البحث

عبارات مقترحة:

الحسيب

 (الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...

الشافي

كلمة (الشافي) في اللغة اسم فاعل من الشفاء، وهو البرء من السقم،...

المجيب

كلمة (المجيب) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أجاب يُجيب) وهو مأخوذ من...

إلباس الحق بالباطل في شأن الحجاب

العربية

المؤلف صالح بن عبدالله بن حمد العصيمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة - فقه النوازل
عناصر الخطبة
  1. محاربة الإسلام بإلباس الحق بالباطل.
  2. صور للتأثير الكبير لهذه الوسيلة على المسلمين .
  3. استخدام هذه الوسيلة في محاربة الحجاب .
  4. تفنيدٌ لتلبيس الأعداء فيما يتعلق بالحجاب .

اقتباس

إن شباك الشيطان التي نصبها إبليس وجنوده في الأرض لإلباس الحق بالباطل لا تنتهي حلقاتها إلى شيء ما، بل تتجدد في كل زمان ما يلبس به الملبسون ويبطل به المبطلون. ومما تناولته شباكهم وامتدت إليه سهامهم أمر الحجاب، فظهر أنواع من إلباسهم الحق بالباطل في الآونة الأخيرة.

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هاديَ له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها المؤمنون: اتقوا الله حق التقوى، واقتدوا برسولكم وإمامكم في الآخرة والأولى، واعلموا -رحمكم الله- أن من حبائل الشيطان وموارد الشر ومناهله إلباس الحق بالباطل؛ لتتذبذب حقيقته ولا يتميز معروفه ومنكره، فيضعف في نفوس الخلق، ويروج الباطل في صورة الحق، ينفث فيه إبليس مكره، ويجهد فيه نائبه من الناس فكره، ليشهر الباطل، ويعظم العاطل، فلا ينفق باطل ينصب، ولا يصدر عاطل ينصب، إلا بإظهار الباطل في صورة الحق، فيقصده من يقصده من الناس يحسبه خيرا وهو الشر، ويظنه نجاة وهو الهلكة، يكسى ألفاظا براقة، ويمنح ألقابا سراقة، فيسمى إلباس الحق بالباطل حركة في زمان الجمود، وعطاء في أوان الجحود، ويكون صاحبه بزعمه وزعم أنصاره مجددا خارجا عن المألوف، وشجاعا مقتحما للممنوع والمخوف، يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا!.

يتخذون اتباع الأدلة شعارا، وإصلاح الأمة دثارا، يتبعون المتشابه ويعرضون عن المحكم، ويعدلون إلى الشاذ ويدعون المحكم، قال الله -تعالى- فيهم: (فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ) [آل عمران:7].

إن الملبسين الحق بالباطل هم الذين قال الله لأئمتهم من اليهود زاجرا: (وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة:42]، وقال -أيضا-: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [آل عمران:71].

فاليهود؛ لفساد طويتهم، وخبث مقاصدهم، يجعلون إلباس الحق بالباطل سلما للوصول إلى المأمول وتحقيق المطالب، وورثهم قوم في هذه الأمة ابتدأ أمرهم، واستبق شرهم، مع البعثة النبوية، فبإلباس الحق بالباطل صد كثيرا من الناس عن التصديق بنبوة الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-، وبإلباس الحق بالباطل رجع من رجع عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يقاتل معه في أحُد.

وبإلباس الحق بالباطل تكلم أهل الإفك في عرض النبي -صلى الله عليه وسلم-، وراج على ألسنة المؤمنين منه ما راج، وبإلباس الحق بالباطل ارتد أناس في ابتداء خلافة أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- ومنع منهم من منع الزكاة، وبإلباس الحق بالباطل عظم شر الخوارج في زمن عثمان وعلي -رضي الله عنهما-، حتى قتل الرجلان الصالحان عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب باسم تحقيق الإصلاح وتحصيل المطالب المشروعة.

ولا تزال مشاهد إلباس الحق بالباطل تتجدد في كل زمان وترفع رايتها باسم الإصلاح والإحسان...

وبإلباس الحق بالباطل لم تعد الخمر حراما لأن المحرم هو الإسكار، وأما الخمر فلا، وبإلباس الحق بالباطل صار لبس الواقي مانعا من تسمية الزنا زنا إذا أتى الرجل امرأة لا تحل له، وبإلباس الحق بالباطل نسخ السمع والطاعة لولي أمر المسلمين إذ لا بيعة لأحد إلا لمن كانت ولايته عامة على المسلمين في الأرض جميعا، وبإلباس الحق بالباطل صار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تدخُّلٌ في الخصوصيات، وكبتٌ للحريات.

وأمام هذا السيل الجارف والشر الهارف تبين الشريعة سبيل النجاة في حديث واحد فقط يكفي من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تلا قوله -تعالى-: (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ) [آل عمران:7]، قال -صلى الله عليه وسلم-: "فإذا رأيتم أولئك الذين سمى الله فاحذروهم"، وليس بعد بيان أبي القاسم -صلى الله عليه وسلم- بيان.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب السماوات والأرض لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيدا إلى يوم الدين.

أما بعد: أيها المؤمنون، إن شباك الشيطان التي نصبها إبليس وجنوده في الأرض لإلباس الحق بالباطل لا تنتهي حلقاتها إلى شيء ما، بل تتجدد في كل زمان ما يلبس به الملبسون ويبطل به المبطلون. ومما تناولته شباكهم وامتدت إليه سهامهم أمر الحجاب، فظهر أنواع من إلباسهم الحق بالباطل في الآونة الأخيرة.

فمن تلك المشاهد زعمهم أن الحجاب شيء خاص بالمملكة العربية السعودية فلا يتعداها إلى غيرها! وصدقوا وكذبوا! فأما صدقهم فإن الشعار الظاهر للحجاب في بلاد الإسلام اليوم هو في المملكة العربية وأطراف يسيرة مختلفة من الأرض، وكذبوا في دعواهم إذا رأوا تلك الصور الملتقطة قبل مائة سنة لرأوا فيها نساء المسلمين جميعا في مصر والشام بل في تركيا قبل زمان أتاتورك وكلهن قد تقيدن بالحجاب الشرعي، فليس شيء خاصا بالمملكة العربية السعودية إلا بانحسار حقيقة الإسلام عن كثير من البلاد الإسلامية.

ثم ها هم بعد ذلك إذا قيل لهم هذا قالوا: نعم، وليس خاصا بالمملكة العربية السعودية، ولو كان العالم كله، لكنه عادة موروثة عن الآباء العرب من زمان الجاهلية حتى اليوم. وكيف يقول أولئك إنه عادة والله-سبحانه وتعالى- يقول لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ) [الأحزاب:59].

قيل في تفسير هذه الآية: أي: على وجوههن وجميع أبدانهن، لا يدعن شيئا منها مكشوفا. فكيف يكون عادة والله -عز وجل- يأمر نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يأمر نساءه وبناته ونساء المؤمنين بأن يدنين عليهن من جلاببيهن، وما أمر به الله -عز وجل- فهو عبادة لا عادة.

ثم ما إن قيل لهم ذلك حتى سابقوا إلى شبهة جديدة يلبسون بها الحق بالباطل، فقالوا: نعم هو ليس عادة وهو عبادة، لكن تلك العبادة التي تعد شريعة عندكم أيها الناس هي عند أقوام آخرين من المسلمين لا تعد شريعة، فالأمر مختلف فيه بين تغطية الوجه أو عدمه. ونسي هؤلاء أن وجود الخلاف ليس مسوغا لقبول رأي الآخر، ولو أراد المرء أن يبحث عن المسائل التي بها خلاف لوجد مسائل كبارا لا يجرؤ هؤلاء اليوم أن يبيحوا بها! فإن من الخلاف الواقع الاختلاف في صحة ولاية غير القرشي أن يتولى أمر المسلمين العام!.

ومن الخلاف الواقع أيضا الخلاف في الخروج على ولاة الظلم والجور هل يخرج عليهم ويتنازعون الأمر أم لا، وإن هؤلاء الذين يشهرون اليوم الخروج عن جماعة المسلمين في دينهم العام سيشهرون غدا القول على الخروج على ولاتهم واختلال النظام، وستريكم الأيام حقيقة ذلك.

ثم إن هؤلاء الذين يزعمون الخلاف ينسون أقوالا ذكر فيها الإجماع لم يذكرها عالم نجدي قبل، بل ولا عالم من هذا القرن، بل قال أحد علماء اليمن، وهو الشوكاني، قال -رحمه الله- في تفسيره: "إن المسلمين متفقون على منع النساء من خروجهن سافرات الوجوه، ولا سيما عند كثرة الفساق، فهي شريعة مجمع عليها، ولاسيما مع كثرة الفساق".

ثم يقول هؤلاء بعد هذا شبهة أخرى يلبسون بها الحق على الباطل، فيقولون: نعم، هي شريعة بالاتفاق، ولكن لأمهات المؤمنين دون سائر نساء العالمين. ويغفل هؤلاء عن أن الله-سبحانه وتعالى- لما أمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- في الآية السابقة بالأمر بنسائه وبناته ونساء المؤمنين أن يدنين عليهن جلابيبهن، قال-سبحانه وتعالى- ذاكرا علة ذلك: (ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ)، وقال في الآية الأخرى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)، فعلة الحكم طلب حفظ النساء من الأذية مع تحصيل طهارة قلوبهن وطهارة قلوب الرجال، وإذا كان هذا أمرا مخوفا منه على نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- وبناته ونساء المؤمنين في زمانه فإن الخوف على من بعدهن أشد، فهن محتاجات إلى حفظهن من الأذية، وهن محتاجات إلى طهارة قلوبهن، وكذلك الرجال الذين يعاملونهن يحتاجون إلى أن يكونوا على تلك الطهارة التي أمر بها خير الناس بالناس بعد الأنبياء، وهم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ويلقي هؤلاء شبكة أخيرة في إلباس الحق بالباطل فيقولون: نعم، هي شريعة إسلامية بالإجماع وليست لنساء المؤمنين فقط بل لكل النساء، لكنها تختص برؤوس النساء دون وجوههن ولا أيديهن، ونسي هؤلاء أن الله-سبحانه وتعالى- الذي أمر بالجلباب والخمار بين-سبحانه وتعالى- بما كانت عليه النساء في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الخمار يتناول الوجه أيضا، ففي حديث عائشة -رضي الله عنها- أنها لما رأت صفوان قالت: "فخمرت وجهي بردائي". وفي الموطأ عن فاطمة بنت المنذر -رحمها الله تعالى- وكانت من أعيان التابعيات قالت: "كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنها-"، فسموا كل ذلك خمارا، فغطاء الرأس يسمى خمارا، وغطاء الوجه يسمى خمارا، وإنما سمي... للجلباب والخمار؛ لأن المقصود بالشرع أن يدنى من أعلى الرأس حتى يسترسل على الوجه وعلى الصدر، فهذه حقيقة الحجاب في الإسلام، وهذه حقيقة إلباس الحق بالباطل.

فاعرفوا -أيها المؤمنون- أن الذين قاموا بممارسة الحق بالباطل في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وصرفوا عنه من صرفوا يوم أحد ثم تولوا إلباس الحق بالباطل في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى قتل عثمان وعلي بإلباس الحق بالباطل لم يكونوا أناسا يظهرون إلا الإسلام، وكانوا في حلتهم الظاهرة أولي لحى مع تقصير ثيابهم.

وحقيقة الإسلام امتثال الدين الذي جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم-، ورب امرئ تفوته في الظاهر بعض شعائر الإسلام أعظم من امرئ تفوته كثير من شعائر الإسلام في باطنه.

فحافظوا -رحمكم الله- على دينكم، وامتثلوا وصية نبيكم -صلى الله عليه وسلم- إذ حذركم من الذين يتبعون المتشابه ويلبسون الحق بالباطل، واعلموا أن سلسلة ذلك لا تنتهي، وإذا كانت ضعيفة في مسائل سمعناها في الشرك والخمر والزنا فربما تعظم هذه المسائل إذا أدرك أولئك الملبسون مبتغاهم فيما يلبسون به اليوم من شعائر المسلمين.

واعلموا أن خير دينكم ما مات عليه نبيكم -صلى الله عليه وسلم-، فتمسكوا بالدين الذي جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهو الدين الذي أمره به الله-سبحانه وتعالى-.

اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام نائمين.