الشافي
كلمة (الشافي) في اللغة اسم فاعل من الشفاء، وهو البرء من السقم،...
العربية
المؤلف | خالد بن علي أبا الخيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
موضوع يحتاجه الناس منك، ويتطلع الناس فيك، فبك يتأسون، ومنك يقتدون، يمثل الإسلام وآدابه والإسلام وأخلاقه، موضوع غاب في المجتمعات، وتلاشى في خضم التواصلات، وفقد في كثير من الساحات، إنه موضوع...
الخطبة الأولى:
الحمد لله القائل: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب:21].
وأشهد أن لا إله إلا الله أنزل على رسوله: (فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام: 90].
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه لمن هم للأمة قدوة فكانوا نعم القدوة.
أما بعد:
فيا مسلمون: اتقوا الله حق تقاته، واعبدوه حق عبادته، تفوزوا بجنته، وتنجوا من ناره.
عباد الله: موضوع هام يحتاجه جميع الفئام، كلاً في ميدانه وعمله وأحواله.
موضوع يحتاجه الناس منك، ويتطلع الناس فيك، فبك يتأسون، ومنك يقتدون، يمثل الإسلام وآدابه والإسلام وأخلاقه، موضوع غاب في المجتمعات، وتلاشى في خضم التواصلات، وفقد في كثير من الساحات، إنه موضوع القدوة والأسوة.
الأبصار تخطف الأنظار، الأب مع أبنائه، والمعلم أمام تلاميذه، والإمام والمؤذن أمام جماعته، والقاضي في قضائه، والداعي في دعوته، ورجل الحسبة في حسبته، والتاجر في تجارته، وكلاً قدوة لغيره في أفعاله قبل أقواله.
القدوة رسم الله لنا بها الطريق، وبين لنا أهميتها مع الصديق والرفيق، ومن القواعد المقررة في إتباعنا لرسولنا: القدوة، قال جل ذكره: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب: 21].
قال ابن كثير:"هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أقواله وأفعاله وأحواله".
ويأمر الله نبيه بأن يتأسى بأنبيائه وصفوته من خلقه، فلما ذكر وعدد أنبيائه، قال: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام: 90] أي بهداهم اقتد واتبع، والأمة له تبع.
ولما سئل ابن عباس أفي "ص" سجدة؟ قال: نعم، ثم تلا: (فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) ثم قال هو منهم.
وفي منهج الولاء والبراء حب المؤمنين، وبغض الكافرين، يقول رب العالمين: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ) [الممتحنة: 4] فالحب والبغض، والولاء والبراء، هو منهج الأنبياء، وعباد الله الأتقياء.
وجعل سبحانه علامة الاقتداء؛ تحقيق الإيمان باليوم الآخر، ورجاء الحسنى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) [الممتحنة: 6].
وأمر الله المسلمين أمراً عاماً، وجعل هذا من شعار الصالحين، أن يكونوا لغيرهم إماماً، فقال في أوصافهم: (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان: 74] أي أئمة يقتدي بنا غيرنا في الخير، ونقتدي بمن قبلنا في الخير، فالعبد الصالح قدوة لزوجه وذريته وزملائه وأمته، والناس، وأهل حيه.
عباد الله: قضية القدوة همشها كثير من الناس، وأهملها من هم قدوة بين الناس، فلا يبالي بما يفعل دون إحساس.
والقدوة سلسلة مترابطة بين الابن وأبيه، والكبير والصغير، والمعلم مع التلميذ، والإمام مع الجماعة، هي شبكة متواصلة بين المجتمعات، وهي القدوات الكريمات، فقدنا في زمننا القدوة، فأصبح الإنسان لا يرى من يقتدي به، ويتأسى به في دينه وورعه، في علمه وتعامله وعمله، في أخلاقه وآدابه، في تجارته وأحواله.
فالعالم يأكل بدنياه، والإمام ضيع جماعته، واتبع هواه، والمسلم لا يتعامل مع إخوانه على ما يرضي مولاه، والأب أغفل هذا الجانب، فتربى الأبناء وتاهو، والموظف والتاجر همه المال ونفسه، وما يهواه، والمسلم مع إخوانه غافل لاه.
القدوة -أيها الأمة- تربية فعلية واقعية، تغني عن المحاضرات والندوات، والمقالات والكلمات، القدوة تربية سهلة يستطيعها الآباء والأمهات، لا تحتاج إلى كلفة ولا دورات تربوية ولا مؤتمرات دورية، ولا محاضرات شهرية، هي بين قوسين: "كن قدوة".
