السميع
كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...
العربية
المؤلف | صالح بن عبد الله بن حميد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - صلاة العيدين |
وفي غمرة البهجة والابتهاج والفرح والاستبشار ثمة معيار كبير لا حدود لآثاره في الخير والنفع ونشر البشر والسعادة.. معيار لا حدود لمنافعه المباشرة وغير المباشرة.. معيار ومنهج يزيد من القدرة على التفاعل والتواصل وينمي روح التعاون والعمل الجماعي والمشاعر الإيجابية المشتركة ويجعل المجتمع أكثر تماسكاً، بل أكثر اطمئناناً وثقة بأبنائه، ويكسب مهارات وخبرات ويزيد في كشف المواهب والقدرات..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الله أكبر كبيراَ والحمد لله كثيراَ وسبحان الله بكرةً وأصيلاَ.. الحمد لله الذي هدانا لدين الإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.. الحمد لله والله أكبر ولا إله إلا الله.. تعالى عن الأنداد والأضداد وتنزه عن الصاحبة والأولاد، والله أكبر مقلب القلوب وغفار الذنوب ومفرج الكروب.. والحمد لله بنعمه تتم الصالحات وبتوفيقه تتيسر العبادات وبفضله تسهل الطاعات.
أحمد ربي وأشكره بما هو أهله أجزل النعم وأعظم النوال ومنَّ بالآلاء.. لا مانع لما وهب ولا معطي لما سلب ولا ينفع ذا الجد منه الجد..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنفس الكرب يوم الكروب وتضيء في ظلم الخطوب وتقرب الزلفى لدى علام الغيوب، وأشهد أن سيدنا ونبينا وشفيعنا وإمامنا محمد عبد الله ورسوله بلغ الرسالة وأوضح الدلالة.. أدى الأمانة فيما أوحي إليه وسمعه وخفض جناحه لمن اتبعه.. بشر من والاه وحذر من عداه، صلى الله وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائماً أبداً لا عدَّ لمنتهاه، وعلى آله وأصحابه.. آمنوا بربهم وجاهدوا مع نبيهم.. صدقوا ما عاهدوا الله عليه فطابت حياتهم وحسنت عاقبتهم، والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليماً كثيراً..
الله أكبر .. الله أكبر لا إله إلا الله.. والله أكبر.. الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر ما أشرقت شمس هذا اليوم الأغر.. والله أكبر ما تعاقب العيدان عيد الفطر ويوم الحج الأكبر.
أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -عز وجل- فاتقوا الله -رحمكم الله- فتقوى الله خير زاد ليوم المعاد.. اتقوه فيما أمر واتقوه فيما نهى عنه وزجر، زينوا بواطنكم بالتقوى والإخلاص والتوبة كما زينتم أبدانكم بجميل اللباس والمظهر، وتذكروا باجتماعكم الأكبر يوم العرض الأكبر: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) [الحاقة:18].
جعلني الله وإياكم ممن ذكر فتذكر وغفر لنا ذنوبنا ما تقدم منها وما تأخر؛ فهو الكريم الجواد يقبل التوبة عن عباده ويغفر لمن استغفر.
أيها المسلمون: هذا عيدكم فابتهجوا وافرحوا وتزاوروا وانشروا المحبة والألفة.. وثقوا روابطكم.. تبادلوا التهاني والدعوات بعمرٍ مديد وعملٍ صالحٍ سديد، افرحوا بيوم فطركم كما تفرحون بيوم صومكم.. فرحة القيام بالواجب وامتثال الأمر وفرحة حسن الظن بالله -الكريم المنان- والثقة بحسن جزائه..
للصائم فرحتان: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه..
إنه يوم الجوائز، وهل يُفرح إلا بالجوائز؟ أديتم فرضكم وأطعتم ربكم.. صمتم وقمتم وقرأتم وتصدقتم فهنيئاً لكم..
عيد سعيد يستقبله المسلمون بالتكبير وتجمعهم فيه صلاةٌ جامعة.. يحمدون الله ويسبحونه ويهللونه ويكبرونه، المسلمون في أعيادهم يتصلون بربهم ويتواصلون مع إخوانهم.. أرأيتم أعظم وأجمل من هذا المنهج في الاجتماع والاحتفال الجامع بين صلاح الدين والدنيا؟
الله أكبر ما تنزلت الرحمات من العلي الكبير.. والله أكبر ما سعت الأقدام لزيارة مسجد سيد الأنام محمد -عليه الصلاة والسلام- الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: وفي غمرة البهجة والابتهاج والفرح والاستبشار ثمة معيار كبير لا حدود لآثاره في الخير والنفع ونشر البشر والسعادة.. معيار لا حدود لمنافعه المباشرة وغير المباشرة.. معيار ومنهج يزيد من القدرة على التفاعل والتواصل وينمي روح التعاون والعمل الجماعي والمشاعر الإيجابية المشتركة ويجعل المجتمع أكثر تماسكاً، بل أكثر اطمئناناً وثقة بأبنائه، ويكسب مهارات وخبرات ويزيد في كشف المواهب والقدرات..
مبدأ ومسلك يعزز التكافل الاجتماعي ويوظف الطاقات البشرية ويسهم إسهاماً حقيقياً في البناء والتنمية الاقتصادية والبشرية والاجتماعية.. فضلاً عن آثاره الدينية والتربوية والنفسية العميقة، بل إنه يسهم إسهاماً عظيماً في الحفاظ على الأمن الداخلي والحد من الجريمة والفقر والفساد الأخلاقي، بل إنه مقياس للتقدم والرقي الفكري والإداري والعملي.. تتبارى الأمم في تأسيسه ورعايته وإفساح المجال له ودعم نشاطه.
ما هو ذلك المعيار؟ وما هو ذاك المؤشر وأنتم تعيشون فرحة العيد وبهجته ونشر الخير وتوزيع الابتسام وبسط الأفراح.. ذلكم هو العمل التطوعي والعمل الخيري.. إنه الإسهام الواسع في فعل الخير ونفع العباد وكل ما يخدم الدين والأوطان والناس.
الله أكبر ما تعالت الأصوات بالتكبير، والله أكبر ما تصافح المسلمون وتصافُّوا في هذا اليوم الكبير، والله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا.
معاشر المسلمين الأحبة: والمسلم يعيش بهجة العيد ويحب أن ينشر هذه البهجة؛ فالعمل التطوعي وفعل الخير والمسابقة فيه أوسع سبل المنافسة والمسارعة إلى الخيرات: (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) [الأعلى:14-15] بالعمل التطوعي حين يتمخض الإخلاص فإن النفس تزكو والهمة تعلو..
العمل التطوعي سد حاجات وتخفيف معاناة ومشاركة هموم ليس مقصوراً على الأحداث والنوازل والكوارث والطوارئ، بل يتعدد ويتجدد حسب الحاجات والمستجدات والمتغير..
العمل التطوعي والفعل الخيري يهذب النفس وينزع عنه النظرة السلبية وتقوي عنده الآمال ويتجنب اليأس والإحباط..العمل التطوعي يحد من النزعة المادية وتمتلئ فيه النفس بالرضا وحسن الاتصال بالله - جل وعلا-.
العمل التطوعي في ظل الانقطاع الخيري نظامٌ شاملٌ يعبر عن مسئولية كل فرد في المجتمع تجاه إخوانه في مختلف مناشط الحياة ومجالاتها المادية والمعنوية والنفسية.. إنه صورة من صور التعاطف البشري والتكامل الإنساني..
العمل التطوعي المنظم يسهم في نشر الأمن الاجتماعي، بل إنه يمتدد ليوظف الأمن الفكري ويوحد الأمة في أطيافها.. ذلكم أن الانخراط في العمل التطوعي يبعث في النفس الرضا والانتماء ويسهم في تجاوز كثير من أمراض العصر من الاكتئاب والشعور بالعزلة والضغوط الاجتماعي والنفسية..
وليس من المبالغة القول بأن القطاع الخيري قادرٌ -بإذن الله- على إنهاء الأزمات الساخنة والباردة، بل القطاع الخيري يقوي نفوذ الدولة ويحافظ على حق السيادة والقوة ويعزز الأسس التي تقوم عليها ويحافظ على هويتها واستقرارها السياسي لما يوفره من شراكة شعبية حقيقة، بل إنه من أقوى وسائل الإصلاح، وهو يقي الدول الضغوط السياسية الخارجية، كما أنه ينظم جمع الموارد وصرفها من منح وتبرعات وأوقاف وصدقات وغيرها.
إن القطاع الخيري والعمل التطوعي هو المكمل للتنمية الشاملة وخدماتها.. قوة للدول والحكومات القطاع الخيري غير الربحي يحقق التوازن بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص التجاري ويسدد نقص الخدمات، ويكبح جماح طمع الطامعين وجشع الجشعين، ويدعم ولاء الأفراد للمجتمع والانتماء لأوطانهم ودولهم.
الله أكبر ما تعاونت الجهود، والله أكبر ما صدقت العهود، والله أكبر ما تعاطفت القلوب وتقاربت النفوس، والله أكبر ولله الحمد.
أيها الإخوة المسلمون: ولو تساءل متسائل لماذا يكون للعمل التطوعي هذا الأثر؟ ولماذا بلغ هذه الأهمية؟ فسوف يأتي الجواب: لأن ميادينه واسعة ولا تقع تحت حصر.. إنه يجسد الخير بمفهومه الواسع ومعناه الكبير، والخير سبيل الفلاح: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الحج:77]، ناهيكم -حفظكم الله- أن سعته في ديننا تنتظم النوافل وفروض الكفايات؛ فالمسلم الصالح المحسن يتقلب في أنواع من الطاعات ووجوه الخير وأبوابه مما لا يقع تحت حصر مما نفعه قاصرٌ ونفعه متعد.
التطوع بذل من كل الوجوه: بذل في المال وبذل في الجهد وبذل في الرأي وبذل في الفكر وبذل في العاطفة وبذل في الحياة ووجوهها كافة: (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [التغابن:16].
العمل الخيري يستوعب كل جوانب التطوع والأعمال الشعبية والخيرية والأهلية من: التعليم والتدريب، وإيجاد فرص العمل، ومعالجة الفقر، وبناء المستشفات والمساكن، وطباعة الكتب ونشرها وترجمتها، ومساعدة المحتاجين في المأكل والمشرب والملبس والغذاء والدواء، وخدمات ذوي الاحتياجات الخاصة، وحفاظ المرافق العامة والممتلكات والإسهام في نظافتها وصيانتها، والحفاظ على الثروات الطبيعية، ومناهضة الحروب، ودعم قيم الحرية الحقيقية، وحماية المستهلك، والإسعافات، وهداية ضال الحق وضال الطريق، ناهيكم بالأمور الطارئة من الكوارث والحوادث والزلازل والعواصف والسيول وتقلبات الصيف والشتاء.
ثم ناهيكم بمفهوم (الحسبة والاحتساب).. هذا المصطلح الجميل العجيب الفريد الذي يبعث في نفوس أهل الإسلام المبادرات الفردية والجماعية لإيجاد آلياتٍ ووسائل ونظمٍ محدثةٍ تناسب الواقع والمستجدات والمتغيرات في تعدد وشمول منقطع النظير.. نشاط ومناشط تحفظ الثواتب وتبقي على مكانة القيم وتعالج أسباب الخلل في المجتمع والدولة والأفراد.
الله أكبر ما عنت الوجوه للحي القيوم، والله أكبر والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين، والله أكبر ما ندم المقصرون على ما فات من الخير المطلوب والعمل الصالح المرغوب، والله أكبر.. الله أكبر ولله الحمد.
معاشر الإخوة: عمل الخير والتطوع في ديننا أظهر من أن تحشد الأدلة من أجل إثباته والدليل عليه، ويكفي أن يلحظ الملاحظ أن حضارتنا الإسلامية التي أشادها ديننا قامت بسواعد جمهور المسلمين..
(العمل الشعبي) بلغة العصر حضارة باعثها ومبانيها الإيمان والبر والتقوى وابتغاء رضوان الله وفضله ونفع الناس.
ومع هذا فتأملوا هذه العقود الدرية من آيات الذكر الحكيم ومن مشكاة النبوة المحمدية في سعة هذا العمل وفضله والحث عليه والمنافسة فيه.. قال - عز شأنه -: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) [الزلزلة:7]..
ويقول عز شأنه: ( ... وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النحل:77]، ويقول سبحانه (...فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً...) [المائدة:48]، ويقول سبحانه: (...وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ..) [الأنبياء:73]، وقال سبحانه: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) [المائدة:3]، وقال عز شأنه: (وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ..) [البقرة:110]، ويقول -عز شأنه-: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً) [الإنسان: 8- 9]..
ويقول -عز قائلٌا-: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر:9].
ومن مشكاة النبوية يقول -عليه الصلاة والسلام-: "من مشى في حاجة أخيه كان خيرًا من اعتكافه عشر سنين"، ويقول -عليه الصلاة والسلام-: "من نفّس عن مسلمٍ كربةٍ من كُرَب الدنيا نفّس الله عنه كربةً من كُرَب يوم القيامة، ومن يعسّر على معْسِرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ".. "والساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سيبل الله أو كالقائم الليل والصائم النهار".. "كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة وتعين الرجل على دابته فتحمله عليها أو ترفع عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وأمرٌ بالمعروف صدقة، وبكل خطوةٍ تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة"..
ورأى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلًا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين.. كل هذه أحاديث صحيحة مخرّجة في الصحيحين وغيرهما.
وبعد: عباد الله: ومع وضوح ذلك وجلائه فلا بد من إيجاد خطة في كل دولة للعمل الخيري والتطوعي تنظم العمل وترتب العلاقة بين القطاعات جميعها عامها وخاصها وخيريها..
لا بد أن يدار العمل الخيري بفكرٍ علميٍّ وفقهٍ إداري مع المراقبة والضبط والمتابعة والمحاسبة، ثم لا يُنكر دور الإعلام في نشر ثقافة التطوع والوعي الخيري واعتماد الخيرية والوضوح والإقناع.
ثم أما بعد: فإن أي جهد يبذل للنفع العام مع الإخلاص هو في سبيل الله.. وفي المقابل فإن الوقوف ضد ذلك هو من الصدِّ عن سبيل الله، واقرأوا إن شئتم.. بسم الله الرحمن الرحيم: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) [سورة الماعون].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-..
وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم..
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.. والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الخطبة الثانية:
الحمد لله.. الحمد لله خلق الأرض والسموات، والله أكبر أحسن تدبير الكائنات، والحمد لله قدّر الأرزاق والأقوات، والله أكبر أنزل الماء من المعصرات..
والحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى.. أحمده -سبحانه- وأشكره على جزيل العطايا والهبات..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. له الأسماء الحسنى والصفات، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله.. بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة حتى ارتفعت به الملة الأعلام والرايات، صلى الله وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه.. حققوا في دين الله أعلى وأغلى المكتسبات والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.. والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر كبيرا.. والحمد لله كثيراً.. وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
أما بعد: فبارك الله لكم في أعيادكم، ودامت مسراتكم، وتقبل الله طاعتكم، وزادكم إحساناً وتوفيقاً، وأعانكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.
أيها المسلمون: الغفلة عن الأهمية العظيمة للعمل التطوعي والعمل الخيري ينتج آثارًا سلبيةً عظيمة.. ليس في نقص الحاجات الأساسية للمحتاجين؛ من غذاءٍ ودواءٍ وتعليمٍ وإيواءٍ وعيشٍ كريمٍ فقط، بل حرمانٌ للناس -ولاسيما الشباب القادرون- من إشباع رغباتهم وتطلعهم للمثل العليا والبذل والجد والنفع والإيجابية الحقة..
الأسى والمأساة أن ترى فتياناً وفتيات في صورٍ مؤلمةٍ محزنةٍ مخزيةٍ موجعةٍ في الشوارع والساحات والأسواق والبيوت.. يمضون الفراغ ويقتلون الأوقات وينحرون الأيام والساعات ويعيشون حياةً هامشيةً رخوةً هشة.. لا يحملون هموماً ولا يتطلعون لمستقبل ولا يشعرون بمسئولية..
وهذا مؤشرٌ خطيرٌ يقود إلى انزلاقاتٍ مسلكية وانحرافاتٍ فكرية..
وفي ختام هذا الموضوع العظيم فإن ما يقف أمامهم من معوقاتٍ هو هذه الهجمة الشرسة الظالمة التي يواجهها بأفراده ومؤسساته وهيئاته وجمعياته وتجفيف المنابع والتضييق عليه وتجميد أرصدته من أعداء خارج الأمة بدافع محاربة الإرهاب..
يزيد من ذلك نقص الثقافة في أهمية هذا العمل المجيد، والضعف في الدعم والنقص في التأهيل، وضعف التعاون بين المؤسسات والهيئات الخيرية..
وفي كل ذلك يجب الوقوف الحازم أمام حملات التشويه التي تستهدف هذا العمل المبرور لمصلحة المسلمين عاملين ومعمول من أجلهم.. الوقوف والوقف أمام سلطان التضليل وتشويه الحقائق..
يجب المجاهدة حتى لا تسود الأوهام وتتداخل المصطلحات وتلتبس المفاهيم؛ مما يحتم على طلاب الحق ودعاته والساسة والمفكرين والكتاب والمثقفين ليراعوا الحقيقة والتصدي لهذا اللَّبْس وغمْط الحق.
ويعظم الأسى وتشتد المأساة حين ترى آثار هذا اللبس قد انعكس على فئات من شبابنا الأغرار وصغار الأحلام وأهل الضحالة في العلم والفكر من الذين وقعوا في شباك الأجهزة الإقليمية والدولية والتعامل بالسياسة حين يدعون تحت هذه المصطلحات الملتبسة والتزييفات المنحرفة دون رؤية أو هوية ليكونوا أبواقاً للتكفير ووقوداً للتبشير..
أرأيتم كيف انحرفوا وانجرفوا في شتاتات المخططات والتخبطات؟! وقعوا وانزلقوا بسبب هذا التضليل.. ارتموا وتحالفوا بسبب الجهل والسذاجة..
ألم يدركوا أن غاية ما يسعون إليه هو نشر الفوضى وإثارة الفتن وبلبلة الفكر.. ومن ثم تسليم ديار الإسلام إلى خصوم الأمة وأعدائها؟
تحولوا في انحرافٍ خطير وانجرافٍ مدمر ليستهدفوا أهليهم ويقتلوا إخوانهم وآباءهم وقياداتهم.. يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي أعدائهم.
الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا..
ألا فاتقوا الله -رحمكم الله- واهنأوا بعيدكم وأصلحوا ذات بينكم: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [الأنفال:1].
التهنئة الصادقة والابتهاج الحق لمن قُبِل الله صيامه وقيامه وحسُنتْ نيته وصلُح عمله.. تهنئةً وبهجةً لمن حسُن خلقه وطابت سريرته..
هنيئاً للموسر يجعل البهجة على شفة محتاج، ومحسنٍ يعطف على أرملةٍ ومسكينٍ ويتيمٍ وصحيح.. يزور مريضاً وقريبٍ يصل قريباً..
العيد عيد من عفا عمن زلَّ وهفا وأحسن لمن أساء.. العيد عيد من حفظ النفس وكفَّها عن نوازع الهوى.. يلبس الجديد ويشكر الحميد المجيد في فرحٍ لا يُنسي وبهجةٍ لا تُطغي..
لا يسعد بالعيد من عقّ والديه وحُرم الرضا في هذا اليوم المبارك السعيد.. في هذا اليوم المبارك السعيد، ولا يسعد بالعيد من يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله.. وليس العيد لخائنٍ غشّاش يسعى بالفساد بين الأنام.. كيف يفرح بالعيد من أضاع أمواله في ملاهٍ محرمة وفسوق وفجور ؟ ليس له من العيد إلا مظاهره وليس له من الحظ إلا عواقبه.
الله أكبر لا إله إلا الله.. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
ثم اعلموا -رحمكم الله- أن من أعمال هذا اليوم زكاة الفطر؛ فأخرجوها طيبةً بها نفوسكم..
مقدارها صاعٌ من طعامٍ من غالب قوت البلد -كالأرز والتمر- عن كل مسلم، ووقت إخراجها الفاضل يوم العيد قبل الصلاة..
ومن مظاهر الإحسان بعد رمضان استدامة العبد على نهج الطاعة والاستقامة وإتباع الحسنة بالحسنة، وقد ندبكم نبيكم محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- بأن تُتْبِعُوا رمضان بستٍ من شوال.. فمن فعل فكأنما صام الدهر كله..
تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وسائر الطاعات والأعمال الصالحات.
ثم صلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة نبيكم محمدٍ -رسول الله- فقد أمركم بذلك ربكم.. فقال - عز قائلًا عليماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدك ورسولك نبيك محمدٍ وعلى آله وصحبه وذريته، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأربعة -أبي بكر وعمر وعثمان وعلي- وعن سائر الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وعنا معهم بعطفك وجودك وإحسانك ياأكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، وانصر عبادك المؤمنين، واخذل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الملة والدين.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وعبادك الصالحين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين.
اللهم أيِّدْ بالحق والتوفيق والتسديد إمامنا وولي أمرنا، ووفقه لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وارزقه البطانة الصالحة، وأعز به دينك وأعلِ به كلمتك، واجعله نصرةً للإسلام والمسلمين، واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى يارب العالمين، اللهم وفقه ونائبيه وإخوانه وأعوانه للحق والهدى وكل ما فيه صلاح العباد والبلاد.
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- واجعلهم رحمةً لعبادك المؤمنين، واجمع كلمتهم على الحق والهدى يارب العالمين.
اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رشدٍ.. يُعَزّ فيه أهل الطاعة ويُهدَى فيه أهل المعصية ويُؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر إنك على كل شيء قدير.
اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك لإعلاء كلمتك وإعزاز دينك، اللهم انصرهم في فلسطين وفي كل مكان يارب العالمين.
اللهم عليك بالصهاينة المحتلين فإنهم لا يعجزونك، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم.
اللهم من أرادنا وأراد ديننا وديارنا وأمتنا وأمننا بسوء.. اللهم فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميره يارب العالمين.
اللهم احفظنا من شر الأشرار وكيد الفجار وشر طوارق الليل والنهار.
اللهم يا ذا الجود والمن احفظ علينا هذا الأمن وسدد قيادته، وقوِّ رجاله وخذ بأيديهم وشد من أزرهم وقوٍ عزائمهم، وزدهم إحساناً وتوفيقاً وتأييداً وتسديداً، اللهم واشف مرضاهم وارحم شهداءهم واحفظ أسرهم وذرياتهم يارب العالمين.
اللهم ارفع عنا الغلا. اللهم ارفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا وعن سائر بلاد المسلمين.
اللهم أغثنا. اللهم أغثنا. اللهم أغثنا، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً.. فأرسل السماء علينا مدراراً، واجعل ما أنزلته قوةً لنا على طاعتك وبلاغاً إلى حين.
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف:23].
(وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.