البحث

عبارات مقترحة:

العفو

كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...

القادر

كلمة (القادر) في اللغة اسم فاعل من القدرة، أو من التقدير، واسم...

الأول

(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

التفحيط والتهور بالسيارة

العربية

المؤلف سامي بن خالد الحمود
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. نعمة السيارة .
  2. ظاهرة التفحيط والتهور بالسيارة .
  3. خطورة التفحيط وأضراره .
  4. طرق لعلاج هذه الظاهرة .

اقتباس

لا يشك مَن كان له أدنى رائحة من العلم الشرعي أن التفحيط محرم في الشريعة الإسلامية، وأن مرتكبه متوعَّد بالعقوبة؛ جزاءَ إيذائه إخوانه المسلمين.

الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، وأمات وأحيا، وأغنى وأقنى، الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى.

والصلاة والسلام على عبده المصطفى، ورسوله المجتبى، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم واقتفى.

أما بعد: السيارة نعمة من نعم الله، وأيُّ نعمة! فكم قضت من حاجة، وكم أسعفت من مريض، وكم أغاثت من ملهوف! ناهيك عن الطاعات والقربات من سيرٍ إلى المساجد، أو حج وعمرة، أو بر والدين، أو صلة رحم، أو عيادة مريض.

ولقد أشار الله إلى هذه النعمة المتجددة، أعني نعمة وسائل النقل، قبل ألف وأربعمائة سنة، فقال سبحانه كما في سورة النحل: (وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ? وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) [النحل:7-8].

قال الشيخ ابن سعدي -رحمه الله-: (ويخلق ما لا تعلمون) مما يكون بعد نزول القرآن من الأشياء التي يركبها الخلق في البر والبحر والجو، ويستعملونها في منافعهم ومصالحهم. انتهى كلامه. إنها نعمة عظيمة، تستوجب شكرَ المنعم سبحانه، وتسخيرَها فيما يحبه ويرضاه.

لكننا، في هذا الزمان، رأينا -والله!- كيف يحوّل بعض الناس هذه النعمة إلى نقمة، ورأينا الشباب بالأرواح يغامرون، وبالأبرياء يضحون، وللأموال يبددون.

وقد ازدادت الحوادث المروية في المملكة خلال عشر سنوات فقط بنسبة أربعمائة بالمائة! وخلال ثلاث وعشرين سنة بلغ عدد المصابين في حوادث المرور بالمملكة أكثرَ من نصف مليون مصاب، توفي منهم ستون ألفَ إنسان!.

وتتحدث الإحصائيات عن أكثرَ من أربعة آلاف ومائتي حالة وفاة سنوياً بالمملكة، وألف ومائتي إعاقةٍ دائمة، وثمانية آلاف إعاقةٍ مؤقتةٍ سنوياً. إنها أرقام مخيفة، يقف وراءها ظواهر سيئة كالسرعة، وقطع الإشارة، والتفحيط، وغيرها.

وإذا تحدثنا عن ظاهرة التفحيط والتهور بالسيارة، فإننا نتحدث عن ظاهرة مرعبة، لكنها عند بعض شبابنا مجرد لعبة.

شاب متهور، يقوم بحركات قاتلة، يصوب سيارته إلى مجموعة من الجماهير، التي اصطفت يميناً وشمالاً.

وهناك مواقف وأوقات تزداد فيها ظاهرة التفحيط، كالمباريات، والتجمعات، وأوقات الامتحانات، حيث ينتشر الطلاب بعد الامتحان ما بين مفحط ومتفرج.

لقد فتن كثير من شبابنا بهذه الظاهرة، فأصبحوا -وللأسف!- يتفننون في أنواع الحركات المميتة، من تربيع وتخميس، وسلسلة واستفهام، بل وحركة الموت التي يأتي فيها المتحدي من جهته بأقصى سرعة، ثم يقابل المتحدي الآخر وجهاً لوجه، والجبان هو من ينحرف عن الآخر!.

وقد يكون كل منهما شجاعاً فتقع الكارثة، كما ذكر لي أحد المسؤولين في المرور، وقال: كان آخر ضحايا هذه الحركة شابين، توفي أحدهما في الحال، ونقل الآخر إلى الإنعاش.

أيها الأحبة: للتفحيط والتهور آثارٌ وأضرارٌ خطيرة على الشاب والأسرة والمجتمع، أول هذه الأضرار: قتل النفس، الموت، وكفى به ضرراً!.

فالمفحِّطُ، وهو يقوم بهذه اللعبة، يغامر بروحِه التي يحيا بها، وحواسِّه التي يشعر بها، وأطرافِه التي يتحرك بها.

ظاهرة التفحيط كم أزهقت من روح، وكم فجرت من جروح! إنها مسرحية الانتحار، فكيف يرضى العاقل أن يقتل نفسه، أو يَشُلَّ جسده؟.

وفي زيارة لمستشفى النقاهة، وقفت على شابين من ضحايا التفحيط، مصابين بالشلل النصفي، أدخل الغرفة فإذا بالمنظر المؤلم، على السرير الأيمن شاب عمره يوم أن دخل المستشفى عشرون عاماً، ثم أمضى بعد الحادث أحد عشر عاماً على السرير، قد انثنت أطرافه، وانحرفت رقبته، وشُلَّتْ حركته، فلم يبق له من الحركة سوى نظرةٍ بالعين، والتفاتةٍ يسيرة بالعنق.

نظر إلي، فتغيرت ملامح وجهه، كأنه يريد أن يعبر لي عن شعوره، لكنه لا يستطيع الكلام، حاولت أن أتكلم معه، فعجزت أن أخرج كلمة واحدة، لم أجد إلا أن أرفع أصبعي إلى السماء، لعلي أذكِّره رحمة رب العالمين، الذي لا يضيع أجر الصابرين.

ثم التفت إلى السرير الآخر، وإذا بالمصيبة الأخرى، شاب دخل المستشفى وعمره أربعة وعشرون عاماً، أمضى في المستشفى بعد الحادث ثماني سنوات، كان بجوار هذا الشاب أحد الممرضين، معه وعاء فيه طعام سائل، وهو يقوم برفع السائل بالملعقة، فإذا وصلت إلى فم الشاب المسكين حرك شفتيه ليشرب، ثم ينتظر الملعقة الأخرى.

نقول لكل شاب: هذه أحوالهم، فإن لم تتعظ وترتدع فزُرْهُم، فليس من رأى كمن سمع!.

ومن أضرار التفحيط والتهور بالسيارة التعدي على الآخرين، بإتلاف أرواحهم، وتحطيم أبدانهم، وترويعهم في طرقاتهم. كم من رجال ونساء، وأطفال أبرياء، تحولوا إلى أشلاء بسبب تهور المفحطين!.

رأينا شاباً ركب مع أحد المفحطين في أحد شوارع الرياض، وبدأ التفحيط، وبسبب السرعة الرهيبة اختل توازن السيارة، فصارت تزحف على جنبها مسافة طويلة، ثم اتجهت إلى الرصيف وارتطمت بقوة بالعمود، وكانت الضربة من جهة الراكب الذي التف عليه الحديد، فكان يصرخ ويستنجد بالناس: أغيثوني، أخرجوني، ثم بقي شيئاً من الوقت، ثم مات.

أيها الأحبة: أعرف امرأة عمرها يقارب الثلاثين عاماً لا تشعر بمن حولها، لم يبق لها من الحياة إلا النفَس والأكل عبر أنبوبٍ في أنفها، وفتحةٍ في حلقها، هي على هذه الحالة منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، بعد أن سحقتها سيارة أحد المفحطين بعد خروجها من المدرسة وعمرها آنذاك ثلاثة عشر عاماً.

هذا، وللتفحيط أضرار أخرى، تتمثل في الخسائر المادية في الممتلكات العامة والخاصة بسبب الحوادث.

كما أن التفحيط مفتاح لجرائم متعددة، من سرقات، وأخلاقيات، ومسكرات ومخدرات، فما إن يدخل الشاب عالم التفحيط حتى يتعرف على مجموعة من المنحرفين الذين يفتـحون له أبـواب الشرور.

ومن الأضرار أيضاً معاناة أسرة المفحط، فقد تسبب كثير من المفحِّطين في معاناة آبائهم وأمهاتهم وأفراد أسرتهم، إما بسبب كونه مطلوباً للجهات الأمنية، أو بسبب مراقبة المنزل، أو بسبب الحوادث المترتبة على قيامه بالتفحيط، أو بسبب السمعة السيئة التي تلحق الأسرة بفعله.

ومنها اختناقُ السير، وتعطيل الحركة المرورية، ووجود التجمُّعات الشبابية التي تكون سبباً في الفوضى، والتعدي على الناس والممتلكات.

عباد الله: لا يشك مَن كان له أدنى رائحة من العلم الشرعي أن التفحيط محرم في الشريعة الإسلامية، وأن مرتكبه متوعد بالعقوبة؛ جزاء إيذائه إخوانه المسلمين. قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانَاً وَإِثْمَاً مُبِينَاً) [الأحزاب:58].

وفي الصحيحين أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: "إن الله كـره لكم ثلاثاً: قيل وقال، وإضـاعة المال، وكثرة السؤال".

وقد أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء في هذه البلاد بحرمة التفحيط، نظراً لما يترتب على ارتكابه من قتلٍ للأنفس، وإتلافٍ للأموال، وإزعاجٍ للآخَرين، وتعطيلٍ لحركة السير.

عباد الله: وإذا نظرنا إلى الأسباب والدوافع التي تقف وراء التفحيط والتهور في قيادة السيارة، نجد أن أبرز هذه الأسباب ما يلي: ضعف الإيمان، حب الظهور والشهرة، الفراغ القاتل، تقليد ومحاكاة رفقة السوء، ضعف رقابة الأسرة، وغفلة كثير من الآباء عن أبنائهم، أو شراء السيارة للصغار منهم، وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6].

نفعني الله وبكم بهدي كتابه، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، والحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:

الحمد لله...
أيها الأحبة: ولنا أن نتساءل بعد هذا: ما هي أهم الحلول للتصدي لظاهرة التفحيط والتهور في قيادة السيارة؟ لعلي أذكِّرُ ببعض الأمور التي يمكن القيام بها لعلاج هذه الظاهرة:
أولاً: لا بُدَّ مِن رفع الوعي بين الشباب، والتذكير بأضرار هذه الظاهرة.

يا أيها المفحط، ويا أيها المتهور، إلى متى وأنت تغامر بروحك وأرواح الآخرين؟ ألم تسمع نداء ربك، وهو ينهاك عن قتل نفسك؟ (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء:29]؟ أيسرك أن تلقى الله وقد قتلت نفسك بهذا الفعل؟.

والمصيبة أن بعض الشباب يموتون في بعض حوادث التفحيط على ترك الصلاة، يموتون على المعصية، يموتون على الأغاني المحرمة. نعوذ بالله من سوء الخاتمة.

ثانياً: التفحيط ظاهرة جماهيرية في الغالب، فالشباب المتجمهرون المتفرجون عليهم جزء من المسؤولية والإثم فيما يحدث من المآسي بسبب التفحيط.

أخي الشاب: إنك بتجمهرك تُغري المفحِّط بالاستمرارِ في التفحيط من جهة، وتعرض نفسك للتلف من جهة أخرى.

ثالثاً: على الآباء دور كبير في التصدي لهذه الظاهرة، في حسنِ تربيتهم، ومراقبتِهم سلوك أبنائهم، وعدمِ تمكين الصغار منهم من قيادة السيارة.

رابعاً: على الجهات الأمنية دور كبير في التصدي لهذه الظاهرة، فوصيتنا إليهم بذل المزيد من الجهود المباركة، وتكثيف التواجد في الساحات والاجتماعات، وعدم التساهل في تطبيق العقوبات.

وهم على كُلِّ حالٍ بشر، ليسو بمعصومين، وعملهم عرضة للنقص أو الخطأ، كغيرهم من الموظفين، لكنهم في الجملة يقومون بأعمال جليلة من أجل سلامتنا وسلامة أبنائنا وأسرنا، فلا بد أن نقف ونتعاون معهم، ونقف معهم صفاً واحداً.

خامساً: ولمدارسنا دور كبير في التصدي لهذه الظاهرة، برفع الوعي بين أبنائنا، ومتابعة وتقويم السلوكيات التي تصدر ممن يقومون بهذه الظاهرة، والتعاون مع الجهات المختصة للقضاء عليها.

سادساً: لابد من احتواء أوقات الشباب، وامتصاص طاقاتهم في النشاطات النافعة، أو البرامج الترفيهية البريئة، عبر المراكز والمخيمات والملاعب، وغيرها.

نسأل الله أن يصلح الحال، والله المستعان.

وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية...