القريب
كلمة (قريب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فاعل) من القرب، وهو خلاف...
العربية
المؤلف | علي عبد الرحمن الحذيفي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان |
والروافضُ الشيعةُ في عهد خادمِ الحرمين الشريفين -حفظه الله-، وفي عهود من قبلَه من مُلوكِ هذه الدولة مُتمتِّعون بحقوق المُواطَنة، وقد نالُوا من هذه الدولة خيراتٍ لا تُعدُّ ولا تُحصَى، وشاهدُ الحال يُصدِّقُ ذلك بالنظرِ إلى حالهم قبل هذه الدولة. وننتظرُ من مُنظَّمة المؤتمَر الإسلامي أن تقول كلمةَ الحق في المُمارَسات المُنافِيَة للإسلام، ولا بُدَّ أن تُحذِّرَ هذه المُنظَّمة الدُّولَ الأعضاء من التدخُّلات السافرة من بعض أعضائها على سِيادَة الدول الأعضاء، ومملكةُ البحرين لا تزالُ أحداثُها ماثِلة، ولا يزالُ حُكَّامُها يُعانُون من التدخُّل في شُؤونِها ..
الحمد لله العليمِ بذات الصدور، يُعِزُّ من يشاءُ بطاعته، ويخذُلُ من يشاءُ بمعصيته، فمن أطاعَ ربَّه فهو المنصُور، ومن أعرضَ عن كتابِ الله فهو المقهورُ المبتُور، أحمد ربِّي وأشكُرُه، وأتوبُ إليه وأستغفِرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيزُ الغفور، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله المبعوثُ بالهُدى والنور، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه السابقين إلى عملٍ مبرُور.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعُوه، واحذَروا غضبَه فلا تعصُوه.
عباد الله: اذكُروا نعمَ الله -تبارك وتعالى- عليكم، واشكُروه على ما منَّ به عليكم من النعَمِ التي لا تُعدُّ ولا تُحصَى.
ألا وإن من أعظم النِّعَم: نعمةَ العقل الذي يُميِّزُ به الإنسانُ بين الحق والباطل، وبين الخير والشرِّ، ويُميِّزُ بهذا العقل بين النافعِ والضار.
العقلُ غريزةٌ ونورٌ وقوة، أودَعَه اللهُ بدنَ الإنسان يُدرِكُ به الصلاحَ من الفساد، ويُدرِكُ به المعلومات الصحيحةَ النافعة والمعلومات الخاطئة، ويُفرِّقُ به بين الذَّوَات، ويُناطُ به التكليفُ الذي يترتَّبُ عليه الثوابُ والعِقاب.
والعقلُ مقرُّه القلب كما دلَّ على ذلك الكتابُ والسنة، قال الله تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا) [الحج: 46]، وقال تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا) [الأعراف: 179]، وقال تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ) [ق: 37]. قال المُفسِّرون: "لمن كان له عقلٌ".
وعن أبي شُريحٍ الخُزاعِيّ -رضي الله عنه- قال: "حدَّثنا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- حديثًا سمِعَته أُذنَايَ ووعَاهُ قلبي". رواه البخاري ومسلم.
وعن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا وإن في الجسَد مُضغَة إذا صلُحَت صلُحَ الجسدُ كلُّه، وإذا فسَدَت فسَدَ الجسَدُ كلُّه، ألا وهي القلبُ". رواه الشيخان.
والعقلُ وإن كان مقرُّه القلب فله تعلُّقٌ وارتباطٌ بالدماغ وثيقٌ يتصرَّفُ فيه.
ومن مدارك الإنسان وأسبابِ معرفته وعلمِه: السمعُ والبصر والعقل؛ قال الله تعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل: 78]، وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ) [المؤمنون: 78].
وما من أحدٍ ركَّبَ الله فيه العقل إلا وهو يُدرِكُ الحقَّ والباطِلَ إذا بُيِّنا له، إذا سلم من المُؤثِرات والصوارِف، وفي الحديث: عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كلُّ مولودٍ يُولَد على الفِطرةِ، فأبَواه يُهوِّدانه أو يُنصِّرانه أو يُمجِّسانه". وفي الحديث القُدسي: "قال الله تعالى:" خلقتُ عبادي حُنفاءَ، فجاءَتهم الشياطين فاجتالَتهم".
وما دعا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أحدًا وبيَّن له دينَ الإسلام إلا استجابَ له وانقادَ بحبٍّ ورغبةٍ وانشِراحِ صدرٍ، وعلِمَ بقلبِه أنه الحق، ومن لم يستجِب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعرضَ عن بيِّنةٍ وعنادٍ واستِكبار، أو أعرضَ عن تقليدٍ للكُبَراء وتمسَّك بموروثاتِ العادات الضالَّة، قال الله تعالى: (فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) [الأنعام: 33]، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ) [محمد: 25]، وقال تعالى: (وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا) [الإسراء: 46]، وقال تعالى عن المُقلِّدين: (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ) [الصافات: 69، 70]، وقال تعالى: (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا) [الأحزاب: 66- 68].
وكذلك حالُ المُكلَّفين والمدعُوِّين إلى كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فالمُستجيبُ فاز بخيرَي الدنيا والآخرة، والمُعرِض أعرضَ عن بيِّنةٍ وعنادٍ وكِبرٍ، أو أعرضَ تقليدًا لشياطين الإنس والجن، فخابَ المُعرِض وخسِر الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: (لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) [الرعد: 18].
فالذي لم ينتفِع بعقله في معرفة الحق والعمل به، ومعرفة الباطلِ واجتنابِه، والعلمِ بالخيرِ والمُسارعةِ إليه، والعلم بالشرِّ وبُغضِه والابتِعادِ عنه، فهو من الخاسِرين، لا فرقَ بين أن يكون تابِعًا أو متبوعًا، أو مُقلِّدًا أو مُقلَّدًا؛ فمن عطَّلَ عقلَه عما خلقَه الله له شقِيَ في الدنيا وخَزِيَ في نار جهنم، ولا ينفعه ما تمتَّع به في الدنيا، وسيندَم في يومٍ لا ينفعُ فيه الندَمُ والحَسرة إذا لقِيَ مصيرَه الأبدِيّ، قال الله تعالى: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ) [الملك: 10، 11].
وقد جعل أعداءُ الحق بين عقول الناس وبين الكتاب والسنة سُدودًا وموانع لئلا يهتدِيَ الناسُ بالكتاب والسنة، ومهما صدُّوا عن سبيل الله فالله غالبٌ على أمره، ومهما أقاموا من الموانع عن الحق وزيَّنوا عن الباطل فحُجَّةُ الله قائمة، ولا يهلِكُ على الله إلا هالكٌ.
أيها الناس: ألا وإن مما يتَّصِلُ بما نحنُ فيه من الانتفاعِ بالعقل وتحكيمه بتجرُّدٍ في الأمور: ما وقعَ في هذا الأسبوع من فتنةٍ في قريةٍ من قُرى شرق المملكة، قام بها شبابٌ مُغرَّرٌ بهم، استخدَموا في هذه الفتنة درَّاجاتٍ ناريَّة وقنابل، وقاموا بإثارة شغَبٍ وفوضى روَّعَت المواطنين الذين في تلك القرية.
فقام رجالُ الأمن المُجاهِدون في سبيل الله، المُرابِطون لنُصرة الإسلام، المُتصدُّون لفتنةِ كلٍِّ مُجرمٍ مُفسِدٍ يُريدُ أن ينشرَ الفوضَى ويمسَّ أمنَ المُواطنين والمُقيمين، قاموا بإطفاءِ تلك الفتنةِ الخاسِرة الخائِبة، وأُصيبَ بعضُ رجال الأمن، شفاهم الله من جِراحهم، وأثابَهم الله أحسنَ الثواب على صدِّهم الباطِل، ودحرِهم للمُفسِدين.
وإننا إذ نستنكِرُ هذا العملَ المُفسِد وهذا الإجرامَ الشنيعَ، نعلمُ أن هؤلاء الرِّعاع والغَوغاء لو حكَّموا عقولَهم، وفكَّروا في قُبحِ وشناعة الفوضى والتخريب، وفكَّروا بعقولٍ مُتجرِّدةٍ من الهَوى في عواقبِ الأمور لما ارتكَبُوا هذه الجرائم، ولا سيَّما ونحن على أبواب الحج وفي الشهر الحرام، واستنكارُ كُبرائهم هذا العملَ الإجراميّ في محلِّه، ولكن لا بُدَّ أن يكون مع القولِ أعمالٌ تُصدِّقُه، ونوايا حسنة، وعلامةُ ذلك: أن لا يتكرَّرَ هذا الشغَبُ والفَوضَى.
وإلا فما أشبَه الحال بما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- في فتح مكة، قال: فنظرَ إليَّ رسولُ الله فرآنِي، فقال: "أبو هريرة!". قلتُ: لبَّيك يا رسول الله، قال: "اهتِف، ولا يأتيني إلا أنصاري"، فأطافُوا به، ووبَّشَت قريش من أوباشٍ لها وأتباع، فقالوا: نُقدِّم هؤلاء، فإن كان لهم شيءٌ كنا معهم، وإن أُصيبُوا أعطينا الذي سُئِلنا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ترَونَ إلى أوباشِ قُريش وأتباعهم؟!"، ثم قال: "احصُدوهم حصدًا حتى تُوافُوني على الصفا"، قال: فما قام لنا أحد. رواه البخاري ومسلم.
وأما الشبابُ المُغرَّرُ بهم والمُتورِّطون في هذه الفتنة والتخريب وفي أنواعٍ منها، أما هؤلاء الشباب من هذا النوع فليُعرَض عليهم التخلِّي عن الجنسيَّة التي هي شرفٌ لهم، ولا يستحقُّها من يقومُ منهم بهذه الأفعال الإجرامية، وليُعطَ فرصةً لزيارةِ أبي صالح في سِردابِ سامُرَّاء ما دام ولاؤُه لأبي صالحٍ وليس ولاؤُه لله ولرسولِه -صلى الله عليه وسلم-، ثم لخادِمِ الحرمين الشريفين ووُلاة أمر هذه البلاد.
ولعلَّ أبا صالح محمد بن الحسن العسكري الذي يزعُمون أنه المهدي المنتظَر في السِّرداب، لعله يجعلُهم نُوَّابًا في الأقاليم، ولعلَّهم يُخبِرونه بأن الخليفةَ العبَّاسي مات وذهب، وذهبَت دول وجاءت دول، فيذهبُ الخوفُ من قلبه، ولعلهم يُخبِرونه بأن أتباعَه كثيرٌ، ولعلهم يقولون له: ستفتَحُ لك الدولُ التي تُؤمنُ بك خزائنَ الأموال، ولعلهم يطلبُون منه أن يُخرِجَ القرآنَ الذي يزعُمون أنه دخل معه السِّرداب، وأنه لا يخرج ولا تراهُ الأمةُ إلا إذا خرَج.
ويزعُمون أن هذا القرآن الذي معه في السِّرداب مُخالفٌ للقرآن الكريم الذي نقلَه لنا الصحابة، والذي يحفظُه كلُّ جيلٍ من المسلمين بالتواتُر، ولعلهم يقولون له: اخرُج لتملأ الأرضَ عدلاً، ومن أظلمُ ممن يُخفِي القرآنَ في السِّردابِ عن الأمة لو عقَلوا.
آمنتُ بالله وملائكته وكتبِه ورُسُله واليوم الآخر وبالقدر خيرِه وشرِّه، وكفرتُ بالعقيدةِ الباطلَة الفاسِدة الكاسِدة.
وعقيدةُ ولاية الفقيه شرٌّ من عقيدة الإيمان بمحمدِ بن الحسن العسكري المزعوم بأنه المهدي المُنتظَر.
ومن عجائب الضلال والشركِ بالله -تبارك وتعالى-: أنهم يدعُونَه من دون الله، ويعبُدونَه من دون الله، ويرفَعون إلى هذا المهدي المُنتظَر في السِّردابِ الذي يزعُمون -محمد بن الحسن العسكري-، يرفَعون إليه الحوائِج، ويدعُونَه في كشفِ الكُرُبات، ويدعُونَه لطلبِ الولدِ والرزق، وإذا ذكَرُوه فإنهم يدعُون لهم بأن يُعجِّل الله فرَجَه!
فإذا كان في كربٍ عظيمٍ وفي كُرُباتٍ طِوالَ هذه المُدَد والسنين والمئات من السنين زادَت على الألف، ويزعُمون أنه في السِّرداب وفي كربٍ عظيم، كيف يُدعَى له بالفَرَج؟! وإذا كان عاجِزًا عن فرَجِ نفسِه وعن تفريج الكُرُبات عن نفسه؛ فكيف يستجيبُ لمن يدعُوَه من دون الله، ويسألَه من دون الله؟!
ألا يرضَون بأن يعبُدوا ربَّ الأرض والسماوات؟! قال -تبارك وتعالى-: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) [الأحقاف: 5، 6].
وعقيدةُ ولاية الفقيه شرٌّ من عقيدة الإيمان بمحمد بن الحسن العسكري المزعوم بأنه المهدي المُنتَظَر بأدلَّةٍ كثيرةٍ لا يأتي عليها الحصرُ، وآلُ بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- بُرآءُ من عقائد الروافِض كما بَرِئَ منها الصحابةُ -رضي الله عنهم-.
فما دامَ هؤلاء يتصرَّفون باسمِ أبي صالح وثوراتُهم لأجله وهو معدومٌ لم يُولَد أصلاً -كما في كتاب الكافي، وهو عُمدتُهم-، فأعطُوهم فرصةً لزيارته لينظرُوا!
وأما الدولةُ الخارجيةُ التي غرَّرَت بهؤلاء الشبابِ فخيرٌ لها أن تعدِلَ في رعاياها وتُقبِلَ على شأنها وإصلاح أمورها على الحق والعدل، والحقُّ والواجبُ عليها أن تُنصِفَ أهلَ السنة وتعدِلَ فيهم، وتكُفَّ عن التنكِيلِ بهم، وتُمكِّنَهم من الجُمعة والجماعة، ومُمارَسَة الدين الإسلامي الحق في عاصمتها وفي غيرها.
والروافضُ الشيعةُ في عهد خادمِ الحرمين الشريفين -حفظه الله-، وفي عهود من قبلَه من مُلوكِ هذه الدولة مُتمتِّعون بحقوق المُواطَنة، وقد نالُوا من هذه الدولة خيراتٍ لا تُعدُّ ولا تُحصَى، وشاهدُ الحال يُصدِّقُ ذلك بالنظرِ إلى حالهم قبل هذه الدولة.
وننتظرُ من مُنظَّمة المؤتمَر الإسلامي أن تقول كلمةَ الحق في المُمارَسات المُنافِيَة للإسلام، ولا بُدَّ أن تُحذِّرَ هذه المُنظَّمة الدُّولَ الأعضاء من التدخُّلات السافرة من بعض أعضائها على سِيادَة الدول الأعضاء، ومملكةُ البحرين لا تزالُ أحداثُها ماثِلة، ولا يزالُ حُكَّامُها يُعانُون من التدخُّل في شُؤونِها.
ومن أجل ذلك طلبَ حُكَّامُ البحرين الاستعانةَ بإلحاحٍ من أشقائهم وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله-، لولا اللهُ ثم هذه الاستعانة لوقعَت كوارِثُ للمنطقة لا يعلمُها إلا الله.
ومن لم يلتزِم من الدول الأعضاء بمبادئ مُنظَّمة المؤتمَر الإسلامي فيُستبعَد من المُنظَّمة.
كما ننتظِر من علماء المسلمين في العالَم الإسلامي أن يعقِدوا مُؤتمرًا في رابطةِ العالمِ الإسلاميِّ يُعالِجونَ فيه مشاكلَ المسلمين، ويُدينونَ مثلَ هذا الشغَب والفوضَى في المملكة؛ فأمنُ المملكةِ العربية السعودية أمنٌ للعالم الإسلامي، ويُحذِّرون من كل دعوةٍ مُعاديةٍ للإسلام بصراحة القول بعيدًا عن المُؤثِّرات الأخرى.
والمملكةُ العربية السعودية لا تحتاجُ في الدفاع عنها إلا إلى الله -تبارك وتعالى-، والله ناصرُ من ينصُرُ دينَه، قال تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 40]، وقال -تبارك وتعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [المجادلة: 20، 21].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المُرسَلين، أقول قولي هذا وأستغفرُ الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله-، اتقوا الله حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.
أيها الناس: يقول ربُّكم -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].
أيها المسلمون: صِنفان من الناس إذا صلُحا صلُحَت الأمة: الأُمراء والعلماء، فعلى الحُكَّام وعلى العلماء تقعُ المسؤوليةُ على عواتِقهم عن أمر هذه الأمة، فليتَّقوا الله -تبارك وتعالى-، وإذا وقع الخَلَلُ من أحدٍ منهما فإنه يقَعُ من الشر بمقدار ذلك التقصير.
والعلماءُ ورَثةُ الأنبياء، والحُكَّام نُوَّابُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يُصلِحون ويُرشِدون الناس، ويُلزِمونَهم بالحق، ويكُفُّونَهم عن الباطل، والعلماءُ يُعينُونَهم على كل ما فيه الخيرُ لأمة الإسلام، فإنه لا بقاءَ لها ولا صلاحَ لها ولا خيرَ في هذه الأمة إلا بأن تكون مُتمسِكةً بدينها، مُتعاوِنةً على البرِّ والتقوى، وليقِفوا صفًّا واحدًا أمام كلِّ مُفسِد، وأمام كلِّ مُجرِم، وأمام كلِّ دعوةٍ تُضادُّ دينَ الله -تبارك وتعالى-.
قال -عز وجل-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران: 103].
عباد الله: إن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، فقال -عزَّ وجل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
فصلُّوا وسلِّموا على سيد الأولين والآخرين، وإمام المرسلين، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين وعن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر أصحاب نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنَّا معهم بمنِّك وكرمِك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارضَ عن الصحابة أجمعين، اللهم ارضَ عن الحسن والحُسين، وعن فاطمة البتُول فاطمة بنت الرسول، اللهم وارضَ عن آل بيتك الطيبين الطاهرين يا رب العالمين، اللهم وارضَ عن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمِك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم انصر دينَك وكتابَك وسنةَ نبيِّك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أظهِر وانصُر هديَ نبيِّك محمد -صلى الله عليه وسلم-، اللهم اقمَع البِدَع، اللهم أذِلَّ البِدَعَ إلى يوم الدين، اللهم أذِلَّ البِدَعَ التي تُحارِبُ دينَك يا رب العالمين إلى يوم الدين يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم عليك بالسَّحَرة، اللهم دمِّرهم، اللهم عامِلهم بما يسوؤُهم في كل شيء، اللهم عامِلهم بما يُغيظُهم في كل شيء، اللهم أبطِل كيدَهم، اللهم أبطِل مكرَهم، اللهم اجعل شرَّهم مُحيطًا بهم، اللهم لا تُسلِّطهم على مسلمٍ يا رب العالمين، اللهم احفظنا واحفظ ذرياتنا من شرِّهم يا رب العالمين، واحفظ المسلمين من شُرورهم.
اللهم إنهم قد طغَوا وبغَوا، اللهم يا ذا الجلال والإكرام دمِّرهم تدميرًا يا رب العالمين يا قويُّ يا عزيز.