العربية
المؤلف | أحمد عبدالرحمن الزومان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - التوحيد |
و يجب الحذر من الذهاب للسحرة والمشعوذين طلباً للعلاج وبعضهم يلبس على الناس ويظهر لهم أن رقيته شرعية ويظهر لهم التنسك والتدين حينما يقابلهم بكثرة الذكر أو الاستغفار ونحو ذلك. ومما يعرف به من يتعاطى السحر ممن يزعمون أنهم يرقون سؤالهم المريض عن بعض خصوصياته كاسمه أو اسم أبيه أو أمه. أو يخبره ابتدأ باسمه واسم أبيه ومرضه الذي جاء من أجله أو يطلب أثرا من آثاره كالثوب أو صورة للمريض أو يطلب من المريض ذبح حيوان معين ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102] (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70ـ71] أما بعد:
أتم ما بدأت به في الجمعة الماضية عن الكلام فيما يتعلق بالسحر فأقول مستعيناً بالله عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي دعا الله ودعاه ثم قال يا عائشة: أعلمت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال الذي عند رأسي للآخر ما بال الرجل؟ قال مطبوب. قال ومن طبه؟ قال لبيد بن أعصم رجل من بني زريق حليف ليهود كان منافقاً قال وفيم؟ قال في مُشْطٍ وَمُشَاطةٍ. قال وأين؟ قال في جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ تَحْتَ رَاعُوفَةٍ في بئر ذروان، قالت فأتى النبي صلى الله عليه وسلم البئر حتى استخرجه فقال هذه البئر التي أريتها وكأن ماءها نُقَاعَةُ الحناء وكأن نخلها رءوس الشياطين قال فَاسْتُخْرِجَ قالت فقلت أفلا أي تنشرت؟ فقال أما الله فقد شفاني وأكره أن أثير على أحد من الناس شرا" رواه البخاري ومسلم.
فسحر النبي صلى الله عليه وسلم بمشط وهو الآلة المعروفة التي يسرح بها الشعر ومشاطة وهي الشعر الساقط بعد تسريح الشعر فجعل المشط والمشاطة في جفة طلع وهو وعاء الطلع المعروف عندنا بالكافور فجعلت في البئر تحت حجر ثقيل يوقف عليه.
وأكمل الهدي هدي النبي صلى الله عليه وسلم في علاج أمراض القلوب وأمراض الأبدان فالنبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر حينما سحر صبر واحتسب ما أصابه فلما تمادى به الأمر سعى لمعرفة مكان السحر وإخراجه وذلك بالإلحاح على الله بالدعاء وعدم السآمة. فرآه في المنام حينما آتاه ملكان على صورة رجلين وبعد أن وجده أتلفه ليبطل السحر. ففي رواية لمسلم: "أشارت عائشة على النبي صلى الله عليه وسلم بإحراقه" لكن تعقب الحافظ ابن حجر هذه الزيادة بالشذوذ.
فليلح المسحور على الله بالدعاء لمعرفة مكان السحر كل وقت لا سيما الأوقات الفاضلة التي هي مظنة الإجابة كآخر الليل وبين الآذن والإقامة وآخر ساعة من الجمعة فيقيض الله له معرفة مكان السحر إما برؤيا منام أو يعثر عليه أثناء بحثه أو يخبر به الجني المتلبس به أو غير ذلك من الأبواب الجائزة في معرفة مكانه.
وكذلك من هدي النبي صلى الله عليه وسلم العلاج بالرقية الشرعية وهي من أنفع علاجات السحر ولها تأثير مشاهد في حل السحر وزوال أثره بإذن الله إذا كانت على يدي راق جمع بين التقوى والعلم والخبرة فالآيات والأذكار والدعوات تبطل أثر السحر وكلما كانت أقوى وأشد كانت أبلغ في الشفاء وأعجل.
لكن ليس كل ما يصيب الآدمي من الآفات بسبب السحر فالبعض يبالغ في هذا الجانب فكل مرض يصيبه يعزوه للسحر أو العين. ومن أعراض المسحور غالباً التأثر عند رقيته بالقرآن سواء بالبكاء أو الصراخ أو التقيء أو انتقال المرض من مكان إلى مكان.
و يجب الحذر من الذهاب للسحرة والمشعوذين طلباً للعلاج وبعضهم يلبس على الناس ويظهر لهم أن رقيته شرعية ويظهر لهم التنسك والتدين حينما يقابلهم بكثرة الذكر أو الاستغفار ونحو ذلك. ومما يعرف به من يتعاطى السحر ممن يزعمون أنهم يرقون سؤالهم المريض عن بعض خصوصياته كاسمه أو اسم أبيه أو أمه. أو يخبره ابتدأ باسمه واسم أبيه ومرضه الذي جاء من أجله أو يطلب أثرا من آثاره كالثوب أو صورة للمريض أو يطلب من المريض ذبح حيوان معين أو يتمتم بكلام غير مفهوم أو يعطي المريض أشياء يطلب منه حرقها والتبخر بها أو دفنها. أو يظهر عليه الفسق الظاهر بارتكابه المعاصي الظاهرة كالدخان وحلق اللحية والخلوة بالمرأة الأجنبية بحجة تطلب العلاج ذلك.
عباد الله: بعض من أبتلي بالسحر يلجأ للرقية الشرعية أولا الأمر وبعد فترة يدب إلى قلبه اليأس ويوسوس الشيطان له أنه لن يشفى إلا بالذهاب لساحر يفك هذا السحر وهذه هي النشرة المذكورة في حديث جابر بن عبد الله قال سئل النبي صلى اللهم عليه وسلم عن النشرة فقال من عمل الشيطان" رواه أحمد (13721) وغيره بإسناد حسن. وعمل الشيطان محرم ولو كان فك السحر بالسحر جائزا لما حرم السحر ولما وجب قتل الساحر وليتق الله المسلم فالسحر كغيره مما يبتلى به المؤمن وهو من أقدار الله (وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ) (102) سورة البقرة فالواجب الصبر وعدم اللجوء للمحرم. فكما أن الفقير لا تحل له السرقة لأنه فقير فكذلك المسحور لا يحل له الذهاب للسحرة وأقل أحوال الذهاب إليهم كبيرة من كبائر الذنوب -و قد تقدم الكلام في حكم الذهاب إليهم- والعلاج من باب الحاجات وليس من باب الضرورات ولم يجعل ربنا شفاء هذه الأمة فيما حرم عليها
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد:
بعض الجآن المتلبسين بالآدميين حين الرقية يتكلم بكلام ومن ذلك إخباره باسم من سحر المريض أو أصابه بالعين ونظراً لتشوف المريض وأهله لمعرفة السبب يؤخذ بكلامه ويصدق وقد يتضرر بذلك أبرياء وتحصل العداوة والبغضاء بين الناس بل بين أفراد العائلة الواحدة بل بين أهل البيت الواحد وهذا من مقاصد الشياطين فعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئا قال ثم يجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته قال فيدنيه منه ويقول نعم أنت" رواه مسلم (2813). وهؤلاء المتلبسون من الجن بالآدميين في أحسن أحوالهم من فسقة المسلمين وخبر الفاسق المسلم لا يقبل مطلقاً ولا يرد مطلقاً بل يجب التثبت فيه فإن تبين صدقه أخذ به وإلا ترك كما أمرنا ربنا بذلك في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (6) سورة الحجرات.
إخواني: الشرع جاء بأخذ الأسباب لتحصين المسلم ولمنع حصول الضرر في دين الناس ودنياهم ومن ذلك التحصن من السحر قبل وقوعه بفعل الأسباب المانعة بإذن الله من تسلط السحرة وشياطين الجن على بني آدم ومن أعظم ما يتحصن به المسلم من السحر وغيره حفظ الله في أوامره ونواهية ففي حديث ابن عباس "احفظ الله يحفظك " رواه الإمام أحمد (2664) وغيره بإسناد حسن فالجزاء من جنس العمل فمن حفظ الله في ما افترضه عليه فعلاً أو تركاً حفظه الله في دينه ودنياه فلم تضره الشياطين.
ومن ذلك المداومة على الآيات والأذكار والأدعية التي يحفظ بها الشخص فليكن لنا وقت نذكر الله به في أول الليل بعد غروب الشمس وأول النهار بعد طلوع الفجر كل يوم.
ومن ذلك الاستعاذة بالله والالتجاء إلى الله ودعاؤه بأن يكفيه شر السحر والسحرة وقد أمرنا ربنا عز وجل بالاستعاذة به من شر السحر بقوله تعالى أعوذ برب الفلق ….
ومن ذلك أكل سبع تمرات من عجوة المدينة أول النهار فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من تصبح سبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر" رواه البخاري (5769) ومسلم (2047) وفي رواية لمسلم: "من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها حين يصبح لم يضره سم حتى يمسي" .
وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن في عجوة العالية شفاء أو إنها ترياق أول البكرة " رواه مسلم (2048) وشراح السنة المتقدمون كالقاضي عياض والقرطبي والنووي والحافظ ابن حجر ينصون أن هذا خاص بعجوة المدينة. دون غيرها.