العليم
كلمة (عليم) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...
العربية
المؤلف | خالد القرعاوي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إنَّ السُّؤالَ المُحيَّرَ لِكُلِّ غَيُورٍ: كَيفَ يَقَعُ هذا الابتِزَازُ المَشِينُ أينَ العَقْلُ؟ أينَ الرَّقِيبُ؟ لِماذا تَطَوَّرَ الأمرُ حتى صارَتِ المَرأةُ المُكَرَّمَةُ المَصُونَةُ تَعِيشُ تَحتَ رَحمَةِ رَجُلٍ أجنَبِيٍّ عَنْها! وتُسَلِّمُهُ كُلَّ مَا يُريدُ مِنْ مَالٍ وعِرضٍ! حتى صارَتْ تَسرِقُ أهلَها خَشيةَ العَارِ كَما تَظُنُّ؟! أمَّا المُبتَزُّونَ فَهُم شَهْوَانِيُّونَ ضِعيفُو الإِيَمانِ مَيِّتُو القُلُوبِ عَدِيمُو الرَّحمَةِ والحَيَاءِ والكَرَامَةِ تَدَثَّرُوا بِالوَقَاحَةِ، كَما وَصَفَ ابنُ القَيِّمِ عليهِ -رَحمَةُ اللهِ- فَقَالَ: "الهَوَى إِمَامُهُ، والشَّهَوَاتُ قَائِدُهُ، والجَهْلُ سَائِقُهُ، والغَفْلَةُ مَرْكَبُهُ، فَهُوَ بِالفِكرِ فِي تَحصِيلِ أَغرَاضِهِ الدُّنَيَوِيَّةِ مَغمُورٌ، وَبِسَكْرَةِ الهَوى وَحُبِّ العَاجِلَةِ مَخمُورٌ، وَيَتَّبِعُ كُلّ شَيطَانٍ مَرِيدِ"...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ أَمَرَنا بِالتَّحَلِّي بِالفَضَائِلِ، وَنَهَانَا عن النَّقَائِصِ والرَّذَائِلِ، سُبحانَهُ مَيَّزَ لَنا القَبِيحَ مِنْ الحَسَنِ، نَلجَأُ إلى اللهِ مِمَّا نَزَلَ بِنَا مِنْ البَلاءِ والفِتَنِ، نَشهَدُ أن لا إله إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، جَعَلَ الرِّجَالَ قَوَّامِينَ على النِّسَاءِ.
ونَشهَدُ أنَّ مُحمَّدَا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، إمَامُ الحُنفاءِ، وخَيرُ الأَنْبِيَاءِ، وأنصَحُ الأَولِياءِ، صلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليه وعلى آلهِ الأَوفِياءِ وأَصحَابهِ الشُّرفاءِ، والتَّابعينَ لهم وَمن تَبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ الجَزَاءِ.
أمَّا بعدُ فيا مُؤمِنُونَ: الزموا تَقَوى اللهِ في العَلَنِ والخَفاءِ، وكُونوا بِحقِّ الرِّعايَةِ والأمَانَةِ أَقوِيَاءَ! وإنِّي واللهِ لَكُمُ اليومَ مِثْلُ النَّذِيرِ الْعُرْيَانِ فَالنَّجَاءَ النَّجَاءَ!
خُطبَتِي يا مُؤمِنُونَ: لَيسَت خَاصَّةً لَكُمِ بِمُفرَدِكُم مَعَاشِرَ الحَاضِرينَ، ولَرُبَّمَا لَسْتُم بِمَنأَىً عَنْها! فَحَقُّكُم عليَّ: البَيانُ والنُّصحُ، والتَّوجِيهُ والتَّحذِيرُ. (إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ) [فاطر: 23].
أُعِيذُكُم بِاللهِ -تَعالى- مِن يَومٍ قَاصِمٍ يَستَيقِظُ فيهِ مُسلِمٌ، على خَبَرٍ صَاعِقٍ، أو نَبَأٍ قَارِعٍ، حين يَتَلقَّى فِيه أَبٌ أو زَوجٌ نَبَأَ فَضِيحَةٍ أَو عَارٍ في أقَرَبِ النَّاسِ إليهِ.
إنَّه يَومُ ضَياعِ الشَّرفِ وامتِهَانِ العِفَّةِ، لإحدى بَنَاتِهِ أو أخَوَاتِهِ أو زَوجَتِهِ! على يَدِ وَحْشٍ كَاسِرٍ، وَلِصٍّ نَذْلٍ حَقِيرٍ! وَذَلِكَ بِسَبَبِ نَومٍ عَمِيقٍ، وغَفْلَةٍ مُطْبِقَةٍ، مِن النَّاصِحينَ والمُربِّينَ، والخُطَباءِ والمُصلِحينَ، وقَبلَ ذالِكَ وَبَعدَهُ مِنْ أَولِيَاءَ سَامِدِينَ وعَنْ أَهلِيهم غَافِلينَ، ولِلنُّصحِ والتَّوجِيهِ مُجَانِبينَ، واللهُ يَقُولُ: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) [النساء: 34]. ويَقُولُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا)[التحريم: 6].
ورَسُولُنا يَقُولُ: "كُلُّ رَاعٍ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".
عبادَ اللهِ: ما سَنَطْرَحُهُ اليومَ لابُدَّ فيهِ من الوضوحِ والواقِعِيَّةِ، بِدُونِ تَهويلٍ أو تَجْهِيلٍ أو تَخَفٍّ، وفي بعضِ الأحيانِ يَلزَمُ الطَّبيبَ مِبضَعٌ لِعِلاجِ وفَتْحِ جُرْحِ مَريضِهِ مَعَ شِدَّةِ ألَمِهِ !
ومَعرِفَةُ الشَّرِ والحَدِيثُ عَنْهُ لا لِلشَّر لِذَاتِهِ، لَكِنْ كَمَا قِيلَ: عَرَفْتُ الشَّرَّ لا لِلشَّرِّ، لَكِنْ لِتَوَقِّيهِ، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفِ الشَّرَّ مِنَ النَّاسِ، يَقَعْ فيهِ.
فَهَل تَتَصَوَّرونَ يا كِرامُ: أنَّهُ في مُحافَظَةٍ صَغيرَةٍ عُرِفَتْ بِالعِلمِ والعُلماءِ، وقِمَّةِ الأخلاقِ والأَدَبِ يُحالُ فيها لِلجِهاتِ المُختَصَّةِ شَهرياً ما يُقارِبُ خَمسَ حالاتِ اختِطافٍ!
انتَظِروا يا كِرامُ ليسَ اختِطافَاً بَدَنِيَّاً! إنَّما اختِطافُ عِفَّةٍ وحِشمَةٍ وَكَرامَةٍ! حَمَانَا اللهُ وإيَّاكُم وذَرَارِينا والمُسلِمينَ. فَما بالُكم بِمُدُنٍ كُبرى، وقُرىً يَكُثُرُ فيها الجَهلُ ويَقِلُّ فيها النَّاصِحُ والمُوجِّهُ؟!
أيُّها المُؤمِنُونَ: قَد يَكُونُ مُصطَلَحُ الابتِزَازِ غَريبَاً وثَقِيلاً على الأسمَاعِ ولَكِنَّهُ وَاقِعٌ مُرٌّ. فما هو الابتِزَازُ؟ وما صُورُهُ؟ وما أبرزُ أسبابِهِ؟ وما طُرُقُ الوِقايَةِ مِنْهُ؟ وما العِلاجُ في حالَةِ وجُودِهِ. وحتى نَعرِفَ حَجمَ مُشكِلَةِ الابتِزَازِ فَقد أُنشِئَتْ في كافَّةِ هَيئَاتِ الأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ أَقْسَامٌ خاصَّةٌ لِهذا الشَّأنِ! بسببِ الأعدَادِ والأرقامِ المُخيفَةِ التي يَتِمُ ضَبطُها!
كَشَفَ رَئِيسُ لَجنَةِ التَّكافُلِ الأُسَرِيِّ في الأمَارَةِ أنَّ عَدَدَ قَضَايا الابتِزَازِ تَصِلُ لِعِشرِينَ حَالَةً يَوْمِيَّاً، وَتَبلُغُ سِتُّمِائَةِ حَالَةٍ شَهرِيَّاً وَهُو مُعَدَّلٌ خَطِيرٌ ومُقلِقٌ. حتى عَدُّوهُ في نِظامِ العُقُوباتِ مِن الجَرائِمِ الكُبْرَى الابتِزَازُ يا كِرامُ: هو نَوعُ استغْلالٍ وَضَغْطٍ وَتَهدِيدٍ على الطَّرفِ المُقَابِلِ.وأبرزُ صُورِهِ ما يفْعَلُهُ المُجرِمُونَ مِن تَهدِيدِ المرأَةِ أيَّاً كَانَ عُمرُها وَجُرمُها مِنْ نَشرِ صُورِها أو خَلوَتِها أو رَسائِلها النَّصِيَّةِ أو الصَّوتِيَّةِ.
ويَكُونُ ابتِزَازُهُ إمَّا لأجلِ الحُصُولِ على مَزِيدٍ مِن الأموالِ يومَاً بعدَ يومٍّ! أو لأَجْلِ الاستِمتَاعِ المُحَرَّمِ بِها! حمانا اللهُ وإيَّاكُم وذَرَارِينا والمُسلِمينَ أجمَعينَ.
عبادَ اللهِ: إنَّ السُّؤالَ المُحيَّرَ لِكُلِّ غَيُورٍ: كَيفَ يَقَعُ هذا الابتِزَازُ المَشِينُ أينَ العَقْلُ؟ أينَ الرَّقِيبُ؟ لِماذا تَطَوَّرَ الأمرُ حتى صارَتِ المَرأةُ المُكَرَّمَةُ المَصُونَةُ تَعِيشُ تَحتَ رَحمَةِ رَجُلٍ أجنَبِيٍّ عَنْها! وتُسَلِّمُهُ كُلَّ مَا يُريدُ مِنْ مَالٍ وعِرضٍ! حتى صارَتْ تَسرِقُ أهلَها خَشيةَ العَارِ كَما تَظُنُّ؟! أمَّا المُبتَزُّونَ فَهُم شَهْوَانِيُّونَ ضِعيفُو الإِيَمانِ مَيِّتُو القُلُوبِ عَدِيمُو الرَّحمَةِ والحَيَاءِ والكَرَامَةِ تَدَثَّرُوا بِالوَقَاحَةِ، كَما وَصَفَ ابنُ القَيِّمِ عليهِ -رَحمَةُ اللهِ- فَقَالَ: "الهَوَى إِمَامُهُ، والشَّهَوَاتُ قَائِدُهُ، والجَهْلُ سَائِقُهُ، والغَفْلَةُ مَرْكَبُهُ، فَهُوَ بِالفِكرِ فِي تَحصِيلِ أَغرَاضِهِ الدُّنَيَوِيَّةِ مَغمُورٌ، وَبِسَكْرَةِ الهَوى وَحُبِّ العَاجِلَةِ مَخمُورٌ، وَيَتَّبِعُ كُل َّشَيطَانٍ مَرِيدِ".
أخزَاهُمُ اللهُ ورَدَّ كَيدَهُم في نُحُورِهم وأذلَّهم في الدُّنيا والآخِرَةِ وفَضَحَهُم على رُؤُوسِ الأشهَادِ كَما آذَوا المُؤمِنينَ.
عبادَ اللهِ: إنَّ أوَّلَ سَبِبٍ وأَقْوَى سَبِبٍ لِوقُوعِ كَثِيرٍ مِنْ النِّسَاءِ فِي شَرَكِ الابتِزَازِ إنَّما هُو بِسَبَبِ تَفريطِ وَسَذَاجَةِ النِّسَاءِ وقِلِّةِ حَيَائِهِنَّ وَحِشمَتِهنَّ وَتَسَاهُلِهِنَّ بِأَمْرِ اللهِ وأَمْرِ رَسُولِهِ ! فيا أَمَةَ اللهِ:
إِذَا قُلتُ حَقَّاً فَهَلْ تَغضَبِينَ | فَإِنِّي إِليكِ مِن النَّاصِحِينَ ف |
َقُولِي لِمَاذَا خَلَعْتِ الحِجَابَ | وَأَبْرَزْتِ جِسمَكِ لِلنَّاظِرِينَ؟! |
ألا تَرونَ في الأسواقِ والمُنَاسباتِ في كثيرٍ مِن الأحيانِ نِسَاءً كَاسِيَاتٍ عَارِيَاتٍ مُمِيلاَتٍ مَائِلاَتٍ؟! وإلاَّ حَقِيقَةً لَن يَجرُؤَ أيَّ كَائِنٍ مَن كانَ على امرأةٍ التَزَمَتْ حِشمَتَها وَسِترَها وَمَحْرَمَها!
قاَلَ الوَكِيلُ العَامُّ لِرَئِيسِ هَيئَةِ الأَمْرِ بِالمعرُوفِ والنَّهي عن المُنكرِ: إنَّ سِجِلاتِ قَضَايَا ابْتِزَازِ الفَتَياتِ بَيَّنَتْ أنَّ أَكثَرَ مُسَبِّبَاتِ الابتِزَازِ تَأْتِي مِنْ قِبَلِ "المَشَاغِلِ النَّسَائِيَّةِ"، حيثُ يَتِمُّ تَصوِيرُهُنَّ دُونَ عِلمِهِنَّ أثنَاءَ تَعَرِّيهِنَّ، مِمَّا يَجعَلُ ذالِكَ مادَّةً لاستِغلالِهِنَّ والمُتاجَرَةِ بِهنَّ!
أسَمِعتُم مِصدَاقَ ما ذَكَرْتُهُ آنِفاً: أنَّ أوَّلَ سَبِبٍ وأَقْوَاهُ إنَّما هُو بِتَفريطِ النِّسَاءِ وقِلِّةِ حِشمَتِهنَّ.ألم يَقُلْ أصدَقُ القَائِلينَ لِأُمَّهاتِ: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) [الأحزاب: 33].
وأُمُّنا عَائِشَةُ -رضي اللهُ عنها-، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ وَضَعَتْ ثِيَابَهَا، فِي غَيْرِ بَيْتِهَا، فَقَدْ هَتَكَتْ مَا بَيْنَهَا، وَبَيْنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَوْ سِتْرَ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ"، فاللهم احفظنا وذَرَارِينَا ونِسَاءَ المُؤمنينَ بِحفظِكَ، واكلأنا بِرعايتكَ، واستُرنا بِسِتْرِكَ يا ربَّ العالمينَ، واستغفرُ اللهَ لي ولكم ولِسائِر المُسلمينَ فاستغفروهُ إنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ الذي أَكمَلَ لَنَا الدِّينَ وأَتَمَّ عَلينا النِّعمَةَ، وأَكرَمَنا بِبِعثَةِ سيِّدِ الأنَامِ فَللهِ الفَضْلُ والمِنَّةُ، نَشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ هَدَانا لأقوَمِ طَرِيقٍ، وأمَرَنا بالتِزامِ الكِتابِ والسُّنَّةِ، ونَشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنا مُحمَّدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُه المَبعُوثُ رَحمَةً للأمَّةِ، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وباركْ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ، والتَّابِعينَ لَهم ومن تَبِعَهُم بِإحسَانٍ وإيمانِ إلى يوم الدِّينِ.
أمَّا بعدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [النور: 21]. فاتَّقوا اللهَ يا مُؤمِنُونَ واحذروا كيدَ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ!
عبادَ اللهِ: إنَّ مِن أسَبَابِ وُقُوعِ كَثِيرٍ مِنْ النِّسَاءِ فِي شَرَكِ الابتِزَازِ إنَّما هُو بِسَبَبِ سُوءِ استِخدَامِ التَّقنَياتِ الحَدِيثَةِ بِأنوَاعِها فَصِرْنَ يَتَعَامَلْنَ مَعَها تَعَامُلاً مُنْفَتِحَاً، وَبِدُونِ زِمَامٍ ولا خِطَامٍ، ولا نُصْحٍ ولا تَوجيهٍ، ولا تَحذِيرٍ ولا تَنْبِيهٍ! وفي كُلِّ وقْتٍ وحينٍ، ومَعَ مَنْ هَبَّ وَدَرَجَ! فيا اللهُ أينَ العُقُولُ والأَفهَامُ؟ أينَ الغَيرَةُ والحَياءُ؟! يا مُؤمنُونَ: "إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ".
نَحنُ بِحاجَةٍ إلى إعادَةِ نِسَائِنا وأَهلِينا إلى خُلُقِ الحَيَاءِ فَرَسُولُنا يَقُولُ: "الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بِخَيْر". وَيَقُولُ: "الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ"، "الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ"، فَكَم من امرَأةٍ وَقَعت ضَحِيَّةَ ابتِزَازٍ لِمن لا يَخَافُ اللهَ فيها بِسببِ صُورِ عائِلِيَّةٍ، ورَسَائِلَ غَرَامِيَّةٍ! وبعَضُهُنَّ مَقَاطِعَ مَشِينَةٍ، وَصُورٍ مُخزِيَةٍ، ثُمَّ يَضِيعُ الجِهازُ أو يُسرَقُ أو تُسرَقُ مَعلُومَاتُهُ مِن أصحَابِ المَحلاَّتِ! ويَبدَأُ مُسَلسَلُ الابتِزَازِ!
عبادَ اللهِ: مِن أسَبَابِ وُقُوعِ كَثِيرٍ مِنْ النِّسَاءِ فِي شَرَكِ الابتِزَازِ إنَّما هُو بِسَبَبِ اختِلاطِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ فِي الأسواقِ وَأَمَاكِنِ العَمَلِ، وارتِبَاطِ مَصَالِحِ نِسَاءٍ بِأيدِ ذُكُورٍ لَيسُوا مِن أَهلِ الأَمانَةِ والدِّيانَةِ والمُرُوءَةِ! هل تُشَاهِدُونَ ما يَحصُلُ في كثيرٍ مِن المُجَمَّعاتِ التَّجارِيَّةِ، والمُستَشفَياتِ الحُكُومِيَّةِ والخاصَّةِ المُختَلِطَةِ مِن ابتذالٍ لِنسَائِنَا البَائِعاتِ! وَوُقُوفِهِنَّ جَنْبَاً إلى جَنبٍ معَ الرِّجالِ الأَجَانِبِ عَنْهُنَّ! ومَا يَصْحَبُهُ ضَحِكَاتٍ وعُطُوراتٍ وألبِسَةٍ فَاتِنَةٍ! وأمُورٍ يَبكي لَها الغَيُورُ!
تَقُولُ تَقارِيرُ هَيئَةِ الأَمْرِ بِالمَعرُوفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ : إنَّ مَا يَزِيدُ على مِأَتَيْ قَضِيَّةِ ابْتِزَازٍ بِسَببِ بِيئَةِ العَمَلِ المُختَلِطَةِ، خِلالَ عامٍ واحِدٍ فَقَط! يَبدَأُ التَّعَارُفُ بِالعَمَلِ ثُمَّ يَتَطَوَّرُ الأمْرُ إلى المُراسَلاتِ والمُحادَثاتِ وتَبادُلِ الصُّور، ثُمَّ يَبدَأُ مُسَلسَلُ الابتِزَازِ! وصَدَقَ اللهُ: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) [الأحزاب: 33].
وصَدَقَ رَسُولُهُ الكريمُ -عليه أفضلُ الصَّلاةِ وأزكى التَّسليمِ- حِينَ قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالْخَلْوَةَ بِالنِّسَاءِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا خَلا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ إِلا دَخَلَ الشَّيْطَانُ بَيْنَهُمَا، وَلَيَزْحَمُ رَجُلٌ خِنْزِيرًا مُتَلَطِّخًا بِطِينٍ، أَوْ حَمْأَةٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَزْحَمَ بِمَنْكِبِهِ مَنْكِبَ امْرَأَةٍ لا تَحِلُّ لَهُ".
أيُّها الكِرامُ: وَمِن أَسبَابِ الابتِزَازِ استِغلالُ حاجَةِ المَرأَةِ المَادِيَّةِ أو العَاطِفِيَّةِ، أو الرُّكُوبُ مَعَ مُوَاصَلاتٍ وَنَقْلٍ غَيرِ مَأَمُونَةٍ وَمَجْهُولَةِ الحَالِ والهَوِيَّةِ. هذهِ بَعضُ الأسبَابِ وَشَيءٌ مِن تَوصِيفِ الحَالِ، وَهِيَ صَيحَةُ تَحْذِيرٍ وَصَرْخَةُ نَذِيرٍ، نَسْأَلُ المَولى بِمَنِّهِ وكَرَمِهِ، وحِفظِهِ وَرِعَايَتِهِ، أنْ يُضْفِيَ علينَا جَميعاً وعلى المُسلِمينَ سِتْرَهُ، وألاَّ يُرِيَنَا فِي مُسْلِمٍ مَكْرُوهاً ولا شَرَّاً ولا سُوءً .
عبادَ اللهِ: لا بُدَّ أنْ نَشتَرِكَ فِي حِمَايَةِ مُجتَمَعِنا مِنْ وَبَالَ الابتِزَازِ وَضَرَرِهِ، وأنْ نَعِيَ خَطَرَهُ، وألَّا نُغمِضَ أَعيُنَنَا عَنْ وَاقِعِهِ وأَلَمِهِ، لابُدْ مِنْ إعادَةِ النَّخوَةِ والكَرامَةِ والغَيرَةِ في النُّفُوسِ! فَأَصْلُ الدِّينِ قَائِمٌ على الغَيرَةِ، وَمَنْ لا غَيرَةَ لَهُ لا دِينَ لَهُ.
فَيَجِبُ على رَبِّ الأُسرَةِ تَقوِيَةُ الوَازِعِ الدِّيني فِي أَبنَائِهِ وَبَنَاتِهِ، وَتَحذِيرُهم مِنْ الغَفْلَةِ وَالمَعَاصِي فَهِيَ بابُ شَرٍّ عَظِيمٍ، يَجِبُ أنْ نُكَاشِفَ أولادَنَا وَنُصَارِحَهُم بِمَا يُحِيطُ بِهم مِن مَخَاطِرَ، وأنْ هُناكَ ذِئَابَاً بَشَرِيَّةً مُجرِمَةً مُفسِدَةً مَاكِرَةً خَبيثَةً أخزَاهُمُ اللهُ وأذَلَّهُم. يَجِبُ بِنَاءُ الثِّقَةِ مَعَ الأبْنَاءِ، مَعَ المُتَابَعَةِ والمُرَاقَبَةِ، وَمَعرِفَةُ الأَصدِقَاءِ، وَضَبْطُ أَوْقَاتِ الدُّخُولِ والخُرُوجِ، واستِخدَامِ الأجهِزَةِ.
أيُّها الأَولِيَاءُ الكِرامُ: اجْلِسوا مَعَ أَبنَائِكُم وَزوجَاتِكُمْ وبنَاتِكُم، وآكِلُوهُم وأكرِمُوهُم وأنفِقُوا عليهم، وامزَحوا مَعهُم، وَتَنَزَّهوا وإيَّاهُم وسَافِروا بِهم. فَهُم بِأمَسِّ الحاجَةِ إلى عَطفِكُم وَحُبِّكُم وَثَنَائِكُم! فَقَد كَانَ خَيرُ البَرِيَّةِ يُسامِرُ نِسَائَهُ وَيَمزَحُ مَعَهُنَّ ويُقَبِّلَ أولادَهُ وَيُجْلِسَهُم مَكانَهُ، وَلَم يُنقِصْ ذالِكَ مِن هَيبَتِهِ ولا شَخصِيَّتِهِ شَيئاً! وَكُن سَخِيَّا مَعَ أولادِكَ مِنْ غَيرِ تَبْذِيرٍ، وَسُدَّ حَاجَاتِهِمْ ولا تَجْعَلْهُم يَحتاجُونَ أو يَلجَئُونَ لِغَيرِكَ!
أيُّها الوليُّ المُباركُ: عَلَينا أنْ نَبنيَ الثِّقَةَ مَعَ أولادِنا، وأنْ نَكُونَ أَقرَبَ النَّاسِ وآمَنَ النَّاسِ إليهم، ولابُدَّ مِنْ التَّعَقُّلِ وَضَبْطِ النَّفْسِ عِندَ وُقُوعِ أيِّ خَطأٍ حَمانَا اللهُ وإيَّاكُم؛ فَاعتِرَافُ الوَلَدِ بالخَطَأِ خَيرٌ مِن تَمَادِيهم بِالبَاطِلِ.
عبادَ اللهِ: إذَا ذُكِرَ الابْتِزَازُ فَإِنَّ جُهُودَاً تُذكَرُ وَتُشْكَرُ مِن رِجالٍ مُخلِصِينَ وَمُحتَسِبينَ مِنْ رِجالِ الهَيئَاتِ والشُّرطَةِ فَلَهَا فَضْلٌ كَبِيرٌ بَعدَ تَوفِيقِ اللهِ فِي إنْقَاذِ كَثِيرٍ مِنْ فَتَيَاتِنا وَشَبَابِنا، مِنْ شَرَكِ المُبتَزِيِّنَ المُجرِمِينَ، فَجَزَاهُمُ اللهُ عَنَّا وعنْ المُسلِمينَ خَيرَ الجَزَاءِ وأوفَاهُ، وَجَعَلَهُم رَبِّي سَنَدَاً وَذُخْرَاً لِلمُسِلمينَ. (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان: 74].
اللهم آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنتَ وَلِيُّها وَمَولاهَا. اللهمَّ أَصْلِح لَنَا ذُرِّياتِنا واجعَلْهُم هُدَاةً مُهتَدِينَ، اكفهم شرَّ الأشرار وكيدَ الفجار.
اللهمَّ حبب إليهم الإيمانَ وزَيِّنْهُ في قلوبِهم وكرِّه إليهم الكفرَ والفسوقَ والعصيانَ واجعلهم من الرَّاشِدينَ. (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].