الحكيم
اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...
العربية
المؤلف | صالح بن فوزان الفوزان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
صار الكثير من الأغنياء والمترفين يسافر إلى بلاد الكفار بعوائلهم لا لشيء إلا للنزهة وقضاء الوقت، وقد يكون لأسوأ من ذلك هو فساد الأخلاق ومشاركة الكفار في لهوهم ومجونهم والابتعاد عن بلاد المسلمين وأخلاق المسلمين لأنهم لا يحصلون فيها على ما تشتهي نفوسهم الأمارة بالسوء.
الحمد لله رب العالمين، حذرنا من الثقة بالكفار، وقال: (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) [هود:113] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو الله الواحد القهار، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار، والمهاجرين منهم والأنصار وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله واحذروا من الفتن المضلّة وتجنبوا أسباب الشر فإن الفتن تكثر في آخر الزمان وعلى المسلم أن يعرفها ليتجنبها.
قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "كان الناس يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه" ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن كثرة وقوع الفتن في آخر الزمان وحذر أمته منها، فيجب على المسلم أن يهتم بهذا الأمر غاية الاهتمام ويخاف من الوقوع في الفتن غاية الخوف، ويسأل الله السلامة منها، والفتنة قد تكون في الخير وقد تكون في الشر، قال تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء:35]
أي نختبركم بالشدة والرخاء لننظر كيف شكركم وصبركم، ومن الخير الذي ابتلي به المسلمون في هذه البلاد كثرة الأموال مما حمل منهم على الأشر والبطر والإسراف والتبذير فعرضوا أنفسهم وعرضوا بلادهم لأسوأ العقوبات، فمما سببه الغنا تساهل المسلمين بشأن الكفار وتناسى خطرهم وعداوتهم، فصار الكثير من الأغنياء والمترفين يسافر إلى بلاد الكفار بعوائلهم لا لشيء إلا للنزهة وقضاء الوقت، وقد يكون لأسوأ من ذلك هو فساد الأخلاق ومشاركة الكفار في لهوهم ومجونهم والابتعاد عن بلاد المسلمين وأخلاق المسلمين لأنهم لا يحصلون فيها على ما تشتهي نفوسهم الأمارة بالسوء.
والسفر إلى بلاد الكفار لا يجوز إلا لغرض مباح من تجارة أو علاج أو دراسة لا يمكن الحصول عليها في بلاد المسلمين، مع تمكن المسلم من إظهار دينه والمحافظة على عقيدته وابتعاده عن موطن الشر وأهل الشر حتى يعود إلى بلاده كما ذهب منها متمسكاً بدينه وعقيدته مبغضاً للشر وأهله محباً للخير وأهله، ومما سببه توفر المال بأيدي بعض الناس جلب الكفار إلى بلاد المسلمين باسم عمال أو مستخدمين أو سائقين أو مربين مما كثر عدد الكفار في بلاد المسلمين مع اختلاطهم بهم واطلاعهم على أسرار المسلمين، ومما سبب سريان عادات الكفار وأخلاقهم وربما أديانهم الكفرية بين المسلمين وتأثر الشباب والأطفال والجهال بتلك الأخلاق وتلك العقائد الفاسدة. وبعض المسلمين يأتمن الكافر على ماله وعلى محارمه وأولاده ناسياً أو متناسياً قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ) [آل عمران:118]
ففي هذه الآية الكريمة ينهى الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين من اتخاذ الكفار بطانة، وبطانة الرجل هم خاصة أهله الذين يطلعون على داخل أمره، ويبين سبحانه ما يكنه هؤلاء الكفار ويضمرونه في أنفسهم من عداوة للمؤمنين وأنهم يسعون للإضرار بهم بكل ممكن وبما يستطيعون من المكر والخديعة، وأنهم يودون أن يشقوا على المسلمين ويضايقوهم كلما سنحت لهم الفرصة، وقد ذكر لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه غلام من أهل الحيرة حافظ كتاب، وطلب منه أن يتخذه كاتباً، فامتنع من ذلك وقال: قد اتخذت إذاً بطانة من دون المؤمنين- قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: ففي هذه الآية مع هذا الأثر دليل على أن أهل الذمة لا يجوز استعمالهم في الكتابة التي فيها استطالة على المسلمين واطلاع على دواخل أمورهم التي يخشى أن يفشوها إلى الأعداء- وهذا جانب من جوانب ضررهم على المسلمين.
وهناك جوانب كثيرة من أهمها تأثيرهم على المسلمين بجلب المذاهب الكفرية والأفكار الإلحادية وتلقينها لأولاد المسلمين خصوصاً إذا تولوا تربيتهم، ومنها جلبهم لوسائل الإفساد الخلقي من الخمور والمخدرات والمسكرات عن طريق الخفية وإيصالها إلى أيدي شباب المسلمين وسفهائهم، ومنها إفسادهم للنساء وللعوائل والبيوت إذا استخدموا سائقين أو خدماً أو طباخين، ومنها أنهم يحسون ثروة المسلمين ويتقون بها على الكفر وعلى محاربة المسلمين، فلا يجوز للمسلم أن يجلب كافراً إلى بلاد المسلمين لما في ذلك من الأضرار البالغة على المستقدم وعلى المجتمع الإسلامي- لكن إذا اضطر صاحب العمل إلى جلب عمال أجانب فعليه أن يختار عمالاً مسلمين وهم والحمد لله كثير.
ومن صلحت نيته وبذل الأسباب النافعة يسر الله له وكان قدوة في الخير، هذا مع أن البعض أو الكثير من الذين يستقدمون الأجانب يستقدمونهم من غير حاجة، وإنما يستقدمونهم من باب المباهاة والمفاخرة ومجاراة الآخرين ليظهر أمام الناس أن لديه سائقاً أو لديه خديمين، ليفتخر بذلك. والأمر الفظيع الذي لا يمنكن السكوت عنه أن بعضهم يستقدم امرأة وليس معها محرم، ويسكنها في بيته كأنها من محارمه وقد تكون شابة جميلة فيها كل أسباب الفتنة..
وربما يبلغ الأمر ببعضهم إلى أن يجعل هذه المرأة الفاتنة تستقبل الزوار من الرجال وتصب لهم القهوة- فانظروا إلى أي حد بلغ الترف والاستهتار بالقيم والأخلاق بهؤلاء الذين هم من أشباه الرجال وليسوا رجالاً، والبعض منهم يترك امرأته تركب وحدها من السائق وهو ليس محرماً لها فيذهب بها حيث شاء أو حيث شاءت. الله أعلم. والبعض الآخر من هؤلاء المستقدمين يأتي بقطعان من الأجانب الكفار ويسكنهم- أو يستأجر لهم مساكن بين محارم المسلمين وعوائلهم، فيضايق بهم الجيران ويؤذي بهم المسلمين وقد قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) [الأحزاب:58] فاتقوا الله عباد الله ومن رزقه الله مالاً فليحسن التصرف فيه وليحسن كما أحسن اله إليه ولا يبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين.
أقول هذا وأستغفر الله...