البحث

عبارات مقترحة:

السبوح

كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...

السلام

كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...

الحميد

(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...

من أحكام الصيام

العربية

المؤلف عبدالرحمن بن فهد الودعان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الصيام
عناصر الخطبة
  1. الرحمة الإلهية في التشريعات الرمضانية .
  2. مفطِّرات الصيام وتشريعاتها .
  3. سنة السحور .
  4. أحكام السواك للصائم .
  5. التحقق من زيادة التقوى .

اقتباس

ويُحكم بطلوعِ الفجرِ إما بمشاهَدَتِهِ في الأُفقِ، أو بخَبَرٍ موثوقٍ به بأذانٍ أو غيرِه، والإمساكيات التي تنشر أحيانا في رمضان نوعان: نوع موافق لوقت الأذان كما في التقويمات المطبوعة المبنية على الحسابات والتقديرات فهذا لا بأس به، ويُعمل به، ونوع آخر مبني على الاحتياط غير المشروع، فيؤقِّت للإمساك قبل الفجر بعشر دقائق ونحوها فهذا بدعة من البدع، لا يجوز العمل به ..

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

عباد الله: بينما كان شيخُ المحدِّثين، وحافظ حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصحابي الجليل عبدُ الرحمن بنُ صخرٍ الدوسيُّ -رضي الله عنه- جالسًا بين أصحابه يعلمهم ويحدِّثهم، إذ دخل عليه رجل فقال له: يا أبا هريرة، أصبحتُ صائمًا (فدخلت بيت أبي) فنسيتُ، فطعمتُ وشربتُ! قال: لا بأس! اللهُ أطعمك وسقاك.

قال: ثم دخلتُ على إنسان آخر فنسيتُ، فطعمتُ وشربتُ. قال: لا بأس! اللهُ أطعمك وسقاك. قال: ثم دخلتُ على إنسانٍ آخر فنسيتُ وطعمتُ. فقال أبو هريرة -رضي الله عنه-: (يا ابن أخي)! أنت إنسان لم (تتعود) الصيام. رواه عبد الرزاق.

عباد الله: لقد شرع الله الصيام، وفي تشريعه رحمةٌ بالعباد، فهو كفَّارةٌ للذنوب، ورفعة للدرجات، وقوة على طاعة الله وتقواه وخشيته؛ ومع تشريع الصيام نفسِه بما فيه من الرحمة شرَعَ الله تعالى لنا في ضمن تشريعات الصيام ما هو رفق بنا، ورحمة بنا، وتيسير علينا...

فهو أرحم الراحمين، وأحكم الحاكمين، فهذا أبو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يحدثنا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَن نَسِيَ وهو صَائِمٌ فَأَكَلَ أو شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ الله وَسَقَاهُ" متفق عليه. إنها الرحمة الإلهية تتجلى في تشريعات الإسلام القويمة.

عباد الله: ومن رحمة الله بعباده في تشريعات الصيام أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أمَرَ بالسُّحُور فقال: "تَسحَّروا؛ فإن في السَّحورِ بركةً" متفق عليه.

وبيَّن النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أن السّحورَ هو الفاصل بين صيام المسلمين وصيامِ أهل الكتاب قبلَنا، ففي صحيح مسلم عن عمرو بن العاصِ -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "فَصْلُ ما بَيْنَ صيامِنَا وصيامِ أهلِ الكتاِب أكْلةُ السَّحَر".

فلا ينبغي للمسلم أن يترك السحور الذي حث عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأمر به، حتى قال: "السُّحُور كلُّه بركةٌ، فلا تَدَعُوْه، ولو أن يجرع أحدكم جرعةً من ماءٍ، فإن الله وملائكتَه يُصلُّون على المُتسَحِّرِين" رواه أحمد، وقال المنذريُّ: إسنادُه قويٌّ.

ومن السنة التسحُّرُ على التمر، فقد رَوى أبو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "نِعْمَ سحُورُ الْمُؤْمِنِ التَّمْرُ" رواه أبو داود.

عباد الله: ومن رحمة الله بعباده في تشريعات الصيام أن للصائم أن يأكلَ ويشربَ حتى يَتيقَّنَ طلوعَ الفجر، فإذا طلع الفجرُ أمْسَكَ عن الطعام والشراب، لقوله تعالى: (وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ) [البقرة:187].

ويُحكم بطلوعِ الفجرِ إما بمشاهَدَتِهِ في الأُفقِ، أو بخَبَرٍ موثوقٍ به بأذانٍ أو غيرِه، والإمساكيات التي تنشر أحيانا في رمضان نوعان: نوع موافق لوقت الأذان كما في التقويمات المطبوعة المبنية على الحسابات والتقديرات فهذا لا بأس به، ويُعمل به، ونوع آخر مبني على الاحتياط غير المشروع، فيؤقِّت للإمساك قبل الفجر بعشر دقائق ونحوها فهذا بدعة من البدع، لا يجوز العمل به.

عباد الله: ومن رحمة الله بعباده في تشريعات الصيام أنه لا يُفطر الصائمُ بشيء من المفطِّرات إلا إذا توافرت ثلاثة شروطٍ:

الشرطُ الأوَّلُ: أنْ يكونَ عالماً، فإن كان جاهِلاً لم يُفطِرُ، لقوله تعالى: (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَـنَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَـفِرِينَ) [البقرة:268]. فقال الله: قد فَعَلْتُ.

وسواء أكان جاهِلاً بالْحُكْمَ الشَّرْعِيِّ، مِثْل أن يظُنَّ أنَّ هذا الشيءَ غير مُفَطِّرٍ فيَفْعَلَه، أو جاهِلاً بالحَالِ، أيْ بالْوقْتِ، مِثْل أن يظُنَّ أنَّ الْفَجْرَ لم يَطلُع فيأْكُلَ وهو طالِعٌ، أو يظنَّ أنَّ الشمسَ قد غَربَتْ فيأكلَ وهي لم تَغْرُب، فلا يُفْطِر في ذلك كلِّه، وصيامُه صحيحٌ، ولا قضاءَ عليه.

ففي الصحيحين عن عَدِيِّ بن حاتِم -رضي الله عنه- قال: لمَّا نزَلتْ هذه الآية: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ) [البقرة:187]، عمَدتُ إلى عِقالَين: أحَدُهما أسْودُ والآخَرُ أبْيَضُ، فجعلتُهما تحت وِسادتِي، وجعلتُ أنظُرُ إليهما، فلما تبيَّن لِي الأبيضُ من الأسْودِ أمسكتُ.

فلمَّا أصبحتُ غدوتُ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخْبرتُه بالَّذِي صَنعتُ، فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ وِسادَك إذنْ لعرِيضٌ إن كان الخيطُ الأبيضُ والأسودُ وسادك! إنَّما ذلك بياضُ النهارِ وسوادُ الليل". فقد أكلَ عدّي بعد طلوعِ الْفَجْر ولم يمسكْ حتى تبين له الخيطانِ، ولم يأمُرْه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بالقضاءِ؛ لأنه كان جاهلاً بالْحُكْمِ.

وفي صحيح البخاريِّ من حديثِ أسْماءَ بنتِ أبي بكرٍ -رضي الله عنهما- قالَتْ: أفْطرْنَا في عهدِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- يوم غيم، ثم طلعت الشمس، ولم تذكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرَهُمْ بالقضاءِ، لأنهم كانوا جاهِلينَ بالوقتِ، ولو أمَرهُمْ بالقضاءِ لنُقِلَ؛ لأنه ممَّا توَفَّرُ الدَّواعِي على نقلِهِ لأهميَّتِه.

وهذا القول مذهب بعض السلف، كمجاهد والحسن وعروة بن الزبير، ومروي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وبه قال إسحاق بن راهويه، وهو رواية عن أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن عثيمين وغيرهم، وإن قضى ذلك اليوم احتياطا فهو حَسَنٌ؛ لأن ذلك مذهب جمهور الفقهاء، والله أعلم.

الشَّرطُ الثاني لِلفطر بالمفطِّرات: أنْ يكونَ ذاكِراً، فإنْ كان ناسياً فصيامهُ صحيحٌ ولا قضاءَ عليه، لما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: «مَن نَسِي وهُوَ صائمٌ فأكَلَ أو شرِب فليُتِمَّ صَوْمَه فإنَّما أطْعمَه الله وسقاه»، متفق عليه. ويجب على من تذكر صومَه أن يدع الأكل والشرب ويَلفُظَ ما في فمه، كما يجب على مَن رأى صائماً يأكلُ أو يشربُ أن يُنبِّههُ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:5].

الشَّرطُ الثالثُ لِلفطر بالمفطِّرات: أنْ يكونَ مُخْتاراً، بأن يتناول الْمُفَطِّر باخْتيَاره وإرادته، فإنْ كانَ مُكرَهاً فصيامُه صحيحٌ ولا قضاءَ عليه؛ لأنَّ الله سبحانَه رَفَعَ الْحُكمَ عَمَّنْ كَفَرَ مُكْرَهاً وقلْبُهُ مُطمَئِنٌّ بالإِيمانِ، فقال تعالى: (مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَـانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَـانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [النحل:106].

فإذا رَفَع اللهُ حكْمَ الكفرِ عمَّن أُكْرِهَ عليه فمَا دونه أوْلى، فلوْ أكْرَهَ الرجلُ زوجتَه على الوطءِ وهي صائمة فصيامها صحيح ولا قضاء عليها، ولا يحل له إكراهها على الوطءِ وهي صائمةٌ صيام فرض، كما لا يحل لها مطاوعته على ذلك. ولو تمَضْمَضَ أوْ استَنْشَقَ فنزل إلى جوفِه شيء من الماءِ بغيرِ اختيارِهِ فصيامهُ صحيحٌ ولا قضاءَ عليه.

عباد الله: ومن رحمة الله بعباده في تشريعات الصيام أنه لا يفطِرُ الشخص إلا بما دل الدليل الشرعي على التفطير به، فمما ينبه له: أنه لا يُفْطِر بِتَقْطير دواءٍ في أذُنِه أو عينه، أو في جُرحٍ في أي موضع من بدنه ولو وجد طعم الدواء في حَلْقِه؛ لأنَّ ذلك ليس أكْلاً ولا شُرباً، ولا بمعنى الأكْلِ والشُّرب، ولكن عليه أن لا يبلَعَهُ متعمِّدا، بل يتفُلهُ إذا استطاع.

ولا يُفطِرُ بِذَوْق الطعامِ إذا لم يَبْلعْه، ولا بشمِّ الطيب والْبَخُورِ، لكن لا يسْتَنْشِقْ دُخانَ البَخُور؛ لأنَّ لَهُ أجزاءً تصعدُ فربَّما وصلَ إلى المَعِدَة شيءٌ منه، ولا يُفْطِرُ بالمضمضمةِ والاستنشاقِ، لَكِنْ لا يُبالغُ في ذلك؛ لأنَّه ربَّما نزل شيءٌ من الماءِ إلى جوفِه.

وعن لَقِيْطِ بن صَبِرَةَ -رضي الله عنه- أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "أسْبغِ الوضوء، وخَلِّلْ بينَ الأصابع، وبالِغْ في الاستنشاق، إلاَّ أنْ تكون صائماً" رواه أبو داود والنسائيُّ وصححه ابنُ خزيمةَ.

ولا يجوز إهمال الاستنشاق بحجة الصيام، وإنما يطلب منه ترك المبالغة لا ترك أصل الاستنشاق، ولا يفطر الصائم باستعمال بخَّاخِ الرَّبو إذا احتاج إليه، وبذلك أفتى كثير من العلماء منهم: اللجنة الدائمة للإفتاء، و الإمام ابن باز رحمه الله، والشيخ محمد العثيمين رحمه الله.

كما لا يفطر باستنشاق غاز الأكسجين إذا احتاج إليه، كما في قرارات مجمع الفقه الإسلامي. ولا يفطر الصائم باستعمال إِبَرِ البِنسِلين التي يستعملها مرضى السكر لتنشيط عمل البنكرياس وبذلك أفتى كثير من العلماء منهم: اللجنة الدائمة للإفتاء والشيخ محمد العثيمين رحمه الله.

ولا يفطر الصائم باستعمال دواء الغَرغرة، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: هذا لا يفطر الصائم، لكن التغرغر مكروه إلا لحاجة، لقول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- لِلَقيطِ بن صَبِرَةَ -رضي الله عنه-: "بالغ في الاستنشاق، إلا أن تكون صائماً" فإذا احتاج إلى التغرغر ولم يتمكن مِن تأخيره إلى الفطر فلا حرج عليه فيه، لكن عليه أن يحترز غاية الاحتراز من نزول ذلك إلى جوفه، وفي قرارات مجمع الفقه الإسلامي: إن الغرغرة لا تعتبر من المفطرات.

ولا يفطر الصائم بالتخدير الموضعي لعلاج الأسنان أو غيره؛ لأن ذلك ليس أكلا ولا شربا ولا في معناهما، ولا يفطر الصائم باستعمال الْحُقَن والإِبر غير المغذِّية، وممن أفتى بذلك من العلماء ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله تعالى.

وأما الْحُقَن والإِبر المغذِّية فلا يجوز للصائم استعمالها إلا مِن عذر؛ لأنها تُفطِّر الصائم، كما أفتى بذلك عدد من العلماء، منهم السعدي وابن باز وابن عثيمين رحمهم الله, ومجمع الفقه الإسلامي, وذلك لأنها في معنى الأكل والشرب, فالذي يتناولها يَستغني بها عن الأكل والشرب.

ولا يفطر الصائم باستعمال التحاميل العلاجية التي تؤخذ عن طريق الدُّبر، أو عن طريق فرج المرأة، ولا يفطر الصائم بخروج شيء يسير من الدم مِن أي موضع من بدنِه، ولا بأخذ شيء من الدم للتحليل؛ لأن هذا ليس في معنى الحجامة التي ورد التفطير بها.

وأما التبرُّع بالدم فإنه مفطِّر؛ لأنه في معنى الحجامة التي ورد التفطير بها، وهو يُضعف البدن، وعليه فلا يجوز التبرع بالدم في نهار رمضان إلا للضرورة، ومن فعله لزمه قضاء الصيام.

وأما غسيل الكُلى الدمويُّ فإنه يعتبر مفطِّرا، لأنه يتطلب خروجَ الدم لتنقيته ثم رجوعه مرة أخرى، مع إضافة مواد كيماوية وغذائية كالسكريات والأملاح وغيرها إلى الدم، وبهذا أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًّا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.

عباد الله: ومن الأحكام المتعلقة بشهر الصيام أنه ينبغي الحرص على السواك في نهار رمضان، فهو سُنَّةٌ للصائم كغيره في أول النهار وآخره، لقولِ النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لولا أنْ أشقَّ على أمَّتِي لأَمرْتُهم بالسواكِ عندَ كلِّ صلاةٍ" رواه الجماعة.

وهذا عامٌّ للصائمينَ وغيرِهم في جميع الأوْقاتِ، وقال عَامِرُ بنُ ربيعةَ -رضي الله عنه-: "رأيتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- ما لا أحْصِي يتسوَّك وهو صائمٌ" رواه أحمد وأبو داود والترمذي؛ فلا يُكْرَهُ السِّواك للصائم على الصحيح من قولي العلماء رحمهم الله تعالى، قال ابن القيم: وأكثر أهل العلم لا يكرهونه.

وأما حديث: "إذا صُمْتُمْ فَاسْتَاكُوا بِالْغَدَاةِ وَلا تَسْتَاكُوا بِالْعَشِيِّ، فإنه ليس من صَائِمٍ تَيْبَسُ شَفَتَاهُ بِالْعَشِيِّ إِلا كان نُورًا بين عَيْنَيْهِ يوم الْقِيَامَةِ" فهو حديث ضعيف رواه الدارقطني والبيهقي والطبراني بإسناد ضعيف. قال ابن القيم: ولم يجيء في منع الصائم منه حديث صحيح.اهـ.

وفي حكم السواك: تنظيفُ الأسنانِ بالمعجُون والفُرشاة، لكن ينبغي له التحرز مِن نفوذ شيء من المعجون إلى جوفه، ولو حدث ذلك فعليه أن يتفله.

عباد الله: ومن رحمة الله بعباده في تشريعات الصيام أنه يجوزُ للصائمِ أنْ يفعلَ ما يخفِّفُ عنه شِدَّة الحرِّ والْعَطشِ، كالتَّبَرُّدِ بالماءِ ونحوه، لما رَوى مَالكٌ وأبو داودَ عن بعض أصحابِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: رأيتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- بالعَرْجِ (اسم موضع) يصبُّ المَاءَ على رأسهِ وهو صائم مِنَ الْعَطشِ، أوْ مِن الْحَرِّ.

عباد الله: ينبغي لنا ونحن نتعبد لله تعالى بالصيام أن لا ننسى الحكمة التي لأجلها شرع الله الصوم علينا، وعلى الأمم الماضية، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:183].

فنتحقق من زيادة تقوى الله تعالى في هذا الشهر، ولنحرص عليها؛ لأنها الوقاية مِن عذاب الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6].

ألاَ وإن مِن أعظم التقوى المحافظةُ على الصلاة المفروضة في أوقاتها في المساجد مع جماعة المسلمين، فليكن حرصنا عليها كبيرا، وبخاصة صلاة الظهر وصلاة العصر، فكثير من الشباب يضيعونها في رمضان.

اللهم...