الآخر
(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...
العربية
المؤلف | سامي بن خالد الحمود |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إن أعظم ما يخشاه الغيور على دينه وعرضه هو سوء فهم أو سوء تطبيق هذا الأمر وعدم تقييده بالضوابط الشرعية، فتتحول قضية عمل المرأة في بيع المستلزمات النسائية، إلى قضية انتشار النساء البائعات في مختلف المعارض لبيع جميع السلع، أو وقوع الفوضى في الأسواق كما وقع في هذه الأيام في بعض المدن بعد صدور القرار، فأصبحت المرأة تبيع في المحل، ويدخل عليها الرجال والنساء على حد سواء ..
أما بعد:
عباد الله: قضية تم طرحها في الأيام الماضية، وكثر عنها الكلام في وسائل الإعلام، واختلفت فيها الآراء والأفهام، فكانت الحاجة لبيانها من هذا المكان، من منبر الجمعة منبر محمد صلى الله عليه وسلم.
وكان مطلع هذه القضية، ما أمر به ولاة الأمر وفقهم الله لكل خير، حيث جاء في قرار مجلس الوزراء: قصر العمل في محلات بيع المستلزمات النسائية الخاصة على المرأة السعودية، وعلى وزارة العمل وضع جدول زمني لتنفيذ ذلك ومتابعته.
وبعد صدور القرار.. تباينت الآراء والأطروحات.
ووقع الخطأ الفادح ممن اتسع نظرهم لمراعاة أحوال النساء المتسوقات في شرائهن لمستلزماتهن الخاصة، بينما قصر نظرهم عن مراعاة أحوال النساء العاملات في المحلات، وضبط ممارستهن لهذا العمل بما يحقق المصالح ويدرأ المفاسد.
وإذا كنا لا نشك في أن الدافع لهذا القرار هو مصلحة مراعاة خصوصية المرأة المتسوقة وحفظ حيائها ومشاعرها في شرائها لمستلزماتها الخاصة وأدوات الزينة، وتوفير الوظائف للنساء.
فإننا في المقابل، لا بد أن ننظر في حال البائعة التي تدخل وتخرج صباح مساء مع الرجال يومياً، وتجاورهم في المقارّ على مدى العام، وما يترتب على ذلك من علاقات زمالة كما يقولون.
ثم ما حال هذه البائعة في الصباح الباكر وفي المساء المتأخر، هل ستأمن المرأة على نفسها؟ خاصة إذ علم بعض ضعفاء النفوس من العاملين أو المتسوقين أنه لا يوجد داخل المحل سوى امرأة.
ثم هل يمكن أن يأتي صاحب المحل في آخر الليل ويغلق المحل عليها ويجرد مبيعات اليوم معها.
إن أعظم ما يخشاه الغيور على دينه وعرضه هو سوء فهم أو سوء تطبيق هذا الأمر وعدم تقييده بالضوابط الشرعية، فتتحول قضية عمل المرأة في بيع المستلزمات النسائية، إلى قضية انتشار النساء البائعات في مختلف المعارض لبيع جميع السلع، أو وقوع الفوضى في الأسواق كما وقع في هذه الأيام في بعض المدن بعد صدور القرار، فأصبحت المرأة تبيع في المحل، ويدخل عليها الرجال والنساء على حد سواء.
إننا أمام هذه القضية، وخوفنا على بلادنا ومجتمعنا، لا يمكن أن نغفل عن الدعوات التغريبية الفاسدة التي يتبجح أصحابها بتحرير المرأة زعموا، والدعوة إلى نزولها للعمل في ميدان الرجال والاختلاط بهم، ومن المعلوم أن هذه الدعوات، تبعاتُها على المجتمعات خطيرة، وثمراتُها مرة، فضلاً عن مصادمتها للنصوص الشرعية.
ومن أراد أن يدرك ما جناه دعاة السفور والاختلاط من المفاسد التي لا تحصى، فلينظر إلى المجتمعات التي وقعت في هذا البلاء العظيم اختيارا أو اضطرارا، من انحراف المرأة، وتفكك الأسرة، وشيوع الفاحشة في المجتمع.
وقد تواترت الأدلة الشرعية على تحريم الخلوة بالأجنبية وتحريم النظر إليها، وتحريم الوسائل الموصلة إلى الفاحشة.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا).
فأمر الله تعالى المؤمنات بإدناء جلابيبهن وستر أجسامهن إذا أردن الخروج، لئلا تحصل لهن الأذية من مرضى القلوب.. وإذا كان هذا في مجرد الخروج فقط، فكيف بالنزول إلى ميدان الرجال والاختلاط بهم بحكم العمل والوظيفة.
ويقول الله جل وعلا: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ).
فأمر الله تعالى المؤمنين والمؤمنات أن يلتزموا بغض النظر عن الحرام، وحفظ الفرج عن الزنا، ثم أخبر سبحانه أن هذا الأمر أزكى لهم وأطهر.. ومعلوم أن حفظ الفرج من الفاحشة إنما يكون باجتناب وسائلها من إطلاق البصر واختلاط النساء بالرجال والرجال بالنساء.
ولهذا أمر الله المؤمنات بعدم إبداء الزينة إلا ما ظهر منها، وأمرهن بإسدال الخمار على الجيوب المتضمن سترَ الرأس والوجه، لأن هذه الوسائلَ والذرائعَ موصلةٌ إلى الأمور المحرمة.
وفي خطاب آخر، نهى الله النساء عن الخضوع بالقول للرجال لكونه يفضي إلي الفتنة، كما في قوله عز وجل: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ).
يعني مرض الشهوة.. ومن البدهي أن المرأة إذا نزلت إلى ميدان الرجال فإنها لا بد أن يحصل بينها وبينهم من الكلام ورفع الكلفة، وربما الخضوع بالقول، وربما الخلوة، ما يجد الشيطان فيه بغيته في تزيين المنكر والفاحشة.
ولما أمر الله تعالى المرأة بحجاب الوجه، أمر بحجاب آخر، وهو الحجاب عن الرجال الأجانب والخلوة بهم، فقال سبحانه:(وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ).
فخير حجاب المرأة بعد حجاب وجهها باللباس هو حجاب نفسها بقرارها في بيتها، وعدم خروجها منه إلا لحاجة، فلا تكون خراجة ولاجة لأتفه الأمور كما هو حال بعض النساء.
ولهذا، أمر الله سبحانه أمهات المؤمنين بالقرار في بيوتهن، ونهاهن عن التبرج والاختلاط بالرجال، سواء كان ذلك بحكم العمل، أو البيع والشراء، أو السفر أو غيرِ ذلك؛ فقال سبحانه: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا).
فأَمَر الله أمهات المؤمنين بالقرار في البيوت، وجميع المسلمات والمؤمنات داخلات في ذلك، لما في ذلك من صيانتهن وسلامة دينهن.
وتأمل معي، أن الله تعالى سمّى مكث المرأة في بيتها قرارا، فقال (وقرن في بيوتكن)، وهذا المعنى من أسمى المعاني الرفيعة ففيه استقرار لنفسها وراحة لقلبها وانشراح لصدرها، وحماية لها من الفتن والشرور.
وبعد هذا الوقفة الموجزة مع بعض الأدلة الشرعية، فإننا ندرك أن هذا القرار الذي يتعلق بمسألة حساسة وخطيرة، يحتاج تطبيقه وتنفيذه من وزارة العمل إلى مرجعية شرعية تحكم عمل المرأة بالضوابط الشرعية، كما أنه يحتاج إلى آلية واضحة وصارمة تضمن سلامة تطبيق القرار وحصول المصالح ودرء المفاسد.
وإنك لتحزن أن ترى الآلاف من شبابنا العاطلين ممن يبحثون عن لقمة العيش، فلا يجدون من الوظائف ما يسد حاجتهم، حتى صرح معالي وزير العمل لوكالة الأنباء السعودية عقب توليه الوزارة، أن عدد العاطلين عن العمل من السعوديين في المملكة حسب الإحصاءات الرسمية، يقدر بنحو 300 ألف عامل.
فنحن ننتظر ونأمل من وزارة العمل أن تزيد اهتمامها بتوظيف الشباب من الذكور وهذا هو الأهم، ثم بعد ذلك إيجاد وظائف للنساء بالضوابط الشرعية.
عباد الله.. إذا نظرنا إلى منهج الإسلام في عمل المرأة، نجد أن الإسلام لم يفرض على المرأة العمل في الأصل، مع أنه لم يمنعها من ممارسته بضوابطه الشرعية.
فالمسئول عن البيت والنفقات هو الرجل وليس المرأة.. أما المرأة فعملها الأول والأساسي هو ما خلقها الله تعالى له، من إدارة البيت، وحضانة الأبناء وتربيتهم ورعايتهم، فإن احتاجت إلى العمل الوظيفي بأجرة فلا حرج عليها، ويمكن أن تبدأ بالعمل من داخل المنزل، وهناك أعمال وظيفية كثيرة يمكن أن تؤديها المرأة في بيتها. وهو المسمى عالمياً بالعمل عن بعد.. وهذا العمل جاء الحث عليه بحمد الله في قرار مجلس الوزراء حيث نص القرار على تنفيذ أسلوب العمل عن بعد كأحد المجالات الجديدة التي يمكن أن تعمل من خلالها المرأة، وتنفيذ برنامج الأسر المنتجة.
في دراسة علمية مفادها أن ستة وأربعين مليوناً من أصحاب الأعمال المنزلية في أمريكا – ومعظمهم من النساء –، يكسبون دخلاً أكثر من دخل موظفي المكاتب بنسبة 28%.
وأما إذا احتاجت المرأة إلى العمل في خارج المنزل فبالشروط الشرعية، ومن أهمها: أن يكون العمل مباحاً ومحفوظاً من الاختلاط بالرجال.. وألا يترتب على العمل إهمال أو تفريط في الوظيفة الأساسية لها زوجةً وأماً.
ومن خلال الإحصائيات الرسمية، نجد بين يدينا الآلاف من الوظائف المتاحة للمرأة السعودية، وهي جزء من العلاج، متى ما وفرنا لها البيئة المناسبة، والإطار الشرعي الذي يتناسب مع طبيعة المرأة، ويحفظ لها حقوقها.
وعلى سبيل المثال: في الكتاب الإحصائي السنوي لوزارة الصحة عشرات الآلاف من الوظائف المتاحة للمرأة السعودية كالتمريض والوظائف الفنية والطبية وبمرتبات جيدة، والمتطلبات الدراسية لها في معظمها قصيرة الزمن سنتان أو ثلاث أو أربع بعد الشهادة الثانوية.
ومع هذا فهناك إحجام من النساء وأولياء الأمور عن هذا الكم الهائل من الوظائف، بسبب وجود الاختلاط المحرم في أكثر هذه الوظائف.
وقد أجرت جريدة (البلاد) السعودية استبياناً، شاركت فيها 200 مُمرضة، كانت النتيجة كالآتي: 62% من المُمرضات السعوديات عوانس، 25% مطلقات، 18 % فقط متزوجات، 32% يرفضن الزواج.
وقد شكا لي عدد من الإخوة الغيورين، بل ورأيت بنفسي في بعض المستشفيات عدداً من المظاهر السيئة وقلة الحياء بين الجنسين، بسبب الاختلاط والانفتاح بين العاملين.
إن هذا الأمر هو الذي يصد كثيراً من النساء والأسر عن قبول مثل هذه الوظائف في المستشفيات.
ومما يؤكد هذا، أننا نجد في المقابل، تزاحم النساء على وظائف التدريس، حتى إن المعلمة تغترب السنة والسنتين والثلاث وأكثر، ويبقى محرمها معها طيلة هذه السنوات، كل ذلك لأن بيئة العمل صالحة،وبعيدةٌ عن المخالفات الشرعية.
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا، ويهدي ضالنا، ويثبت مهتدينا، إنه بالإجابة جدير، وهو على كل شيء قدير.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي خلق فسوى.. وقدر فهدى.
عباد الله: ومع صدور قرار ولاة الأمر وفقهم الله، فإننا نرجو الله تعالى أن يمضيه إن كان فيه خيراً، وأن يقيض له من يحسن تنفيذه بما يحقق المصلحة المرجوة منه لهذه البلاد المباركة وأهلها.
ومن أمثل الطرق المقترحة لتطبيق هذا القرار، مشاريع الأسواق النسائية الخاصة التي لا يدخلها إلا النساء بيعاً وشراءً.
وبقيام هذا المشاريع ستتحقق بإذن الله عشرات الآلاف من فرص العمل للمرأة في الأسواق التجارية.
ويمكن أن أذكر في هذا المقام بعض التوصيات المقترحة لمثل هذه المشاريع:
1. لابد من وجود لجنة شرعية تشرف على هذه المشاريع، وتكسبها الأمان والمصداقية.
2. لا يشترط أن تكون هذه الأسواق مستقلة عن الأسواق العامة، بل يمكن أن يكون في السوق العام قسم خاص بالنساء.
3. من أسباب نجاح هذا السوق المقترح ألا يسمح ببيع المستلزمات النسائية الخاصة إلا فيه.
4. منع التبرج والألبسة العارية أو السلوكيات السيئة داخل هذه الأسواق سواء من البائعات، أو المتسوقات، وهذا الأمر بحمد الله موجود في بعض الأسواق النسائية القائمة.
5. إعطاء الجهات الأمنية وهيئات الأمر بالمعروف صلاحيات أقوى في الإشراف على السوق وتطبيق النظام.
6. تقرير العقوبات الشديدة على كل من يثبت استغلاله السيء لهذه الأسواق، أو العاملات فيها، سواء من ملاك المحلات أو غيرهم.
7. منع غرف تبديل الملابس لحرمة وضع المرأة ثيابها في غير بيتها ولكي لا تستغل في أمور أخرى.
8. منع استغلال المحلات في أي نشاط تجاري آخر كالمقاهي والانترنت والكوافيرات.
9. المأمول في أهل الخير من التجار وأصحاب الأموال أن يبادروا إلى مثل هذه المشاريع وأن يدعموها بما يحقق المصالح المرجوة منها.
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا، وأن وفق ولاة أمورنا لكل خير، ويهيء لهم البطانة الصالحة... ويهدينا وإياهم سبل السلام..... الفتن.
وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية...