الحق
كلمة (الحَقِّ) في اللغة تعني: الشيءَ الموجود حقيقةً.و(الحَقُّ)...
العربية
المؤلف | صلاح بن محمد البدير |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | صلاة العيدين |
هنيئًا لكم هذا اليومُ البهيج، هنيئًا لكم هذا اليومُ المجيد، هنيئًا لكم يومُ العيد السعيد، هنيئًا لكم عيدُ الإفطار، ويومُ الأفراحِ والمسارّ، والبهجة والأنوار، جعَلَه الله مقرونًا بالقَبول، ودَركِ البُغيةِ ونُجح المأمول، وعاودتكم السُّعود ما عاد عيد، واخضرّ عود، صبحٌ أزهر، ويوم أغرّ، وسعادة كبرى ومِنّة عظمى، فلك الحمد -يا ربي- على إكمال عِدّة الصيامِ، ولك الحمد -يا ربي- على إدراك رمضان حتى التمام، وحضوره حتى الختام، جعَلَنا الله ممن أُعتق فيه من النار، وأُنزل منازلَ الصادقين الأبرار.
الخطبة الأولى:
الله أكبر، الله أَكبر، الله أَكبر، اللهُ أكبر، اللهُ أكبر، اللهُ أكبر، الله أَكبر، الله أَكبر، الله أَكبر.
الله أَكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.
الله أكبرُ ما طلَع صباح وأسفَر، الله أكبر ما هلَّ هلالٌ وأنوَر، الله أكبر ما لاحَ ظرفٌ وأزهَر، الله أكبر كلّما أرعَد سحاب وأمطَر، الله أكبر ما نبَتَ نباتٌ وأثمَر، الله أكبر ما ذَكَر اللهَ ذاكر وكبَّر، الله أكبر ما صامَ صائم وأفطَر، الله أكبر ما طافَ طائِف واعتمَر، أفاض علينا من خزائنِ جودِه التي لا تحصَر، وسهَّل لنا صومَ رمضانَ ويسَّر، وجعل لنا عيدًا يعودُ ويتكرَّر.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الحمد لله خالقِ الخلق وفالِق الإصباح، فرَّق وجمَع ووصَل وقطَع وحرَّم وأباح، رفع السماء وأنزَل الماء وذرَأ الرّياح، علِم ما كان وما يكونُ وعليه التّكلان والرّكونُ في الغدوّ والرّواح، (اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ) [النور:35]، أحمده على مواسِمِ التكريم والأعيادِ والأفراح، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له شهادةً نرجو بها الفوز والفلاح، والسعادة والنجاح، وأشهد أن نبيَّنا وسيّدنا محمّدًا عبده ورسوله قائدُ ركبِ الدعوة والإصلاح.
صلى الله عليه وعلى رفيقِه أبي بكر في الغار، وعلى عمر فاتح الأمصار، وعلى عثمان شهيدِ الدار، وعلى عليّ المبشَّر بالقرار في دار الأبرار، وعلى جميع الآل والصّحب الأخيار.
أمّا بعد: فيا أيها المسلمون، هنيئًا لكم هذا اليومُ البهيج، هنيئًا لكم هذا اليومُ المجيد، هنيئًا لكم يومُ العيد السعيد، هنيئًا لكم عيدُ الإفطار، ويومُ الأفراحِ والمسارّ، والبهجة والأنوار، جعَلَه الله مقرونًا بالقَبول، ودَركِ البُغيةِ ونُجح المأمول، وعاودتكم السُّعود ما عاد عيد، واخضرّ عود، صبحٌ أزهر، ويوم أغرّ، وسعادة كبرى ومِنّة عظمى، فلك الحمد -يا ربي- على إكمال عِدّة الصيامِ، ولك الحمد -يا ربي- على إدراك رمضان حتى التمام، وحضوره حتى الختام، جعَلَنا الله ممن أُعتق فيه من النار، وأُنزل منازلَ الصادقين الأبرار.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون: لقد بعَث الله نبيَّنا وسيّدنا محمّدًا بدينٍ كامل، وشرعٍ شامل، غايةٍ في الإحكام، عدلٍ في الأحكام، لا أَمتَ فيه ولا عِوَج، ولا ضيقَ فيه ولا حَرَج، هدَى الله به النفوسَ بعد ضلاله، وجمع به القلوبَ بعد فُرقة، وألَّف به بين الناسِ بعدَ عَداوة، فأصبحوا بنِعمتِه إخوانًا، وصاروا باتِّباعه أنصارًا وأعوانًا، جماعةٌ واحدة فلا تجزُّؤَ ولا انقِسام، ولا تميُّز ولا انفِصامَ، رِباطُها رابطةُ العقيدة وآصِرة الدين وأخوّة الإسلام.
رابطةٌ تنكسِر تحتَها جميعُ الولاءات الجاهليّة، والانتماءات الحزبيّة، والنّعرَات الطائفيّة، والدعاوى العصبية، والصيحاتِ العنصرية، والشعاراتِ القومية، يقول رسول الهدى: "المسلمون تتكافأ دِماؤهم، ويسعى بذمّتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يدٌ على مَن سواهم" أخرجه أبو داود.
دينٌ اختاره الله لنا وارتضاه، وشرعه لنا واصطفاه، لا يجوز لنا الخروجُ عن دعواه، ولا ابتغاء دينٍ سواه، ولا الزّهادة في مسَمّاه، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون: إنّ تعدّدَ الاتجاهات، وتغايُرَ المناهج، واختلافَ المشارِب، والتعصّبَ للمذاهب، والتحزّبَ للأشخاص والفِرَق والجماعات ليس من الصّراط المستقيم، ولا منَ الهدي القويم،
إنَّ الهدَى ما هَدَى الهَادِي إليه وما | بهِ الكِتابُ كتابُ الله قد أَمَرَا |
فاحذَروا التعصّبَ والتحزُّبَ، والتفرُّق والتمزّق، وإيَاكم وما أحدَثَه المحدِثون، وابتدعه المبتدعون! واعلموا أنه لا ولاءَ إلا على كتابِ الله وسنّة رسوله ، ومن استبانَت له سنّة عن رسولِ الله لم يكن له أن يدَعها لقول أحدٍ من الناس، ومن عارضَ النّصوصَ برأيه ورامَ أن يردَّها إلى مبلَغِ عِلمه فقد رام الهلاكَ، واختَرَط الأشواك.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون: الجدالُ والمِراء رأسُ الفِتنة، وحبائِل الفُرقة، أذكاهما الجاهلون بمقاصِدِ الشريعة ومدارِك الأحكام، المتخرِّصون على معانيها بالظنّ، المتعالمون بلا رسوخ، الخائضون في مظانّ الاشتباه بلا تميِيز، المتقحِّمون غمارَ الفتوى بلا علمٍ ولا عدّة ولا تأهيل، الذين يقيسون الأمورَ بالآراء الكاسدة، والأقيِسَة الفاسدة، فاحذَروا الخوضَ والجدَل! "فما ضلَّ قومٌ بعد هدًى كانوا عليهِ إلا أوتُوا الجدَل".
ولا ضيرَ في المسائل الفقهيّة بمدارَسة بلا تعنيف، ونقاشٍ بلا تسفيه، وتبادلٍ للرّأي والنّظَر بلا عيب، مع وجوبِ مراعاة أدبِ الحِوار والمناظَرَة، وأسُسِ الاستدلال والمعارضة، وتقَع مُعضلات ونوازِل، وتستجدّ صُوَر ومسائل لا يجوز أن يتجاسَرَ على البتِّ فيها قاصِرون على مقامِ الفتوى، ويخوضَ في غمارها منكَرون في مقامِ الدّراية والاجتهاد، ويتصدَّى لها مجهولون في مقامِ النّظَر والترجيح، وفي الأمّةِ علماءُ متمكِّنون من دَركِ أحكام الوقائع النازلة، بصيرون بمسالكِ النظر والاستنباط، راسِخون في التخريج والاقتباس.
فاتقوا الله أيها المسلمون، وأرجِعوا الأمرَ إلى أهله، وردّوه إلى أصله، ترشُد مسالِكُكم، وتهتدِ قلوبُكم.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحَمد.
أيّها المسلمون: لا خيرَ يرجَى من الخُلفِ والتنازع، ولا صلاحَ يؤمَّل من التشاحنِ والتقاطع، ولا فائدةَ تحصَّل من التصارُم والتصارع.
فيا مَن نسِي الصفاء، وألِفَ القطيعةَ والجفاء، يا مَن اجتَهَد في المنابَذَة، ولجَّ في المبايَنَة، ونأى عن الصِّلَة، ونبَا من المودّةِ، وأظهَر الشناءةَ والمناوَأة، هذا يومُ التّسامح، هذا يومُ التّصافح، هذا يوم التلاحُم، هذا يوم التراحُم، فتصافَحوا يذهبِ الغلّ، وتسامحوا تذهَبِ الشّحناء، وخُذوا بأيدِي بعضِكم، وطهِّروا قلوبكم من الأحقادِ والضغائن، وأقيلوا العَثراتِ، واقبلوا المعذرةَ من الزلاّت، تقاربوا ولا تباعَدوا، تآلفوا ولا تنافَروا، ولا تقاطعوا ولا تدابَروا، ولا تباغضوا ولا تنافَسوا ولا تتحاسَدوا، وكونوا عبادَ الله إخوانًا.
ومتى حصَل بين مسلِمَين عَتبٌ وموجدةٌ، أو نبوَة ومَغضبة، لم يجُز لأحدِهما هجرُ أخيه أكثرَ مِن ثلاث، فعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحلّ لمسلمٍ أن يهجرَ أخاه فوقَ ثلاث ليال، يلتَقيان فيُعرِض هذا ويعرِض، وخيرُهما الذي يبدَأ بالسلام" متفق عليه.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحلّ لمسلم أن يهجرَ أخاه فوقَ ثلاث، فمن هجَر فوقَ ثلاث فماتَ دخل النار" أخرجه أبو داود.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
يا مَن يروم عِزًّا ويبتغي فخرًا، ويرنو رِفعةً وقدرًا، التقوى هي العزُّ الفاخر، والمجد الزاخر، والشرَف الظاهر.
وإن النسبَ وحدَه لا يوجِب كرمًا، ولا يثبِت شرفًا، ولا يقتضي فضلاً، وأيّ فضلٍ لرفيعٍ في الحسَب، وشريفٍ في النسَب، إذا كان هابطًا في أخسِّ الرتَب، وساقطًا في مستنقَع الرّذائل والرِّيَب؟! أصِخِ السمعَ -أيها الجمع- لقول رسول الهدَى: "يا أيّها الناس، ألا إنّ ربَّكم واحد، وأباكم واحِد، ألا لا فضل لعربيّ على عجميّ ولا لعجمي على عربيّ ولا لأحمر على أسود ولا لأسودَ على أحمر إلا بالتقوى، أبلّغتُ؟" قالوا: "بلّغ رسول الله" أخرجه أحمد.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيّها المسلمون: الحياة تجرّ إلى الموت، والغفلةُ تقود إلى الفَوت، والآمال خادِعَة، كالسّراب غَرَّ من رآه، وأخلَف من رَجاه، فاتّقوا الله وانتَهوا إلى ما يقرِّب مِن رحمتِه، وينجي من سخَطه.
أقيموا الصلاةَ فإنها الملّة، وآتوا الزكاةَ فإنها الجُنّة، وحُجّوا فالحجُّ مَنقاة، واصدُقوا فالصّدق مَنجاة، وصِلوا أرحامَكم فالصّلَة منسأةٌ ومثرَاة، ولا تقرَبوا المعاصيَ فالمعصيةُ ذلٌّ ومَهواة.
الغالب بالشر مغلوب، والسالِب حقَّ غيرِه مسلوب، والمحتجِب عن الحقّ محجوب، (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) [البقرة:188]، ومن اقترَضَ قَرضًا فليؤدِّ ولا يماطل، وإيّاكم والكذِبَ! فإنه العَوْرةُ التي لا تُوارَى، والسّوأَة التي لا تُدارَى.
أعينوا المظلومَ والمهضومَ، وأعطوا السائلَ والمحروم، وواسُوا المحزونَ والمكلوم، وقدِّموا بَعضًا يكن لكم قَرضًا، ولا تخلِّفوا كُلاًّ يكون عليكم كَلاًّ، ولا تجمَعوا حرامًا، ولا تنفِقوا إسرافًا، وإن لم تُرزَقوا غِنى فلا تُحرَموا من تُقى، والمرءُ موسومٌ بسيماءِ من قارب، منسوبٌ إليه أفعالُ مَن صاحب، فاحترِزوا من صحبَةِ الأشرار، ومرافقة الفجار، فإنّ صحبتَهم تورِث العارَ والخسَار، "ومَا مِن قوم يُعمَل فيهم بالمعاصِي ثم يقدرون أن يغيِّروا ثم لا يغيروا إلاّ أن يوشِكُ أن يعمَّهم الله منه بعِقابٍ،" و"من رأَى منكم منكَرًا فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع بلسانِه، فإن لم يستطِع فبقلبِه، وذلك أضعف الإيمان".
ومن لم ينفعه الحقُّ يضرّه الباطل، ومَن لا يستقيم به الهدَى يجري به الضّلال، ومن ترك العلمَ عذّبه الجهل، وتذكَّروا أنكم تستقبِلون أهوالاً، سكراتُ الموت بواكِر حِسابها، وعتَبُ أبوابها.
والمرءُ إذا هَلك قال الناس: ما ترَك؟ وقالت الملائكة: ما قدّم؟ فيا مَن رَضِي عن الصّفَا بالأكدار، يا مَن أورد نفسه مشارِعَ البوار، وأسامَها في مسارِح الخسار، وأقامَها في مهواةِ المعاصي والخسار، ودنَّسها بالخزيِ والشنار، وجعلها على شفا جرفٍ هار، بادِر لحظاتِ الأعمار، واحذَر رقَداتِ الأغمار، وتُب ما دمتَ في زمن الإنظَار، واستدرِكْ فائتًا قبل أن لا تُقالَ العِثار، وأقلع عن الذنوبِ والأوزار، وأظهِرِ الندمَ والاستغفار، فـ "إنّ الله يبسط يدَه بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويبسط يدَه بالليل ليتوب مسيء النهار".
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيّها المسلمون: لا عيشَ لمن يضاجِع الخوفَ، ولا حياةَ لمن يبدِّدُه الهلَع، ولا قرارَ لمن يلفّه والفزع، ولا تزال العين عبرَى، والكبِد حرَّى، والنفْس ثكلى، والأقصى الشريفُ أُولى القِبلتَين، وثالثُ المسجدين، ومسرَى سيِّدِ الثّقَلين، يُدنَّس على يدِ عُصبة الضلال، ويهودِ البغي والاحتلال، ولا تزال فلسطينُ المجاهدة الصامدة تصبِح وتمسي تحتَ مرارةِ الفادِحة، وألم الفاجِعة، وصوَرِ المأساة، ومشاهِدِ المعاناة، وصَرَخات الصّغار، وصيحاتِ التعذيب والحصار، ولوعاتِ الثكالى، وآهات اليتامى، والأكفان المتتالية، وتشييعِ الجنائز المحمَّلة، والبيوتاتِ المهدَّمَة، مشاهدُ تتفطَّر الأكبادُ عن وصفِها، وتذوب النفوس عن تصويرها.
وإن ننسَى فلن ننسَى الحقائقَ المرّة، والفظائعَ المستمرّة في العراقِ الجريح، عالَمٌ يرصُف في قيودِ الظلمِ والاستبداد، ويرزَحُ تحت وطأةِ العُدوان والطغيان والاستعباد، ويئِنُّ تحت إرهابِ زُمرة من اللّئام، وحَفنة من محترِفي الإجرام.
أيّها المسلمون: لا تكونوا أغفالاً من حُسن الاعتبار، وصحيح الادِّكار، تلمَّسوا مكامِنَ الداء، وأسباب هذا البلاء، وأصلِحوا المسار، وكونوا مع الواحِدِ القهار؛ يدفعْ عنكم كيدَ الكفّار، ومكرَ الأشرار، ومن يكنِ الله معه فمعَه الجندُ الذي لا يُغلَب، والملك الذي لا يُسلَب، والنصر الذي لا يُحجَب، والعِزّ الذي لا يُرهَب، والقوّة التي لا تَذهَب، وبالعَزَمات الصّحاح يُشرق صباحُ الفلاح، وما حصَلَتِ الأماني بالتّواني، ولا ظفَر بالأمَلِ من استوطَنَ الكسل.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الخطبة الثانية:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، ولله الحمد.
الحمدُ لله الكريمِ الوهّاب، الغفور التوّاب، أجزلَ للطائعين الثّوابَ، وأنذر العاصينَ شديدَ العقاب، (يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) [الشورى:13]، أحمده على نعمَه التي فاضَت على ذرّات التراب، وقطرات السّحَاب.
وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له شهادةً تنجِي من العذاب، وتدخِل قائلَها دارَ السلام بغير حساب، وأشهد أنّ نبيَّنا وسيّدنا محمّدًا عبده ورسوله، أرسله بأسمَحِ دينٍ وأفصَحِ كتاب، فرَض الفرائضَ، وسنَّ السّنَنَ، وبيَّن الآداب، صلّى الله عليه وعلى آلِه وصحبِه خيرِ آلٍ وأكرَمِ أصحاب.
أما بعد: فاتقوا الله عبادَ الله، فإنّ تقواه أفضلُ زادٍ وأحسن عاقبة في معادٍ، (إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) [هود:49].
يا نساءَ المسلمين: إنّ الله رفعكنّ وشرّفكنّ، وأعلى قدرَكنّ ومكانتَكنّ، وحفظ حقوقَكنّ، فاشكرنَ النعمةَ، واذكرن المِنّة، فما ضُرِبَ الحجاب، ولا فرِضَ الجِلباب، ولا شرِعَ النّقاب إلاّ حمايةً لأعراضِكنّ، وصيانةً لنفوسِكنّ، وطهارةً لقلوبكنّ، وعصمةً لكنّ من دواعِي الفتنةِ، وسُبُل التحلّلِ والانحدَارِ، فعليكنّ بالاختِمار والاستِتار، واغضُضن من أبصاركنّ، واحفَظنَ فروجكنّ، واحذَرنَ ما يلفِت الأنظار، ويُغرِي مرضَى القلوبِ والأشرار، واتّقين النار.
فعن أبي هريرةَ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صنفان من أهلِ النار لم أرهما: قومٌ معهم سياطٌ كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساءٌ كاسيات عارِيات، مميلات مائلات، رؤوسُهنّ كأسنِمَة البُختِ المائلة، لا يدخُلنَ الجنّةَ ولا يجِدن ريحها، وإنّ ريحَها لتوجد من مسيرةِ كذا وكذا" أخرجه مسلم.
أيّها الآباء والأولياء: صونوا نساءَكم، واحفَظوا أعراضَكم، وحاذِروا التقصيرَ والتساهل، واجتنِبوا التفريطَ والتشاغل الذي لا تؤمَن لواحِقُه وتوابعه وتواليه وعواقِبه، بيدَ أنّ عاقبتَه بوار، وخاتمتَه خسار، كونوا أُباةَ العار، وحماةَ العرين؛ تعيشوا كرماءَ، وتموتوا أوفياء.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيّها المسلمون: ابتهِجوا بعيدكم، ولا تكدِّروا جمالَه وجلالَه، وصفاءَه وبهاءَه بالمعاصِي والآثام، واللهوِ الحرام، واستقيموا على الطاعة والإحسان بعد رمضان، فما أحسنَ الإحسانَ يتبعُه الإحسان، وما أقبَح العصيانَ بعد الإحسان، و"من صام رمضانَ ثم أتبعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر"، ومن لم يخرِج زكاةَ فِطره فليبادِر إلى إخراجِها فورًا، ومن أتى مِنكم من طريقٍ فليرجِع من طريقٍ آخر إن تيسَّر له ذلك؛ اقتداءً بسنّة رسول الله .
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
بشراكم يا من قُمتم وصُمتم، بُشراكم يا مَن تصدَّقتُم واجتهَدتم وأحسنَتم، هذا يومُ الفرح والسرور، والفوز والحبور، ذهب التّعَب، وزال النصَب، وثبت الأجرُ إن شاء الله تعالى.
تقبَّل الله صومَكم وشهرَكم، وأعاد الله علينا وعليكم هذه الأيّامَ المباركة أعوامًا عديدة، وأزمِنة مديدة، والأمّة الإسلاميّة في عزّة وكرامة، ونصرٍ وتمكين، ورِفعَة وسُؤدَد.
اللهم إنّا خرجنا في هذا المكان نرجو رحمتَك وثوابَك، فتقبّل مساعيَنا وزكِّها، وأعلِ درجاتِنا، اللهمّ آتنا من الآمالِ منتهاها، ومن الخيرات أقصاها، اللهم تقبّل صيامنا وقيامنا، اللهمّ تقبّل دعاءنا يا أرحم الراحمين.
اللهمّ أعزّ الإسلام والمسلمين...