البحث

عبارات مقترحة:

القادر

كلمة (القادر) في اللغة اسم فاعل من القدرة، أو من التقدير، واسم...

الشافي

كلمة (الشافي) في اللغة اسم فاعل من الشفاء، وهو البرء من السقم،...

الإله

(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...

عناية الإسلام بصحة الإنسان

العربية

المؤلف عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. مظاهر اهتمام الإسلام بصحة الجسم ونظافته .
  2. اعتناء الإسلام بالقلب وسلامته .
  3. اهتمام الإسلام بالصحة النفسية .

اقتباس

ومن مظاهر عناية الإسلام بصحة الإنسان رفقه بالمريض أثناء مرضه، وحثه على ما يمنعُ من زيادة الألم، ولما كان القيام في الصلاة ركناً من أركانها، والركوع ركناً من أركانها، والسجودُ ركناً من أركانها، اسقط عن المريض كلاً من القيام أو الركوع أو السجود عند عجزه عنه، فقال لما دخل من أصحابه ورأوا قد وضع وسادة يسجد عليها، رمى بها وقال: "صلِّ قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فمضطجع، فإن لم تستطع فمُستلقٍ"؛ كُلُ ذلك حفاظاً على صحته حتى لا يؤذيه ..

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.

أمَّا بعدُ: فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.

عباد الله: الإسلام ينظر للإنسان أنه ذلك المخلوق المكرم، فاعتنى به، وشرع من الأحكامِ ما يحفظ حياته، وكرامته، ويقيه مما يؤذيه ويؤذي صحته.

وقد اهتمَّ الإسلامُ بصِحَّةِ الإنسان أيَّما اهتمام، تُلكم النعمة العظيمة التي وهبها الله للإنسان، فاعتنى بها، وذَّكر الإنسان بـأهميتها وعظيم شأنها، فيقول -صلى الله عليه وسلم-: "نعمتان مغبون فيهما كثيرٌ من الناس: الصحةُ والفراغَ"، والغبنُ: أنهم لم يستغلوا تلك الصحة فيما ينفع العبد.

وأخبر -صلى الله عليه وسلم- أن من مُنح تلك الصحة والعافية فإنه في نعمةٍ عظيمة تعدل الدنيا بأكملها، فيقول -صلى الله عليه وسلم-: "من أصبح أمناً في سربه، مُعافىً في بدنه، فكأنما حيزت له الدنيا".

وأمر -صلى الله عليه وسلم- المسلم أن يغتنم هذه النعمة قبل فوات وقتها، وأن يستغلها فيما يُصلح دينه ودنياه فيقول -صلى الله عليه وسلم-: "اغتنم خمساً قبل خمس، اغتنم شبابكَ قبل هرمكِ، وصحتكَ قبل سقمكٍ، وغناكَ قبل فقركِ، وفراغك قبل شُغلك، وحياتك قبل موتك".

ولقد تنوعت مظاهر الاهتمام بصحة الإنسان في الإسلام، فلم تقتصر على الجسد وحده؛ بل تعدت إلى صحة العقلِ، والصحة النفسية.

فأمَّا صحة الأبدان فإنَّ الإسلام قد اهتم بها من خلال أمور عظيمة، فأول ذلك: حثه على النظافة، وأمره بها؛ لأن النظافة من أسباب صحة الأبدان، فأخبرنا -جل وعلا- أنه أنزل من السماء ماءً طهوراً، هذا الماء الطهور هو نظافة للأبدان، وسلامةٌ لها.

وأخبرنا -جَلَّ وعلا- أنه يحب التوابين ويحب المتطهرين فقال: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة:222]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله طيبٌ يُحب الطيب، نظيفٌ يُحب النظافة".

وجعل النظافة شطراً من شروط الإيمان فقال: "الطهورٌ شطر الإيمان"، وبيَّن -صلى الله عليه وسلم- فضل المؤمن القوي على المؤمن الضعيف، والقوة تشمل قوته العقلية والفكرية وقوته البدنية، فقال: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل الخير".

وأمر -صلى الله عليه وسلم- بتطهر تلك الأجزاء التي تمكن أن تكون مجمع الأوساخ والأدناس، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "الفطرة خمسٌ: الختان، والاستحدادٌ، وقصُّ الشاربِ، وتقليم الأظافرِ، ونتف الإبط".

وقال أنس -رضي الله عنه-: وقت لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قص الشاربِ، وتقليم الأظفارِ والاستحداد، ونتف الإبط، أن لا ندعها أكثر من أربعين يوما.

ومن اهتمام الإسلام بصحة الإنسان أنه فرض عليه الوضوء في الصلاة، وجعل الوضوء شرطاً لصحة الصلاة، وأنَّ الله لا يقبل صلاةً بلا طهور، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) إلى أن قال: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [المائدة:6].

وأخبرنا -صلى الله عليه وسلم- أن المتساهلَ بنجاسة البول أو الغائط يُعذب في قبره بتساهله بتلك النجاسة وعدم ترفعه منها، فمر -صلى الله عليه وسلم- بقبرين فقال: "إنهما ليُعذَّبَانِ، وما يُعذبان في كبير؛ بل هو عند الله كبير: أمَّا أحدهما فكان لا يستنزه من البول، وأمَّا الآخرُ فكان يمشي بالنميمة"، فأخذ جريدةً رطبة فشقها نصفين، فغرس على كلِّ قبرٍ واحدة، وقال: "لعله يُخفف عنهما ما لم ييبسا"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "استنزفوا من البولِ فإن عامة عذاب القبرِ منه".

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يقبل الله صلاةً بلا طُهُور، ولا صدقة من غلول"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم".

ومن مظاهر اهتمام الإسلام بصحة الإنسان أنه حرم عليه وطء الحائض في حيضها، والنفاس في نفاسها، لما في ذلك من الأضرار الصحية المعروفة، قال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة:222].

ورغب في غُسل الجمعة، وحث عليه، وقال: "غُسل الجمعة واجبٌ على كُل محتَّلم"، وأمر الجنب بالاغتسالِ، والحائض بالاغتسال، قال الله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) [المائدة:6]، وقال لأم حبيبة: "فإذا انقطع الحيض فاغسلي عنك الدم وصلِّي".

ومن مظاهر اهتمام بصحة الإنسان ترغبه بالسواك لما فيه من نظافة الأسنان، وإزالة الدرن عنها، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لولا أن اشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة"، وفي لفظٍ: "عند كلِّ وُضُوء"، وقال: "السواك مطهرةٌ للفمِ، مرضاة للربِ".

وكان يعتني بالسواك دائما، حتى كان السواكُ آخر عملِ عمله في حياته، فتروي أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنهما- قالت: "دخل عليَّ عبد الرحمن بن أبي بكر وأنا مسندة رسول الله على صدري، ومع عبد الرحمن سواك يستنُّ به، فأمَدَّ النبيُّ بصره، فعرفت أنه يُحب السواك، قلتُ: آخذه؟ قال: "نعم قالت: فأخذته فقضمته، وطيبته، فاستنَّ به، فما رأيت يستاك السواك أحسن منه؛ ثم قضى -صلى الله عليه وسلم- وقال: "اللهم في الرفيق الأعلى".

ومن مظاهر اهتمام الإسلام بصحة الإنسان حثه على تنظيف الأماكن، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله نظيف يُحب النظافة، طيبٌ يُحب الطيب، جوادٌ يُحب الجود، كريمٌ يُحب الكرم، فنظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود".

ومن مظاهر اهتمام الإسلام بصحة الإنسان أنه حرم عليه الإسراف في المأكول والمشروب لما في السرف من تهديد للصحة، وإضرار بالإنسان في المستقبل، وكم لقمة منعت لقمات؟ فقال الله: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف:31]، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "ما ملأ ابنُ آدم وعاءً شرَّاً مِنْ بَطْنٍ، بحسب ابنِ آدم لُقَيْمَاتٌ يُقمنا صُلبه، فإن كان لا بد: فثُلُثٌ لطعامه، وثلثٌ لشرابه، وثلثٌ لنفَسه".

ومن مظاهر اهتمام الإنسان بصحته أنه منعه من مقاربة الأمراض المُعدية بطبعها في الغالب، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "فر من المجذوم فرارك من الأسد"، وقال: "لا يوردن ممرضٌ على مُصِحٍّ".

ومن عناية الإسلام بصحة الإنسان أنه رغبه بالتداول والعلاج، وحثه على ذلك، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "ما أنزل الله من داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه، وجهله من جهله"، وقال: "تداووا عباد الله ولا تداووا بالحرام"، فالعلاج مطلوبٌ ومشروعٌ لما فيه من المحافظة على الصحة والسلامة.

ومن مظاهر عناية الإسلام بصحة الإنسان رفقه بالمريض أثناء مرضه، وحثه على ما يمنعُ من زيادة الألم، ولما كان القيام في الصلاة ركناً من أركانها، والركوع ركناً من أركانها، والسجودُ ركناً من أركانها، اسقط عن المريض كلاً من القيام أو الركوع أو السجود عند عجزه عنه، فقال لما دخل من أصحابه ورأوا قد وضع وسادة يسجد عليها، رمى بها وقال: "صلِّ قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فمضطجع، فإن لم تستطع فمُستلقٍ"؛ كُلُ ذلك حفاظاً على صحته حتى لا يؤذيه.

وأرشد الأئمة بقوله: "أيكم أمَّ الناس فلْيُخفف؛ فإن وراءه الصغيرَ والكبيَر والمريضَ وذا الحاجة"، ولما كانت الطهارة شرطاً لصحة الصلاة، وغسل جميع الأعضاء، أسقط ذلك عن المريض إذا كان في أعضائه مرض يتعذر غسله أو مسحه بالماء، وأقام التيمم مقامه، (وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) [المائدة:6].

فعدم وجود الماء قام عنهُ بالتيمم، كذلك وجوده ولكن مع عدم القدرة على استعماله، أو الضرر الذي يلحق باستعماله، إذ أرشد إلى ترك الماء، وبعض الأعضاء إذا تعذر المسح عليها بالماء قام التيمم مقامه.

في عهد النَّبي -صلى الله عليه وسلم- بعث سرية فأجنب أحدهم فسأل أصحابه أنْ هل له من رخصة في ترك الغُسل؟ قالوا: لا، فاغتسل فمات، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "قتلوه، قتلهم الله!، ألا سألوا إذ لم يعلموا؟ إنما شفاء العيَّ السؤال، إنما كان يكفيه أن يعصب على جرحه خرقة فيمسح عليها"، فصلوات الله عليه وسلام عليه ما أرأفه وأرحمه بأمته!.

ومن مظاهر اعتناء الإسلام بصحة الإنسان أنه نهاه عن الغلوِ في العبادات التي يؤدي الغلو فيها إلى إنهاك الجسد والإضرار به؛ لأن العبادة لا بد أن يصيب العبد فيها الطمأنينة والراحة، وألَّا يسأم منها، ولا يتضجر منها؛ لكن إذا تكلف أمراً فوق طاقته وإن أطاقه أياماً تركه أعواما.

بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- أن عبد الله بن عمر العاص -رضي الله عنه- يصوم النهار ويقوم الليل ويعتزل النساء؛ رغبة في الطاعة، ورغبة في الخير، فدعاه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا عبد الله بن عمر، ألم أخبَر أنك تُصلي ولا تنام، وتصوم ولا تفطر، ولا تأتي النساء"، قال: نعم، قال: "لا يا عبد الله إن لنفسك عليك حقا، ولعينك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، صلِّ ونم، وصُم وأفطر"، هكذا أرشده رسول الله، حاوله أن يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، فأبى، وانتهى به الأمر إلى أن يصوم يوماً ويُفطر يوماً، وقال: "يا عبد الله، لا أفضل من هذا الصيام".

فلما طال بعبد الله بن عمر بالسن وثقل الأمر عليه، كان يصوم أياما يتركها ثم يقضيها ويقول: يا ليتني قبلت رخصة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-! لكن لا أحبُ أن أدعَ أمراً كنت عليه في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ومن مظاهر عناية الإسلام بصحة الإنسان محافظته على البيئة وسلامتها من التلوث المؤذي للناس، فأولًا: أمر رسول الله الإنسان إذا استيقظ من نومه أنْ يغسل يديه ثلاثاً قبل أن يُدخل يديه في الإناء، فقال: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده".

ثم حرم على المسلم أن يبول في الماء الراكد الذي لا يجري، لأنه يُلوثه وقد ينجسه أو يقذره للآخرين، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه"، وقال: "لا يغتسل أحدكم بالماء الدائم وهو جنب"، كلُ هذا تحذيراً للمسلم من أن يُلوث هذه المياه العظيمة باغتساله فيها وانغماسه فيها، وإذا تكاثر الانغماس في هذه المياه قذَّرها وقززها في نفوس الآخرين.

كما منعنا -صلى الله عليه وسلم- من إيذاء الناس فقال: "اتقوا الملاعن الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم"، وقال: "اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل".

وأرشد -صلى الله عليه وسلم- سعدا فقال: "إذا ورغ الكلبُ في إناء أحدكم فغسلوه سبعا، إحداهما بالتراب".

وحرم على المسلم تعاطي ما يضر بالصحة من المشروبات والنجاسات والقاذورات، فمما حرم علينا: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ) [المائدة:3]، كل هذا حماية لبدن المسلم من الأوساخ، ومحافظة على صحته وسلامته، فلا إله إلا الله! كم في هذه الشريعة من خير للإنسانية في حاضرها ومستقبلها!.

نسأل الله أن يثبتنا وإياكم على صراطه المستقيم، وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأنَّ يُصِحَّ أبداننا وقلوبنا، ويُعيذنا من نزغات الشيطان.

أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وصحبِه، وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.

أما بعد: فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى.
عباد الله: وكما سمعنا عن صحة الأبدان والمحافظة عليها، فهناك المحافظة على سلامة القلوب، وحفظها من كل الضرر، لأن القلب ملك الأعضاء والجوارح، فمتى استقام القلب استقامة الجوارح، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح لها الجسد كله، وإذا فسدت فسد لها الجسد كله، ألا وهي القلب".

فقلب العبد إذا استقام وامتلأ إيماناً بالله، ويقيناً به، كان العبد في راحةٍ بالٍ وانشراحِ صدرٍ، وإذا مُرض القلب بالمعاصي، أو مُرض بالأفكار والآراء المضللة، والمذاهب الهدَّامة التي تمرض قلبه، بأمراض النفاق والشكوك -نعوذ بالله- فهناك ويلات! يقول الله في حق المنافقين: (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) [البقرة:10].

فقلبَكَ -أيها المسلم- اعتنِ به؛ بسؤال الله أن يُثبتك على الحق، وأن لا يُزيغ قلبك بعد إذ هداك، واسمع الله يقول في دعاء عباده المؤمنين: (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران:8].

وكان -صلى الله عليه وسلم- كثيراً ما يقول: "اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"، تسأله عائشة فيقول: "إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن، إذا أراد أن يقلب قلب عبدٍ قَلَبَه"، فعياذًا بالله من زيغ القلوب، وتتابع الذنوب، ومُضلات الفتن!.

أيُّها المسلم: وإنَّ الإسلام اعتنى بقلب الإنسان، فمنعه من كل ما يُفسد صحته ويُضعف سيره، فحرم عليه المسكرات والمخدرات، ومنعه من تعاطيها، وحرمها عليه تحريماً مؤكدا، يقول الله -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) [المائدة:90-91].

فالخمر يُفسد العقل ويُضعفه، والميسر، وهو القمار، يُضعف القلب أيضاً فيُعلقه بالدنيا، ويمنعه من الأسباب النافعة التي يأتي الرزق بها، ويجعل رزقه معلقاً بهذه المحرمات، نسأل الله السلامة والعافية.

ومن مظاهر عناية الإسلام أيضاً بالصحة النفسية للمسلم أنه أرشده إلى الإيمانِ بالله، والإيمان بقضاء الله وقدره، وأنَّ ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأن رزق العبدِ مقدَّرٌ كائن معروف، لن تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب.

أيُّها المسلم: فإيمانك بقضاء الله وقدره يقتضي منك السير بما ينفعك، والحرص على ما ينفعك: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك:15].

وعندما تفقد الآمل في أشياء ترجوها، وعندما لا تنجح في أمور تجارية أو أخرى، فلا تيأس ولا تقنط وواصل الجد بالجد، وارض بما قسم الله، واعلم أن لله حكمةً فيما قضى وقدر؛ لكن اليأس والقنوط ممنوع.

كنُ عالي الهمة، ابذل السبب والجهد، وتحرَّ الأمور النافعة، وإذا فشِلْتَ فلا تيْأَسْ، فربما فشَل اليوم تُحققه مطالبك في يومٍ آخر، ولله الحكمة فيما يقضي ويُقدر، فإيَّاك أن تكون قلقاً على مستقبلك ورزقك! لا تكن قلقاً على مستقبلك، لا قَلَقَ ولا همومَ على مستقبلك وعلى أجَلَك، فالكُلُّ بيد الله، امضِ في طريقك، وشُقَّ الطريق مع الاتزان في الأمور، واستخارة الله قبل كل شيء، والاستشارة النافعة، والطمأنينة، والأناة في الأمور، والله على كل شيء قدير: (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [العنكبوت:62].

أخي المسلم: إن الإسلام اهتم بصحتك النفسية، فحرم عليك ما يقتضي قلقك وهمك، حرم عليك الحسد، فإيَّاك أن تحسد الآخرين فيما منحهم الله من النعم! قال -جل وعلا-: (وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ) [النساء:32].

وَذَمَّ الحاسدينَ فقال: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) [النساء:54]، فإيَّاك والحَسَدَ! إيَّاك وأن تهتم بما أُعْطِي الناسُ من جاهٍ أو مالٍ أو وَلَدٍ! اِسأَلِ اللهَ أن يُعطيَكَ مِثْلَهُم، وأن يمنّ عليك بخيرٍ مِن ذلك، فَرَبُّكَ الرَّزَّاقُ العليمُ، لكنْ أنْ تحقد وتملأ قلبك بالحسد والغيظ على ما بأيدي الناس من الخير، فذلك اعتراض منك على قضائه وقدره.

إيَّاك والتهوُّرَ في الأمور، والعجَلَةَ في الأحوال! فإنها تجذب لك الهموم والأحزان، إيَّاك والمكايد وتدبير الأمور بالمكايد! فيكون قلبك في ليلك ونهارك مشغولاً بالأفكار السيئة، والأخلاق الرذيلة، يُحاول الانتقام من الناس، وإيقاع الشر بين هذا وبين هذا، إيقاع الفتن بين الناس، إيقاع البلاء، وتدبير المكايد التي إذا فشلت عشت في غَمٍّ وحزن، فترفَّعْ عن تلك الأمور، وأكثِرْ من الدعاء: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبُخل والجبن وغَلَبَة الدين وقهر الرجال".

أسأل الله لي ولكم حياةً سعيدة، وقلوباً مطمئنة، ونفوساً صادقة، وأعمالاً صالحة، إنه على كل شيء قدير.

واعلموا -رحمكم اللهُ- أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ؛ وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.

وصَلُّوا رَحِمَكُم اللهُ على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

اللَّهُمَّ...