله إبراهيم والذين معه أنهم }قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَاءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ{([13]) وقال تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{([14]) فنهى الله سبحانه وتعالى المؤمنين أن يوالوا اليهود والنصارى وذكر أن من تولاهم فهو منهم. أي من تولى اليهود فهو يهودي ومن تولى النصارى فهو نصراني وكذلك من تولى المشركين فهو مشرك، ثم أخبر تعالى أن الذين في قلوبهم مرض أي شك في الدين وشبهة يسارعون في الكفر قائلين }نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ{ أي إذا أنكرت عليهم موالاة الكافرين قالوا نخشى أن تكون لهم الدولة في المستقبل فيتسلطون علينا فيأخذون أموالنا ويشردونا من بلادنا وهذا هو ظن السوء بالله الذي ظنه المنافقون لأنهم ظنوا غير ما يليق بالله وحكمته ووعده الصادق وقد قال الله فيهم }الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا{([15]).فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد نهى المؤمن عن موالاة أبيه وأخيه اللذين هما أقرب الناس إليه إذا كان دينهما غير الإيمان وبين أن الذي يتولى أباه وأخاه إذا كانا كافرين فهو ظالم فكيف بمن تولى الكافرين الذين هم أعداء له ولآبائه ولدينه أفلا يكون هذا ظالم؟ بلى والله إنه لمن أظلم الظالمين. وبين تعالى أن المحبوبات الثمانية المتقدمة وهي الآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشيرة والأموال المكتسبة والتجارة والمساكن لا تكون عذرا في موالاة الكافرين فليس لأحد أن يواليهم خوفاً على أبيه أو أخيه أو بلاده أو ماله أو عشيرته أو مخافته على زوجاته فإن الله قد سد على الخلق باب الأعذار، فمحبة الله ورسوله توجب إيثار عداوة المشركين ومقاطعتهم على هذه الثمانية وتقديمها عليها وقال تعالى }وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ{ ([16]) فتبين أن موالاة المسلم للكافر سبب الافتتان في الدين بترك واجباته وارتكاب محرماته والخروج عن شرائعه وسبب الافتتان في الأديان والأبدان والأموال وقال تعالى }وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلاَ تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ{([17]) فأخبر تعالى عن الكفار أنهم يودون كفر المسلمين كما كفروا ثم نهى أهل الإيمان عن موالاتهم حتى تحصل منهم الهجرة بعد الإسلام.وكيف يدعى رجل محبة الله وهو يحب أعداءه كما قيل:تحب أعداء الحبيب وتدعي حبا له ما ذاك في إمكان شرط المحبة أن توافق من تحب على محبته بلا عصيان فإذا ادعيت له المحبة مع خلافك ما يحب فأنت ذو بهتان فالحب في الله والبغض في الله أصل عظيم من أصول الإيمان ولهذا جاء في الحديث "أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله" ([18]) ولذلك أكثر الله من ذكره في القرآن قال تعالى }لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً{([19]) فنهى الله المؤمنين أن يوالوا الكافرين ومن يفعل ذلك فليس من ولاية الله في شيء فإن موالاة الولي وموالاة عدوه متنافيات }إِلاَّ أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً{ فرخص في موالاتهم إذا خافوهم فلم يحسنوا معاشرتهم إلا بذلك وكانوا مقهورين لا يستطيعون إظهار العداوة لهم فحينئذ تجوز معاشرة ظاهرا والقلب مطمئن بالإيمان والعداوة والبغضاء للكافرين كما قال تعالى }إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ{.وقال تعالى }لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ{([20]) فنفى سبحانه وتعالى الإيمان عمن هذا شأنه ولو كانت مودته ومحبته لأبيه وأخيه وابنه فكيف بغيرهم، أخبر سبحانه أنه لا يوجد مؤمن يواد كافراً فمن واد الكافر فليس بمؤمن.وحاصل ما تقدم: أن الله سبحانه وتعالى نهى عن موالاة الكفار وأخبر أن من توالهم فهو منهم وأخبر النبي ﷺ أن من أحب قوما حشر معهم.(ويفهم مما تقدم من أدلة الكتاب والسنة والآثار عن السلف أمور من فعلها تعرض للوعيد بمسيس النار):أحدها: التولي العام.الثاني: المودة والمحبة الخاصة. الثالث: الركون القليل. قال تعالى }وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً * إِذًا لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا{([21]) فإذا كان هذا الخطاب الأشرف مخلوق صلوات الله وسلامه عليه فكيف بغيره.الرابع: مداهنتهم ومداراتهم }وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ{.الخامس: طاعتهم فيما يقولون وفيما يشيرون كما قال تعالى }وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا{([22]).السادس: تقريبهم في الجلوس.السابع: مشاورتهم في الأمور.الثامن: استعمالهم في أمر من أمور المسلمين إمارة أو عمالة أو كتابة أو غير ذلك.التاسع: اتخاذهم بطانة من دون المؤمنين.العاشر: مجالستهم ومزاورتهم والدخول عليهم.الحادي عشر: البشاشة لهم والطلاقة.الثاني عشر: الإكرام العام.الثالث عشر: استئمانهم وقد خونهم الله.الرابع عشر: معاونتهم في أمورهم ولو بشيء قليل كبري القلم وتقريب الدواة والقرطاس ليكتبوا ظلمهم.الخامس عشر: مناصحتهم.السادس عشر: اتباع أهوائهم.السابع عشر: مصاحبتهم ومعاشرتهم.الثامن عشر: الرضا بأعمالهم، والتشبه بهم والتزيي بزيهم فإن من تشبه بقوم فهو منهم ([23]).التاسع عشر: ذكر ما فيه تعظيم لهم كتسميتهم سادات وحكماء.العشرون: السكنى معهم في ديارهم كما قال ﷺ "من جامع المشركين وسكن معهم فإنه مثلهم" رواه أبو داود فجعل ﷺ في هذا الحديث من اجتمع معهم وخالطهم وسكن معهم مثلهم فكيف بمن أظهر لهم الموافقة على دينهم وآواهم وأعانهم ([24]) اللهم زينا بزينة الإسلام واجعلنا هداة مهتدين.اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين... برحمتك يا أرحم الراحمين.وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. فصلاعلم أيها المسلم: أن الإنسان إذا أظهر للمشركين الموافقة على دينهم خوفاً منهم ومداراة لهم ومداهنة لدفع شرهم فإنه كافر مثلهم وإن كان يكره دينهم ويبغضهم ويحب الإسلام والمسلمين هذا إذا لم يقع منه إلا ذلك فكيف إذا كان في دار منعة واستدعى بهم ودخل في طاعتهم وأظهر الموافقة على دينهم الباطل وأعانهم عليه بالنصر والمال وولاهم وقطع الموالاة بينه وبين المسلمين وصار من جنود القباب والشرك وأهلها بعد أن كان من جنود الإخلاص والتوحيد وأهله فإن هذا لا يشك مسلم أنه كافر من أشد الناس عداوة لله تعالى ولرسوله ﷺ ولا يستثنى من ذلك إلا المكره وهو الذي يستولي عليه المشركون فيقولون له اكفر وإلا قتلناك أو يأخذونه فيعذبونه حتى يوافقهم فيجوز له الموافقة باللسان مع طمأنينة القلب بالإيمان وقد أجمع العلماء على أن من تكلم بالكفر هازلاً أنه يكفر فكيف بمن أظهر الكفر خوفاً أو طمعاً في الدنيا وإليك بعض الأدلة على ذلك:قال تعالى }وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُوا{([25]) الآية فأخبر تعالى أن الكفار لا يزالون يقاتلون المسلمين حتى يردوهم عن دينهم إن استطاعوا ولم يرخص في موافقتهم خوفاً على النفس والمال والحرمة بل أخبر أن موافقتهم بعد أن قاتلوه ليدفع شرهم أنه مرتد فكيف بمن وافقهم من غير قتال أنه أولى بعدم العذر وأنه كافر مرتد وقال تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ{([26]) فأخبر تعالى أن المؤمنين إن أطاعوا الكفار فلابد أن يردوهم على أعقابهم عن الإسلام فإنهم لا يقنعون منهم بدون الكفر وأخبر أنهم إن فعلوا ذلك صاروا من الخاسرين في الدنيا والآخرة.وقال تعالى }تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ{([27]) فذكر الله تعالى أن موالاة الكفار وهي محبتهم ومصادقتهم موجبة لسخط الله والخلود في العذاب الأليم وأن موالاة الكفار منافية للإيمان بالله والنبي ﷺ وما أنزل الله ثم أخبر أن سبب ذلك كون كثير منهم فاسقين أي خارجين عن طاعة الله ورسوله وقال تعالى }وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ{([28]) فذكر الله تعالى أن الركون إلى الظلمة وهو الميل إليهم من الكفار والظالمين موجب لمسيس النار ولم يفرق بين من خاف منهم وغيره إلا المكره. فكيف بمن اتخذ الركون إليهم دينًا ورأيًا حسنًا، وقال تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ{ إلى قوله }وَمَن يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ{([29]).فأخبر تعالى أن من تولى أعداء الله ولو كانوا أقرباء فقد أخطأ الطريق المستقيم وخرج عنه إلى الضلالة فأين هذا ممن يدعي أنه على الصراط المستقيم ثم يوالي الكافرين واليهود والنصارى فإن هذا تكذيب لله ومن كذب الله فهو كافر واستحلال لما حرم من ولاية الكفار ومن استحل محرماً فقد كفر([30]). باب فضل الحب في الله والحث عليه ([31])وإعلام الرجل من يحبه أنه يحبه، وماذا يقول له إذا أعلمهقال الله تعالى: }مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ{ [الفتح: 29] إلى آخر السورة. وقال تعالى }وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ{([32])) [الحشر: 9].وعن أنس رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار" متفق عليه ([33]).وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: "سبعة يظلهم الله في ظله ([34]) يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجل قلبه معلق بالمساجد([35])، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه، وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات حسن وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه"([36]) متفق عليه([37]).وعنه قال: قال رسول الله ﷺ : "إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي". رواه مسلم([38]).وعنه قال: قال رسول الله ﷺ : "والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم" رواه مسلم([39]).وعنه عن النبي ﷺ : "أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى، فأرصد الله له على مدرجته ملكاً" وذكر الحديث إلى قوله: "إن الله أحبك كما أحببته فيه" رواه مسلم([40]). وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما عن النبي ﷺ أنه قال في الأنصار: "لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، من أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله" متفق عليه([41]).وعن معاذ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "قال الله عز وجل: المتحابون في جلالي، لهم منابر ([42]) من نور يغبطهم النبيون والشهداء".رواه الترمذي ([43]) وقال: حديث حسن صحيح. وعن أبي إدريس الخولاني رحمه الله قال: دخلت مسجد دمشق، فإذا فتى براق الثنايا ([44]) وإذا الناس معه، فإذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه، وصدروا عن رأيه، فسألت عنه، فقيل: هذا معاذ بن جبل رضي الله عنه، فلما كان من الغد، هجرت، فوجدته قد سبقني بالتهجير، ووجدته يصلي، فانتظرته حتى قضى صلاته، ثم جئته من قبل وجهه، فسلمت عليه، ثم قلت: والله إني لأحبك لله، فقال: آلله؟ فقلت: ألله فقال: آلله؟ فقلت: ألله، فأخذني بحبوة ردائي، فجذبني إليه، فقال: أبشر، فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: "قال الله تعالى وجبت محبتي للمتحابين في، والمتجالسين في، والمتزاورين في، والمتباذلين في" حديث صحيح رواه مالك في الموطأ([45]) بإسناده الصحيح.قوله "هجرت": أي بكرت، وهو بتشديد الجيم. قوله" آلله فقلت: ألله" الأول بهمزة ممدودة للاستفهام، والثاني بلا مد. عن أبي كريمة المقداد بن معديكرب رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: "إذا أحب الرجل أخاه، فليخبره أنه يحبه" رواه أبو داود، والترمذي ([46]) وقال: حديث حسن.وعن معاذ رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ، أخذ بيده وقال: "يا معاذ، والله، إني لأحبك ثم أوصيك يا معاذ: لا تدعن في دبر ([47]) كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك، وحسن عبادتك". حديث صحيح، رواه أبو داود والنسائي ([48]) بإسناد صحيح. وعن أنس، رضي الله عنه، أن رجلاً كان عند النبي ﷺ فمر رجل به، فقال: يا رسول الله إني لأحب هذا، فقال له النبي ﷺ : "أأعلمته؟" قال: لا. قال: "أعلمته" فلحقه، فقال: إني أحبك في الله، فقال: أحبك الذي أحببتني له. رواه أبو داود ([49]) بإسناد صحيح. باب علامات حب الله تعالى للعبدوالحث على التخلق بها والسعي في تحصيلها ([50])قال الله تعالى: }قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{ [آل عمران: 31]، وقال تعالى:}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَّرْتَدَّ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ{ ([51]) [المائدة: 54].وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : "إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً، فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه([52])، وما يزال عبدي يقترب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به،وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني، أعطيته، ولئن استعاذني، لأعيذنه" رواه البخاري([53]).معنى "آذنته" : أعلمته بأني محارب له. وقوله: "استعاذني" : روي بالباء وروي بالنون.وعنه عن النبي، ﷺ قال: "إذا أحب الله تعالى العبد، نادى جبريل: إن الله تعالى يحب فلاناً، فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً، فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض" متفق عليه([54]).وفي رواية لمسلم: قال رسول الله ﷺ : "إن الله تعالى إذا أحب عبداً دعا جبريل، فقال: إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلاناً، فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبداً دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا، فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء، إن الله يبغض فلانا، فأبغضوه، فيبغضه أهل السماء ثم توضع له البغضاء في الأرض".وعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله ﷺ ، بعث رجلاً على سرية([55])، فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم بـ }قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ{ فلما رجعوا، ذكروا ذلك لرسول الله ﷺ ، فقال: "سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟" فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، فأنا أحب أن أقرأ بها، فقال رسول الله ﷺ : "أخبروه أن الله تعالى يحبه" متفق عليه([56]).ويستفاد مما تقدم من الآيات والأحاديث أن من علامات حب الله تعالى للعبد ما يلي:1- اتباع الرسول محمد ﷺ فيما يأمر به وينهى عنه.2- الذلة على المؤمنين ولين الجانب لهم والشدة على الكافرين.3- الجهاد في سبيل الله بالأموال والأنفس واستحلاء الملامة في ذلك.4- التقرب إلى الله تعالى بالنوافل بعد الفرائض.5- محبة الناس للشخص لأن الله أحبه ووضع في قلوب الناس محبته.6- محبة الإنسان لله وأسمائه وصفاته. بابقول الله تعالى: }وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ{([57])([58])س: اشرح هذه الآية وبين مناسبتها لكتاب التوحيد؟ج: أخبر الله تعالى أن من أحب من دون الله شيئًا كما يحب الله فهو ممن اتخذ من دون الله أندادا أي أمثالا ونظراء وأشباها يساوونهم بالله في المحبة والتعظيم.ومناسبة الآية لكتاب التوحيد: أن من أحب أحدًا كما يحب الله فقد أشرك الشرك الأكبر المنافي للتوحيد.قال تعالى }قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ{ [سورة التوبة آية 24].س: بين معاني الكلمات الآتية: عشيرتكم، اقترفتموها، تجارة، كسادها، مساكن ترضونها، فتربصوا، ثم اشرح الآية وبين مناسبتها لهذا الباب؟ج: عشيرتكم: أقرباؤكم الأدنون، اقترفتموها: اكتسبتموها، تجارة: أمتعة اشتريتموها للتجارة والربح، كسادها: بوارها وعدم رواجها، مساكن ترضونها: منازل تعجبكم للإقامة بها، فتربصوا: انتظروا ماذا يحل بكم من العقاب.شرح الآية: يأمر الله رسوله أن يثبت المؤمنين ويقوي عزائمهم على الانتهاء عما نهوا عنه من موالاة الآباء والإخوان الذين استحبوا الكفر على الإيمان ويزهده فيهم ويقطع علائقهم عن زخارف الدنيا على وجه التوبيخ والترهيب.ومناسبة الآية للباب: أن فيها وعيد شديد على من كانت الثمانية أحب إليه من دينه.عن أنس أن رسول الله ﷺقال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" أخرجاه أي البخاري ومسلم.س: اشرح هذا الحديث وما الذي تقتضي محبة الرسول ﷺ؟ وما مناسبته للباب؟ج: أخبر ﷺ أن الإنسان لا يكون آتيا بالإيمان الواجب حتى يقدم محبة الرسول ﷺ على محبة نفسه وأقرب الناس إليه وأن من استكمل الإيمان علم أن حق النبي ﷺ أكبر عليه من حق أبيه وابنه والناس أجمعين ففيه وجوب تقديم محبته ﷺ على النفس والأهل والمال.وتقتضي محبته ﷺ طاعته ومتابعته والعمل بسنته.ومناسبة هذا الحديث للباب: أن محبة الرسول ﷺ واجبة تابعة لمحبة الله لازمة لها تزيد بزيادتها وتنقص بنقصها.عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار" وفي رواية: "لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى ..... إلى آخره" متفق عليه.س: وضح معاني الكلمات الآتية: ثلاث، كن فيه، حلاوة الإيمان، واشرح هذا الحديث وما الذي تستوجب محبة الله؟ج: ثلاث: أي ثلاث خصال، كن فيه: أي وجدت فيه تامة، حلاوة الإيمان: استلذاذ الطاعات وتحمل المشقات في رضى الله ورسوله.يخبر الرسول ﷺ أن من اتصف بهذه الصفات نال اللذة والبهجة والسرور والفرح وهي أن تكون محبة الله ورسوله مقدمة على محبة الأولاد والأموال والأزواج وغيرها وأن تكون محبة الإنسان لغيره من الناس خالصة لله وأن يكره ضد الإيمان كما يكره الإلقاء في النار.وتقتضي محبة الله فعل طاعته وترك مخالفته والعمل بكتابه وسنة رسوله ومحبة ما يحبه كمحبة أنبيائه ورسله والصالحين من عباده.عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "من أحب في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك. وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا وذلك لا يجدي على أهله شيئًا" رواه ابن جرير.وقال ابن عباس في قوله "وتقطعت بهم الأسباب" قال المودة.س: وضع معاني الكلمات المذكورة في الحديث؟ج: أحب في الله: أي أحب أهل الإيمان بالله وطاعته من أجل ذلك.أبغض في الله: أي ابغض من كفر بالله وأشرك به وخرج عن طاعته لأجل ما فعلوا مما يسخط الله.والى في الله: نصر أولياءه وأهل طاعته وأيدهم. عادى في الله: حارب أهل معصيته وجاهد أعداءه.ولاية الله: توليه لعبده ومحبته ونصرته له.ولن يجد أحد طعم الإيمان: أي لا يحصل له ذوق الإيمان ولذته وسروره.حتى يكون كذلك: أي حتى يحب في الله ويبغض في الله ويعادي في الله ويوالي في الله.مؤاخاة الناس: تآخيهم ومحبتهم وموالاتهم على شئون الدنيا.لا يجدي على أهله شيئا: أي لا تنفعهم محبتهم لأجل الدنيا بل تضرهم.س: ما معنى قوله تعالى }وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ{؟ج: المعنى أن المشركين مع الله في المحبة في الآخرة ولم تغن عنهم شيئًا وتبرأ بعضهم من بعض فينقطع يوم القيامة كل سبب ووسيلة كانت لغير الله.س: اذكر أنواع المحبة مع التعريف لكل نوع؟ج: المحبة أربعة أنواع:1- محبة الله وهي أصل الإيمان والتوحيد.2- المحبة في الله وهي محبة أنبياء الله ورسله وعباده الصالحين ومحبة ما يحبه الله من الأعمال والأزمنة والأمكنة وغيرها وهذه تابعة لمحبة الله ومكملة لها. 3- محبة مع الله وهي محبة المشركين لآلهتهم وأندادهم من شجر وحجر وبشر وملك وغيرها وهي أصل الشرك وأساسه.4- محبة طبيعية وهي ثلاثة أقسام: أ- محبة إجلال وإعظام كمحبة الوالد. ب- محبة شفقة ورحمة كمحبة الولد. ج- محبة مشاكلة واستحسان كمحبة سائر الناس.وكذلك محبة الطعام والشراب واللباس والنكاح ونحوها وهذه إذا كانت مباحة وأعانت على طاعة الله فهي عبادة وإن توسل بها إلى محرم فهي محرمة وإلا بقيت من أقسام المباحات.الذين يحبهم الله:القرآن والسنة مملوءان بذكر من يحبه الله سبحانه من عباده المؤمنين كقوله تعالى: }وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ{ سورة آل عمران آية 146. }وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ{ سورة آل عمران آية 134. }إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ{ سورة البقرة آية 222. }إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ{ سورة الصف آية 4. }فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ{ سورة آل عمران آية 76 ([59]). اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك وحب العمل الذي يقربني إلى حبك، اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي ومالي وولدي، ومن الماء البارد إنك على كل شيء قدير، وصلي الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.*** بسم الله الرحمن الرحيم الرسالة الثالثة حب النبي صلى الله عليه وسلم وعلاماته ([60])من سعادة العبد أن يرزقه الله تعالى محبة النبي ﷺ وكيف لا يكون هذا ومحبته ﷺ من شروط الإيمان. فقد روى الإمام البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ : "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين"([61]).كما أن محبته ﷺ سبب لحصول حلاوة الإيمان، فقد قال النبي ﷺ : "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار"([62]).ومحبته ﷺ أيضا ستكون سببا لمرافقته في دار النعيم. فقد ورد في الحديث الشريف أن رجلا سأل رسول الله ﷺ قال: المرء يحب القوم ولما يلحق بهم؟ فقال رسول الله ﷺ : "المرء مع من أحب"([63]). يزعم كل واحد منا أنه يحب النبي ﷺ وأنه عليه الصلاة والسلام أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين، لكن هل نحن صادقون في هذا الادعاء؟ وهل مجرد ادعائنا هذا له قيمة عند الله تعالى؟ذكر العلماء علامات ومقاييس لمعرفة محبة النبي ﷺ في قلب الشخص وعدمها. ومن أشهر تلك العلامات ما يلي:أولاً: فقد رؤيته يكون أشد عليه من فقد أي شيء آخر في الدنيا([64]).ثانيًا: يتمنى حضور حياته عليه الصلاة والسلام كي يبذل نفسه وماله دونه.ثالثًا: يمتثل أوامره ويجتنب نواهيه.رابعًا: ينصر سنته ويذب عن شريعته([65]).فإذا توافرت تلك العلامات في شخص فليحمد الله تعالى على وجود حب صادق للنبي عليه الصلاة والسلام في قلبه، وإذا فقد تلك العلامات أو بعضًا منها فليحاسب نفسه قبل أن يحاسب في يوم يجعل الولدان شيبًا، ولا يحاول خداع الله تعالى والمؤمنين، فإن المخادع لله هو المخادع لنفسه }يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ{([66]).ولعله من المناسب في هذا المقام أن نذكر تلك المقاييس ببعض التفصيل وننظر من خلالها إلى حب أصحاب رسول الله ﷺ ثم نقارنه بما نحن عليه لعل الله تعالى يصلح أحوالنا ويهدينا إلى سبيل الرشاد.العلامة الأولى:فقد رؤيته عليه الصلاة والسلام يكون أشد عليه من فقد أي شيء في الدنيا:من المعروف أن غاية ما يتمنى المحب هو أن يسعد برؤية حبيبه، فمحب النبي ﷺ يتمنى دائما أن يسعد برؤيته عليه الصلاة والسلام في الدنيا والآخرة، وحينما يعطي له فرصة اختيار أحب وأغلى شيء يختار رؤيته ﷺ ، يحدثنا الإمام مسلم عن أحد الصادقين في محبته للنبي ﷺ ماذا اختار حينما أعطيت له فرصة الاختيار، يقول هذا المحب الصادق بنفسه، وهو ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه: كنت أبيت عند النبي ﷺ فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي: "سل" فقلت: يا رسول الله أسألك مرافقتك في الجنة، فقال: "أوغير ذلك؟" قلت: هو ذاك، قال: "فأعني على نفسك بكثرة السجود"([67]).فهكذا لا يتردد المحب الصادق في إظهار أن اختياره الأول هو الحصول على مرافقته عليه الصلاة والسلام.ثم إن المحب الصادق ... يحزنه حتى تصور حرمانه من رؤيته ﷺ. فقد ذكر ابن جرير عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله ﷺ وهو محزون، فقال له النبي ﷺ : "يا فلان مالي أراك محزوناً؟" فقال: يا نبي الله شيء فكرت فيه، فقال: "ما هو؟" قال: نحن نغدو ونروح ننظر إلى وجهك ونجالسك، وغدًا ترفع مع النبيين فلا نصل إليك، فلم يرد النبي ﷺ شيئًا، فأتاه جبريل بهذه الآية:}وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا{ فبعث إليه النبي ﷺ فبشره([68]). هكذا كان الصادقون في محبتهم له عليه الصلاة والسلام وكيف نحن؟ ألسنا قد أحببنا أشياء أخرى واستبدلناها بهذه المحبة، نبذل الشيء الكثير من المال والوقت لمشاهدتها أو التلذذ بها، ونضيع العديد من حقوق الله تعالى وحقوق الناس في سبيل متابعتها. نفرح برؤيتها، ونحزن ونتأسف إذا فاتنا منها الشيء اليسير.أبعد هذا كله نحن الصادقون في قولنا: إن النبي ﷺ أحب إلينا من جميع الناس ومن جميع الأشياء، إن المحب الصادق في محبته، لو خير بين مجرد أن يرى النبي ﷺ منامًا أو يقظة (لو كان هذا ممكنًا) وبين فقد أغلى شيء لديه في الحياة لاختار الأول.العلامة الثانية:الاستعداد التام لبذل الأنفس والأموال دونه ﷺ :يترقب المحب الصادق بكل اشتياق الفرصة التي يبذل فيها نفسه وكل ما يملك دون حبيبه, والمحبون الصادقون للنبي عليه الصلاة والسلام كانوا دائما على أتم الاستعداد لفدائه بالأنفس وكل عزيز عليهم دونه ﷺ ، والذين كانوا بعد عصره عليه الصلاة والسلام، كانوا يجدون حسرة في قلوبهم على فوات هذه الفرصة.وإن المتتبع لسيرة النبي ﷺ مع أصحابه ليجد منهم محبة له منقطعة النظير، وفداء له بالنفس والمال. 1- فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، الذي بذل ماله كله في سبيل الله، نراه يضرب لنا أروع الأمثلة لحب النبي ﷺ ، وفدائه له بنفسه، ما لم نعلم له مثيلاً في التاريخ، لقد ضحى بنفسه وعرضها للهلاك والموت ليلة الهجرة إلى المدينة، ليفدي بذلك رسول الله ﷺ من محبته له، وكان رضي الله عنه يعلل هذه التضحية بقوله: "إن قتلت فإنما أنا رجل واحد، وإن قتلت أنت هلكت الأمة" وفي الطريق إلى الغار كان يمشي أمام النبي ﷺ ساعة، ويمشي خلفه ساعة، فسأله عن السبب؟ فقال: "أذكر الطلب فأمشي خلفك، وأذكر الرصد فأمشي أمامك، فقال: لو كان شيء أحببت أن تقتل دوني؟ قال: إي والذي بعثك بالحق، فلما انتهيا إلى الغار، قال: مكانك يا رسول الله حتى استبرئ لك الغار فاستبرأه"([69]).وفي هذا يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يبكي: "وددت أن عملي كله مثل عمله يوماً واحداً من أيامه، وليلة واحدة من لياليه، أما ليلته، فالليلة التي سار مع النبي ﷺ إلى الغار، فلما انتهيا إليه، قال: والله لا تدخله حتى أدخله قبلك، فإن كان فيه شيء أصابني دونك، فدخل فمسحه، فوجد في جانبه ثقبا، فشق إزاره وسدها به، وبقي منها اثنان، فألقمهما رجليه ثم قال لرسول الله ﷺ "أدخل" فدخل النبي ﷺ ووضع رأسه في حجره ونام، فلدغ أبو بكر في رجله من الجحر، ولم يتحرك مخافة أن ينتبه النبي ﷺ ، فسقطت دموعه على وجه النبي ﷺ ، فقال: "مالك يا أبا بكر؟" قال "لدغت، فداك أبي وأمي" فتفل عليه النبي ﷺ فذهب ما يجده، ثم انتقض عليه ([70]) وكان سبب موته([71]).هل عرف التاريخ مثل هذه التضحية؟! وهذه المحبة؟! إنه حب فريد من نوعه، حب الصديق لرسول الله ﷺ وهو ينبع من إيمان عميق، وإخلاص شديد، واعتقاد وجوب محبة النبي ﷺ - ذاتاً ورسالة - وتقديم هذه المحبة على حب النفس والولد، حيث لا يكتمل إيمان العبد إلا بهذه المحبة، فاللهم ارزقنا محبة رسولك عليه الصلاة والسلام.2- وهذا زيد بن الدثنة رضي الله عنه .. يخرجه أهل مكة من الحرم كي يقتلوه، فيجتمعون حوله، فيقول له أبو سفيان: (أنشدك الله يا زيد! أتحب أن محمداً عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك؟) قال: "والله لا أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وإني جالس في أهلي"([72]).وهكذا كانت المحبة الصادقة في قلوب أصحابه ﷺ مما جعلت أعدى أعداء الرسول عليه الصلاة والسلام في وقته يشهد: ما رأيت في الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً([73]).3- وهذا محب آخر: وهو سعد بن الربيع رضي الله عنه؟! كان في آخر لحظات حياته، لكن كان هناك شيء يشغل باله، ماذا كان ذاك الشيء، فلنقرأ قصته كما حدثنا ابن هشام بأن النبي ﷺ بعد معركة أحد قال لأصحابه: "من رجل ينظر إلى ما فعل سعد بن الربيع، أفي الأحياء هو أم في الأموات؟" فقال رجل من الأنصار: أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل سعد، فنظر فوجده جريحاً في القتلى وبه رمق، قال: قلت له: إن رسول الله ﷺ أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات؟ قال: أنا في الأموات، فأبلغ رسول الله ﷺ عني السلام وقل له: إن سعد بن الربيع يقول لك: جزاك الله خير ما جزى نبياً عن أمته، وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم: إن سعد بن الربيع يقول لكم: إنه لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم ومنكم عين تطرف، قال: ثم لم أبرح حتى مات([74]).ففيم فكر هذا المحب الصادق في آخر لحظات حياته؟ وما الذي شغل باله؟ وبماذا أوصى أصحابه وهو يودعهم ويرحل من هذه الدنيا إلى الآخرة؟الأمر الذي شغل باله هو سلامة حبيبه وحبيب رب العالمين ﷺ والوصية التي أوصى بها أصحابه هي أن يبذل كل واحد منهم نفسه دون رسول الله ﷺ .هل نحن المدعون لمحبته عليه الصلاة والسلام هكذا؟! فيم نفكر نحن؟ ماذا يشغل بالنا؟ وقد يكون التصريح فقط بما يشغل بالنا لا يليق بشخص محترم، وبماذا نوصي زملاءنا حين نودعهم إلى الشرق أو الغرب؟ يا للأسف! يا للعار! هل نحن مستعدون لبذل أرواحنا وأموالنا دفاعاً عن عقيدتنا ونشراً لديننا وتحريراً لمقدساتنا، ونصرة لإخوان لنا تراق دماؤهم وتسلب أموالهم لا لشيء إلا لأنهم قالوا ربنا الله!!! العلامة الثالثة:امتثال أوامره واجتناب نواهيه:لا يختلف اثنان أن المحب لمن يحب مطيع، لا يقف المحب عند تنفيذ تعليمات حبيبه فقط بل يلاحظ بكل دقة تغيرات وجهه، وإشارات عينيه، لعله يدرك ما يحبه حبيبه فيفعله، أو يعرف ما يبغضه حبيبه فيبتعد عنه.وحينما ننظر إلى المحبين الصادقين من خلال هذا المقياس يظهر لنا العجب العجاب.روى الإمام أبو داود عن جابر رضي الله عنه قال: لما استوى رسول الله ﷺ يوم الجمعة قال: "اجلسوا" فسمع ذلك ابن مسعود فجلس على باب المسجد، فرآه رسول الله ﷺ فقال: "تعال يا عبد الله بن مسعود" ([75]).فلم تسمح نفس ابن مسعود المؤمنة رضي الله عنه أن يتأخر عن تنفيذ أمر حبيبه ﷺ إلى أن يدخل المسجد ثم يجلس، بل جلس على باب المسجد في لحظة سماعه أمره ﷺ .وليس هذا شأن ابن مسعود رضي الله عنه وحده بل هكذا كان جميع المحبين الصادقين، فقد روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة وما شرابهم إلا الفضيخ فإذا مناد ينادي، فقال: أخرج فانظر، فإذا مناد ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت، قال: فجرت في سكك المدينة، فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها فهرقتها([76]).هكذا كانوا في تنفيذ أمر رسول الله ﷺ وكيف نحن؟ نسمع أوامره ولا ننفذها ونسمع نواهيه ونأتيها، بل لا نحب أن ندخل المجلس التي تقرأ فيها أوامره ونواهيه، ولا نقرأ الكتب التي تبين لنا أقواله وتصور لنا أفعاله عليه الصلاة والسلام، أبعد هذا كله نبقى صادقين في دعوى محبتنا له؟ يجب على كل واحد منا أن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب في يوم لا تنفع فيه الحسرة والندامة.فمحبة النبي ﷺ معناها امتثال أوامره واجتناب نواهيه، فالذي يخالف أوامر الإسلام في شيء ما، أو يفعل بعض ما نهاه عنه الإسلام، ثم يدعي أنه يحب رسول الله ﷺ فإنه غير صادق في دعواه، إذ أن المحب لابد أن يطيع حبيبه، ولابد أن تتقدم هذه المحبة على محبة النفس، بمعنى أن يقدم مراد رسول الله ﷺ على مراد نفسه، وأن يطوع هواه وفقاً لما جاء به الإسلام، فإن خالف بأقواله وأفعاله أوامر الإسلام ونواهيه فهو غير صادق في محبته، وإيمانه، غير كامل، كما جاء في الحديث: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به"([77]).ولما قال عمر رضي الله عنه لرسول الله ﷺ وكان آخذاً بيده: لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي، فقال النبي ﷺ : "لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك" فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي فقال له النبي ﷺ : "الآن يا عمر ([78]) أي الآن كمل إيمانك يا عمر".وهكذا فإذا فهم المرء أن في وسعه أن يقدم محبة نفسه وطاعة هواه على محبة رسول الله ﷺ وامتثال أوامره، فإن إيمانه غير كامل، ولا يتم له ذلك إلا بتقديم طاعة الله ورسوله على كل شيء في هذا الوجود.العلامة الرابعة:نصر سنته والذب عن شريعته:يبذل المحب نفسه وماله وكل ما يملك للغاية التي بذل لها حبيبه طاقاته وقدرته.بذل حبيب رب العالمين عليه الصلاة والسلام جميع طاقاته ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وإنقاذهم من نار جهنم. إنه عليه الصلاة والسلام بذل أقصى جهوده لتكون كلمة الله هي العليا.والمحبون الصادقون له أيضاً كانوا دائماً على أتم الاستعداد للتضحية بكل شيء للغرض نفسه، فهذا أنس بن النضر رضي الله عنه وجد عدداً من المسلمين جالسين في معركة أحد فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: قتل رسول الله ﷺ ، قال: فماذا تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله ﷺ ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل([79]).ويقول أنس بن مالك رضي الله عنه: لقد وجدنا بأنس بن النضر يومئذ سبعين ضربة، فما عرفه إلا أخته، عرفته ببنانه([80]).هكذا كان المحب الصادق مستعداً على أن يقدم نفسه للغاية التي كان حبيبه ﷺ دائماً على استعداد لتقديم نفسه الشريفة لها.وليس أنس بن النضر رضي الله عنه وحده هكذا بل كان أصحاب رسول الله ﷺ على هذه الكيفية.انتقل رسول الله ﷺ إلى رحمة ربه، وارتدت العرب وأرادوا مهاجمة المدينة وكان المسلمون في أصعب الأحوال وأشدها. تصور عائشة الصديقة شدة الأحوال بقولها: "والله قد نزل بي ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها وصار أصحاب محمد ﷺ كأنهم معزى في حش في ليلة مطيرة بأرض مسبعة" ([81]) وهذا وصف للحالة التي كانوا عليها من الحيرة والاضطراب، وفي هذه الأحوال والظروف جاء إرسال جيش أسامة رضي الله عنه إلى الشام لمقاتلة الروم، وهذا الجيش كان قد أرسله ﷺ في آخر أيام حياته، لكن الجيش توقف في الطريق لما عرف خبر مرضه عليه الصلاة والسلام ورجعوا إلى المدينة المنورة حين سمعوا خبر وفاته.الآن جاء سؤال تنفيذ جيش أسامة رضي الله عنه، واقتراح تأخيره، لكن أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان جوابه: رضي الله عنه لا أحل عقدة عقدها رسول الله ﷺ ، ولو أن الطير تخطفنا والسباع من حول المدينة ([82]) وهكذا لما جاء موضوع القتال مع مانعي الزكاة واقترح على أبي بكر رضي الله عنه أن لا يقاتلهم قال قولته الشهيرة: إنه قد انقطع الوحي وتم الدين أينقص وأنا حي؟؟([83]). فهكذا كان المحبون الصادقون. فهل نحن على دربهم؟ نرتكب المعاصي ونضيع الأوامر فماذا نفعل نحن؟.يجب علينا أن نراجع أنفسنا ونحاول أن نسير على درب أسلافنا الصالحين حتى نكون صادقين في محبتنا له ﷺ .نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لما فيه رضاه، وأن يرزقنا محبة الله ورسوله، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. تزود من التقوى فإنك لا تدري إذا جـن ليل هل تعيش إلى الفجرفكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكا وقد نسجت أكفانه وهو لا يدريوكم من عروس زينوها لزوجها وقد قبضت أرواحهـم ليلة القدروكم من صغار يرتجى طول عمرهم وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبروكم من صحيح مات من غير علة وكم من سقيم عاش حينا من الدهر ([1]) وقد أضفت إليها إضافات أخرى من كتب أخرى مذكورة أسماؤها في آخر الكتاب.([2]) مدارج السالكين 3/6.([3]) سورة التوبة آية 24.([4]) سورة النور آية 47.([5]) سورة النساء آية 65.([6]) من كتاب استنشاق نسيم الأنس من نفحات رياض القدس لابن رجب.([7]) انظر المرجع السابق ص22 – 30.([8]) انظر كتاب تحفة الأخوان بما جاء في الموالاة والمعاداة والحب والبغض والهجران للشيخ حمود بن عبد الله التويجري.([9]) سورة التوبة آية 23.([10]) سورة المجادلة آية 113.([11]) سورة هود آية 113.([12]) سورة الزمر الآيتان 17 ، 18.([13]) سورة الممتحنة آية 4.([14]) سورة المائدة آية 51.([15]) سورة الفتح آية 6.([16]) سورة الأنفال آية 73.([17]) سورة النساء آية 89.([18]) رواه الطبراني في الكبير عن ابن عباس.([19]) سورة آل عمران آية 28.([20]) سورة المجادلة آية 22.([21]) سورة الإسراء الآيتان 74 ، 75.([22]) سورة الكهف آية 28.([23]) كما في الحديث الذي أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان.([24]) انظر مجموعة التوحيد ص 186 ، 187.([25]) سورة البقرة آية 217.([26]) سورة آل عمران آية 149.([27]) سورة المائدة آية 80.([28]) سورة هود آية 113.([29]) سورة الممتحنة آية 1.([30]) انظر مجموعة التوحيد ص 192 – 208.([31]) من كتاب رياض الصالحين بتحقيق الأرناؤط ص 199.([32]) هم الأنصار رضي الله عنهم فإنهم لزموا المدينة والإيمان وتمكنوا فيهما.([33]) البخاري 1/56، 58 ومسلم (43).([34]) في ظله: أي: في ظل عرشه، وأضافه إليه سبحانه تشريفاًَ.([35]) كناية عن حبه لها وحنينه إليها إذا خرج منها حتى يعود إليها.([36]) أي فاضت الدموع منهما، قال القرطبي: وفيض العين بحسب حال الذاكر وما ينكشف له. فبكاؤه خشية من الله تعالى وشوقاً إليه سبحانه.([37]) البخاري 2/119، 124 ومسلم (1031).([38]) مسلم (2566).([39]) مسلم (45).([40]) مسلم (2567).([41]) البخاري 7/87، ومسلم (75).([42]) أي: يجلسون عليها، والغبطة: تمني مثل ما للغير من الخير.([43]) الترمذي (2391) وسنده قوي.([44]) أي: أبيض الثغر حسنه، أو كثير التبسم.([45]) "الموطأ" 2/953 وإسناده صحيح، وصححه ابن حبان (2510)، والحاكم، ووافقه الذهبي، وقال ابن عبد البر: إسناده صحيح.([46]) أبو داود (5124)، والترمذي (2393) وسنده صحيح، وصححه ابن حبان (2514).([47]) أي: عقب كل صلاة مفروضة.([48]) أبو داود (1522)، والنسائي 3/53، وسنده صحيح، وصححه ابن حبان (2345).([49]) أبو داود (5125) وسنده حسن، وصححه ابن حبان (2513).([50]) المصدر السابق ص23.([51]) "أذلة على المؤمنين" أي: عاطفين عليهم متذللين لهم، "أعزة على الكافرين" أي: شداد متغلبين عليهم.([52]) يستفاد منه أن أداء الفرائض أحب إلى الله. قال الطوفي فيما نقله الحافظ في "الفتح" 11/294: الأمر بالفرائض جازم، ويقع بتركها المعاقبة، بخلاف النفل في الأمرين وإن اشترك مع الفرائض في تحصيل الثواب، فكانت الفرائض أكمل، فلهذا كانت أحب إلى الله تعالى وأشد تقريباً, والفرض كالأصل والأس، والنفل كالفرع والبناء، وفي الإتيان بالفرائض على الوجه المأمور به امتثال الأمر، واحترام الآمر، وتعظيمه بالانقياد إليه، وإظهار عظمة الربوبية وذل العبودية، فكان التقرب بذلك أعظم العمل، والذي يؤدي الفرائض قد يفعله خوفاً من العقوبة، ومؤدي النفل لا يفعله إلا إيثاراً للخدمة، فيجازي بالمحبة التي هي غاية من يتقرب بخدمته.([53]) البخاري 11/292، 297.([54]) البخاري 6/220 و 10/385 ، 386 ومسلم (2637).([55]) "السرية" بفتح السين المهملة وتشديد الياء: القطعة من الجيش، سميت سرية لأنها تسري في خفية.([56]) البخاري 13/301، ومسلم (813).([57]) سورة البقرة آية 169.([58]) من كتاب الجامع الفريد للأسئلة والأجوبة على كتاب التوحيد للمؤلف ص 133.([59]) انظر مدارج السالكين لابن القيم جزء 3 ص 6 – 7 و 17 – 18 و 25.([60]) من رسالة "توجيهات إسلامية" ص24.([61]) متفق عليه.([62]) متفق عليه.([63]) متفق عليه.([64]) والمعنى أن المرء لو خير بين فقد غرض أو شيء هام من أغراض الدنيا وفقد رؤية النبي ﷺ لو كانت ممكنة فإن ذلك يكون أشد عليه تمنيا لرؤية النبي ﷺ وشوقا إليه.([65]) انظر فتح الباري 1/58 وعمدة القاري 1/144.([66]) سورة البقرة 9.([67]) صحيح مسلم.([68]) مختصر تفسير ابن كثير 1/411.([69]) راجع شرح الزرقاني على المواهب اللدنية للقسطلاني ج1 ص 335 – 336.([70]) انتقض الجرح بعد برئه أي فسد.([71]) جامع الأصول ج8 ص605 حديث رقم 6426.([72]) سيرة ابن هشام الجزء الثالث ص95.([73]) المرجع السابق، والقائل هو أبو سفيان رضي الله عنه الذي كان في ذلك الوقت رئيس مشركي مكة.([74]) المرجع السابق الجزء الثالث ص38 – 39.([75]) سنن أبي داود نقلاً عن مشكاة المصابيح، باب الخطبة والصلاة (ص124 ط. باكستان).([76]) صحيح مسلم ص 1570 والفضيخ: خليط البسر والتمر. وجرت: بمعنى سالت.([77]) في إسناده نظر، راجع الحديث في جامع العلوم والحكم.([78]) أخرجه البخاري عن عبد الله بن هشام.([79]) سيرة ابن هشام الجزء الثالث ص30.([80]) المرجع السابق ص30.([81]) البداية والنهاية 6/344. هاضها: أثقلها. حش: حظيرة.([82]) المرجع السابق ص343.([83]) رواه رزين نقلا عن مشكاة المصابيح، باب أبي بكر الصديق رضي الله عنه.