وطبق إسلامك وتعاليمه على أرض واقعك، وكف عن الشر، ولا تكن فيه قدوة في ذلك، وإذا بليت فاستتر عن الأنظار، واستح من الجبار.
مَشَـى الطـاووسُ يومـاً باعْـوجاجٍ | فـقـلدَ شكـلَ مَشيتـهِ بنـوهُ |
بـدأْتَ بـه ، ونحـنُ مقلـِـدوهُ | |
فخـالِفْ سـيركَ المعـوجَّ واعـدلْ | فـإنـا إن عـدلـْتَ معـدلـوه |
أمـَا تـدري أبـانـا كـلُّ فـرعٍ | يجـاري بالخـُطـى مـن أدبـوه؟! |
وينشَــأُ ناشـئُ الفتيــانِ منـا | علـى ما كـان عـوَّدَه أبـــوه |
ولهذا كانت التعاليم الإسلامية، والسنة النبوية، تعاليم فعلية، وقدوة واقعية: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، "لتأخذوا عني مناسككم"، "من توضأ نحو وضوئي هذا"، "اقتدوا بالذين بعدي؛ أبي بكر وعمر"، "تقدموا وأتموا بي، إنما جعل الإمام ليأتم به"، "كنا نعرف قراءة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لاضطراب لحيته"، ولهذا أمرنا الشارع باتخاذ الصاحب النافع؛ لأن الصاحب ساحب، ومن جالس دانس، والطبائع سراقة.
عن المرء لا تسل واسل عن قرينه | فكل قرينا بالمقارن يقتدي |
إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم | ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي |
وبوابة القدوة واسعة، لكنها من أعظم الأبواب والمنابع، وعلماء التغذية، يقولون: "فعل خيرا من ألف قول"، فاليوم الساحة تفقد قدوات تتأسى بها في الطاعة والعبادات، والقدوات والجديات قدوات تمثل الإسلام على أرض الواقع، في عباداته ومعاملاته، في آدابه وأخلاقه، وانظر إذا سمعت عن رجل صالح، أو رأيته كيف تتأثر، ويقوى إيمانك، وتتأثر به، ربما في جلسة واحدة، أو رأيت عالماً صادقاً، أو إنساناً خلوقاً.
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على توفيقه وامتنانه، أحمده سبحانه وأشكره على فضله وإحسانه.
من آثار القدوة في العالم وطالب العلم والحاكم: أن يكون صادقاً، وللصلاة محافظاً، وللصف الأول منافساً، قدوة في صبره وتحمله، في وفائه ووعده، في احتسابه وتعامله، في أخلاقه وعبادته، في آدابه وسيره، في بره وصلته وسلوكه.
ومن آثار القدوة في الخطيب والإمام: المحافظة على الصلاة، والمواظبة على الإمامة، وحفظ هذه الأمانة، وتقدمه للمسجد، وصلاته السنن الرواتب، وجلوسه في المسجد، ليتأسى به الجماعة، والصغير والكبير، يلاحظهم بالنصيحة والموعظة، ويكون قدوة بفعله قبل قوله.
أما البعض -فرحماك ربنا- آخر من يدخل المسجد، وأول من يخرج، وليس له بصمة ولا أثر يرى، ولا سنة راتبة، ولا تأثير للجماعة، ولا نصح ولا مناصحة، بل ربما بعض الجماعة لا يعرف إمامه.
فيا أيها الإمام: جماعتك يصلون خلفك، فكن قدوة واقعية لهم، ومعهم، وبهم، في أتراحهم وأفراحهم، مواظباً، داعياً، قارئاً، تالياً، فأنت على ثغر عظيم، وباب كبير، فكن قدوة.
وأما أثر القدوة مع الداعية، ورجل الهيئة، بالرفق واللين، والموعظة الحسنة، والسلام والابتسامة، والكلام الحسن والبشاشة، فيدعو بعلم ورفق، وحلم، بصير بصبر، واحتساب واحتمال أذى، وكف أذى، فشعاره الرفق، ودثاره العلم، وحليفه الحلم، يحب لهم الخير ما يحبه لنفسه.
فتحمل -أيها المحتسب والداعية- حسن السلوك، وجميل الأخلاق، وحسن التعامل، فأنت قدوة. وكذا أثر القدوة مع المؤذن؛ بمحافظته وملازمته وقيامه بأمانته، ومواظبته وحرصه على الوقت، وأن يكون له أثر، وعمل ملموس، وتفقده للمسجد، أمر محسوس.
