الشهيد
كلمة (شهيد) في اللغة صفة على وزن فعيل، وهى بمعنى (فاعل) أي: شاهد،...
العربية
المؤلف | ناصر بن مسفر الزهراني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أهل السنة والجماعة |
هذا الحديث ثورة على البدعة، وبركان في وجه المبتدعة، إنه سيف باتر يجتث رؤوس البدع، ويختطف أعناق الضلال، ويطيح بهامات المبتدعة؛ إنه نور كاشف يبدد ظلمات البدعة، وسيل عارم يقتل قلاع الضلالة، ويدمِّر كل باطل بإذن ربه، وينسف جبال البدع نسفا، فيذرها قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشَرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
حديثنا اليوم عن هذا النص النبوي الرائع، والكلام المحمدي الماتع، عن هذه الكلمات الجامعة المانعة، والعبارات الصادقة الناصعة، التي كان -صلى الله عليه وسلم- يكررها في خُطَبِه، ويرددها في مواعظه؛ ولم يجعلها مقدمة لخطبه وتمهيدا لمواعظه إلا لأمر هام، وهدف عظيم، وقصد بليغ، ذلك هو قوله -صلى الله عليه وسلم-:"إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار".
هذا الحديث ثورة على البدعة، وبركان في وجه المبتدعة، إنه سيف باتر يجتث رؤوس البدع، ويختطف أعناق الضلال، ويطيح بهامات المبتدعة؛ إنه نور كاشف يبدد ظلمات البدعة، وسيل عارم يقتل قلاع الضلالة، ويدمِّر كل باطل بإذن ربه، وينسف جبال البدع نسفا، فيذرها قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا.
أصدق الحديث كتاب الله، (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثَاً) [النساء:87]، وهذا الكتاب الصادق هو الذي يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة:3]، وهو الذي يقول: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) [النحل:89]، وهو الذي يقول: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الحشر:7].
وأحسن الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، فلا هدي أحسن من هديه، ولا شرع أكمل من شرعه،(وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [النجم:3-4]، فمن اعتقد أن هديا أحسن من هديه، أو شرعا أكمل من شرعه فقد كفر، ولا يؤمن إنسان حتى يرضى بنهجه، ويسلم لحكمه، ويمتثل أمره، (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء:65].
وشر الأمور محدثاتها؛ فالشرور كثيرة، والآفات متعددة، والمخالفات متنوعة، ولكنَّ أشَرَّ الشرِّ في أمر هذا الدين هو إحداث شيء فيه ليس منه، فذلك شر الأمور، وأدهى الشرور، وأعظم المخاطر، وأخوف المخاوف.
إن كل بدعة صغرت أم كبرت، حسنت أم ساءت، هي ضلالة؛ والضلال وأهله في النار، وبئس القرار! وكلمة (كل) تدل على العموم الشامل لكل شيء، فكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، فهذا رد مفحم، وجواب مسكت لكل من قال إن هنالك بدعة حسنة، فقد نسفت كلمة (كل) جميع البدع، وأتت على عموم المحدثات، وقطعت كل الأصوات.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنة. وقال مالك -رحمه الله-: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا -صلى الله عليه وسلم- خان الرسالة؛ لأن الله يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة:3]، فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا.
وقد يقول أناس إن هنالك بدعة حسنة، مستدلين بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما قال عن صلاة التراويح: "نعمت البدعة تلك"، وهذا باطل؛ لأن عمر قصد بالبدعة معناها اللغوي فقط، ولم يقصد بها إحداث شيء في الدين ليس منه، فصلاة التراويح سنة من سنن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكنه ترك الصلاة بها جماعة في المسجد خشية أن تفرض على أصحابه، فأصبح الناس يصلون فرادى أو جماعات متفرقة، فجمعهم عمر على إمام واحد.
ثم إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يعارض قوله بقول أحد كائنا من كان، فإذا قال كل بدعة ضلالة فليس هنالك بدعة حسنة.
وقد يستدل أناس بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن سَنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده" صحيح الجامع، وهذا المقصود به إحياء سنة كانت موجودة، أو أن من سن سنة بمعنى سنها ابتداء بالعمل بها لا ابتداعا وتشريعا، فهي سنة ابتداء عمل مشروع، لا ابتداع تشريع، أو أن يفعل وسيلة لأمر مشروع؛ كبناء المدارس أو المساجد أو غير ذلك.
البدعة فعل أخرق، وعمل أحمق، وخطر محدق، وسبيل منكَر، وطريق مرذول، وجهد مردود، "مَن أحْدَثَ في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" أخرجه مسلم؛ وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام، وكما أن حديث "الأعمال بالنيات" ميزان للأعمال في باطنها، فهذا الحديث ميزان للأعمال في ظاهرها، فكل عمل ليس عليه أمر الله وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- فهو مردود.
البدعة محبطة للعمل، جالبة للغضب، مُسخطة للرب، نافية للحب، (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) [آل عمران:31]، البدعة مضادة للشرع، ومناهضة للسنة، ومعارضة للمنهج، (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ) [الشورى:21]، وهي قدْح في الرسالة، ومخالفة للأمر، (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63].
البدعة إثمها متجدد، ووزرها مستمر، "ومَن سَنَّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده مِن غير أن يُنْقِص من أوزارهم شيء" صحيح الجامع؛ يحبها الشيطان، ويمقتها الرحمن، قال ابن عباس -رضي الله عنه-: إن أبغض الأمور إلى الله تعالى البِدع.
إنها ظلام حالك، ومصير هالك، "وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار"، وبئس القرار؛ وفي البدعة تألٍّ على العظيم، وتقوُّل على الكريم، اتهام لجلاله، وتكذيب لمقاله، وهو القائل: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينَاً) [المائدة:3].
وفيها انتقاص لنبيه، ورمْي له بخيانة المنهج، ونقص الرسالة، وعدم البلاغ، وهو الذي تركَنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، يقول أبو ذر -رضي الله عنه -: ما ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- طائرا يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما. ويقول عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-: قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم" رواه مسلم. فالمبتدع يعلن بلسان الحال أن بدعته خير لكن قصَّر -صلى الله عليه وسلم- في دلالتنا عليه.
البدعة عدو لدود للسنة، وخصم عنيد للحنيفية، يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: إياكم وأصحابَ الرأي! فإنهم أعداء السنن، أعْيَتْهُم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي، فضَلُّوا وأضلوا. فالبدعة أفتك بالدين من السم الزعاف بالجسم، وأخطر على السنة من الجيوش المحاربة، والجنود المقاتلة، والسيوف المشرعة.
وهي حريق يشب في الشريعة، ويلتهم السنة، ويشتعل في الدين، ولكن الله يقيض لها رجالا بواسل، يبادرون بإخمادها، ويسارعون لإطفائها. يقول أبو إدريس الخولاني -رحمه الله-: "لأن أرى في المسجد نارا لا أستطيع إطفاءها أحبّ إليّ من أن أرى فيه بدعة لا أستطيع تغييرها".
البدعة مفتاح لباب الفوضى، ونافذة على الضياع، وبوابة لتهاوي المـُثُل؛ وهي أحب إلى إبليس من المعصية، وأحسن لديه من الخطيئة، فهي حرب على السنة، وتجاوز للحد، وتعدٍّ على المشرِّع؛ قال ابن تيمية -رحمه الله-: العبادات مبناها على الشرع والاتباع لا على الهوى والابتداع، فإن الإسلام مبني على أصلين أحدهما: أن نعبد الله وحده لا شريك له، والثاني: أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم-، لا نعبده بالأهواء والبدع.
إنها هجوم مسلح على حصون السنة، ومعاقل الشريعة، وقلاع المنهج؛ ومن أوجب الواجبات على حُفَّاظ السنة وحراس الشريعة أن يقفوا صفا كالبنيان المرصوص في وجه أهلها، ودحض كتائبهم، ورَدّ تجاوزهم، وأن يعدوا لهم ما استطاعوا من قوة الحجة، ومن رباط العلم، ليرهبوا به عدو الله وعدو سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-. قال الحسن البصري - رحمه الله:-لن يزال لله نصحاء في الأرض من عباده يعرضون أعمال العباد على كتاب الله فإذا وافقوه حمدوا الله، وإذا خالفوه عرفوا بكتاب الله ضلالةَ مَن ضَلَّ، وهدى من اهتدى، فأولئك خلفاء الله.
البدعة رجس وخور، ودنس وخطر، إنها نقوش سوداء على صفحات السنة البيضاء، إنها مرض يفتك بجسم الدين السليم، وجَرَب يشوِّه تقاسيم السنة النقية.
أيها المؤمنون: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرَاً) [الأحزاب:21]، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بسُنَّتي، وسنة الخلفاء الراشدين المـَهْدِيِّين من بعدي، تمسَّكوا بها، وَعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثاتِ الأمور! فإنَّ كلَّ مُحْدَثَةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ" صحيح الجامع.
وقد خط -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه خطا مستقيما ثم قال: "هذا سبيل الله" ثم خط خطوطا عن يمينه وشماله، ثم قال: "هذه سبُل، على كلِّ سبيل منها شيطان يدعو إليه" ثم قرأ: (وَأَنَّ هَذا صِرَاطِي مُسْتَقِيمَاً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام:153]. حسَّنه الألباني. قال مجاهد في قوله تعالى: (وَلَا تَتَّبعوا السُّبُلَ)، قال: البدع والشبهات.
فالفوز في اتباع سنته، والنجاة في السير على منهجه، والفلاح في البعد عن مخالفته؛ قال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى-: سَن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وولاة الأمور بعده سننا، الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمال لطاعة الله، وقوة على دين الله، ليس لأحد تبديلها ولا تغييرها، ولا النظر فيما خالفها، مَن اقتدى بها فهو مهتد، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولَّاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيرا.
يا أخي المؤمن: احذر مزالق الشيطان، وحبائل الردى، ودسائس الهوى؛ إن هذا الكلام ليس تعصبا لشخص، ولا تحيزا لفئة، ولا ميلا لجماعة، ولا تمذهبا لمذهب، إنما دعوناك إلى كتاب الله -عز وجل-، وحاكمناك إلى سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وناجيناك بما كان عليه وحدَّث به أتباع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
احذر أن تنساقَ وراء العاطفة، وتنجَرَّ بحبل التعصب المقيت، وتهوي باتِّباع الهوى، إذا جاءك مبتدع يدعوك إلى بدعته، وضال يغريك بضلالته، فقف منه موقف المسلم العاقل، والمؤمن النابه، والعاقل الرشيد؛ وجِّهْ هذه السهام إلى قلبه المظلم، قل له: هل ما تدعوني إليه قد أمر الله به؟ فسيقول: لا، فقل له: هل أنت أعلم أم الله؟ وهو القائل: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) [المائدة:3]، فهل ترد كلامه تعالى، وتكذب مقاله؟.
ثم قل له: هل ما تدعوني إليه أمر به رسول الله، أو فعله، أو حث عليه، أو أقره؟ فسيقول: لا. فقل هل أنت أعلم أم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ وأين أنا من قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب:21]، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" رواه مسلم، ولماذا لم يأمر به الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟ هل جهله وعلمتَه أنت؟ أم علمه فلم يبلغه فخان الرسالة، وغش الأمة؟.
ثم قل له: هل فعله الخلفاء الراشدون أو أمروا به؟ فسيقول: لا. فقل هل أنت أعلم أم هم؟ وأتقى لله أم هم؟ وأين أذهب من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي".
ثم قل له: هل فعله أعلام الصحابة؟ هل فعله التابعون لهم بإحسان؟ هل فعله أئمة الإسلام كالحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، والأوزاعي، وأحمد، والبخاري، ومسلم، وغيرهم من أئمة الهدى، وعظماء الملة، وحُراس الشريعة، وحُفاظ السنة؟ فسيقول: لا، فاصرخ في وجهه قائلا: أأنت أعلم أم هؤلاء؟ ألا يسعني ما وسعهم، ويكفيني ما كفاهم، وهم أعلم الناس بالسنة، وأكملهم حبا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأعظمهم متابعة لشرعه؟ لو كان خيرا لسبقونا إليه!.
وكيف يتقرب المرء إلى الله بعمل لم يرد في كتابه، ولم يأمر به نبيه، ولم يفعله خلفاؤه الراشدون، ولا أعلام الصحابة، ولا التابعون، ولا أحد من علماء الشريعة في القرون المفضلة؟ يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: إنا نقتدي ولا نبتدي، ونتبع ولا نبتدع، ولن نضل ما تمسكنا بالأثر. ويقول عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى-: خذوا من الرأي ما يصدق من كان قبلكم، ولا تأخذوا ما هو خلاف لهم، فإنهم خير منكم وأعلم. وقال الأوزاعي -رحمه الله-: اصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكُفَّ عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما وسعهم.
عن طريق القنوات الفضائية بدأت تنتشر كتائب البدع، وتزحف دعوات الضلالة، لتعم بظلامها بلدانا كثيرة، وأوطانا عديدة، وإن ذوي العلم القليل، والفهم الضئيل، والجهل بالسنة قد ينخدعون بما يشاهدون، ويعجبون بما يرون، مما تعج به كثير من البلاد الإسلامية من بدع منكرة، واحتفالات زائفة، ومناسبات ضالة، تنقل عبر الشاشات في ثياب براقة، ومظاهر جذابة، وتلقى اهتماما بالغا، وتشجيعا عجيبا ويحضرها رؤساء وزعماء لا يُعرَفون بدين، ولا يذكرون بسنة، إلا أنهم أسبق الناس في ميدان البدع، وتشجيع المبتدعة.
وتلك سياسات لها ما وراءها، لا تخفى على ذوي البصيرة، فلا تغرنكم تلك المظاهر، ولا تمدُنَّ أعينكم إلى هاتيك البهارج، فهي ضلال وضياع، وبدع وخور، وجهل وظلام، وزيغ وحيف، وخيبة وخذلان، ودمار وخسران، واعلموا أن الرضا والهدى، والأنس والسرور، والفوز والفلاح هو باتباع السنة، والسير على المحجة، والاعتصام بالشريعة، والسير على نهج القرون المفضلة.
ولم يبق سالما من هذه الترهات، وتلك الخرافات، إلا هذه البلاد، فهي معقل السنة، وميدان الحفاظ على التوحيد، نسأل الله تعالى أن يحفظها بحفظه، ويرعاها برعايته، ويبارك في ولاة أمرها من الأمراء والعلماء، ويجعلهم درعا للسنة، وحصنا للشريعة، وحربا على البدعة.
ومما يذكر من البدع ما يفعله بعض الناس في شهر رجب من طقوس مختلفة، وعبادات معينة، وما يكون من احتفالات بليلة السابع والعشرين منه على أنها ليلة الإسراء والمعراج، وهذا أمر منكر، وبدعة مردودة، فالإسراء والمعراج لم يثبت أنه في السابع والعشرين، ثم لو ثبت فما يفعله هؤلاء الناس ليس عليه دليل من كتاب ولا سنة، ولا هو من عمل الخلفاء الراشدين، ولا الأئمة المهديين.
ومن العجيب أن هؤلاء المحتفلين بالإسراء والمعراج لا يحفل كثير منهم بما كان فيه، ولا يلتزم بما أمر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- في ليلته من الحِفَاظ على الصلاة، والبعد عن الغيبة والنميمة، إلى غير ذلك؛ فقد يحتفل بالإسراء والمعراج وهو لا يصلي مع الجماعة، أو لا يصلي البتة! فأي دين هذا؟ وأي عقول تلك؟!.
أيها المؤمنون: احذروا البدع فإنها داء عضال، ومرض فتاك، بدأ يغزو العالم، ويجتاح الدنيا؛ لضعف المسلمين، وقلة العلماء، وغيبة الوعي، وكثرة الفِرق الضالة، والدعوات الزائفة؛ واعلموا أن النجاة هي فيما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، اللهم اعصمنا من الزلل، واحفظنا من البدع، وجنِّبْنَا خطر الهوى.