البحث

عبارات مقترحة:

المتعالي

كلمة المتعالي في اللغة اسم فاعل من الفعل (تعالى)، واسم الله...

الحكم

كلمة (الحَكَم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعَل) كـ (بَطَل) وهي من...

الشاكر

كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

الإمامة في الدين

العربية

المؤلف إبراهيم بن محمد الحقيل
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. استحقاق إبراهيم عليه السلام للإمامة بعد ابتلاءات .
  2. جعل الله الإمامة في نسله عدا الظالمين .
  3. تمكين ذريته من بني إسرائيل من بعده .
  4. إمامة ابنه إسماعيل ونسله .
  5. بقاء الإمامة في أمة محمد الأمة المختارة .
  6. فرصة الإمامة متاحة لكل من أتى بأسبابها .
  7. خسران تاركي إمامة البشرية ليتبعوا مفسدي الغرب .

اقتباس

كثير هم أولئك الذين تهيأت لهم فرص الإمامة في الدين من دول وجماعات وأفراد، وكان من الممكن أن يكونوا أئمة دين، ودعاة هدى، فيمكِّن الله تعالى لهم في الأرض، لكنهم افتقدوا الصبر واليقين عند ابتلاءات السراء والضراء؛ فمنهم من فُتن بالدنيا وزينتها، ومنهم من جزع من البلاء، فارتدوا على أعقابهم، وانقلبوا على مناهجهم، وغيروا دعوتهم ..

الحمد لله الملك الحق المبين؛ يخلق ما يشاء ويختار، ويصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس، نحمده على وافر نعمه، ونشكره على جزيل عطائه؛ فالخير بيديه، والشر ليس إليه، وهو الغني الكريم، الحميد المجيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ يأمر وينهى، ويكرم ويهين، ويثيب ويعاقب، ويعطي ويمنع، ويعز ويذل، ويرفع ويضع، وهو على كل شيء قدير.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ اصطفاه الله تعالى من العالمين، وفضله على الخلق أجمعين، وبوأه إمامة المرسلين، ومنحه الشفاعة يوم الدين، فمن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واحذروا نقمته فلا تعصوه، (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) [الزُّمر:54].

أيها الناس: الإمامة في الدين منزلة عالية غالية، لا ينالها إلا من اصطفاهم الله تعالى من عباده، وفضلهم على سائر الناس، فجعلهم أئمة لهم، يهتدون بهم، ويحتاجون إليهم.

وعد الله تعالى الخليل -عليه السلام- بالإمامة؛ فأناله إياها بعد الابتلاء، ومن تأمل سيرته -عليه السلام- وجد أنه تجاوز عظيم الابتلاء بالرضا والتسليم لله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) [البقرة:124]، ابتلي -عليه السلام- بالتوحيد فأقامه، ودعا إليه، وصدع به، وابتلي بالشريعة فعمل بها.

ابتلي بقوم مشركين يعبدون الأصنام ووالده معهم، فوحد الله تعالى لوحده، ليس في الأرض موحد غيره؛ ولذا كان أمة لوحده؛ لأن الرجل الأمة هو من لا يقدر على عمله إلا أمة من الناس: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً) [النحل:120].

حمل راية التوحيد في الأرض، وقام بها خير قيام، فدعا قومه إلى نبذ الأوثان، وعبادة الله تعالى وحده لا شريك له، وصبر على أذاهم في ذلك، وجادلهم فحجهم، ثم تجرأ فحطم أوثانهم؛ متحملا أي نتيجة في ذات الله تعالى.

ولما أوقدوا نيرانهم لإحراقه لم تمد به شدة البلاء عن توحيده، ولم يجزع على ما أصابه، وكان موقنا بالله تعالى، يقول: "حسبي الله"؛ (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ) [الأنعام:75].

