البحث

عبارات مقترحة:

الكبير

كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...

الحليم

كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...

الكريم

كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...

السفر وآدابه

العربية

المؤلف خالد بن عبدالله الشايع
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. السفر قطعة من العذاب .
  2. نعمة الاستقرار لا تُقدّر بثمن .
  3. آداب السفر .
  4. هدي النبي صلى الله عليه وسلم في السفر .
  5. آداب العودة إلى الأهل .

اقتباس

لا يزال المسلم يتقلب في أرجاء الأرض يبتغي فضلاً من الله، سواء كان دينيًّا أم دنيويًّا، وذلك يقتضي منه أن يسافر من بلده، وينأى عن أهله متغربًا لفترة تطول وتقصر، إنه السفر الذي لا يسلم منه أحد، إنه نعمة تتضمن نقمًا وبلاء، ولهذا أرشد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم إلى آداب للسفر من تخلق بها قلَّت مضرة سفره، وانقلبت إلى منفعة بإذن الله، ولهذا سنعرض بإذن الله لآداب السفر بإيجاز لنتخلق بآداب النبوة في الأسفار..

إن الحمد لله...

أما بعد:

فيا أيها الناس: لا يزال المسلم يتقلب في أرجاء الأرض يبتغي فضلاً من الله، سواء كان دينيًّا أم دنيويًّا، وذلك يقتضي منه أن يسافر من بلده، وينأى عن أهله متغربًا لفترة تطول وتقصر، إنه السفر الذي لا يسلم منه أحد، إنه نعمة تتضمن نقمًا وبلاء، ولهذا أرشد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم إلى آداب للسفر من تخلق بها قلَّت مضرة سفره، وانقلبت إلى منفعة بإذن الله، ولهذا سنعرض بإذن الله لآداب السفر بإيجاز لنتخلق بآداب النبوة في الأسفار.

عباد الله: السفر بحد ذاته كلفة وتعب، كما أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وآله وسلم: «السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه، فإذا قضى أحدكم نهمته من وجهه، فليعجّل الرجوع إلى أهله». ‌

وهذا معنى الحديث أنه قطعة من العذاب في الأعم الأغلب، وإلا فقد يكون السفر سببًا للهروب من العذاب، أو لنيل سعادة الدنيا والآخرة، ولهذا تفصيل.

لما جلس إمام الحرمين محل أبيه سُئل: لم كان السفرُ قطعةً من العذاب؟ فأجاب فورًا: لأن فيه فراق الأحباب.

وإن اغتراب المرء من غير خلة

ولا همة يسمو بها لعجيب
وحسب الفتى ذلاً وإن أدرك العلا ونال الثريا أن يُقال غريب

معاشر الأحبة: طالما أن الإنسان مقيم ببلده بين أهله وأحبائه، فهذه نعمة لا تقدر بثمن، فانظر إلى من اغترب للعمل وترك أهله وماله وأولاده لمدة تتجاوز السنتين والثلاث، وانظر لمن سافر للعلاج، وانظر لمن حُكم عليه بالسفر من وطنه ظلمًا وعدوانًا، فلنحمد الله أيها المسلمون على نعمة الاستقرار، ومتى ما اضطر أحدنا للسفر فليطبّق السنة في السفر؛ لينعم بالخير والأجر.

ولهذا كان لزامًا على كل مسلم أن لا يسافر إلا لحاجة ومصلحة؛ حتى لا يجحد النعمة التي هو فيها.

معاشر المؤمنين: لندلف في موضوعنا ألا وهو آداب السفر:

فيستحب للمسافر أن يودع أهله وقرابته وإخوانه، قال ابن عبد البر: "إذا خرج أحدكم في سفر، فليودع إخوانه، فإن الله جاعل في دعائهم بركة". قال: وقال الشعبي: "السُّنة إذا قدم رجل من سفر أن يأتيه إخوانه فيسلموا عليه، وإذا خرج إلى سفر أن يأتيهم فيودعهم ويغتنم دعاءهم"، وفي التوديع سُنّة مهجورة قل من يعملها، ألا وهي توديع المسافر بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، أخرج أبو داود في سننه من حديث قزعة قال: قال لي ابن عمر: هلم أودعك كما ودعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أستودعُ اللهَ دينك، وأمانتك، وخواتيم عملك»، وكأنه بهذا الدعاء يدعو له بأن يعود من السفر ولم ينقص من عمله الصالح شيء ولم يقترف ما يفسد عليه عمله الصالح، أو ينقص دينه، فقد استودع الله دينه وأمانته وخواتيم عمله الصالح.

ومن آداب السفر: أن لا يسافر المرء وحده، وذلك لما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم، ما سار راكب بليل وحده»، وفي الحديث فوائد منها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يخبر أمته بما يعلمه من الآفات التي تحدث من جراء سفر الرجل وحده؛ مبالغةً منه في التحذير من التفرد في السفر، وثانيهما: أن النهي يعم الليل والنهار، وخصّ الليل في الحديث؛ لأن الشرور فيه أكثر والأخطار فيه أكبر، وثالثهما: أن النهي يعم الراكب والراجل، وهذا النهي للكراهة وليس للتحريم.

ومن آداب السفر: أن لا تسافر المرأة وحدها بدون محرم، فقد نهى الشرع عن ذلك؛ لما قد يترتب عليه من الفتنة لها ولمن حولها من الرجال. والأحاديث الواردة في ذلك صريحة صحيحة، حتى ولو كان السفر عن طريق الطائرة.

فقد روى الشيخان وغيرهما أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها محرم»، ولفظ مسلم: «لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو حرمة منها».

ومن هديه صلى الله عليه وآله وسلم في أسفاره: أنه كان يحب الخروج في يوم الخميس، وكان يخرج في أول النهار، فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج يوم الخميس في غزوة تبوك، وكان يحب أن يخرج يوم الخميس" وعند أحمد: "قل ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخرج إذا أراد سفرًا إلا يوم الخميس".

ومن آداب السفر أن يقول المسافر دعاء السفر، أخرج مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجًا إلى سفر كبر ثلاثًا، ثم قال: (لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ) [الزخرف: 13، 14]: «اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوّن علينا سفرنا هذا، واطوِ عنا بُعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل»، وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: «آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون».

وينبغي للمسافر أن يغتنم سفره، فيدعو لنفسه وآبائه وأهله ومن يحب، وأن يجتهد في ذلك، ويتحرى الدعاء الجامع، مع الإلحاح والخضوع، فللمسافر دعوة مستجابة فلا ينبغي التفريط فيها. أخرج أبو داود في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم».

اللهم وفقنا لتباع السنة والعمل بها حتى الممات، أقول قولي هذا.....

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين،


أما بعد فيا أيها الناس: وإكمالاً لما بدأناه من السنن التي ينبغي للمسلم أن يحافظ عليها في سفره، سنة هجرها البعض من الناس، ألا وهي صلاة المسافر التطوع على مركوبه، فقل من تراه يصلي النافلة أو الوتر في الطائرة أو غيرها من وسائل السفر. ونبينا صلى الله عليه وآله وسلم كان يفعل ذلك على راحلته، ولا يلزم تحري القبلة في صلاة النافلة للمسافر إن كان راكبًا؛ لمشقة ذلك، والأفضل أن يستقبل القبلة عند الإحرام. أخرج البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به، يومئ إيماء، صلاة الليل إلا الفرائض، ويوتر على راحلته"، ولذا فإنه يستحب للمسافر أن يصلي النافلة والوتر على آلة السفر؛ اقتداء بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم.

أما صلاة الفريضة إذا كان راكبًا السيارة أو القطار أو الطائرة أو ذوات الأربع، ويخشى على نفسه لو نزل لأداء الفرض، ويعلم أنه لو أخَّرها حتى يصل إلى المكان الذي يتمكن أن يصلي فيه فات وقتها، فإنه يصلي على قدر استطاعته؛ لعموم قوله تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) [البقرة:286]، وقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16]، وقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج:78]. وأما التوجه للقبلة، فهذا يرجع إلى تمكّنه، فإذا كان يمكنه استقبال القبلة في الصلاة وجب فعل ذلك؛ لأنه شرط في صحة صلاة الفريضة في السفر والحضر، وإذا كان لا يمكنه في جميعها، فليتق الله ما استطاع، ومتى ما أمكنه النزول لم تصح صلاة الفريضة إلا على الأرض، أو سطح مستقر متوجه إلى القبلة.

وقد يحتاج المسافر إلى النزول من مركوبه، للنوم، أو الأكل، أو قضاء الحاجة، والبرية فيها من الهوام والسباع والشياطين ما الله به عليم، فكان من نعمة الله علينا أن شرع لنا على لسان نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، دعاءً نقوله يحفظنا -بإذن الله- من شر كل مخلوق، أخرج مسلم في صحيحه من حديث خولة بنت حكيم السُّلمية رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق. لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك».

وفي الحديث فوائد منها: أن هذا الدعاء يُقال عند الجلوس في كل مكان أو النزول فيه، وليس مخصوصًا بنزول المسافر من مركوبه. ومنها: أن كلام الله صفة من صفاته، تبارك اسمه، ليس بمخلوق؛ لأنه مُحَال أن يُستعاذ بمخلوق، وعلى هذا جماعة أهل السنة، قاله ابن عبد البر. ومنها: أن قائل هذا الدعاء عند النزول محفوظٌ بحفظ الله له، فلا يضره شيء حتى يغادر محله.

ومن آداب السفر أن لا يرجع الرجل إلى أهله ليلاً؛ لما في الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلاً»، وعند مسلم: «إذا قدم أحدكم ليلاً فلا يأتين أهله طروقًا حتى تستحد المغيبة، وتمتشط الشعثة»، وعنده أيضًا: «نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلاً يتخونهم، أو يلتمس عثراتهم».

فينبغي للمسافر إذا رجع إلى أهله ألا يدخل عليهم ليلاً، حتى لا يرى ما يكره في أهله من سوء المنظر. قال النووي: "... إنه يُكره لمن طال سفره أن يقدم على امرأته ليلاً، بغتةً، فأما من كان سفره قريبًا تتوقع امرأته إتيانه ليلاً فلا بأس، كما قال في إحدى الروايات: «إذا أطال الرجل الغيبة». وإذا كان في قفل عظيم أو عسكر ونحوهم واشتهر قدومهم ووصولهم وعلمت امرأته وأهله أنه قادم معهم وأنهم الآن داخلون فلا بأس بقدومه متى شاء؛ لزوال المعنى الذي نُهي بسببه، فإن المراد أن يتأهبوا وقد حصل ذلك ولم يقدم بغتة" [شرح مسلم]، ومثله إذا علموا بقدومه عن طريق أجهزة الاتصال ونحوها.

من هديه صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان إذا قدم من سفر، فإن أول شيء كان يبادر إليه هو الصلاة في المسجد ركعتين، كما أخرج البخاري ومسلم من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا قدم من سفر ضحًى دخل المسجد، فصلى ركعتين قبل أن يجلس»

عباد الله: من أراد أن يُحفَظ في سفره وتقل مشقة السفر عليه، فليحافظ على هذه السنن، فإن البركة تحيط به، وترفع من همته، وتزيل عنه الوحشة، ويُحفَظ في أهله وماله.

اللهم اجعلنا من أهل السنة الذين يقولون بها وبها يعملون.

اللهم اغفر للمسلمين.......................اللهم آمنا في دورنا وأوطاننا، ويسر سبل العيش لنا، واجعله عونًا لنا على طاعتك.......... اللهم أنج المستضعفين......... ربنا آتنا في الدنيا...

ربنا لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين