الجميل
كلمة (الجميل) في اللغة صفة على وزن (فعيل) من الجمال وهو الحُسن،...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | السيرة النبوية |
ما أصاب الأمةَ المسلمة من عجز وضعف في العصور المتأخرة كان سببه تقديم الدنيا على الآخرة، وما نتج عن ذلك من تفرق واختلاف، وتنافُس على الدنيا، كل ذلك أدى إلى طمع الآخرين من كفار ومنافقين في المسلمين؛ فاستباحوا حماهم، واعتدوا على بلدانهم، بل وعلى دينهم وشريعتهم. إنه واقع مَهينٌ يتكرر مع المسلمين على مرِّ الأزمان، واختلاف البلدان، متى ما ضيَّع المسلمون أمر دينهم، واستكانوا لأعدائهم ..
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون: من سماتِ المخلوقين طمَعُ أقويائهم في ضعفائهم، وظلمهم لهم، وتعدِّيهم عليهم، وسلبهم حقوقهم، وهذه الصفة توجد في البشر أفراداً ودولاً وأمماً؛ ولهذا جاءت الرسالات بالشرائع التي تهذِّب أخلاق الناس، وترتقي بهم عن الشهوات والغرائز الحيوانية إلى مقامات العبودية لله رب العالمين؛ ليتحقق الأمن والعدل في الأرض.
ومن طبائع الظالمين طمعهم في المظلومين إذا ضعفوا أمام الظلم وأهله، واستكانوا للقهر والبغي، وتشربوا الذل والمهانة، وما عرف التاريخ ظالمين يتركون ظلمهم أو يخففونه رحمة بالمظلومين؛ بل يزدادون في ظلمهم وقهرهم لهم كلما خضع المظلومون واستكانوا لهم.
وإذا حلت بأمة هزيمة من الهزائم كثر شامتوها، وقوي أعداؤها، وقلّ أنصارها؛ مما يجعل المهزومين يعانون أضعاف ما كانوا يلقون قبل هزيمتهم.
والهدي النبوي في مثل هذه الحالة هو الثبات على الحق، والإصرارُ على الانتصار، وعدم الاستكانة والخضوع للعدو، مهما كلف الأمر.
وقد مرَّت بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وبأصحابه -رضي الله عنهم- أيام عصيبات، وأزمات عسيرات، اشتد فيها كَلَب المشركين، وعظم أذى المنافقين، وتحركت يهود بدسائسها ومؤامراتها.
ومن تلكم الأيام العصيبة ما حصل بعد غزوة أحد التي قتل فيها سبعون من خيار الصحابة وشجعانهم، رضي الله عنهم وأرضاهم، فكان من نتائج ما أصاب المسلمين في أحد من الهزيمة والمصيبة أن طمع فيهم الطامعون، واشرأبَّتْ أعناقُ الظالمين، وظهر نفاقُ بعض المنافقين.
وعزمَ جَمْعٌ من المشركين على غزو المدينة، منهم: بنو المصطلق، وهم بطنٌ من بطون خزاعة كانوا يسكنون قديداً وعُسْفان بين مكة والمدينة، وقاتل من قبائلهم رجال مع المشركين في أحد، وشجعتهم هزيمة المسلمين في أحد على تجميع الجموع، وتجهيز الجيوش للإغارة على المدينة.
فابتدرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالغزو، وفاجأهم في ديارهم في أوائل شعبان من السنة الخامسة؛ فكتب الله له النصر والغلبة عليهم، كما جاء في الصحيح أن ابن عون قال: كتبتُ إلى نافعٍ فكتب إليَّ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أغار على بني المصطلق وهم غارون -أي غافلون- وأنعامُهم تسقي على الماء؛ فقتل مقاتلتهم، وسبى ذراريهم، وأصاب يومئذ جويرية، حدثني به ابنُ عمر وكان في ذلك الجيش. رواه الشيخان وهذا لفظ البخاري.
وأخذ الفقهاءُ من هذه الحادثة جواز الإغارة على من بلغتهم الدعوة من المشركين دون سابق إنذار، ولا سيما إذا كانوا محاربين للمسلمين، ممالئين لأعدائهم.
وأصاب المسلمون في هذه الغزوة سبياً كثيراً، ووقعت جويريةُ بنت الحارث ابنةُ سيد قومها في السبي، فكاتبت على نفسها بمال لتتخلص من السبي، وطلبت معونة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فقضى ما عليها، وتزوجها برضاها.
قالت عائشة -رضي الله عنها-: وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تزوج جويرية بنت الحارث، فقال الناس: أصهارَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأرسلوا ما بأيديهم -أي من سبي بني المصطلق- قالت عائشة: فلقد أُعتق بتزويجه إيَّاها مائةُ أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلمُ امرأةً أعظمَ بركةً على قومها منها. رواه أحمد وأبو داود بإسناد جيد.
وفي هذه الغزوة حاول المنافق عبدالله بن أبي بن سلول أن يشعل نار الفتنة بين المسلمين، ويفرِّق بين المهاجرين والأنصار بعد أن تآخَوا في الله تعالى، واجتمعوا في الإسلام إخوة متحابين؛ وذلك أن رجلاً من المهاجرين كسع رجلاً من الأنصار -أي ضرب قفاه-، فقال الأنصاري: يا لَلأنصار! وقال المهاجري: يا للمهاجرين! فسمع ذاك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ما بال دعوى الجاهلية؟" قالوا: يا رسول الله، كَسَعَ رجلٌ من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال: "دعوها فإنها منتنة" أخرجه الشيخان.
فغضب عبدُ الله بنُ أُبَيّ وعنده رهْطٌ من قومه وقال: أوَقَدْ فعلوها؟ قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما أَعدُّنا وجلابيبَ قريش -يعني المهاجرين- إلا كما قال الأول: سمــِّنْ كلبكَ يأكلْك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزُّ منها الأذل! ثم أقبل على مَن حضره مِن قومه فقال لهم: هذا ما فعلتم بأنفسكم: أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير بلادكم!.
فبلغ ذلك رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- وعنده عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: مُرْ به عبَّادَ بنَ بِشْرٍ فلْيقتله، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فكيف يا عمر إذا تحدث الناسُ أن محمداً يقتل أصحابه؟! لا، ولكنْ أذِّنْ بالرحيل"، وذلك في ساعة لم يكن رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يرتحلُ فيها، فارتحل الناس.
وجاء أسيد بن حضير إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: يا نبي الله، والله لقد رحلت في ساعة منكرة، ما كنت تروح في مثلها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أوما بلغك ما قال صاحبكم؟!"، قال: وأي صاحب يا رسول الله؟ قال: "عبد الله بن أبي"، قال: وما قال؟ قال: "زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذلَّ"، قال أسيد: فأنت يا رسول الله والله تخرجه منها إن شئت، هو والله الذليل وأنت العزيز!.
ثم قال: يا رسول الله، ارفق به، فوالله لقد جاءنا اللهُ بِكَ وإنَّ قومَه لَيَنْظِمون له الخرز ليتوجوه! فإنه لَيَرَى أنك قد استلبته ملكاً.
ثم مشى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالناس يومهم ذلك حتى أمسى، وليلتهم حتى أصبح، وصدرَ يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس، ثم نزل بالناس، فلم يلبثوا أن وجدوا مسَّ الأرض فوقعوا نياماً، وإنَّما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث الذي كان من عبد الله بن أبيّ، فلا تقع فتنة بين الصحابة رضي الله عنهم.
وكان لذلك المنافق ابنٌ صالحٌ يُدعى عبدَالله، فلما بلغه ما قاله والده أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إنه بلغني أنك تريد قتلَ عبدالله بن أبيّ فيما بلغك عنه، فإن كنت لابد فاعلاً فمرني به، فأنا أحمل إليك رأسه، فوالله لقد علِمَت الخزرج ما كان لها من رجل أبَرَّ بوالده مني، وإني أخشى أن تأمرَ به غيري فيقتله، فلا تَدَعُني نفسـي أنظرُ إلى قاتـل عبد الله بن أبي يمشي في الناس، فأقتلَ رجلاً مؤمناً بكافر، فأدخلَ النار، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بل نترفقُ به، ونحسنُ صحبته ما بقي معنا".
إن عبد الله بن عبد الله بن أبي قد ضرب مثلاً عظيماً في ولاء المؤمنين لدينهم، وبراءتهم من المنافقين، ولو كانوا أقرب الناس إليهم؛ إذ عزمَ على قتل والده وهو أبر الناس به؛ لأنه آذى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وكم في مجتمعات المسلمين المعاصرة من منافقين، يرفضون شريعة الله تعالى، ويهزأون بها، ويردون سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويقدِّمون عليها أقوال البشَر، بل وأقوال الكافرين، ويسخرون ممن يستمسكون بالهدي النبوي بمقولاتهم وكتاباتهم، ولا يحرك ذلك ساكناً عند كثير من المسلمين!.
بل يواكلونهم، ويجالسونهم، ويقرؤون لهم، ويستمعون إلى أحاديثهم، ولربما أشادوا بهم، وأعلو من قدرهم، وقدموهم في الضيافات، وبوأوهم صدور المجالس، وخلعوا المديح والثناء على فكرهم وثقافتهم التي لا تعدو أن تكون رفضاً لأحكام الإسلام، ودعوة إلى مذاهب أعداء الأمة المسلمة، في تبعية ذليلة، وتقليد أعمى، فأين هي الغيرة لدين الله تعالى من وجوه ما تمعَّرت في وجوه المنافقين، ومن ألسن ما أنكرت مقولاتم، وربما مِن قلوب ما كرهت بل وافقت ورضيت؟! وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل.
بل إن هذا الابن البار بوالده، المواليَ للمؤمنين، المعادي للكافرين والمنافقين أمسك بوالده وقال: والله لا تنقلب -أي: ترجع إلى المدينة- حتى تُقرَّ أنك الذليل ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- العزيز، ففعل. رواه الترمذي.
وخذل الله هذا المنافق؛ فما أحدث حدثاً بعد ذلك إلا كان قومُه هم الذين يعاتبونه، ويأخذونه، ويعنفونه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعمر بن الخطاب حين بلغه ذلك من شأنهم: "كيف ترى يا عمر؟! أما والله لو قتلتُه يوم قلتَ لي اقتله؛ لأرعدت له أُنفٌ لو أمرتُها اليوم بقتله لقتلَتْه"، فقال عمر: قد والله علمت، لأَمرُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعظمُ بركة من أمري.
نفعني الله وإياكم بآي القرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم-، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أمَّا بعد: فاتقوا الله -عباد الله- وتمسكوا بكتاب ربكم جلَّ في علاه، وبسنة نبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن الخير كل الخير في التمسك بالكتاب والسنة.
أيها المؤمنون: ما أصاب الأمةَ المسلمة من عجز وضعف في العصور المتأخرة كان سببه تقديم الدنيا على الآخرة، وما نتج عن ذلك من تفرق واختلاف، وتنافس على الدنيا، كل ذلك أدى إلى طمع الآخرين من كفار ومنافقين في المسلمين؛ فاستباحوا حماهم، واعتدوا على بلدانهم، بل وعلى دينهم وشريعتهم.
إنه واقع مهين يتكرر مع المسلمين على مرِّ الأزمان، واختلاف البلدان، متى ما ضيَّع المسلمون أمر دينهم، واستكانوا لأعدائهم. ويزداد العدوان مع ازدياد الذل والمسكنة والخضوع.
وفي عصرنا هذا يعيش المسلمون ذلاً وخضوعاً ليس خافياً على أحد؛ فإخوانهم يُقتَلون ويعذبون ويحاصرون في كل مكان ولا يستطيعون نجدتهم فضلاً عن نصرتهم، ويُعْتَدَى على مقدساتهم وحرماتهم وهم عاجزون عن صيانتها وحفظها.
ولما انكشف ضعف المسلمين وتفرقهم بانت أطماع الكافرين، وظهر نفاق المنافقين، وتلاشت القيم الحضارية، والقوانين الدولية، التي كان يتشدق بها أعداء المسلمين.
لقد أعلنوا حربهم على الإرهاب، وحشدوا أمم الأرض كلها خلفهم بالرضا أو بالإكراه، وامتنعوا عن تعريف هذا الإرهاب الذي جمعوا العالم كله لحربه؛ ولكن جمعاً من كتابهم وسياسييهم اتهموا الإسلام بأنه دين التطرف والإرهاب، وأن نصوص الجهاد في الكتاب والسنة هي تكريس للعنف، وطالبوا المسلمين بإعادة النظر في مصطلح الجهاد ومدلولاته ونصوصه.
ثم برز عدد من رهبانهم بالاعـتداء على شخص النبي -صلى الله عليه وسلم-، واتهامه بأنه أول إرهابـي في هـذه الأمة؛ وظهر بذلك مقصودهم بالإرهاب الذي يريدون حربه وهم لم يُعَرِّفُوه، إنه دين الإسلام الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- من عند الله تعالى، وصدق الله العظيم حينما أخبرنا عنهم فقال: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة:120]، وقال سبحانه: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ) [البقرة:109].
وأما المنافقون من بني جلدتنا فما بارحت أفعالهم أفعال سالفيهم من ابن سلول وأتباعه؛ فإنهم وقفوا صفاً متراصاً مع حملة الكافرين على الإسلام وتعاليمه وأحكامه، فأعمِدتهم في صحفهم تطالعنا كل يوم بالهجوم على مناهج تعليمنا، ومقررات ديننا، مطالبين بتغييرها، وتجاوز هذا التراث القديم كما يقولون، الذي هو شريعة الله تعالى.
ولئن كان ابن سلول يقول في غزوة بني المصطلق: (لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ) [المنافقون:8]، فإن منافقي عصرنا يبشرون بذلة المسلمين، وانتهاء دينهم، وتغيير ثوابتهم مع هذه الحملة الصليبية الظـالمة، ويعـدوننا بتـدمير ما يسمونه بالإسلام السياسي؛ إذ إنهم قسموا الإسلام الشامل الكامل إلى أقسام ينتقون منها ما يشاؤون، ويرفضون ما لا يريدون.
ورغم مظاهر الضعف والذلة التي تحيط بالمسلمين من كل جانب فإن دين الله تعالى عزيز، وإن ما يسوء الكافرين والمنافقين باقٍ رغم أنوفهم، ولن يقضى على الدين الذي ارتضاه الله تعالى لعباده مهما كانت قوة الكافرين، ومهما كان ضعف المسلمين، ومهما بلغت مؤامرات المنافقين، وما أصاب المسلمين من ذلة وقهر واستكانة وتسلط أعدائهم عليهم كان بسبب ذنوبهم ومعاصيهم.
وواجب هذه المرحلة يقتضي العودة الجماعية من الأمة المسلمة إلى دين الله تعالى، والاستمساك بأحكام الشريعة، مع كثرة العبادة، والأعمال الصالحة، والدعوة إلى الله تعالى، والتخلص من الذنوب والمعاصي التي هي سبب الذل والمهانة، والإلحاح على الله تعالى بالدعاء على الكافرين والمنافقين بأن يردَّ كيدهم في نحورهم، ويسلم المسلمين من شرورهم، وما ذلك على الله بعزيز.
وإذا علم الله تعالى صدق عباده في اللجوء إليه، والتوكل عليه، كفاهم أعداءهم كما كفى المسلمين شر الأحزاب في غزوة الخندق، (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا) [الأحزاب:25].
ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله كما أمركم بذلك ربكم.