أما مع المعلم والمربي، فيجب أن يكون أمام أعينهم بالأخلاق الجميلة، والآداب السامية، وصدق الديانة، وتعليمهم العلوم النافعة، بعيداً عما لا يفيد، والبذاءة والشتام والكذب والنميمة، واللعان والسخرية، وأن يشموا منه رائحة الدخان، ويدخن أمامهم، أو في قربهم، فالمدرس والمعلم قدوة، ويتوسم الطلاب فيهم الأسوة، ولهذا تجد أثرهم بمعلمهم ما لا يوصف، فكن قدوة حسنة، لا قدوة سيئة، كن مفتاحاً للخير، مغلاقاً لكل شر، وإذا بليت بمعصية، فاستتر، فالطباع سراقة، والأنظار تواقة.
ومن القدوات الحسنة: الوالد والوالدة، فينبغي أن يتحلى الآباء والمهات بمكارم الأخلاق، ومحاسن الصفات، مع المحافظة على الصلوات، والقراءة والعبادة، فأنتم قدوة ماسة، وعدسة حساسة، الأعين إليكم سراقة، والقلوب إليكم خفاقة، فابتعدوا عن مزالق الفسق والخنا، كالكذب، وسماع الغناء، والزور واللعان، والسباب، والنظر إلى المحرمات، والتخلف عن الصلوات، صلوا الرواتب أمام أعينهم، واقرؤوا القرآن أمامهم.
ومن القدوة وجميل الصفة: ما ينبغي أن يتحلى به الموظف من الانضباط، والآداب والأخلاق، وصدق المواعيد، وضبط عمله ابتداءً وانتهاءً، وصدق الحديث، والمساعدة، وقضاء الحاجة، وتسهيل المعاملات، والتيسير في المهمات، وبسط الوجه والعفو والابتسامة، والتغاضي لا يفرط في معاملة، ولا يتساهل في دوامه، قدوة في ميدانه، وبين زملائه.
وعلى كلً، فكلاً قدوة لغيره، في عمله ووظيفته، وقضائه وإمامته، في تجارته ومعاملته، في حرفته وعبادته، ويجب أن نحب لإخواننا ما نحبه لأنفسنا، من الأخلاق والآداب، وبذل الأسباب، بعض الناس يحب أن يكون الناس له أحلى من العسل في معاملاته، وسلوكه وفي طريقته وفي الدوائر الحكومية، والموارد التجارية، وهو لهم أمر من الحنظل، قولاً وفعلاً، سمتا أو صفة وخلقاً.
إن القدوة الحسنة ترسم على أرض الواقع، الأخلاق الحسنة، وترسخ في الأجيال القادمة، وتربط أطراف المجتمعات والأمم.
القدوة الحسنة داعية بلسان حاله ومقاله: أيا كان مركزه، ووظيفته، وعمله.
القدوة الحسنة له أجر من تبعه، وتأسى به، واقتفى أثره.
القدوة الحسنة، حسناته جارية، وعمره الثاني صرف الألسنة بالدعاء له بعد موته.
تأمل إذا جاءك ذكر شخص ما، في مكان ما، فالألسنة ترفع صوتها بالدعاء له، والثناء عليه، وهو لم يعطهم درهماً واحداً، ولم يفتح لهم بمنزله باباً، لماذا هذا؟
لما رسم في وجوهم، ونقش في قلوبهم، من التواضع والمساعدة، والسلام والابتسامة، وتيسير المعاملة، وحقيقة النصح، وبذل المعروف، وكف الأذى، والشر منه مكفوف.
إذا لم يكن عندك خيل تهديه ولا مال | فليسعد النطق إن لم تسعد الحال |
فكن ذاك الرجل المحبوب، وذاك الرجل المرغوب، تظل القيم والمثل العليا مجرد حقائق مجردة، لا تأثير لها، ولا بها، حتى تتحول إلى نموذج عملي واقعي في حياة البشر
وما أجمل هذه العبارة، فاصغ إليها بإشارة: إذا أردت أن تكون إمامي؛ فكن أمامي.
إذاً، لا يخالف قولك فعلك.
فخلاصة المطاف، وزبدة الألطاف: كن قدوة حسنة لمن خلفك ويراك، واحذر أن تكون قدوة سيئة لمن خلفك ويراك.
وفي الباب نماذج وصور مضيئة نرجؤها إلى خطبة قادمة -بإذن الله-.
هذا، وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم، أن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته.