الوكيل
كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...
العربية
المؤلف | مسفر بن سعيد بن محمد الزهراني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | القرآن الكريم وعلومه - أركان الإيمان |
سورة الصافات هي السورة السابعة والثلاثون في ترتيب المصحف الشريف، وآياتها اثنتان وثمانون ومائة آية، وهي مكية، عنيت بأصول العقيدة الإسلامية: التوحيد والوحي والبعث والجزاء، شأنها كشأن سائر السور المكية التي تهدف إلى تثبيت دعائم الإيمان. وسميت بـ "سورة الصافات" تذكيراً للعباد بالملأ الأعلى من الملائكة الأطهار، الذين لا ينفكُّون عن عبادة الله، وبيان وظائفهم التي كلفوا بها ..
الحمد لله رب العالمين، الإله الواحد الأحد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صَلَّى اللهُ عليه وسلم وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
فيا عباد الله: سورة الصافات هي السورة السابعة والثلاثون في ترتيب المصحف الشريف، وآياتها اثنتان وثمانون ومائة آية، وهي مكية، عنيت بأصول العقيدة الإسلامية: التوحيد والوحي والبعث والجزاء، شأنها كشأن سائر السور المكية التي تهدف إلى تثبيت دعائم الإيمان.
وسميت بـ "سورة الصافات" تذكيراً للعباد بالملأ الأعلى من الملائكة الأطهار، الذين لا ينفكُّون عن عبادة الله، وبيان وظائفهم التي كلفوا بها.
ابتدأت السورة الكريمة بالحديث عن الملائكة الأبرار، الصافات قوائمها في الصلاة، أو أجنحتها في ارتقاب أمر الله، حيث أقسم الله بها فقال: (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا) [الصافات:1].
قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: هم الملائكة تصف في السماء في العبادة والذكر صفوفاً. وفي الحديث: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم؟" قلنا: وكيف يا رسول الله؟ قال: "يتمون الصفوف المتقدمة، ويتراصُّون في الصف" أخرجه مسلم.
قال تعالى: (فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا) [2]، أي: الملائكة تزجر السحاب، يسوقونه إلى حيث يشاء الله، من الزجر وهو السوق والحث.
(فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا) [3]، أي: الملائكة التالين لآيات الله على أنبيائه وأوليائه، مع التسبيح والتقديس والتمجيد.
(إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ) [4]، هذا جواب القسم، أي: إن إلهكم الذي تعبدونه أيها الناس إله واحد لا شريك له.
(رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ) [5]، أي: رب كل شيء، وهو رب مشارق الأرض ومغاربها، في الشتاء والصيف.
(إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ) [6]، أي: زينا السماء الدنيا القريبة منكم بالكواكب المنيرة المضيئة التي تبدو وكأنها جواهر تتلألأ.
(وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ) [7]، أي: وللحفظ من كل شيطان عاتٍ متمرِّدٍ، خارجٍ عن طاعة الله سبحانه وتعالى.
(لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى)، أي: لا يقدرون أن يستمعوا إلى الملائكة الذين هم في العالم العلوي، (وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) [8]، أي: ويرجمون بالشهب من كل جهة يقصدون السماء منها.
(دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ) [9]، أي: طرد لهم عن السماع لأخبار السماء، ولهم في الآخرة عذاب موصول لا ينقطع.
(إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) [10]، أي: إلا من اختلس شيئاً مُسَارَقَةً، فلحقه شهاب مضيء نافذ بضوئه وشعاعه فأحرقه.
ثم تمضي السورة الكريمة في التحدث عن البعث والجزاء وإنكار المشركين له، واستبعادهم للحياة مرة ثانية بعد أن يصبحوا عظاماً ورفاتا، وتأكيداً لعقيدة الإيمان بالبعث، ذكرت السورة قصة "المؤمن والكافر"، والحوار الذي دار بينهما في الدنيا، والنتيجة التي آل إليها أمر كل منهما بخلود المؤمن في الجنة وخلود الكافر في النار، وهذه الآيات من (50 إلى 61).
كما أن السورة تتحدث عما أعده الله للأبرار في دار النعيم، وما أعده للأشرار في دار الجحيم؛ ليظهر التميز بين الفريقين.
ثم تذكر قصة نوح عليه السلام، وما فيها من العظات والعبر، وتعقبها بذكر قصة إبراهيم الخليل عليه السلام، من أنصار وأعوان نوح عليه السلام، قيل: كان بينهما ألفان وستمائة وأربعون سنة، وكان بينهما نبيان، هما هود وصالح، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
إذ جاء إبراهيم ربه بقلب نقي صالح مخلص من الشك والشرك، حين قال لأبيه آزر: فما تظنون برب العالمين؟ أي يترككم بلا عقاب وقد عبدتم غيره؟ ولما وبخهم عن عبادة غير الله أراد أن يريهم أن أصنامهم لا تضر ولا تنفع، وأراد أن يخلو بها حتى يكسرها، فاحتال للبقاء وعدم الخروج معهم إلى العيد.
(فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) [88]، أي فنظر في السماء -على عادتهم حيث كانوا جاهلين-، وأوهمهم أن النجوم تدل على أنه سيسقم غداً، (فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ) [89]، أي: سأمرض إِن خرجتُ معكم، وهذا ليس بكذبٍ، وإِنما هو من المعاريض الجائزة لمقصد شرعي.
فتركوه؛ إِعراضاً عنه، وخرجوا إِلى عيدهم، فمال إلى أصنامهم خفية، فسألهم: ألا تأكلون من هذا الطعام؟!.
قال ابن كثير: وذلك أنهم كانوا قد وضعوا بين أيديها طعاماً قرباناً لتُبارك لهم فيه، وسألهم: ما لكم لا تجيبوني؟ باستهزاء، فأقبل على الأصنام مستخفياً يحطمها بيمينه بفأس كان معه.
فأقبلوا إليه مسرعين، كأن بعضهم يدفع بعضاً قالوا: ويحكَ! نحن نعبدها وأنت تكسرها؟ فأجابهم موبخاً لهم: أتعبدون أصناماً تنحتوها بأيديكم، وصنعتموها بأنفسكم؟ واللهُ -جل وعلا- خلقكم وخلق عملكم؟ فكيف تعبدون المخلوق وتتركون الخالق؟!.
ثم قالوا ابنوا له مكاناً وأضرموا النار، ألقوه في تلك النار المتأججة المستعرة، فأرادوا المكر بإبراهيم، واحتالوا لإهلاكه، فنجاه الله سبحانه من النار، وجعلها برداً وسلاماً عليه، وجعلهم الله الأذلين المقهورين؛ لأنه لم ينفذ فيه مكرهم ولا كيدهم.
ولما نجاه الله من النار، وخلصه من كيد الفجار، هجر قومه واعتزلهم وقال: إني مهاجر من بلد قومي إلى حيث أمرني ربي. ودعا ربه أن يرزقه ولداً صالحاً يؤنسه في غربته، فاستجاب الله دعاءه، وبشَّره بغلام يكون حليماً في كبره.
قال جمهور المفسرين: هو إسماعيل عليه السلام، فلما ترعرع وشب وبلغ السن الذي يمكنه أن يسعى مع أبيه في أشغاله وحوائجه، قال المفسرون: وهو سن الثالثة عشر، قال له: يا بني، إني أمرت في المنام أني أذبحك فانظر في الأمر، رأيك! فقال: يا أبت امض إلى ما أمرك الله به من ذبحي، فستجدني صابراً إن شاء الله.
ولما أسلما وتلَّه للجبين، وناداه ربه أنك قد صدَّقْتَ الرؤيا، وحصل المقصود من رؤياك بإضجاعك ولدك للذبح؛ روى أنه أمَرَّ السكين بقوَّته على حلقه مراراً فلم يقطع! وكما فرجنا شدتك يا إبراهيم، كذلك نجازي المحسنين بتفريج الشدة، ونجعل لهم من هم فرجاً ومخرجا.
ثم بين الله سبحانه أن هذا الابتلاء الذي ابتلي به إبراهيم وابنه لهو الإبتلاء الشاق الواضح الذي يتميز فيه المخلص من المنافق، وفداه الله سبحانه بكبش عظيم. قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كبش عظيم قد رعى في الجنة أربعين خريفاً.
وأبقى عز وجل على إبراهيم -عليه السلام- ثناء حسنا إلى يوم الدين، سلام الله على إبراهيم، سلام عاطر كريم، فإنه كان من الراسخين في الإيمان والاطمئنان.
وأعقب بهذه القصة قصص بعض الأنبياء، موسى وهود وإلياس ولوط ويونس عليهم السلام جميعاً، لما في وصفهم من العظات والعبر.
وإلياس أحد أنبياء بني إسرائيل، قيل: هو إلياس بن ياسين من سبط هارون أخي موسى، قال لقومه: تخافون الله؟ وكيف تعبدون هذا الصنم المسمى بعلاً وتتركون عبادة ربكم أحسن الخالقين؟ وهو ربكم رب آبائكم السابقين.
قال القرطبي: وبعل اسم صنم لهم كانوا يعبدونه، وبذلك سميت مدينتهم "بعلبك"، فكذبوا نبيهم، فإنهم لمحضرون للعذاب.
أما قوم يونس فلم يستجيبوا لدعوته، فيئس منهم وغضب، قال المفسرون: إن يونس ضاق صدراً بتكذيب قومه، فأنذرهم بعذاب قريب، وغادرهم مغاضباً لأنهم كذبوه، فقاده الغضب إلى شاطئ البحر، حيث ركب سفينة مشحونة فتناولتها الرياح والأمواج.
فقال الملاحون: هاهنا عبد أبق من سيده، ولابد لنجاة السفينة من إلقائه في الماء لتنجو من الغرق، فاقترعوا فخرجت القرعة على يونس، فألقوه في البحر، فابتلعه الحوت وهو آت بما يلام عليه من تخليه عن المهمة التي أرسله الله بها، وترْك قومه مغاضبا لهم، وخروجه بغير إذن من ربه.
فلولا أنه كان من الذاكرين الله كثيراً لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة، وأصبح بطنه قبراً له فلم ينج أبداً، ولكنه سبح لله واستغفره، وناداه وهو في بطن الحوت بقوله: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء:87].
فاستجاب الله نداءه وتضرعه فألقاه من بطن الحوت على الساحل بالأرض الفضاء التي لا شجر فيها ولا ظل وهو مريض مما ناله من الكرب، وأنبت الله فوقه شجرة لتظله وتقيه من حر الشمس، وهي شجرة القرع ذات الأوراق العريضة.
وبعد أن أعاد الله سبحانه إليه عافيته رده إلى قومه الذين هرب منهم، والذين كانوا يزيدون عن مائة ألف، فآمنوا بعد أن شاهدوا أمارات العذاب الذي وُعدوا به، فأبقاهم الله ممتعين في الدنيا إلى حين انقضاء آجالهم.
أيها الأحبة: هذه لمحة عن معاني بعض آيات سورة الصافات، وبعض قصص الأنبياء التي وردت فيها، ذكرناها للعبرة والعظة، أسأل الله أن ينفعنا بها وبهدي كتابه الكريم، وسنة خاتم المرسلين، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله خالق الخلق، ومدبر الكون، ووعده الحق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: عباد الله: استكمالاً لتوضيح معاني بعض سورة الصافات نقول إن السورة ختمت ببيان نصرة الله لأنبيائه وأوليائه في الدنيا والآخرة، وأن العاقبة للمتقين.
وبعد أن انتهى من الحديث عن الرسل الكرام أرجع الحديث عن المكذبين من كفار مكة بأن يسألهم محمد -صلى الله عليه وسلم- على سبيل التوبيخ، حيث زعموا أن الملائكة بنات الله! وكيف أنهم نسبوا الولد إلى الله سبحانه! تنزه وعلا عن قولهم! وأنكر عليهم مقالتهم الشنيعة.
وانتقل كلام الله سبحانه في السورة إلى أسطورة أخرى لفقها المشركون، حيث زعموا أن هناك صلة بين الله سبحانه وبين الجن، وأن بينه وبين الجن قرابة ونسباً، (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا) [الإسراء:43]، ولقد علمت الشياطين إنهم لمحضرون في العذاب، تنزه الله وتقدس عما يصفون، لكن عباد الله المخلَصين ينزهون الله تعالى عما يصفه به المشركون.
ثم بين الله سبحانه أن الكفار وما يعبدون من الأصنام والشياطين لا يقدرون على أن يضلوا أحداً من عباد الله إلا مَن قضى الله عليه الشقاوة، وقدَّرَ أن يدخل النار ويصلاها.
ثم ذكر الله تعالى اعتراف الملائكة بالعبودية لله، وأن كلا منهم له مرتبته ومنزلته ووظيفة لا يتعداها، فمنهم الموكل بالأرزاق، ومنهم الموكل بالآجال، ومنهم من يتنزل بالوحي، ومنهم الواقفون في العبادة صفاً، وأنهم المنزهون لله سبحانه عن كل ما لا يليق بعظمته وكبريائه في كل وقت وحين.
ثم عاد الحديث عن كفار مكة الذين كانوا يقولون: لو نزل علينا كتاباً من كتب الأولين كالتوراة والإنجيل لكنا أعظم إيماناً منهم، وأكثر عبادة وإخلاصاً منهم! فلما جاءهم القرآن كفروا به وهو أشرف الكتب السماوية، فسوف يرون عاقبة كفرهم بآيات الله.
ثم بين سبحانه أنه قد وعد رسوله بالنصر على أعدائه، وأن جند الله المؤمنين لَهُمُ الغالبون في الدنيا والآخرة، في الدنيا بالحجة والبرهان، وفي الآخرة يبصرون عاقبة كفر أعدائهم.
ثم أنكر الله سبحانه عليهم استعجالهم العذاب، وأن يستبعدوا ذلك، فإذا نزل بفناء المكذبين فبئس هذا الصباح صباحهم، شبّه عذابه سبحانه بجيش قد هجم عليهم وقت الصباح فقطع دابرهم، ثم كرر سبحانه التهديد بتأكيده، ولتسلية الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
وختم السورة بقوله: (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [180-182].
ونحن نسبح الله وننزهه عما يقول الكافرون، ونسلم على المرسلين، ونحمد الله رب العالمين دائما وأبداً إن شاء الله تعالى.
عباد الله: هذه لمحة عن بعض معاني سورة الصافات، نفعنا الله بها وبكتابه الكريم، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.
وصَلُّوا وسلِّموا عباد الله على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.