ثم ابتلي بالهجرة من بلده، ومفارقة عشيرته ووطنه، ثم ابتلي بالملك الطاغية الذي ادعى الربوبية، فوقف الخليل في وجهه ثابتا غير هياب، يصدع له بربوبية الله تعالى حتى كسر حجته، (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) [البقرة:258].

وابتلي بترك هاجر وولده الذي جاءه على كبر في أرض قفر، لا ماء فيها ولا شجر، ولم يلتفت لصياح الطفل واستجداءات أمه؛ لأن أمر الله تعالى في قلبه أعظم من أي شيء آخر، حتى أخبرها بأمر الله تعالى فَرَضِيَتْ؛ لإيمانها ويقينها.

ثم ابتلي بذبح ولده وهو صبي، فَهَمَّ بذبحه، وأعانه الولد على أمر الله تعالى، وهذا من أعظم البلاء، وأشده على النفوس.

ثم ابتلي ببناء البيت، فرحل من الشام إلى مكة لبنائه، فبناه، وأذَّن في الناس بالحج.

ابتلاءات في إثر ابتلاءات، يجاوزها الخليل بثبات ويقين، وشرائع تتلو شرائع، يعمل بها ويبلغها، فأخذ الدين بعزم وحزم وقوة، حتى زكاه الله تعالى بأنه قد أدى ما حمل، ووفى بما وعد: (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) [النَّجم:37]، (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العَالَمِينَ) [البقرة:131]، (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الصَّفات:83-84].

فاستحق بذلك الإمامة في الدين، وأن تكون الإمامة في ولده من بعده، وبركة الأب الصالح تنال ذريته: (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) [البقرة:124].

يا لها من منزلة عظيمة تقصر عنها منازل الملوك والأمراء والأغنياء والوزراء والأعيان! منزلة الإمامة في الدين؛ فبهديه يقتدى، وبسيرته يحتذى، وبأثره يقتفى على مر القرون والأزمان.

أين النمرود الذي حاج إبراهيم في ربه؟ وما هي سيرته وما ذكره وهو ملك زمانه؟! ليس سوى ذكر سيء قليل في القرآن؛ وأما إمام الدين في زمنه إبراهيم الخليل فسيرته في الكتاب والسُّنة وتواريخ البشر حافلة بالذكر الطيب، والمناقب الحسنة، وكانت الإمامة في الصالحين من عقبه.

إن الإمامة في الدين لا تشترى بمال، ولا تنال بجاه، ولا تنتزع بالقهر والقوة، وإنما تحصل بالتقوى والعلم والدعوة والصبر واليقين، وإن الظالمين لا إمامة لهم ولو كانوا من بيت النبوة، أو من نسل نبي، وزوجة نوح وابنه ما نفعهما أن نوحا من الأنبياء ومن أولي العزم، ولا نفعت إمامة الخليل أباه حين مات على الكفر.

(قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي)، رضي الله عن أبينا إبراهيم وأرضاه، وجزاه عنا خير الجزاء، يسأل الله تعالى الإمامة لنا، فاستجيب له في الصالحين من ذريته دون غيرهم (قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)، هذا هو قانون الله تعالى في الإمامة، أن الظالم لا ينالها، سواء ظلم نفسه بالشرك أو بترك الطاعات، ومقارفة المعاصي، أو ظلم غيره.

ونال الخليل الإمامة في الدين، وكان ولداه إسماعيل وإسحاق إمامين، وكان في نسلهما أئمة كثيرون: أما إسحاق -عليه السلام- فمِن عقبه أئمة بني إسرائيل يعقوب ويوسف وموسى وأيوب وداود وسليمان وزكريا ويحيى وعيسى، وغيرهم كثير من أنبياء وأحبار وصالحين، قال الله تعالى فيهم: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا) [الأنبياء:73].

ولما اضطهدوا على أيدي الفراعنة وجُندهم، وعدهم الله تعالى بالتمكين والإمامة في الدين: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ) [القصص:5].

ولم ينل هذا الشرف العظيم من بني إسرائيل إلا أهل الصبر واليقين، الذين أوذوا في دينهم فلم يلينوا أو يبدلوا، وامتلأت قلوبهم باليقين بالله تعالى ووعده ونصره، قال الله تعالى فيهم: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ) [السجدة:24].

وكانت أمة بني إسرائيل أفضل الأمم بسبب دعوة الخليل المباركة المجابة، وبسبب كثرة أئمة الدين فيهم، فكانوا أهل علم وكتاب وصبر ويقين: (وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى العَالَمِينَ) [الدُخان:32].

وامتن الله تعالى عليهم بقوله -سبحانه-: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العَالَمِينَ) [البقرة:47].

وأما إسماعيل -عليه السلام- فكان إماما ابن إمام، ومن نسله أئمة أنكروا شرك المشركين، وطافوا الأرض يبحثون عن الموحدين، كان منهم زيد بن عمرو بن نفيل، قالت أَسْمَاءَ بِنْتِ أبي بَكْرٍ -رضي الله عنهما-: رأيت زَيْدَ بن عَمْرِو بن نُفَيْلٍ قَائِمًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إلى الْكَعْبَةِ يقول: يا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ، والله ما مِنْكُمْ على دِينِ إبراهيم غَيْرِي، وكان يُحْيِي الموؤودة، يقول لِلرَّجُلِ إذا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ: لَا تَقْتُلْهَا أنا أَكْفِيكَهَا مؤونتها، فَيَأْخُذُهَا، فإذا تَرَعْرَعَتْ قال لِأَبِيهَا: إن شِئْتَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ وَإِنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مؤونتها. رواه البخاري.

كان -رضي الله عنه وأرضاه- يطلب الدين الصحيح فمات وهو في طلبه، ولقي الله تعالى بالحنيفية قبل البعثة، قال ابنه سعيد -رضي الله عنه-: "سَأَلْتُ أَنَا وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- عَنْ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو"، فَقَالَ: "يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ" رواه أبو يعلى.

ومن نسل إسماعيل -عليه السلام- خرج إمام الأئمة، وخاتم النبيين محمد -صلى الله عليه وسلم-، فختمت الإمامة في عقِب إسماعيل، وانتقلت من ذرية إسحاق إلى ذريته، وبقيت الإمامة في أمة ولده محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى آخر الزمان، فكان فيهم أئمة كثيرون من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين إلى يومنا هذا.

وكانت أمته خير الأمم، وتجاوزت أمة بني إسرائيل في الأفضلية؛ لكثرة ما فيها من الأئمة إلى قيام الساعة: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران:110].

فالحمد لله الذي هدانا للإسلام، وجعلنا من خير الأنام، ونسأله الثبات على الحق إلى الممات؛ فتلك وصية آبائنا المرسلين إلينا، (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [البقرة:132].

بارك الله لي ولكم في القرآن...

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، (وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ) [البقرة:223].

أيها المسلمون: مِن عدل الله تعالى وفضله على عباده أنْ جعل الإمامة في الدين متاحة لكل من أقام أركانها، وأتى بأسبابها، ولو تأملنا في أوصاف الخليل -عليه السلام- نجد قول الله تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لله حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ المُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ) [النحل:120-121].

والقانت هو المطيع لله تعالى، والحنيف هو المائل عن الباطل، فكان الخليل موحدا مطيعا، مجانبا للشرك والباطل، شاكرا لله تعالى، فأورثه قنوته صبرا على البلاء، ويقينا بالله تعالى، وإنما تنال الإمامة بالصبر واليقين.

كثير هم أولئك الذين تهيأت لهم فرص الإمامة في الدين من دول وجماعات وأفراد، وكان من الممكن أن يكونوا أئمة دين، ودعاة هدى، فيمكِّن الله تعالى لهم في الأرض، لكنهم افتقدوا الصبر واليقين عند ابتلاءات السراء والضراء؛ فمنهم من فُتن بالدنيا وزينتها، ومنهم من جزع من البلاء، فارتدوا على أعقابهم، وانقلبوا على مناهجهم، وغيروا دعوتهم.

ولا إمامة ولا تمكين إلا بصبر ويقين، كما كان حال الأئمة المتقدمين، سئل الشافعي -رحمه الله- تعالى: أيما أفضل للرجل أن يمكَّن أو يبتلي؟ فقال: لا يمكن حتى يبتلى.

وفي زمن الغربة ووقت الشدة تختار القلة سلامة المنهج، وتختار الكثرة منهج السلامة، والإمامة تكون على قدر البذل والتضحية، والصبر على البلاء في ذات الله تعالى.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: الدَّاعِي إلَى الله تَعَالَى لَا يَتِمُّ له أَمْرُهُ إلَّا بِيَقِينِهِ لِلْحَقِّ الذي يَدْعُو إلَيْهِ، وَبَصِيرَتِهِ بِهِ، وَصَبْرِهِ على تَنْفِيذِ الدَّعْوَةِ إلَى اللَّهِ بِاحْتِمَالِ مَشَاقِّ الدَّعْوَةِ، وَكَفِّ النَّفْسِ عَمَّا يُوهِنُ عَزْمَهُ، وَيُضْعِفُ إرَادَتَهُ، فَمَنْ كان بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ كان من الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ يَهْدُونَ بِأَمْرِهِ تَعَالَى.

ولا يحقرن ناشئ نفسه، فلعل مقومات الإمامة فيه، فلْيُغَذِّها بالعلم والإيمان، ومن فاته شرف ذلك في نفسه فلا يفوته في ولده، وليربهم على معالي الأمور، وليغرس في قلوبهم الإيمان والصبر واليقين، وما أحسن الدعاء القرآني المبارك: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان:74].

ومَن من المسلمين لا يرجو ذلك لنفسه وولده؟ إذن؛ فليدْع به، وليأخذ بأسبابه، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يدعو قائلا: اللهم اجعلني من أئمة المتقين.

إن الأمة المسلمة في هذا العصر هي المؤهلة لقيادة البشرية لما يصلحها وينفعها، وكفها عما يفسدها ويضرها، بعد أن فشلت كل الفلسفات والنظريات البشرية الشرقية منها والغربية، وأضحى العالم كله في أخطار لا يدري ما خلاصه منها.

إنها أمة رشد وخير، مهدية بالوحي، مسددة بالإيمان، وهي أقدر الأمم على إسعاد البشر؛ لما تحوزه من علم يقيني بالله تعالى، ولما تملكه من وحي رباني لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

ولقد وقع في خطأ فاحش من قلبوا ظهر المجن لأمتهم، وتنكروا لدينهم، ولم يعبئوا بكتاب ربهم، فيمَّمُوا وجوههم شطر الغرب الليبرالي الرأسمالي يستمدون منه فلسفاته ونظرياته، ويستجلبون أخلاقه الرديئة في إفساد المرأة والأسرة، وتغريب البيئة المسلمة، سافلين بأنفسهم عن إمامة البشر إلى تبعية من لا خلاق لهم.

يفعلون ذلك في وقت تندحر فيه قيم الغرب، وتتكسر على صخرة الإسلام الصلبة، حتى تنازل الغرب عن أعلى قيمه لمكافحة المد الإسلامي الذي يجتاح أرضه.

أولئك قوم يخسرون بانحيازهم للقيم الخاسرة في الوقت الضائع، وما ذاك إلا خذلان لهم، وانحطاط في هممهم، وإلا؛ فمَن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؟ ولا سيما أن الذي هو خير يعلو ويرتفع ويقوى، والذي هو أدنى يخسر ويندحر ويتلاشى.

ولكن هذه سنة الله تعالى في الظالمين، لا يوفقون لما فيه عزهم وبقاؤهم وسيادتهم، وسنة الله تعالى لا تتغير، (قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة:124].

وصلوا وسلموا على نبيكم...