لقد أدى انتشار وسائل الإثارة والإغراء وغياب التوجيه وقلة ما ينمي الإيمان ويقويه، أدى ذلك كله إلى انتشار الفساد الخلقي في مجتمعات المسلمين. وبما أن مرحلة الشباب تمثل بداية البلوغ الجنسي، ويصاحبها ضعف القدرة على ضبط النفس والتحكم بغرائزها صار الشباب من أكثر فئات المجتمع وقوعاً في الانحرافات الأخلاقية. وفي هذه المقالة ذكر لبعض مخاطر الفساد الخلقي في الأوساط التربوية، مع بيان كيفية التخلص من المشكلات الأخلاقية.
التفاصيل
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين: وبعد لقد أدى انتشار وسائل الإثارة والإغراء وغياب التوجيه وقلة ما ينمي الإيمان ويقويه، أدى ذلك كله إلى انتشار الفساد الخلقي في مجتمعات المسلمين. وبما أن مرحلة الشباب تمثل بداية البلوغ الجنسي، ويصاحبها ضعف القدرة على ضبط النفس والتحكم بغرائزها صار الشباب من أكثر فئات المجتمع وقوعاً في الانحرافات الأخلاقية. والدعاة إلى الله والمصلحون من المربين يتعاملون مع فئات غير معزولة عن المجتمع تتأثر بما فيه، ويصيبها ما يصيبه، ومن هنا بدأت المحاضن التربوية تعاني من المشكلات الأخلاقية وتنوعت صورها ونماذجها. وهذا يدعو إلى الاعتناء بهذه المشكلة الخطيرة. ** مخاطر الفساد الخلقي في الأوساط التربوية: تتمثل أبرز المخاطر التي يمكن أن تنتج عن الفساد الخلقي في صفوف شباب المحاضن التربوية والدعوية فيما يأتي:- 1- إنها تقود إلى الوقوع في الفواحش والكبائر فالصغائر تقود إلى الاستهانة بالمعصية، ثم الكبيرة وكلما وقع في معصية تهاون بما هو دونها. 2- أنها من أكثر أسباب الانحراف بعد الهدى والحور بعد الكور؛ فغير قليل هم أولئك الذين تركوا طريق الصلاح والتقوى استجابة لهذه الغريزة والشهوة. 3- أنها مدعاة لقسوة القلب والبعد عن الله تعالى، وهذا بدوره يؤدي إلى آثار أخرى في سلوك الشاب وطاعته ودعوته. 4- أنها تجعل الشاب يعيش دوامة من المشكلات، فكثير من الشباب الذين لديهم إيمان وتقوى أشغلهم وقوعهم في هذه الشهوات فصاروا يفكرون في الخلاص منها، فانصرفوا عن سائر مصالحهم الدينية والدنيوية. 5- أنها سبب لغياب التوفيق والنجاح في المسيرة الدعوية، فالمعصية تحرم العبد توفيق الله وعونه، وتحول بينه وبين نصره سبحانه وتعالى. 6- أنها تعطي قدوة سيئة وصورة سلبية لهذه المحاضن التربوية، ولا عجب أن نرى من الشباب من يبتعد عنها وينفر منها نتيجة بعض ما يراه من مخالفات. كما أن هناك من يجعل من وقوعها وسيلة للطعن في هذه الأعمال والقائمين عليها. ومهما رأينا من مشكلات فهي تبقى محدودة وخطورتها في عظم شأنها أكثر من انتشارها، ولا يسوغ أن يدفعنا شعورنا بخطر المشكلة إلى المبالغة في الحديث عن حجمها، كما أن مطالبتنا بإعطائها حجمها الطبيعي لا ينبغي أن يدفعنا إلى التهوين من خطورتها. وكثير من صور الخلل والانحراف التي تحدث هي نتاج عوامل خارجية، فالشباب جزء من المجتمع لا يستطيعون الانفكاك عنه ولا التخلص من تأثيره. ** كيف نتخلص من المشكلات الأخلاقية: يتمثل العمل في مواجهة هذه المشكلات في مسارين: ** المسار الأول: الوقاية: وذلك بحماية الأشخاص والبيئة التربوية من الوقوع فيها، وتتمثل أبرز وسائل الوقاية فيما يلي: 1/ تربية الإيمان والتقوى: الإيمان هو الذي يحول بين الشخص وبين الوقوع فيما حرم الله تعالى، قال - صلى الله عليه وسلم -:"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" والإيمان والتقوى له أثره في كف النفس عن الوقوع في الحرام ابتداءاً: ( وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ* هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ* مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ). [ق: 31- 33]. وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: "رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله عز وجل". كما أن له أثره في الإفاقة بعد الكبوة والتوبة بعد المعصية (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ). [الأعراف: 201]. والإيمان والتقوى المقصود هو ما يستقر في القلب ويترك أثره على صاحبه، وليس المقصود به هو طول السجود والركوع وكثرة التنفل، أو البكاء والنحيب عند سماع آيات الوعيد. 2/ التربية على الورع والبعد عن مواطن الفتنة: تتسم هذه الشهوة بقوة تأثيرها على الشاب، وعظم ضغطها عليه، ومن ثم فهو بحاجة إلى حاجز يحميه، إلى حاجز بين الحلال والحرام يقيه الوقوع في الحرام. والذين يتورعون عن الشبهات ويبتعدون عن الحمى هم أكثر الناس تورعاً عن الحرام المحض وبعداً عنه. 3/ سد الذرائع وإغلاق باب الفتنة: من يتأمل في أحكام الشريعة يجد أنه ما من حكم بعد الشرك اعتنت الشريعة بسد ذرائعه مثل الفاحشة، ومن يقرأ سورة النور يجد مصداق ذلك واضحاً. ومن ثم فلابد من الاعتناء بهذا الجانب بتربية الشباب عليه، والبعد بالمحاضن التربوية عن الوقوع في الذرائع التي يمكن أن تقود إلى الفواحش ومقدماتها. ومن ذلك ما يتعلق بصحبة المردان بالبعد عن الخلوة بهم أو طول معاشرتهم أو سفر الشخص لوحده معهم. ومن ذلك ضبط ما يجري من المزاح بين الشباب وخاصة ما يكون بالأبدان كالمصارعة والسباحة. ومن ذلك الاعتناء بالتوجيه النبوي القائل: "وفرقوا بينهم في المضاجع". أثناء النوم. 4/ الاعتدال بين الثقة وسد الذرائع: أمرت الشريعة بسد الذرائع والبعد عن أبواب المعصية، لكنها في ذلك أمرت بحسن الظن ونهت عن الغيرة في غير ريبة، قال - صلى الله عليه وسلم -: "غيرتان يحبهما الله ورسوله...". ومن ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يطرق الرجل أهله ليلاً يتخونهم أو يلتمس عثراتهم. [رواه مسلم]. فلا ينبغي أن يؤدي حرص المربي على سد الذرائع إلى غياب الثقة وإلى الشك والاتهام. كما لا يسوغ التهاون بسد الذرائع بحجة الثقة والبعد عن اتهام الناس. 5/ الاعتناء بتقوية الإرادة: كثير من الذين يقعون في المعصية يدركون قبحها وشناعتها،لكنهم يقعون فيها نتيجة ضعف إيمان، أو نتيجة فشلهم في منع أنفسهم عنها. ومن ثم فالشاب بحاجة إلى أن تغرس لديه قوة الإرادة والعزيمة حتى يستطيع السيطرة على نفسه وضبط تصرفاته. 6/ غرس الاهتمامات الجادة: إن غرس الاهتمامات الجادة لدى الشاب أثره في إشغال تفكيره بها، وفي إشغال وقته ونشاطه، فهو حين يجد وقت فراغ سيصرفه هذه الأنشطة وهي تستهوي نفسه وتفرغ طاقته، كما أنها تعلي همته وتسمو بها. وهي أيضاً تجعله يميل مجالسة من يشاركونه هذه الاهتمامات. والعكس حين تسيطر عليه الاهتمامات التافهة وينشغل بها. 7/ إشغال الفراغ: الفراغ يدعو الشاب إلى التفكير في الشهوة، ويدعوه إلى التطلع والفضول في مواقع الإنترنت أو القنوات أو المجلات أو الذهاب إلى السواق والأماكن العامة ا لتي تنتشر فيها المنكرات لذا كان إشغال وقت فراغه يسهم في حمايته من الوقوع في الشهوة المحرمة. ومن أهم ما يعين على ذلك تعويده على الأنشطة التي يقضي فيها الفراغ ومن أبرزها القراءة والإطلاع، وكذا تكوين الاهتمامات الجادة لديه. ** المسار الثاني: العلاج بعد الوقوع في المشكلة: حين يقع أحد الشباب في مشكلة خلقية لابد من الاعتناء بعلاجها ومواجهة آثارها، ومما ينبغي مراعاته في العلاج ما يأتي: 1/ المبادرة: تزداد هذه المشكلات تعقيداً مع مرور الوقت، ومن ثم فالمبادرة في علاجه ضرورية حتى لا تطول وتستفحل، فطولها يؤدي إلى تأصيلها لدى الشخص، وضعف استقباحه لها وشعوره بالإحباط في الخلاص منها، كما أن ذلك يؤدي إلى اتساع دائرة انتشارها بين أفراد المجموعة. 2/ التأني والتروي: ومع المبادرة لابد من التأني والتروي في التعامل معها، والتأني المطلوب ليس هو الذي يضيع الوقت ويؤخره، إنما يحسب الحساب لكل خطوة ولا يستعجل النتائج. إن اكتشاف المربي للمشكلة كثيرا ما يولد لديه صدمة، وقد تؤدي هذه الصدمة إلى فقدان التوازن في التعامل مع الموضوع، فتأخذ العاطفة أكثر من حجمها الطبيعي. وقد يتخذ قرارات متسرعة استجابة للضغط النفسي الذي تولد لديه. إن حالة الاضطراب والقلق تؤثر على تفكير الإنسان وتعوقه عن الوصول إلى ما يمكن أن يصل إليه في حال الاستقرار والاطمئنان. ولهذا نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أن يقضي القاضي وهو غضبان..) وقد نهى أهل العلم أن الحكمة في ذلك هي تشويش الذهن الذي يعوقه عن الوصول للحق. 3/ التفريق بين أنواع المشكلات: لا يسوغ أن تدرج المشكلات الأخلاقية في إطار واحد،بل ينبغي أن يتعامل مع كل حالة بما يتناسب معها، ومن الأمور التي تختلف المشكلات على أساسها: أ- تأصل المشكلة لدى الشاب وتأريخها، فالمشكلة المتأصلة التي لها جذور طويلة ليست كالمشكلة الطارئة، فالأولى تحتاج جهداً أكبر ووقتاً أطول في علاجها. ب- نوع الخطأ الذي يحصل،فالاحتكاك على سبيل المثال في مناسبة معينة ليس مثل الجرأة على المراودة، والشرع لم يجعل المعاصي باباً واحداً فمنها ما هو صغائر ومها ماهو كبائر، والكبائر درجات متفاوتة. ت- الحياء والجرأة لها اعتبار وأثر، ففرق بين من يتجرأ على الحديث وإبداء الرغبة مع الآخرين، وبين من تبدو منه هفوات يستنبطها الآخرون منه استنباطاً. ث- القصد والمصادقة؛ ففرق بين من يثيره موقف فيقع في الزلة،وبين من يخطط ويرتب الأمور. ج- الانتشار والمحدودية؛ فما ينتشر في المجموعة ويتداول بينها يحتاج إلى حزم أكثر مما يصير بين اثنين من أفرادها. 4/ التدرج في المعالجة: يحتاج المربي في التعامل مع هذه المشكلات إلى التدرج في الخطوات. * الخطوة الأولى: العلاج غير المباشر، وهو الذي يعنى بالتركيز على تقوية الإيمان والتقوى في نفس الشاب، دون التصريح أو التلميح بالمشكلة، ولاشك أن الإيمان سيدعوه إلى مفارقة المشكلة والتوبة والإقلاع، ومتى ما أمكن هذا الأسلوب فلا يعدل عنه إلى ما بعده فهو أنجع في العلاج، وأقل في العواقب. * الخطوة الثانية: الحديث والتوجيه العام للمجموعة من خلال الحديث عن شؤم المعاصي وأثرها، أو عن الفواحش ومخاطرها، ولابد من التركيز على استثارة الإيمان والتأثر القلبي ههنا. * الخطوة الثالثة: التصريح والمناصحة المباشرة للمعني، وهذا ينبغي أن لا يلجا إليه إلا حين لا يجدي غيره فقد يترتب عليه اضطرار الشخص لترك الصالحين، وهذا يقوده إلى ما هو أكبر، أو يترتب عليه العيش بنفسية متوترة بينه وبين المربي فسوف يفسر كل ما يسمعه فيما بعد من مربيه على انه يقصده، والمربي سيتعامل معه بحساسية خشية تفسير قصده. والغالبة أن الشاب لا ينسى ذلك ولو طال الوقت وكثيراً ما يفترض أنه إلى الآن محل تهمة. لكن حين لا ينفع سواه فهو أولى من ترك الشاب يستمرئ طريق الفساد والمعصية. وحين يناصح فلابد من التوازن بين المبالغة في تعظيم الذنب التي تؤدي إلى اليأس، أو المبالغة في الرجاء الذي يؤدي إلى الاستهانة بالذنب واحتقاره. * الخطوة الرابعة: حين لا تنفع هذه الحلول مع الشاب ويظل مستمرا ًعلى ما هو عليه فينبغي إبعاده خاصة إذا كان ضرره متعدياً. 5/ مراعاة الضوابط الشرعية: نظراً لخطورة الفاحشة وما يتعلق بها فقد أحاطها الشرع بسياج منيع،يحول دون انتشارها في المجتمع ورواجها فيه، لذا كان الحد فيها لا يثبت إلا بأربعة شهود بخلاف سائر الحدود. ومن ثم فعلى المربين مراعاة الضوابط في التعامل مع مثل هذه الظواهر ومن ذلك: أ- ترك التوسع في متابعة تفاصيل الموضوعات والتعامل مع ما يظهر ويبدو منها إلا ما يترتب عليه مصلحة راجحة. ومن الممارسات الشائعة سعي المربي لاستنطاق الشاب بصورة أو أخرى ليحدثه عما يقع فيه من معاصٍ، ومن ذلك العادة السرية على سبيل المثال، وهذا خلاف المنهج الشرعي والتربية النبوية: (يراجع مقال افتقار العمل التربوي للضوابط الشرعية). ب- الستر على الشاب الذي يقع في المعصية،فقد جاءت الشريعة بالستر على المسلم،ومن الملاحظ تساهل بعض المربين بالحديث عن تفاصيل ما يحدث من الشباب فيما بينهم، والأولى البعد عن ذلك، وقصر الحديث على موضوع الحاجة، ومن تاب من الشباب وأقلع فلا يجوز أن يفضح وتكشف سريرته. وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.