الشافي
كلمة (الشافي) في اللغة اسم فاعل من الشفاء، وهو البرء من السقم،...
العربية
المؤلف | عبد الرحمن بن علي النهابي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
ما زلنا نتكلم عن معالمَ إيمانيةٍ، تحفِّز النفوس على الأخذ بها، وتُضفي عليها السعادة والهناء، وتُكسبُ الإنسان الدرجات العلى، والنعيم المقيم.
الحمد لله على توفيقه وإحسانه، وأشكره على إنعامه وإفضاله وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربوبيته وسلطانه، وأشهد أن محمداً عبده وسوله الداعي إلى جنته ورضوانه، صلى الله عليه وآله وأصحابه وأعوانه، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: أيها الناس، (اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الحديد:28].
عباد الله: ما زلنا نتكلم عن معالم إيمانية، تحفِّز النفوس على الأخذ بها، وتضفي عليها السعادة والهناء، وتكسبُ الإنسان الدرجات العلى، والنعيم المقيم.
ألا وإن من ذلك:
المعْلَم الخامس: الوارد في الحديث، قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ومَن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة ".
للعلم الشرعي مكانة عظيمة، يرفع الله به المؤمنين درجات، فهو نورٌ وبرهان يرفع الجهل, ويبدد الظلام، وينور الأبصار والبصائر، وتعلو به الأمة، وتستقيم أمورها، وتصلح أحوالها، ومن سلك هذا الطريق، ودخل لإنارة بصائر الناس، ورفع الجهل، وتبيين معالم الأمور لهم، وإنماء معارفهم، وعرفهم بالله وحقه، وعبادته وما يستحقه، فإنه بذلك يفتح للناس أنواراً، ويوجد لهم مسالك وينابيع وأنهاراً، فهديه قويم، وجزاؤه عظيم، يسهل الله له بهذا الطريقِ الطريقَ الأعظم إلى الجنة، ويحظى بالخيرات، وينال المسرات، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فما أعظم من اشتغل بالعلم وطلبه بصدقٍ ونية! فقد هدي إلى صراط مستقيم.
فعلى مَن مَنَّ الله عليهم أن يسلكوا هذا الطريق، ويدعوا ويلتحقوا ويلحقوا أبناءهم بحلقات العلماء، ففضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، فاسلكوا دروب العلم، وتحملوا هذا الطريق، وخذوا منه بحظ وافر، فالعلماء ورثة الأنبياء.
وأما المعْلَم السادس: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "وما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده"، ما أعظم هذا العمل! وما أشرف المكان! وما أرفع قدر المعمول به! إنه كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، فيه خبر ما قبلكم، ونبأ ما بعدكم، لا تمله الألسن، ولا يخلق من كثرة الرد، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "تركتُ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله، وسنتي ".
إن الاجتماع على كتاب الله وقراءته وتلاوته من الأعمال الصالحة، والعبادات المثمرة، يتلو القارئ ثم يعقبه الآخر، ويستمع إليه، إنها لدوحة عظيمة، ونزهة في رياض القرآن، فيها المواعظ والبلاغ، وفيها الخير والفلاح، فنتائجها حميدة، وخيراتها مديدة، تنزل على القارئين السكينة والطمأنينة، وتغشاهم رحمة الباري، وتحفهم الملائكة، ويذكرهم الله في الملأ الأعظم، فما أعظم القرآن! وما أعظم تاليه والمجتمعين عليه! فاحظوا -عباد الله- بهذا الفضل، واسعوا إلى تدارس القرآن، وتعلمه وتعليمه.
أما المعْلَم السابع: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه"، فميزان العبد عند الله: العمل الصالح، فمَن تأخر عن العمل الصالح وقصر فيه؛ فلا يقدمه نسبه وأصله، فالنسب -وإن كان ذا معدن- لا يقدم الإنسان إلى معالي الأمور، ولا يرفعه إلى الفضائل والأجور؛ بل إن ما يرفع الإنسان ويعزُّه، ويكرمه هو تقواه لله، وعمله الصالح (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) [الحجرات:13].
فاتقوا الله -عباد الله-، وخذوا من معالم هذا الحديث، وطبقوه على حياتكم العملية تفلحوا في الدنيا والآخرة، وتسعدوا بحياة هنية، مليئة بالأمان والاطمئنان، واتقوا الله ويعلمكم الله، والله بكل شيء عليم.
ثم صلوا على أكرم نبي وأعظم هادٍ، فإن من صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشراً، وقد أمركم الله بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنى بملائكته المسبحة بقدسه، وثلث بكم -أيها المؤمنون- من جنه وأنسه، فقال -جلَّ من قائل عليم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، والخلق الأكمل، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي؛ وعن بقية الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وإحسانك يا رب العالمين.
اللهم أيد الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واكتب العزة والنصر للمجاهدين لإعلاء كلمة الدين، اللهم انصر المسلمين في كل مكان، وانصر إخواننا في فلسطين، وفي العراق، وكشمير، والشيشان، وفي كل مكان من بلاد المسلمين، اللهم قوِّهم بقوتك، وأيدهم بتأييدك، وامددهم من عندك، اللهم تولَّ أمرهم، وفكَّ أسرهم، وثبتهم على الحق في مواطن الإحن والفتن.
اللهم وعليك باليهود والنصارى والملحدين، اللهم فرق جمعهم، وشتت شملهم، وأفسد آلتهم، وأسقط عَلَمهم، وزلزل دولهم، اللهم أنزل بأسك ورجزك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.
اللهم آمِنّا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أصلح أحوالنا وشؤوننا، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم أصلح فساد قلوبنا، وطهر أعمالنا من الرياء والنفاق، وألسنتنا من الشقاق وسوء الأخلاق.
اللهم ارفع عنا البلاء، والوباء، والزنا، والخنا، والزلازل، والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين.
ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:10].
اللهم إنا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثاً مغيثاً، هنيئاً، عاماً، طبقاً، مجللاً، نافعاً غير ضار، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، ولا بلاء، ولا هدم، ولا غرق، اللهم غيثاً تحيي به البلاد، وترزق به العباد، وتجعله بلاغاً للحاضر والباد.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين.