البحث

عبارات مقترحة:

المليك

كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...

الجميل

كلمة (الجميل) في اللغة صفة على وزن (فعيل) من الجمال وهو الحُسن،...

الجبار

الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...

إكمالا لقول الله : إن قرآن الفجر كان مشهودا

العربية

المؤلف خالد القرعاوي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الصلاة
عناصر الخطبة
  1. الصلاة عَمُود الدِّينِ ورُكْن المِلِّةِ .
  2. خطورة تضييع صلاة الفجر .
  3. مِن أَهَمِّ الوَسَائِلِ المُسَاعِدَةِ والمُعِينَةِ عَلى صَلاةِ الفَجْرِ مَعَ جَمَاعَةِ المُسلِمينَ. .

اقتباس

تَأمَّلوا هذا المَنظَرَ والمَشهَدَ العَجِيبَ الذي نراهُ يَتَكَرَّرُ كُلَّ صباحٍ اسمَحُوا لي فَهُوَ ليَسَ مَشهَدًا طَرِيفَاً، بَلْ إنَّهُم مُحزِنٌ وَيُصِيُبُ بِالضِّيقِ والحَزَنِ! المَشهَدُ بِاختِصَارٍ يَبدَأُ في تَمامِ السَّاعَةِ الرَّابِعَةٍ فَجْرًا حينَ يَكُونُ الكَونُ مُظْلِمَاً والهُدُوءُ والسَّكِينَةُ قَد عَمَّت الحيَّ والبَلدَةَ والبُيُوتَ، فلا تَكادُ وأنتَ تَسيرُ على قَدَميكَ إلاَّ تَرى رِجَالاً أفذَاذاً قَلائِلَ يَخرُجونَ مِن بعضِ البُيُوتِ مُستَقْبِلِينَ بُيُوتَ اللهِ، بِكُلِّ سَكِينَةٍ وَوَقَارٍ لأَدَاءِ صَلاةِ الفَجْرِ مَعَ جَمَاعَةِ المُسلِمينَ، بَينَمَا أَضْعَافُ أَضعَافِ هُؤلاءِ يَغُطُّونَ في سُبَاتٍ عَمِيقٍ! صَمَّوا آذانَهُم عن الأَذَانِ، واستَجَابُوا لِوسْوَسَةِ الشَّيطَانِ: "عليكَ لَيلٌ طَويلٌ فَارْقُدْ"!..

 

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، الرَّحمنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَومِ الدِّينِ، سُبحَانَهُ دَلَّ عَلى عَظَمَتِهِ بِمَخلُوقَاتِهَ وَحِكَمِهِ وأحكَامِهِ، لا إِلَهَ إلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ يُجِيبُ مَنْ دَعَاهُ، ويَهدِي مَنْ سَعى لِهُداهُ، كَفَى بِهِ وَلِيَّاً وَوَكِيلاً، وَكَفَى بِهِ هَادِيَاً وَنَصِيرَاً، نَشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شَريكَ لَهُ، إليهِ وَحدَهُ تُرفَعُ الشَّكوى.سُبحَانَهُ عالِمُ السِّرِّ والنَّجوَى.

 

ونَشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحمَّدٌ عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَصدَقُ عِبادِ اللهِ عِبَادَةً، وأَعظَمُهُم لَهُ ذِكْراً، صلَّى اللهُ وسَلَّمَ وَبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ الأَتقِيَاءِ، وأَصحَابِهِ الأَصفِياءِ، والتَّابِعينَ وَمَنْ تَبِعهم بِإحسَانٍ وإيمانٍ إلى يومِ البَعثِ والجَزَاءِ. أَمَّا بَعدُ:فَأَوصِيكُم عبادَ اللهِ وَنَفْسِي بِتَقوى اللهِ تَعَالى؛ فَهِيَ وَصِيَّةُ اللهِ القَائِلِ: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131].

 

فَاتَّقوا اللهَ يا مُؤمِنُونَ بِفعلِ مَا أَمَرَكُم به، واجتِنَابِ مِا نَهَاكُم عَنه، وتَذَكَّروا أنَّ أعظَم شَيءٍ بعدَ الشَّهادتَينِ، عَمُودُ الدِّينِ ورُكْنُ المِلِّةِ، والصِّلَةُ مَعَ رَبِّ العَالَمينَ، فَمَن حَافَظَ على خَمسِ صَلواتٍ مَعَ جَمَاعَةِ المُسلِمينَ نَجَا وأَفْلَحَ، ومَن غَفَلَ وسَهَا عَنْهَا خَابَ وَهَلَكَ وَخَسِرَ، كَيفَ لا تَكُونُ الصَّلاةُ كَذَالِكَ وهِيَ المَعِينُ الصَّافِي، التي بِها يَزدَادُ الإيمَانُ، ويُدحَرُ الشَّيطَانُ، وتُهجَرُ الفَاحِشَةُ والعِصيَانُ!

 

يا أهلَ الإيمانِ: لقد اشتَاقتْ نُفُوسُنا وَعَلَتْ هِمَمُنا حينَ سَمِعْنَا طَرَفَاً مِن فضَائِلِ صَلاةِ الفَجْرِ معَ جَمَاعَةِ المُسلِمينَ في جُمُعَةٍ مَضَت، فَقد نَسيَ بعضُنا مَعَ طُولِ الزَّمَنِ أنَّ صَلاَةَ الفَجْرِ يَجْتَمِعُ فيها مَلائِكَةِ الَّليلِ والنَّهارِ، تَذَكَّرنا حقَّاً أنَّ: "منْ صَلَّى الصُّبْحَ فهُوَ في ذِمَّةِ اللَّهِ".

 

استَبْشَرنا جَمِيعاً بِحُصُولِ بَرَكَةِ دُعَاءِ النَّبِيِّ لِمَنْ استَيقَظَ مُبَكِّرا، وأنَّهُ يَبْشِرُ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. كِدْنا نَطِيرُ فَرَحاً حينَ عَلِمْنا أنَّ لِلمُؤمِنِ في صَلاَةِ الفَجْرِ مَعَ جَمَاعَةِ المُسلِمينَ جَنَّةُ الخُلدِ وَمُلكٍ لا يَبْلَى، وأنَّهُ آمِنٌ حينَ يَفْزَعُ النَّاسُ!

 

عبادَ اللهِ: واللهِ لقد خِفْنَا على أنفُسِنَا وإخوانِنَا الذينَ يَتَخَلَّفُونَ عن صَلاَةِ الفَجْرِ مَعَ جَمَاعَةِ المُسلِمينَ مِن النِّفاقِ ومِن الدَّركِ الأسفَلِ من النَّارِ. حينَ علِمنا بِقولِ نَبيِّنا : "إِنَّ أَثْقَلَ صَلاَةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلاَةُ الْعِشَاءِ وَصَلاَةُ الْفَجْرِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا" (رواه مسلمٌ).

يا لَهُ مِن عِقَابٍ قَبِيحٍ أنْ يَبُولَ الشَّيطَانُ في أُذُنَي ذالِكَ المُتَخَلِّفِ عن صَلاةِ الصُّبحِ عَمْدَاً!

 

عبادَ اللهِ: ولَعَلَّ حَادِثَةً وَقَعت لِخيرِ البَشَرِ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- تَكشِفُ لَكَ خُطُورَةَ التَّخَلُّفِ عن الجَماعَةِ في صلاةِ الصُّبْحِ، وخُطُورَةَ الصَّلاةِ بعدَ خُرُوجِ وقْتِها، رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ غَزْوَةِ خَيْبَرَ ، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ نَزَلَ وأصحَابُهُ لِيَستَرِيحوا فَأمَرَ بِلاَلاً أنْ يَرقُبَ لَهُم الصُّبْحَ، نَامَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَصْحَابُهُ، وَبِلاَلٌ يَرقُبُ الصُّبْحَ، ثُمَّ اسْتَنَدَ إِلَى رَاحِلَتِهِ، وَهُوَ مُقَابِلُ الْفَجْرِ، أي بِمُوَاجَهَةِ الجِهَةِ التَي يَطلُعُ مِنها الفَجْرُ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ رَسُولُ اللَّهِ وَلاَ بِلاَلٌ، وَلاَ أَحَدٌ مِنَ الرَّكْبِ، حَتَّى ضَرَبَتْهُمُ الشَّمْسُ.

 

 فَفَزِعَ رَسُولُ اللَّهِ ! أتَصَورتُم يا مُؤمنونَ لقد فَزِعَ رَسُولُ اللَّهِ وأصحَابُهُ إنَّهُ أمْرٌ جَلَلٌ، وحَدَثٌ عظيمٌ !كَيفَ نَامُوا عن صلاةِ الصُّبْحِ حتى خَرَجَ وقْتُها؟! وهُم قَد فَعَلَوا كافَّةَ الاحتِياطاتِ ولكِنَّ التَّعَبَ ومشَقَّةَ الجِهادِ قد غَلَبَتُهُم. سُبحَانَ اللهِ لقد اغتَمَّوا غَمَّاً شَدِيدا، وصارَ بَعضُهم يَنظُرُ إلى وَجْهِ الآخَرِ! ما الذي سَنَعمَلُهُ الآنَ؟ فَخَشِيَ بِلاَلٌ مِن العَذَابِ والعِقابِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَد أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ، يعني النَّومَ.

 

 فَأمَرَ رَسُولُ اللَّهِ بِلاَلاً أنْ يَأْخُذَ كُلُّ رَجُلٍ رَاحِلَتِهِ ويَبتَعِدوا عن هذا المَكانِ، فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَ فِيهِ الشَّيْطَانُ! قَالَ فَفَعَلْنَا، ثُمَّ دَعَا بِالْمَاءِ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى الفَجْرَ. ثُمَّ قَالَ: "مَنْ نَسِيَ الصَّلاَةَ فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي) [طه : 14]".

 

 عبادَ اللهِ: هذا الحدِيثُ مَدْرِسَةٌ وعِظَةٌ وعِبْرَةٌ لِكُلِ مُؤمِنٍ أن يَتَّقِيَ اللهَ -تعالى- ويَفعَلَ كافَّةَ السُّبُلِ ويَأخُذَ بكُلِّ الوسائِلِ والطُّرُقِ التي تُعينُهُ على الاستِيقاظِ لِصلاةِ الفَجْرِ مَعَ جَمَاعَةِ المُسلِمينَ.

 

 أيُّها المُؤمنِونَ باللهِ ورَسُولِهِ: ألا وإنَّ مِن أَهَمِّ الوَسَائِلِ المُسَاعِدَةِ والمُعِينَةِ عَلى صَلاةِ الفَجْرِ مَعَ جَمَاعَةِ المُسلِمينَ: الصِّدقُ معَ اللهِ، والإِخلاصُ لَهُ سُبحانَهُ. واستِشعَارُ عَظَمَةِ أَمْرِه، والخَوفُ مِن عِقَابِهِ وَبَطْشِهِ، وأنْ تَعتَقِدَ أنَّ الصَّلاةَ رُكنٌ مِن أَركَانِ الإِسلامِ. وَعَليكَ بِالدُّعَاءِ فَنِعَمَ السِّلاحُ ردِّد مِن قَلبِكَ "اللَّهُمَّ أَعِنِّى عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ". وَبِدُونِ ذَلِكَ لَنْ يَجِدَ أَحَدٌ أيَّ مَعُونَةٍ عَلَيها. ألم يَقُلِ اللهُ -تعالى-: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) [العنكبوت: 69].

 

وَمِقيَاسُ إخلاصِكَ يا عبدَ اللهِ يَكونُ بِحرصِكَ الشَّدِيد على أنْ تُرضِيَ اللهَ ! واعلم أيُّها المُؤمِنُ أنَّ الشَّيطَانَ عاجِزٌ وَحَقِيرٌ مَعَ المُخلِصِينَ المُخلَصِينَ عندَ رَبِّ العالَمينَ. قَالَ سُبحَانَهُ حَاكِياً عن الشَّيطَانِ: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [ص: 83].

 

فاللهُمَّ أعنَّا جميعاً عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ، اللهُمَّ أعنَّا على فَرَائِضِكَ كُلِّها يَا رَبَّ العَالَمينَ، لا حَوْلَ لَنا ولا قُوَّةَ إلاَّ بكَ وأنتَ المُستَعانُ، وعليكَ التُّكلانُ، وأستغفرُ اللهَ لِي ولكم وللمُسلِمينَ، فاستغفِرُوه إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَّحيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

 الحمدُ للهِ فَرَضَ الصَّلاةَ على عِبَادِهِ رَحمَةً بِهم وإِحسَانَا، وَجَعَلَها صِلَةً بَينَهُ وَبَينَهُم لِيزْدَادُوا بِها قُرْبَاً وإِيمَانَاً، نَشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ خَالِقُنا ومَولانَا، ونَشهدُ أنَّ مُحمَّدا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ أَخشَى النَّاسِ وأتقَاهُم لِرَبِّهِ سِرَّا وإِعلانَا، جُعِلَت قُرَّةُ عَينِهِ فِي الصَّلاةِ، فَنَالَ فَضْلا مِن رَبِّهِ ورِضْوَانَا، صلَّى اللهُ وسَلَّمَ وَبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وأَصحَابِه ومَنْ تَبِعَهم إحسَانَاً مِنهُم وإيمَانَاً. 

 

أمَّا بعدُ: فيا عبادَ اللهِ اتَّقوا اللهَ وتَأمَّلوا هذا المَنظَرَ والمَشهَدَ العَجِيبَ الذي نراهُ يَتَكَرَّرُ كُلَّ صباحٍ اسمَحُوا لي فَهُوَ ليَسَ مَشهَدًا طَرِيفَاً، بَلْ إنَّهُم مُحزِنٌ وَيُصِيُبُ بِالضِّيقِ والحَزَنِ!  المَشهَدُ بِاختِصَارٍ يَبدَأُ في تَمامِ السَّاعَةِ الرَّابِعَةٍ فَجْرًا حينَ يَكُونُ الكَونُ مُظْلِمَاً والهُدُوءُ والسَّكِينَةُ قَد عَمَّت الحيَّ والبَلدَةَ والبُيُوتَ، فلا تَكادُ وأنتَ تَسيرُ على قَدَميكَ إلاَّ تَرى رِجَالاً أفذَاذاً قَلائِلَ يَخرُجونَ مِن بعضِ البُيُوتِ مُستَقْبِلِينَ بُيُوتَ اللهِ، بِكُلِّ سَكِينَةٍ وَوَقَارٍ لأَدَاءِ صَلاةِ الفَجْرِ مَعَ جَمَاعَةِ المُسلِمينَ، بَينَمَا أَضْعَافُ أَضعَافِ هُؤلاءِ يَغُطُّونَ في سُبَاتٍ عَمِيقٍ! صَمَّوا آذانَهُم عن الأَذَانِ، واستَجَابُوا لِوسْوَسَةِ الشَّيطَانِ: "عليكَ لَيلٌ طَويلٌ فَارْقُدْ"!

 

أيُّها المُؤمِنُ ضَع هذا المَشهَدَ في ذهنِكَ ثُمَّ انْتَقِل لِمَشهَدِ السَّاعَةِ السَّابِعَةِ صَبَاحًا، حينَ تَكُونُ الشَّمسُ قد ارتَفَعَت وَوَقتُ الفَجْرِ قَد خَرَجَ وَوقتُ الدِّرَاسَةِ والدَّوامِ قد ابتَدَأَ، فَتَحَوَّلَتِ الشَّوارِعُ إلى حَرَكَةٍ وازدِحامٍ وَسُرعَةٍ لإدراكِ دَفتَرِ الدَّوامِ!

 

وَبعضُهم تَوتُّرٌ عندَ الإشَاراتِ، وَرَكضٌ عندَ البَقَّالاتِ، وازدِحامٌ على المَطَاعِمِ والبُوفِيهَاتِ!وأعدادٌ من العُمَّال على ظُهُورِ سَيَّاراتِ المُؤسَّساتِ والشَّركَاتِ! سُبحانَ اللهِ مِن أينَ خَرَجَت هذهِ الأعدَادُ خِلالَ بِضعِ سَاعَاتٍ! أسألُكم باللهِ أليس هذا واقِعُنا إلاَّ مَنْ رِحِمَ اللهُ؟! فَأينَ إخوانُنا هؤلاءِ في صلاةِ الصُّبحِ مَعَ جَماعَةِ المُسلمينَ؟

 

أيَعقَلُ أنْ نَحرصَ على الدُّنيا أكثَرَ مِن حِرصِنا على دِينِنا؟ ألا نَخَافُ أنْ نَكُونَ مِمَّن عَناهُمُ اللهُ بِقَولِهِ: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [مريم: 59].

 

أيُّها الإخوةُ: مَنْ أَرَادَ الاستيقَاظَ لِلفَجْرِ بِصِدقٍ فَلَنْ يَحُولَ دُونَهُ حَائِلٌ! وما أخشَاهُ أنْ يَكُونَ المُتَخَلِّفُ مِمَّن عناهُ اللهُ من المُنافِقينَ بِقولِهِ: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ) [التوبة: 46].

 

أيُّها المُؤمنِونَ: وَمِن أَهَمِّ الوَسَائِلِ المُعِينَةِ عَلى صَلاةِ الفَجْرِ مَعَ جَمَاعَةِ المُسلِمينَ: التَّبكِيرُ في النَّومِ، فقد كانَ هذا هَدْيُ النَّبِيِّ، وأنْ يَحرِصَ على أنْ يَتوضأ قبلَ النَّومِ ففي صحيح ابنِ حِبَّانَ وغيرِهِ أنَّ النَّبِيِّ قَالَ: "مَنْ بَاتَ طَاهِرًا بَاتَ فِي شِعَارِهِ مَلَكٌ، فَلاَ يَسْتَيْقِظُ سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَالَ الْمَلَكُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِكَ فُلاَنٍ ؛ فَإِنَّهُ بَاتَ طَاهِرًا".

 

 وأنْ يَقْرَأَ أَذْكَارَ ما قَبْلَ النَّومِ، وفي الصَّحيحينِ أنَّ النَّبِيِّ قَالَ: "إِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ،ثُمَّ قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، وَاجْعَلْهُنَّ مِنْ آخِرِ كَلاَمِكَ فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ مُتَّ وَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ".

 

 من النَّصائِحِ: تَخَفَّفْ مِن الأكلِ قَبلَ النَّومِ، فَإنَّكَ إنْ أَكلتَ كثيراً نُمْتَ ثَقِيلا، وتَعِبْتَ كَثِيرًا، فَخَسِرْتَ كَثِيرًا. كذلكَ استَخدِم وَسَائِلَ التَّنبِيهِ، وأَبْعِدْها عنكَ قَليلا، واجعلها عِدَّةَ أجراسِ وفي أوقاتٍ مُتقارِبَةٍ، واحذَر أَخطَرَ خَمَسَ دَقَائِقَ في حَيَاتِكَ! بِأنْ تَقُولَ سَأَغْفُو خَمَسَ دَقَائِقَ وأقومُ فَقَد تَقُودُكَ إلى ضَيَاعِ فَرْضٍ مِن فُرُوضِ اللهِ عليكَ !!

 

اُذْكُرِ اللهَ -تعالى- مُبَاشَرَةً عِندَ استِيقَاظِكَ، واستَعِنْ بِمَن تَرى مِن الأَهلِ والأصحابِ الصَّالِحِينَ، أيُّها الأخُ المُسلِمُ: تَخَفَّفْ مِن الذُّنُوبِ فإنَّها تُقَسِّي القُلُوبَ وَتَحرِمُ القُربَ مِنْ علاَّمِ الغُيُوبِ يَقُولُ أصدَقُ القائِلينَ: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [المطففين: 14]

 

 مَعَاشِرَ المُصَلِّينَ: ومِمَّا يُفرِحُ حِرصُ كَثِيرِ مِن إخوانِنَا على المُدَاوَمَةِ على صَلاةِ الفَجرِ مَعَ جَمَاعَةِ المُسلمينَ واصطِحابُ أَبنَائِهم، وهَذا مِن تَوفِيقِ اللهِ -تعالى- لَهم! وَتَربِيَةِ أولادِهم على الصَّلاةِ.

 

 أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّ مُؤمِنًا يُحَافِظُ عَلَى صَلَوَاتِهِ الخَمسِ في يَومِهِ وَلَيلَتِهِ مَعَ جَمَاعَةِ المُسلمينَ، لقَد فَازَ فَوزَاً عَظِيمًا، وَقَد قَالَ سُبحَانَهُ: (وَلَو أَنَّهُم فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيرًا لَهُم وَأَشَدَّ تَثبِيتًا) [النساء: 66]. وَفي الحَدِيثِ القُدسِيِّ: "يَقُولُ اللهُ -تعالى-: وَإِن تَقَرَّبَ إِليَّ عَبدِي شِبرًا تَقَرَّبتُ إِلَيهِ ذِرَاعًا، وَإِن تَقَرَّبَ إِليَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبتُ إِلَيهِ بَاعًا، وَإِن أَتَاني يَمشِي أَتَيتُهُ هَروَلَةً".

 

نَعَمْ يا مُسلِمُون: ذَلِكُم هُوَ الرَّبُّ الرَّؤُوفُ الرَّحِيمُ، لا يَرُدُّ مَن وَفَدَ عَلَيهِ، وَلا يَطرُدُ مَن لَجَأَ إِلَيهِ، فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاصدُقُوا اللهَ يَصدُقْكُم، وَاصبِرُوا وَصَابِرُوا، وَخُذُوا الأَمرَ بِجِدٍّ وَعَزِيمَةٍ، وَاستَعِيذُوا بِاللهِ مِنَ العَجزِ وَالكَسَلِ وَلا تَتَهَاوَنُوا، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاركَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ، وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الغَافِلِينَ.

 

جَعَلَنا الله جَمِيعَاً من المُتعاونينَ على البِرِّ والتَّقوى، وَوفَّقَنَا جَمِيعَاً لِمَرَاضِيهِ، وَجَعَلَ مُستَقبَلَ حَالِنَا خَيرَاً مِن مَاضِيهِ.

 

اللهمَّ أقِرَّ عُيونَنا وأَسعِدْ قُلوبَنَا، بِصلاحِ شَبَابِنَا وَفَتَيَاتِنَا، اللهمَّ اجعلنا وذُرِّيَاتِنَا مُقيمِي الصَّلاةِ على الوجهِ الذي يُرضيكَ عنَّا، رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعَاءَ، اللهُمَّ أعنَّا جميعاً عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ، اللهُمَّ أعنَّا على فَرَائِضِكَ كُلِّها يَا رَبّ العَالَمينَ، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).

 

 اللهمَّ اغْفِر لِلمؤمِنينَ والمُؤمنَاتِ والمُسلِمينَ والمُسلمَاتِ الأحيَاءِ مِنهم والأَمواتِ، واغفر لنا ولوالدينا، اللهمَّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وانصر إخوانَنَا المُستَضعفِينَ، اللهمَّ وعليكَ بالطُّغاةِ فإنَّهم لا يُعجِزُونَكَ، اللهمَّ انتقم منهم وخُذهم أخذَ عزيزٍ مُقتدرٍ، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].