الكريم
كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...
العربية
المؤلف | مسفر بن سعيد بن محمد الزهراني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | القرآن الكريم وعلومه - التوحيد |
وقد ابتدأت السورة بالحديث عن القرآن، المعجزة الكبرى الدائمة الخالدة لمحمد بن عبدالله -صلى الله عليه وسلم-، وأمرت الرسول بإخلاص الدين لله، وتنزيه الله -جل وعلا- عن مشابهة المخلوقين، وذكرت شبهة المشركين في عبادتهم للأوثان، واتخاذهم شفعاء، وردَّت على ذلك بالدليل القاطع ..
الحمد لله الذي أنزل الكتاب بالحق لعبادته سبحانه بإخلاص وصدق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلن، وتعلمون أن القرآن تنزيل من الله العزيز الحكيم، أنزله على محمد -صلى الله عليه وسلم- متضمناً الحق الذي لا مرية فيه، والصدق الذي لا يشوبه باطل أو هزل، وأمره بعبادته وحده مخلصاً له العبادة، وأن لا يقصد بعمله ونيته غير ربه.
وهذا الأمر له وللناس جميعاً، حيث بيَّن للناس أن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم؛ لأنه المنفرد بصفات الإلوهية، المطلع على السرائر والضمائر، وأن المشركين الذين عبدوا الأوثان من دون الله ليقربوهم إلى الله ويشفعوا لهم لا صحة لقولهم، وأن الله سبحانه هو الذي يحكم بين الخلائق يوم القيامة فيما اختلفوا فيه من أمر الدين، وأن الله لا يوفق لدينه ولا يرشد للحق مَن كان كاذباً على ربه، مبالغاً في كفره.
عباد الله: هذا هو المعنى للآيات الثلاث الأول من سورة الزمر، السورة التاسعة والثلاثون في ترتيب المصحف الشريف، وآياتها خمس وسبعون آية، وهي مكية، تتحدث عن عقيدة التوحيد بإسهاب حتى يكاد تكون هي المحور الرئيسي للسورة الكريمة، لأنها أصل الإيمان، وأساس العقيدة السليمة، وأصل كل عمل صالح.
وقد ابتدأت السورة -كما ذكرنا- بالحديث عن القرآن، المعجزة الكبرى الدائمة الخالدة لمحمد بن عبدالله -صلى الله عليه وسلم-، وأمرت الرسول بإخلاص الدين لله، وتنزيه الله -جل وعلا- عن مشابهة المخلوقين، وذكرت شبهة المشركين في عبادتهم للأوثان، واتخاذهم شفعاء، وردَّت على ذلك بالدليل القاطع.
وقال سبحانه: (لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا)، أي: على سبيل الفرض والتقدير؛ (لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ)، أي: لاختار من مخلوقاته ما يشاء، ويستحيل ذلك في حق الله سبحانه، ولم يشأ ذلك -عز وجل- (سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) [الزمر:4]، أي: تنزه -جل وعلا- وتقدس عن الشريك والولد؛ لأنه هو الإله الواحد الأحد، المنزه عن النظير والمثيل، القاهر لعباده بعظمته وجلاله.
ثم ذكرت السورة الكريمة الأدلة والبراهين على وحدانية رب العالمين في إبداعه لخلق السماوات والأرض، وفي ظاهرة الليل والنهار، وفي تسييره للشمس والقمر، وفي خلق الإنسان في أطوار في ظلمات الأرحام، وكلها براهين ساطعة على قدرته ووحدانيته سبحانه.
ومن ذلك قوله سبحانه في خلق الناس (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) [6]، وهو أدم عليه السلام، (ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا)، أي: ثم خلق من آدم حواء ليحصل التجانس والتناسل، (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ)، أي: أوجد لكم من الأنعام المأكولة وهي الإبل والبقر والغنم والمعز ثمانية أزواج، مِن كُلِّ نوعٍ ذكَراً وأنثى.
(يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ)، أي: يخلقكم في بطون أمهاتكم أطوارا: نطفة ثم علقة ثم مضغة، إلى أن يتم خلقه ثم ينفخ فيه الروح فيصير خلقاً آخر، (فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ) هي البطن والرحم والمشيمة وهو الكيس الذي يغلف الجنين، (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) [6]، أي: ذلكم الخالق المبدع المصوِّر هو الله رب العالمين، له الملك والتصرف التام في الإيجاد والإعدام، لا معبود بحق إلا الله، فكيف تنصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره؟.
وتناولت السورة موضوع العقيدة بوضوح وجلاء، وكشفت عن مشهد الخسران المبين للكفَرة المجرمين في دار الجزاء، حيث يتذوقون ألوان العذاب، وتغشاهم ظُلَل من النار من فوقهم ومن تحتهم، قال تعالى: (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ) [15-16]، أي: يا أوليائي خافوا عذابي ولا تتعرضوا لما يوجب سخطي.
(وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا)، أي: أنابوا إلى الله واجتنبوا عبادة الأصنام والأوثان، (وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) [17-18]، أي: لهم البشرى السارة بجنات النعيم لعباد الله الذين يستمعون الحديث والكلام فيتبعون أحسن ما فيه، فأولئك هم الذين هداهم الله لما يرضاه، وهم أصحاب العقول السليمة، والفطرة المستقيمة.
(أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّار) [19]؟ أي: أفمن وجبت عليه الشقاوة من الله تعالى، أفأنت يا محمد تنقذ من هو في الضلال والهلاك؟ والجواب: لا.
(لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ)، أي: المؤمنين الأبرار، (لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ)، أي: لهم في الجنة درجات عالية، وقصور شاهقة بعضها فوق بعض، (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ) [20].
ومن دلائل قدرته سبحانه قوله: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ)؟ أي: أدخله مسالك وعيوناً في الأرض وأجراه فيها، (ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ)، أي: يخرج به زروعاً مختلفة الألوان والأصناف، (ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا)، أي: ثم ييبس فتراه بعد خضرته مُصْفَرَّاً، (ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ) [21]، أي: ثم يصبح فتاتاً متهشماً متكسراً، إن فيما ذكر لعظة وعبرة لذوي العقول المستنيرة.
والآية فيها تمثيل لحياة الإنسان بالحياة الدنيا، فمهما طال عمر الإنسان فلابد من الانتهاء إلى أن يصير مصفَرَّ اللون، متحطم الأعضاء، متكسراً كالزرع بعد نظرته، ثم تكون عاقبته الموت، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
(أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ)؟ أي: وسع صدره للإسلام فهو على بصيرة ويقين من أمر دينه، (فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ)، أي: فويل للذين لا تلين قلوبهم ولا تخشع عند ذكر الله، (أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [22]، أي: في بُعد عن الحق ظاهر.
(اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا)، أي: قرآناً يشبه بعضه بعضاً في الفصاحة والبلاغة والتناسب بدون تعارض ولا تناقض، (مَثَانِيَ)، أي: تثنى وتكرر فيه المواعظ والأحكام، (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ)، أي: تعتري هؤلاء المؤمنين خشية وتأخذهم قشعريرة عند تلاوة آيات القرآن، (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)، أي: تطمئن وتسكن قلوبهم وجلودهم إلى ذكر الله، (ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) [23]، أي: ومن يخذله الله فيجعل قلبه قاسياً مظلماً فليس له مرشد ولا هاد بعد الله.
وذكرت السورة مثلاً يوضح الفارق بين من يعبد إلهاً واحداً ومن يعبد آلهة متعددة لا تسمع ولا تستجيب، وهو مثل للعبد الذي يملكه شركاء متشاكسون متخاصمون والعبد الذي يملكه سيد واحد، وذلك في الآية (29) من السورة فلا مقارنة بين الاثنين.
وقال سبحانه لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)، [30]، أي: إنك يا محمد ستموت كما يموت هؤلاء ولا يخلد أحد في هذه الدار، (ثمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) [31]، أي: ثم تجتمعون عند الله في الدار الآخرة وتختصمون فيما بينكم من المظالم وأمر الدنيا والدين، ويفصل بينكم أحكم الحاكمين.
ثم ذكرت السورة حالة المشركين النفسية عندما يسمعون توحيد الله، حيث تنقبض قلوبهم، وإذا سمعوا ذكر الطواغيت هشوا وبشوا، قال تعالى: (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ)، أي: نفرت وانقبضت من شدة الكراهة، فهذه قلوب المشركين، (وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) [45]، أي: إذا ذكرت الأصنام والأوثان إذا هم يفرحون ويسرون.
ثم تمضي السورة في دعوة المؤمنين إلى الإنابة والتوبة إلى الله قبل فوات الأوان، قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [53]، أي: أخبر يا محمد عبادي المؤمنين الذين أفرطوا في الجنابة على أنفسهم بالمعاصي والآثام لا تيئسوا من مغفرة الله ورحمته؛ فإنه تعالى يغفر جميع الذنوب لمن شاء وإن كانت مثل زبد البحر، فهو عظيم المغفرة، واسع الرحمة.
(وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) [54-55].
أيها الأحبة: الحقيقة أني اخترت فقط إيضاح معاني بعض الآيات، وإلا فالسورة كل آية منها عظيمة وتستحق أن توضح وتبين، ولكن المقام لا يسمح بذلك.
وفي الخطبة الثانية سنوضح بعض المعاني -إن شاء الله-، وأسأل الله أن ينفعنا بما سمعنا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، فرَّق بين المتقين والفجار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: عباد الله: اتقوا الله تعالى، واستكمالاً للحديث عن سورة الزمر فإن تسميتها بهذا الاسم لأن الله ذكر فيها زمرة السعداء من أهل الجنة وزمرة الأشقياء من أهل النار، فقال: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا)، أي: جماعات.
(حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا)، أي: حتى إذا وصلوا إليها فتحت أبواب جهنم فجأة لتستقبلهم، (وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ) [71]، أي: قالوا بلى قد جاؤونا وأنذرونا بالحجج والبراهين ولكننا كذبناهم وخالفناهم لما سبق لنا من الشقاوة.
(قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) [72]، أي: قيل لهم ادخلوا جهنم لتصلوا سعيرها ماكثين فيها أبداً، فبئس المقام والمأوى للمتكبرين عن الإيمان بالله، وتصديق الرسل!.
(وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) ، أي: وسيق الأبرار المتقون لله إلى الجنة جماعات راكبين النجائب، كما يفعل بالوافدين على الملوك، في إكرام من الله ورضوان، حتى إذا جاؤوها وقد فتحت أبوابها وهُيِّأَتْ لهم، (وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) [73]، أي: وقال لهم حراس الجنة سلام عليكم أيها المتقون الأبرار، طهرتم من دنس المعاصي والذنوب، فادخلوا الجنة دار الخلود الأبدي.
(وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [74]، أي: وقالوا عند دخولهم الجنة واستقروا فيها: الحمد لله الذي حقق لنا ما وعدنا به من دخول الجنة، وملكنا أرضها نتصرف فيها تصرف المالك في ملكه، وننزل فيها حيث نشاء، لا ينازعنا فيها أحد؛ فنعم أجر العاملين بطاعة الله حيث أدخلهم الجنة!.
وتختتم السورة الكريمة بقوله تعالى: (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [75]، أي: وترى يا محمد الملائكة محيطين بعرش الرحمن، محدقين به من كل جانب، يسبحون الله ويحمدونه تلذذاً لا تعبداً، وقضى بين العباد بالعدل، وقيل الحمد لله رب العالمين على عدله وقضائه.
عباد الله: هذه لمحة عن سورة الزمر وعن الآيات الأخيرة منها التي توضح حال الأشقياء، نعوذ بالله أن نكون منهم؛ وحال السعداء، نسأل الله أن نكون منهم، ولا يتحقق ذلك إلا بصدق النية مع الله، والعمل الصالح.
فأسأل الله أن يوفقنا لذلك، وأن يغفر لنا ذنوبنا ويرحمنا، وأن نكون من زمرة السعداء أهل الجنة، بكرمه وقدرته ورحمته، فالله ارحم الراحمين، مستجيب الدعاء لمن دعاه بصدق وإخلاص، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.
وصَلُّوا وسلِّموا -عباد الله- على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.