السيد
كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...
العربية
المؤلف | محمد بن صالح بن عثيمين |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
إن علينا أن نشمر عن ساعد الجد من أول الأمر حتى لا نندم في النهاية إن على المعلمين أن يحرصوا على هضم العلوم التي يلقونها إلى الطلبة قبل أن يقفوا أمامهم حتى لا يقع الواحد منهم في حيرة عند السؤال والمناقشة لأن من أعظم مقومات الشخصية قوة المعلم في علمه وملاحظته
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور، وفضل العلم على الجهل: ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) [الزمر: من الآية9] وفقه من أراد به خيرا في دين الله فأصبح من العالمين المهتدين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يمن بالفضل ويمنع بالعدل وهو أعلم حيث يجعل رسالته وهو أعلم بالمهتدين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله رسول الله إلى الأولين من هذه الأمة والآخرين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.
أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى وتفقهوا في دينكم فإن من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، اطلبوا العلم فإن العلم نور وهدى والجهل ظلمة وضلال وشقاء، اطلبوا العلم فإن العلماء ورثة الأنبياء فالأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا وإنما ورثوا العلم فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر من ميراثهم، اطلبوا العلم فإن العلم الشرعي رفعة في الدنيا والآخرة وأجر مستمر لصاحبه قال الله تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)[المجادلة: من الآية11]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به من بعده أو ولد صالح يدعو له " اطلبوا العلم يكن لكم لسان صدق في الآخرين فإن آثار العلم تبقى بعد فناء أهله فالعلماء الربانيون لم تزل آثارهم محمودة وطريقتهم مأثورة وسعيهم مشكورا وذكرهم مرفوعا إن ذكروا في المجالس امتلأت المجالس بالثناء عليهم والدعاء لهم وإن ذكرت الأعمال الصالحة والآداب العاليـة كانوا قدوة النـاس فيهـا (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) الأنعام: من الآية122].
أيها الناس: تعلموا العلم للعلم لتنالوا بركته وتجنوا ثمرته تعلموا العلم للعمل لتعملوا به لا لتجادلوا به وتماروا به فإن من طلب العلم ليماري به السفهاء أو يجاري به العلماء فقد عرض نفسه لعقوبة الله ونزل بها إلى الهدف الأسفل. لا تطلبوا العلم للمال فإن العلم أشرف من أن يكون وسيلة إلى المال وإن المال أحق أن يكون وسيلة للعلم لأن المال يفنى والعلم يبقى.
أيها الناس: إننا على أبواب عام دراسي جديد يستقبل فيه المعلمون والمتعلمون نشاطهم الفكري والعملي فيا ليت شعري ماذا أعددنا لهذا العام؟
إن علينا أن نشمر عن ساعد الجد من أول الأمر حتى لا نندم في النهاية إن على المعلمين أن يحرصوا على هضم العلوم التي يلقونها إلى الطلبة قبل أن يقفوا أمامهم حتى لا يقع الواحد منهم في حيرة عند السؤال والمناقشة لأن من أعظم مقومات الشخصية قوة المعلم في علمه وملاحظته ولا تنقص قوته العلمية عن قوة ملاحظته في تكوين شخصيته إن المعلم إن ارتبك أمام طلبته فسوف ينحط قدره في أعينهم وإن أجاب بالخطأ فلن يثقوا بمعلوماته بينهم.
وإن نهرهم عند السؤال والمناقشة فلن ينسجموا معه، إذن فلا بد للمعلم من إعداد واستعداد وتحمل وصبر وإن على المتعلمين أن يبذلوا غاية جهدهم من أول السنة حتى يدركوا العلوم إدراكا حقيقيا ثابتا في قلوبهم وراسخا في نفوسهم لأنهم إذا اجتهدوا من أول السنة تلقوا العلوم شيئا فشيئا فسهلت عليهم وثبتت في قلوبهم وسيطروا عليها سيطرة تامة. وإذا أهملوا أول السنة وتهاونوا فإن الزمن ينطوي عليهم فلا يفيقون إلا في آخر العام وقد تراكمت الدروس وضاق الزمن عن إدراكها فأصبحوا عاجزين عن تصورها فضلا عن تحقيقها فيندمون حين لا تنفع الندامة.
أيها الناس وإذا كان من نجاح المعلم أن يكون قوي المعرفة قوي الشخصية فإن من نجاحه أيضا أن يكون حسن النية والقصد والتوجيه فينوي بتعليمه الإحسان إلى طلبته بإرشادهم إلى ما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم ليكون لتعليمه أثر بالغ. وعليه مع ذلك أن يظهر أمامهم بالمظهر اللائق من الأخلاق الفاضلة والآداب العالية التي أساسها التمسك بشريعة الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم ليكون قدوة في العلم والعمل فإن التلميذ يتلقى من معلمه الأخلاق والآداب أكثر مما يتلقى عنه من العلوم من حيث التأثير لأن آداب المدرس وأخلاقه صورة مشهودة معبرة عما في نفسه ظاهرة في سلوكه فتنعكس هذه الصورة تماما في سلوك تلميذه.
أيها المسلمون وإذا كان على المعلمين واجب يجب عليهم القيام به فكذلك على إدارة المدرسة أن ترعى من تحت رعايتها من مدرسين ومراقبين وطلاب لأنها مسؤولة عنهم أمام الله وأمام مجتمعهم.
وإذا كان على المدرسة واجب يلزمها أن تقوم به فعلى الآباء وأولياء الطلبة واجب يلزمهم القيام به فعليهم أن يتفقدوا أولادهم ويسبروا سيرهم ونهجهم العلمي والفكري والعملي أن لا يتركوهم هملا لا يبحثون معهم ولا يسألون عن طريقتهم ولا عن أصحابهم ومن يعاشرهم لأن تركهم ضياع لهم وظلم فهم رعية يجب على آبائهم وأوليائهم أن يرعوها حق رعايتهم وإن أضاعوا أصبحوا نادمين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت:33].
بارك الله ولي ولكم في القرآن العظيم.