المتعالي
كلمة المتعالي في اللغة اسم فاعل من الفعل (تعالى)، واسم الله...
العربية
المؤلف | سامي بن خالد الحمود |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المهلكات |
إن من أعظم ما تستدفع به العين تجديدَ العبد لعهد الافتقار والذلة والانكسار لله والحاجة لحفظ الله ورعايته له, بقراءة أذكار الصباح والمساء فقائلها لا يضره شيء بإذن الله, فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول: إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ..
الحمد لله الملك العلام القدوس السلام، جعل منار الشرع مستمراً على الدوام.. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنحط بها الأوزار والآثام,ويُستعان بها على شكر منحه ومننه الوافرة الأقسام، وأشهد أن رحمته للعالمين سيدنا محمداً عبده ورسوله حامل لواء السلامة والإسلام، والمكتسي حلة الكرامة والإكرام, صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم الذين قامت بهم شرائع الإسلام.
يا أيها الراجون منه شفاعة | صلوا عليه وسلموا تسليما |
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى, قال الله تعالى وتقدس (يأَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تتَّقُوا اللهَ يَجْعَل لَّكمْ فُرْقاناً وَّيُكفِّرْ عنكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ويغْفِرْ لَكُمْ واللهُ ذو الفضل العَظِيم).
عباد الله: إنَّ من محاسن شريعة الإسلام -وكلها محاسن- أنها جعلت قاعدة منع الضرر والضرار من أصول قواعد الشريعة، ومن مجالات التطبيق العملي لهذه القاعدة الجليلة حرصُ المسلم على أن لا يَعينَ ولا يُعانَ ما استطاع إلى ذلك سبيلاً؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العين حق، ولو كان شيءٌ سابقَ القدر لسبقته العين،وإذا استُغسلتم فاغتسلوا" رواه مسلم.
قال النووي في شرحه: فِيهِ إِثْبَات الْقَدَر... فَلَا يَقَع ضَرَر الْعَيْن وَلَا غَيْره مِنْ الْخَيْر وَالشَّرّ إِلَّا بِقَدَرِ اللَّه تَعَالَى. وَفِيهِ صِحَّة أَمْر الْعَيْن ; وَأَنَّهَا قَوِيَّة الضَّرَر. ا.هـ.
وروى أبي نعيم في الحلية والخطيب البغدادي في تاريخه وحسنه الألباني عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العين تدخل الرجل القبر، وتدخل الجمل القدر".
أي أنها تصيب الرجل فتقتله فيدفن في القبر، وتصيب الجمل فيشرف على الموت فيذبح ويطبخ في القدر.
وقد قرر علماء أهل السنة أن العين حق، وأنها تُمرض وتقتل، خلافا لبعض المبتدعة المنكرين,وهم محجوجون بالآثار النبوية الصحيحة.
وحقيقة العين كما ذكر القسطلاني: نظر المعيان لشيء باستحسان، مشوب بحسد، فيحصل للمنظور ضرر بعادة أجراها الله تعالى.
وتسمي العرب العائن بالتلقاعة، مبالغة من اللقع وهو الرمي، وتطلق العامة على العين النضل والنحت.
وقد وقعت الكثير من الحوادث قديماً وحديثاً بسبب العين، وألفت فيها المؤلفات.
عباد الله: وإذا كانت العين من الحق، فكيف السبيل إلى التوقي منها واستدفاعها؟
إن من أعظم ما تستدفع به العين تجديدَ العبد لعهد الافتقار والذلة والانكسار لله والحاجة لحفظ الله ورعايته له, بقراءة أذكار الصباح والمساء فقائلها لا يضره شيء بإذن الله, فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول "إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة" صحيح البخاري.
ومما تُستَدفع به العين ستر ما يخاف عليه إن أمكن ذلك كما فعل يعقوب عليه السلام حين أمر بنيه أن يدخلوا من أبواب متفرقة لحاجة في نفسه قال المفسرون إنه أراد أن يدفع ضرر العين عنهم.
وكما فعل الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه عندما رأى صبياً صغيراً حسن الهيئة، فقال: "دسموا نونته"، أي سوّدوا الدائرة التي تكون في خديه، حتى تنصرف الأعين عنه.
وإنك -والله- لتعجب من تبجح وتفسخ وتعري بعض نساء وشباب المسلمين وإظهارهم لما لا يجوز لهم إظهاره من أجسادهم تقليدا للكفرة والفساق, فهلا خافوا على أجسادهم ضرر العين إذ لم يخافوا عقاب الله وجعلَه تلك الأجساد وقوداً لنار جهنم!!! وما يتذكر إلا أولو الألباب.
وإذا وقعت العين وحل ضررها بالبدن فإن شرها يستدفع بالرقى والتعاويذ الشرعية الثابتة, بعيدا عن دجل الأفَّاكين,وأكلة أموال الناس بالباطل من السحرة والمشعوذين.
ولتجنب الإضرار بالعين شرع الله لنا عند الإعجاب بهيئة المسلم أو حاله أو ماله أو ولده أن نقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، كما قال تعالى في قصة صاحب الجنتين وصاحبه: (
وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ)، قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: قال بعض السلف: من أعجبه شيء من حاله أو ماله أو ولده فليقل: ما شاء الله لا قوة إلا بالله.
ونقل القرطبي عن الإمام مالك رحمه الله أنه قال: "ينبغي لكل من دخل منزله أن يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله".
ومما يستدفع به ضرر العين التبريك - وهو قول: اللهم بارك فيه أو بارك له أوعليه، أو ما شاء الله تبارك الله – كما جاء في قصة سهل بن حُنيف عندما عانه عامر بن ربيعة.
وقد روى هذه القصة الإمام أحمد وابن ماجه ومالك وغيرهم عن سهل بن حنيف رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مع أصحابه نَحْوَ مَكَّةَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِشِعْبِ الْخَزَّارِ مِنْ الْجُحْفَةِ، اغْتَسَلَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَكَانَ رَجُلًا أَبْيَضَ حَسَنَ الْجِسْمِ وَالْجِلْدِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَهُوَ يَغْتَسِلُ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ!! (أي الفتاة في خدرها) فَلُبِطَ سَهْلٌ (أي صُرع وسقط على الأرض) فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي سَهْلٍ، وَاللَّهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَمَا يُفِيقُ، قَالَ: هَلْ تَتَّهِمُونَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالُوا: نَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامِرًا فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، هَلَّا إِذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرَّكْتَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: اغْتَسِلْ لَهُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ، ثُمَّ صُبَّ ذَلِكَ الْمَاءُ عَلَيْهِ، يَصُبُّهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ مِنْ خَلْفِهِ، يُكْفِئُ الْقَدَحَ وَرَاءَهُ، فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ، فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ، لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وقد أفاد الحديث أن المَعين إذا عرف عائنه فإنه يشرع له أن يطلب منه الوضوء والاغتسال, ويجب على من طُلب منه الاغتسال أن يمتثل ولا يكابر في ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم" وإذا استُغسلتم فاغسلوا". قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وظاهر هذا الأمر الوجوب.
وعلى كل من يعلم من نفسه أنه ربما يصيب بالعين أن يتقي الله في إخوانه كما قال عليه الصلاة والسام وأن يكثر دائماً في حديثه ووصفه من ذكر الله والدعاء بالبركة، وأن يجتنب الاسترسال في الوصف والاستحسان، وجموح النفس في ذكر ما تراه العين من الأمر المستحسنة.
وإنك لتعجب من تمادي بعض العائنين، وجرأتهم على الله في التنافس على إيذاء فلان، أو إفساد سيارة أو بيت علان.
حتى إن أحدهم -كما حدثني الوالد رحمه الله- معروفاً بالعين، وكان يبيع في السوق، فرأى رجلاً يبيع بجواره وقد فتح الله عليه، فدب الحسد في قلب العائن، فلما انتهى السوق كان الرجل الآخر يضع بضاعته في السيارة فجاءه العائن وقال له: أين تذهب وأنا لم أبع مثلك اليوم؟ تريدها في المكينة، أو في الكفرات؟ فقال له: يا فلان خاف الله، فأبى، فقال: إن كنت عازماً ففي الكفرات.
يقول الرجل -وهو حي موجود الآن، وكان صديقاً للوالد رحمه الله-: ذهبت إلى البيت، فبدأت الكفرات تتعطل الواحد تلو الآخر، ولم أصل البيت إلا بعد مشقة.
عباد الله: وإذا أبى المعيان أو العائن إلا أن يؤذي الآخرين جاز لولي الأمر أو القاضي أن يعزره، وأن يحبسه حتى ينتهي عن فعله، كما نص على ذلك أهل العلم.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والحمد لله رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه
عباد الله: إن مما تجدر الإشارة إليه والتنبيه عليه، أن الإصابة بالعين، واشتهار وقوعها من شخص معيَّن, ليس مؤشراً على فسق ولا صلاح، لأن الإنسان قد تصيبه عين نفسه, قال ابن القيم:"وقد يَعين الرجل نفسه, وقد يَعين بغير إرادته".
ويقول ابن عبد البر رحمه الله: "إن الرجل الصالح قد يكون عائناً وقد يَعين الرجل نفسه".
كما نقل المناوي عن الخليفة سليمان بن عبد الملك أنه نظر إلى نفسه في المرآة فأعجبته فقال: كان محمد صلى الله عليه وسلم نبياً، وأبو بكر صديقاً، وعمر فاروقاً، وعثمان حبيباً، وأنا الملك الشاب، فما دار عليه الشهر حتى مات.
وكان لأحدهم ابنة جميلة، فدخل عليها ذات يوم فنظر إليها، ولم يذكر الله وقال: يا بخت من ستكونين من نصيبه.. وما هي إلا ساعات وترتفع حرارة البنت المسكينة، ولم تطلع عليها الشمس إلا وقد أفضت إلى رحمة الله تعالى.
عباد الله: كل شيء بقضاء الله، ولا ينبغي أن يحاط من اشتهر بالعين وإضرار الناس بها بهالة من الإجلال والمخافة منه والتودد له على وجه يعتقد هو أو غيره أن بيده ضر أحد أو نفعه, واقرأوا إن شئتم قول الله عن السحرة الذين هم اشد خطرا وأكثر ضررا من العيَّانين قال تعالى (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) فالأمر كله إليه، ما من نسمة هواء تجري إلا بأمره، وما من مثقال ذرة في هذا الكون الفسيح تسكن أو تتحرك إلا بمشيئته وعلمه سبحانه وتعالى,ومن الناس من يصاب بما هو اخطر من العين حين يَنسب إليها كل شئ، فإذا تلعثم في كلامه، أو تعثر في ممشاه، او اصطدم بسيارته ظن أن ذلك من أثر العين, حتى إنك لترى الرجل والمرأة وما فيهما ما يستحسنه عاقل من خلْق ولا خلُق ولا علم ولا دين، ومع ذلك يتوهم ملاحقة العين له في كل آن، وما هذا إلا استدراج من الشيطان له ليعيش في دوامة من الوساوس يفسد بها دينه وتتعطل مصالح دنياه.
عباد الله: صلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية ...