البحث

عبارات مقترحة:

الشاكر

كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

الحسيب

 (الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...

المهيمن

كلمة (المهيمن) في اللغة اسم فاعل، واختلف في الفعل الذي اشتقَّ...

لماذا خلقت؟

العربية

المؤلف سامي بن خالد الحمود
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. الغاية من الخلق .
  2. لذة العبادة .
  3. السلف والعبادة .
  4. توجيهات مهمة في العبادة .

اقتباس

حينما يتأمل المسلم اليوم في أحوال نفسه وأحوال من حوله، يدرك كم هو مشغولٌ عن الغاية التي خَلَقه اللهُ لأجلها، تلك الغاية التي قَلَّ مِنّا مَن يسأل نفسه هل سلك طريقها، وهل توخّى وسائلها، وطَمِع في جوائزها.. ربما تفكرت طويلاً -يا رعاك الله- في الغايةِ من عملك، والغايةِ من تجارتك، والغايةِ من دراستك، ولا أشك أنك ستبحث عما يوصلك إلى تلك الغايات الشريفة ..

الحمد لله الأحد الصمد، له النعمُ التي لا تعد، والآلاءُ التي لا تحد.. يغفر الذنب، ويستر العيب، ويعفو عن السيئات، وهو الرحيم الغفور.. وأشهد ألا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرا.

أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).

عباد الله: حينما يتأمل المسلم اليوم في أحوال نفسه وأحوال من حوله، يدرك كم هو مشغولٌ عن الغاية التي خَلَقه اللهُ لأجلها، تلك الغاية التي قَلَّ مِنّا مَن يسأل نفسه هل سلك طريقها، وهل توخّى وسائلها، وطَمِع في جوائزها.. ربما تفكرت طويلاً -يا رعاك الله- في الغايةِ من عملك، والغايةِ من تجارتك، والغايةِ من دراستك، ولا أشك أنك ستبحث عما يوصلك إلى تلك الغايات الشريفة، ولكن كم مرةٍ سألنا أنفسنا: لماذا خُلِقنا؟ لماذا خَلَقنا الله على هذه الأرض؟ هل خلقنا لنتمتع بشهواتها؟ بطعامها؟ بشرابها؟ بزينتها وزخرفها؟، ثم نموت وندفن في التراب وينتهي كلُّ شيء؟.. لماذا خُلِقنا؟ إنه سؤال ربما نعيد بسببه كثيرًا من حساباتنا الدنيوية والأخروية.

أما الجواب، فاسمع الجوابَ من الله الذي تكفل به في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).

إنها العبادة، الغاية العظمى للحياة.

لكنَّ الإنسانَ يميل بطبعه إلى المُتَع، وتهفو نفسه إلى الدعة والراحة، ويشتاق بتكوينه إلى ما يرضي دنياه.. هكذا خُلق الإنسان، عجولاً تغره الثمار القريبة الفانية، حتى تُشغله عن الباقية لأنها بعيدة.

أيها المسلم: إن الله تعالى لم يأمرك بالعبادة ليقطعَك عن مُتَعِك، ولا ليحرمَك من شهواتك.. ولا لينغّصَ عليك حياتَك.. كلا.. بل أمرك بالعبادة لتعيش بها هانئًا سعيدًا، مطمئن البال والضمير، (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى).

ولهذا كانت العبادة راحةً للنبي صلى الله عليه وسلم، فكان إذا تعِب ونَصَب قال: "أرحنا بالصلاة يا بلال" كما صح عند أحمد وأبي داود.

وكان صلى الله عليه وسلم يلجأ إلى الصلاة حينما تشتد عليه الكروب، وتزيد عليه الهموم، فعن حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى. رواه أحمد وأبو داود بسند حسن.

بل تأمل كيف كانت العبادةُ سَلوتَه في أشدِّ الخطوبِ خطورة، فها هو صلى الله عليه وسلم يَوْمَ بَدْرٍ ينظر إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْف، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وبضعة عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ صلى الله عليه وسلم الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ) فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالْمَلَائِكَةِ. رواه مسلم.

أيها المسلم: هل تأملت في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؟ إن من بينِهِم شابٌ نشأ في عبادة ربه، فاستحق يوم تنكبُّ الشمسُ على الخلائق فتلجمُهم في عرقهم، أن يحظى بظلٍ مميز، إنه ظل الله يوم لا ظل إلا ظله.

فيالَله العجب، كم للعبادة من حلاوةٍ في قلب المؤمن، يجد فيها راحتَه وسلوتَه، ويالَله العجب، كم لها من طمأنينةٍ يجد فيها المهموم أنسَه وبردَ فؤاده، (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ).. تطمئن القلوب، فلا تشعرُ بغم.. ولا تحسُّ بهم.. وتشعرُ أن مصائبَ الدنيا مهما بلغت عظمتها، فإنها هينةٌ أمام ذكر الله.. وسهلةٌ تحت قدرة الله.. ما دمتَ مع الله تعبده، وترضى بقضائه وقدره، وتعلم أنه سبحانه لن يُضِيعَ صبرَك، ولن يَنسى إيمانَك.

عباد الله.. أين الذين يستلذون بعبادة الله كما يستلذ غيرهم بالطعام والشراب.. أين من يستلذ بمناجاة ربه، وبالصدقة في وجوه الخير، وبالإحسان إلى الناس، والتخلق بأحسن الأخلاق، وبكل أنواع العبادة وأشكالها المشروعة.. يستلذ ويحس بطعم الحلاوة الإيمانية يسري في جوانحه، ولو أجهد بدنه، وترك الدنيا من خلفه، وزهد في مناصبها ومتعها، في سبيل أن يتذوق طعم العبادة لربه.

قيل للحسن البصري: ما بال المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجوهًا؟ قال: لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نورًا من نوره.

وقال سفيان: ترى صاحب قيام الليل منكسر الطرف، فرح القلب.

وكان الحسن بن صالح يقوم الليل هو وجاريته، فباعها لقوم، فلما صلت العشاء افتتحت الصلاة، فما زالت تصلي إلى الفجر، وكانت تقول لأهلِ الدارِ كلَّ ساعة تمضي من الليل: يا أهل الدار قوموا، يا أهل الدار قوموا، يا أهل الدار صلوا، فقالوا لها: نحن لا نقوم إلى الفجر، فجاءت إلى الحسن بن صالح الذي باعها وقالت له: بعتني لقومٍ ينامون الليل كلَّه، وأخاف أن أكسلَ من شهودِ نومِهم، فردّها الحسنُ رحمةً بها، ووفاءً بحقها.

وكان لبعض السلف عشرةٌ مع العبادة، حتى إنه ليذرفُ الدموعَ على فراقها إذا نزل به الموت.

لما نزل الموت بالعابدة أمِّ الصهباء بكت، فقيل لها: مم تبكين؟ فقالت: بكيت حينما تذكرت مفارقة الصيام والصلاة والذكر.

بل كانوا يتهمون أنفسهم بالذنوب إذا ما أصابهم الكسل عن العبادة، قال الثوري: حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته.

وجاء رجل للحسن البصري: يا أبا سعيد، إني أبيت معافى، وأحب قيام الليل،وأعد طهوري،فما بالي لا أقوم؟ فقال: ذنوبك قيدتك.

أي إخواني: متى نشعرُ بالسعادة حينما نلقي بجباهنا على الأرض لله تعالى، متى نعوِّدُ أنفسَنا أن نشتاق للقاء ربنا في صلاتنا وذكرنا، متى تحلّق قلوبنا في السماء طربًا وفرحًا حينما نبذِل الصدقة السخية لا نبالي الفقر أو المسكنة، ومتى نعود على صدورنا بالراحة حينما نخفض جناح الذل لوالدينا وأهلينا؟

إنها العبادة عباد الله، طريقنا إلى الفلاح والنصر والشفاء، فهنيئًا لنا سلوكُها، وتوخي طريقِها، لأنفسنا و أزواجنا وأولادنا، فإن الله يقول: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ).

اللهم ارزقنا شكرك وحسن عبادتك، واجعلنا فيها من المخلصين، والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

عباد الله: إن من رحمة الله تعالى علينا أن جعل لنا من أمرنا كلِّه عبادةً نتقرب بها إليه، ألسنا نأكل.. ألسنا نشرب.. ألسنا ننام.. ألسنا نسعى لطلب الرزق والمعيشة، ألسنا نقوم على النفقة على الأهل والذرية.. كل هذه الأمور إذا سرنا فيها على منهج النبي صلى الله عليه وسلم تحولت إلى عبادة نؤجر عليها، بشرط الإخلاص لله تعالى.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ) رواه البخاري.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ "قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ "أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرً" رواه مسلم.

وإن مما يعينك أخي الكريم على العبادة أن تعلم ما أعده الله تعالى من جزاءٍ عليها، فهذا يعينك على رفع الهمة في المواصلة عليها، فمن منا يتخيل كم أعده الله تعالى للمسلم من أجرٍ في زيارة المريض على سبيل المثال، اسمع ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ" رواه الترمذي وحسنه الألباني.

هذا، ولنحرص على التوسط في العبادة، دون إفراطٍ ولا تفريط، كما هي سنته صلى الله عليه وسلم، فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ قَالَ:" مَنْ هَذِهِ؟ "قَالَتْ فُلَانَةُ تَذْكُرُ مِنْ صَلَاتِهَا -أي من كثرة صلاتها-، قَالَ: "مَهْ عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَادَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ" رواه البخاري.

ولنتذكر أخير أن علينا أن نعرف أننا ما خلقنا إلا لعبادة ربنا في كل أحوالنا، فلنعبده ولنصطبر على عبادته، فإن الله قال: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *  لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ).

وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية ..