التواب
التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...
العربية
المؤلف | أحمد عبدالرحمن الزومان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الطهارة |
ومن وساوس الشيطان ما يتعلق بالوضوء والغسل قال إبراهيم التيمي: "أول ما يبدأ الوسواس من الوضوء" فلا يزال الشيطان بالعبد بصب الماء والعرك، وإعادة غسل الأعضاء، حتى تفوته الجماعة، وربما خرج الوقت وهو على هذا الحال، ويخرج إلى الناس وقد بلل ملابسه بالماء، ولا يزال الشيطان يستدرجه حتى يصل به إلى حال كحال المجانين ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي، له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102] (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
أما بعد: من وساوس الشيطان ما يلقيه الشيطان على الموسوس في الاستبراء من البول بتفتيش الذكر أو التنحنح بعد البول أوبرفع قدمٍ وحطِ أخرى أوحشو القطن في الإحليل، وعنده أنَّه يستنقي بهذا أوصب الماء فيه، أوتفقده بين فينة وأخرى وغير ذلك مما يوحيه الشيطان ويلقيه على الموسوسين وكل ذلك بدعة لم يشرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والبول يخرج بطبعه، وإذا فرغ انقطع بطبعه وهو كما قيل: "كالضرع إن ترك قرَّ وإن حلب در".
وكلما فتح الإنسان ذكره فقد يخرج منه، ولو تركه لم يخرج منه والبول يكون واقفاً محبوساً في رأس الإحليل لا يقطر، فإذا عصر الذكر خرجت الرطوبة وكلما أخرجه جاء غيره.
وهذه الطائفة جاوزت المشروع في الاستبراء من البول، والتحرز من النجاسة، ويقابلها طائفة فرطت ولم تفعل ما افترضه الله عليها في الاستبراء من البول، والتحرز من إصابته البدن والثياب؛ فاستحقت الوعيد الشديد. فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: أما إنَّهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله وفي رواية: "لا يستنزه من البول" . قال: فدعا بعسيب رطب فشقه باثنين ثم غرس على هذا واحداً وعلى هذا واحداً ثم قال لعله أنْ يخفف عنهما مالم ييبسا" رواه البخاري ومسلم
وهدي النبي صلى الله عليه وسلم وسط، فقد كان يستنجي بالماء أحياناً، ويستجمر بالحجارة أحياناً مع وجود الماء، ولم يكن يصنع شيئاً مما يصنعه المبتلون بالوسواس؛ فالواجب عند الفراغ من البول غسل رأس الذكر
و من وساوس الشيطان ما يلقيه على البعض بانتقاض طهارته بخروج شيء منه.
فيعيد الطهارة وتطهير ملابسه. والأصل الطهارة، وعدم خروج شيء حتى يزول هذا اليقين . فعن عبد الله بن زيد بن عاصم قال: "شُكِي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرَّجلُ يجد في الصلاة شيئاً، أيقطع الصلاة؟ قال: لا حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً" رواه البخاري ومسلم . أي يعلم بوجود أحدهما، ولا يشترط السماع والشم بإجماع المسلمين. وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام، وقاعدة عظيمة من قواعد الفقه وهي أنَّ الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك، ولا يضر الشك الطارىء عليها.
والشك بعد الفراغ من العبادة غير معتبر لأمر النبي من تطهر ثم شك في طهارته بعد فراغه منها أن لا يلتفت إلى هذا الشك حتى يتيقن الحدث، ومتى ما أعرض عنها زالت بإذن الله وهذا مجرب. ويسن لقطع الوساوس نضح الفرج وذلك بأن يأخذ ماء قليلاً فيرش به فرجه وسراويله بعد الاستنجاء والوضوء فإذا وسوس له الشيطان أحال على هذا الماء الذي نضحه فعن الحكم بن سفيان الثقفي رضي الله عنه: "أنَّه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم: توضأ ثم أخذ كفاً من ماء فنضح به فرجه" رواه أحمد وغيره وهو حديث حسن لشواهده. وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: "إذا توضأ أحدكم فليأخذ حفنة من ماء فلينضح بها فرجه فإن أصابه شيء فليقل إنَّ ذلك منه" رواه ابن أبي شيبة وغيره بإسناد صحيح .
وعن مسلم بن صُبَيْح قال: "رأيت ابن عمر -رضي الله عنهما- توضأ، ثم أخذ غرفة من ماء فصبها بين إزاره وبطنه على فرجه" رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح ومتى ما أعرض عن هذه الوساوس ولم يلتفت إليها زالت بإذن الله وقال الإمام أحمد: "إذا كانت تعاهده الأبردة فإنه يسبغ الوضوء، ثم ينتضح، ولا يلتفت إلى شيء يظن أنَّه خرج منه فإنَّه يذهب عنه".
ومن وسوسة الشيطان النظر في طهارة الماء والشك في ذلك، مع أنَّ الأصل فيه الطهارة فيتمسك بهذا الأصل حتى يتيقن زواله. فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "قيل يا رسول الله: أنتوضأ من بئر بضاعة؟ وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الماء َطهُور لا ينجسه شيء" حديث صحيح رواه الإمام أحمد وغيره.
ومن وساوس الشيطان ما يتعلق بالوضوء والغسل قال إبراهيم التيمي: "أول ما يبدأ الوسواس من الوضوء" فلا يزال الشيطان بالعبد بصب الماء والعرك، وإعادة غسل الأعضاء، حتى تفوته الجماعة، وربما خرج الوقت وهو على هذا الحال، ويخرج إلى الناس وقد بلل ملابسه بالماء، ولا يزال الشيطان يستدرجه حتى يصل به إلى حال كحال المجانين.
وهديه صلى الله عليه وسلم في ماء الوضوء والغسل الاقتصاد، وعدم الإسراف فقد كان يتوضأ صلى الله عليه وسلم بالمد تارة، وربما نقص عن ذلك فتوضأ بثلثيه، وكان يغتسل بالصاع تارة، وربما زاد مداً فتوضأ بخمسة أمداد. وليس هذا على سبيل التحديد فالناس يختلفون في أجسامهم وحجم أعضائهم فلو أسبغ بدون ذلك جاز.
فعن أنس رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد" رواه البخاري ومسلم، وعن أم عمارة -رضي الله عنها-: "أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فَأُتِي بإناء فيه ماء قدر ثلثي المد" رواه أبو داود وغيره بإسناد صحيح.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وأزواجه وذريته الطيبين الطاهرين ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين وبعد: فقد ُرتِب على الوضوء الشرعي تكفيرُ الخطايا فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقياً من الذنوب" رواه مسلم.
وُرتِب عليه أيضاً فتح أبواب الجنة، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: "كانت علينا رعاية الإبل فجاءت نوبتي فروحتها بعشي فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً يحدث الناس فأدركت من قوله: ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلي ركعتين، مقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة قال: فقلت: ما أجود هذه! فإذا قائلٌ بين يدي يقول: التي قبلها أجود، فنظرت فإذا عمر قال: إنِّي قد رأيتك جئت آنفاً" قال: ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء، ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبد الله ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء" رواه مسلم.
والناس في الوضوء على ثلاثة أضرب طائفة انقادت لوساوس الشيطان فيغسل أعضاءه مراراً ومع ذلك لا يرى أنه أتم وضوءه، ولم يشرع لنا في الوضوء الزيادة على ثلاث مرات فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء فأراه ثلاثاً ثلاثاً قال هذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم" رواه أحمد وغيره إسناده حسن.
وتسمية رسول الله صلى الله عليه وسلم الزائد على ثلاث مسيئاً ظالماً يلزم منه ألا يكون ممن أحسن وضوءه؛ فلا يدخل فيمن له ثواب مَنْ أحسن، وهو خليق ألا ينال بركة الوضوء وفضيلته، لمخالفتة سنة سيد المرسلين، وكونه من جملة المعتدين. فأي مصيبة أعظم من أن يصير الإنسان إلى حال لا يحبه الله تعالى، ويكون مسيئاً متعدياً ظالماً بالفعل الذي صار به غيره مطيعاً مرضياً عنه، محطوطة خطاياه تفتح له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء، ويقابل هذه الطائفة طائفة فرطت في الوضوء ولم تأتِ بأقل المشروع، فاستحقت الوعيد؛ فعن محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه وكان يمر بنا والناس يتوضؤون من المِطْهَرة. قال أسبغوا الوضوء فإن أبا القاسم صلى الله عليه وسلم قال:"ويل للأعقاب من النار" رواه البخاري ومسلم.
وهديه صلى الله عليه وسلم وسط بين الموسوس، الذي تجاوز المشروع، والمفرط الذي لم يتوضأ كما أمره الله. فقد كان يتوضأ صلى الله عليه وسلم ثلاثاً ثلاثاً، ومرتين مرتين، ومرة مرة، ويخالف أحياناً بين الأعضاء؛ وقد أجمع العلماء على أن الواجب في الوضوء مرة واحدة وأن من توضأ مرة فوضوؤه صحيح.
والموسوس يرى أنَّه إذا توضأ وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو اغتسل كاغتساله؛ يرى أنه لم يطهر ولم يرتفع حدثه، ولا شك أن هذا من مكر الشيطان وكيده. وقد اتبع هدي النبي صلى الله عليه وسلم سلف هذه الأمة من الصحابة -رضي الله عنهم- ومن بعدهم، فقد سئل جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- عن الغسل فقال: "يكفيك صاع، فقال رجل ما يكفيني، فقال جابر رضي الله عنه: "كان يكفي من هو أوفى منك شعراً وخير منك" يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البخاري ومسلم، فهذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والأئمة من بعده؛ فما في العدول عنهم فضل ولا لذي دين عنهم رغبة؛ فإنهم كانوا على الصراط المستقيم فمن أراد النجاة فليتبعهم يسعد، ولا يفارق طريقهم يبعد.