البحث

عبارات مقترحة:

القوي

كلمة (قوي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من القرب، وهو خلاف...

الخبير

كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...

القريب

كلمة (قريب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فاعل) من القرب، وهو خلاف...

قصة موسى وفضل صيام يوم عاشوراء

العربية

المؤلف عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان - الصيام
عناصر الخطبة
  1. فضل يوم عاشوراء .
  2. قصة نجاة بني إسرائيل وهلاك فرعون وجنوده .
  3. عِبَرٌ مستفادة من القصة .
  4. صيام يوم عاشوراء .
  5. ذكرى مقتل الحسين .
  6. البدع المستحدثة نتيجة مقتل الحسين .

اقتباس

وإن من الأيام العظيمة الفاضلة يوم عاشوراء، اليوم العاشر من شهر الله المحرم، إنه يوم صالح عظيمٌ، جاء في فضله أحاديث عن النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام-، وحثّ -صلى الله عليه وسلم- على صيامه، ورغَّب في ذلك، وصامه -عليه الصلاة والسلام-، وصامه صحابته الأخيار. ولقد جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله".

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، ومبلِّغ الناس شرعه، وصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلَّم تسليما كثيرا.

أما بعد: أيها المؤمنونَ عبادَ الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه؛ وتقوى الله -جل وعلا- هي خير زاد يبلِّغ إلى رضوان الله، جعلني الله وإياكم من عباد المتقين.

عباد الله: إن الله -عز وجل- ذو حكمة بالغة في خَلْقه، يخلق ما يشاء ويختار، يصطفي من خلقه ما يشاء، ويفضل بعضهم على بعضٍ عن حكمة بالغة، وحجة سابغة، فالخَلْقُ خَلْقُ الله، والأمر أمره -جل وعلا-.

عباد الله: فضل -سبحانه وتعالى- من الأشخاص محمداً -صلى الله عليه وسلم-؛ فهو سيد ولد آدم، وفضَّل الرسل على الأنبياء، وفضل الأنبياء على سائر البشر، وفضل في الأمكنة، مكة المكرمة ثم المدينة النبوية المنورة، وفضّل في الأوقات أوقاتاً عديدة، وأزمة فاضلة، ففي الشهور فضَّل -جل وعلا- شهر رمضان، وفي الليالي فضّل الليالي الأخيرة من شهر رمضان، وليلة القدر خير من ألف شهر، وفي الأيام يوم عرفة خير الأيام وسيدها.

عباد الله: وإن من الأيام العظيمة الفاضلة يوم عاشوراء، اليوم العاشر من شهر الله المحرم، إنه يوم صالح عظيمٌ، جاء في فضله أحاديث عن النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام-، وحثّ -صلى الله عليه وسلم- على صيامه، ورغَّب في ذلك، وصامه -عليه الصلاة والسلام-، وصامه صحابته الأخيار.

ولقد جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله".

عباد الله: إن يوم عاشوراء يوم عظيم، حدثت للناس فيه نعمة عظيمة، ومِنَّةٌ جسيمة جليلة، ألا وهي أن الله -تبارك وتعالى- في هذا اليوم العظيم أنجى موسى ومَن معه، وأغرق فرعون ومن معه، فلما قدم النبي -عليه الصلاة والسلام- المدينة رأى اليهود يصومون يوم عاشوراء، فقال: "ما هذا؟"، قالوا هذا يوم صالح، وفي روايةٍ: قالوا هذا يوم عظيم نجّى الله فيه موسى ومَن معه، وأغرق فيه فرعون ومَن معه، فصامه موسى شكرا لله -عز وجل-، فنحن نصومه لذلك.

فقال -صلوات وسلامه عليه-: "نحن أحقُّ وأوْلَى بموسى منكم، فصامه -عليه الصلاة والسلام-، وأَمَرَ الصحابةَ الكرامَ بصيامه".

ثم إن صيام يوم عاشوراء كان في بداية الإسلام فرضا لازما، وواجبا محتَّماً، ثم إنه لما نزلت فريضة الصيام، صيام شهر رمضان، أصبح صيامه أمرا مُسْتَحَبَّاً، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "يوم عاشوراء يومٌ من أيام الله، فمَن شاء منكم صام، ومن شاء أفطر"، أو كما قال -عليه الصلاة والسلام-.

فصيام هذا اليوم، يوم عاشوراء، مستحب للمسلمين -عبادَ الله- شكرا لله -جل وعلا- على تلك النعمة العظيمة، والمنة الجسيمة، وطلبا لعظيم موعوده -سبحانه- الذي أعده للصائمين لهذا اليوم، حيث قال -عليه الصلاة والسلام-: "أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله".

ثم إن الصيام -عباد الله- طاعة عظيمة، وعبادة جليلة، ثوابها عند الله عظيم، وقد ثبت في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَن صام يوما في سبيل الله باعَدَ به وجهه عن النار سبعين خريفا".

عباد الله: والسنة في صيام عاشوراء أن يصوم المسلم يوما قبله؛ لأنه ثبت في الحديث الصّحيح أن الصحابة -رضي الله عنهم- قالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إن اليهود يصومون هذا اليوم، ويتخذونه عيدا، ويعظمونه؛ فقال -عليه الصلاة والسلام-: "لئن بقيت إلى قابل لأصومنَّ التاسع"، أي: مضافا ومضموما إلى العاشر .

فالسُّنة -عباد الله- أن يصوم المسلم يوم عاشوراء طلبا لهذا الأجر العظيم، وأن يصوم معه اليوم التاسع؛ مخالفة لليهود، واقتداء بنبينا الكريم -عليه الصلاة والسلام-.

عباد الله: حدث في هذا اليوم -كما تقدم- حدث عظيم جليل، فيه عبرة بالغة، وحجة ظاهرة، وآية باهرة، تدل على كمال قدرة الله، وعظيم انتقامه، وشدة بطشه -جل وعلا-، في هذا اليوم أغرقَ الله -جل وعلا- فرعون وقومه.

وقد ذكر -عز وجل- قصة فرعون مفصّلة في مواضع عديدة من القرآن، وأخبر -جل وعلا- أن فرعون علا في الأرض، واشتد بطشه، وزاد إسرافه وإفساده وتعاليه على عباد الله.

ثم إن الله -عز وجل- أمر موسى ومن معه أن يسري بقومه إلى حيث جهة البحر الأحمر، فانطلق موسى بقومه من بني إسرائيل إلى جهة البحر الأحمر ليلا؛ ثم إن الله -عز وجل- أخرج موسى ومَن معه لحكمة يريدها، وأمرٍ عظيم يريده -جل وعلا-.

فلما خرج موسى وعلم فرعونُ بخروجه أرسل في المدائن حاشرين يجمعون له جنوده، ويجيِّشون له جيوشه، وتأمّل هذا السياق الكريم، حيث يبين لنا -جل وعلا- هذا الحدث العظيم، يقول -جل وعلا-: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ * فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ * فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ *وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الشعراء:52-68].

وقال قوم فرعون: قد بُلغنا؛ فإن وقفنا أهلكنا، فقال موسى بإيمان ثابت، وقلب مطمئن، وثقة بالله العظيم :كلا! أي: لن يدركونا، (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء:62].

فأذن الله -عز وجل- وأوحى إلى كليمه موسى -عليه السلام- أن يضرب بعصاه البحر، فضرب بعصاه البحر فانفلق البحر قطعا عديدة، اثنتي عشرة قطعة، كل قطعة منها أصبحت كالطود العظيم، أي كالجبل الكبير.

تأمل -رعاك الله- قدرة الله -جل وعلا-: الماء السيَّال وقف وقوفا كالجبال، إنها حجة بالغة، وآية ظاهرة على كمال قدرة الله -جل وعلا-، ثم إن الأرض التي كان عليها الماء، وهي أرض وحل وزلق، أذن الله -عز وجل- لها فيبست، (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقَاً فِي الْبَحْرِ يَبَسَاً لَا تَخَافُ دَرَكَاً وَلَا تَخْشَى) [طه:77].

تفتَّحَت الطرق، وجاء الفرج، حيث حصلت شدة الكرب، ومضى موسى ومَن معه بأمانٍ مسرعين في هذه الفجاج التي يسرها الله لهم من خلال البحر، ومن بين المياه، فمضوا والمياه إلى جنبتيهم قائمة على أرض يابسة، فما أعظمها من آية!.

ولما وصل فرعون وجنوده إلى البحر وخرج موسى ومن معه إلى الطرف الآخر أراد موسى -عليه السلام- أن يضرب بعصاه البحر؛ حتى لا يدخل فرعون فيصل إليه، فقال الله -عز وجل-: (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) [الدخان:24].

ولما وصل فرعون البحر ازداد في كبريائه وعتوه وتعاليه، والتفت إلى قومه، وقال لهم بكبرياء وتعاظم: إنني أنا الذي أمسكت الماء لأدرك هذه الشرذمة القليلة والفئة الخارجة، فأضل قومه فاتبعوه، فدخل البحر وتبعه قومه معه؛ وقد ذُكر في كتب التاريخ أن عدد الخيل التي كانت معهم تصل إلى مائة ألف! فدخلوا أجمعين داخل البحر، فلما تكاملوا دخولا من أولهم إلى آخرهم ارتطم عليهم الماء فغرقوا أجمعين من أولهم إلى آخرهم، بما فيهم عدو الله فرعون.

وكان هذا المنظر على مرأى من قوم موسى؛ ليكون ذلك أقر لأعينهم، وأشفى لصدورهم؛ ثم إن فرعون لما عاين الموت قال: (آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [يونس:90]، فقال الله -جل وعلا-: (ءآلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرَاً مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ) [يونس:91-92]!.

لقد آمن حيث لا ينفع الإيمان، يقول الله تعالى: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) [النساء:18]، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "يقبل الله توبة أحدكم ما لم يغرغر". لقد آمن حيث لا ينفع الإيمان!.

ثم إن الله -عز وجل- نجَّى بدنه فأخرجه لبني إسرائيل؛ ليروا هذه الآية العظيمة الدالة على كمال الله، وعظيم قدرته -سبحانه-.

إن موسى -عليه السلام- صام هذا اليوم، يوم عاشوراء؛ شكرا لله على هذه النعمة العظيمة، ونحن -أمّةَ الإسلام- أن نصوم هذا اليوم شكرا لله -عز وجل- على نعمته العظيمة، ونسأله -جل وعلا- المزيد من فضله، نسأله -جل وعلا- المزيد من فضله، ونسأله -سبحانه- نصره وعونه وتوفيقه، فالأمور بيدي الله، ومقاليد السماوات والأرض بيده يقلبها كيف يشاء، ويقضي فيها بما يريد، لا رادّ لحكمه، ولا معقب لقضائه.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل و الجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد: عبادَ الله، اتقوا الله تعالى.
عباد الله: لقد عرفنا من خلال ما سبق ما يشرع للمسلمين فعله في يوم عاشوراء، وأن السُّنة في هذا اليوم صيامه شكرا لله، وتحريا لعظيم موعوده للصائمين، وأعظم الناس أجرا في الصيام أكثرهم فيه ذكرا لله -عز وجل-، هذه هي السُّنة في يوم عاشوراء.

عباد الله: وقد شاء الله -جل وعلا- أن يقع في هذا اليوم حدث عظيم، وذلك في سنة واحد وستين للهجرة، حيث إنه في هذا اليوم قتل الحسين بن علي -رضي الله عنه- ظُلما وجَوْرا وعدوانا، وإن قتله يعده أهل الإيمان مصيبة عظيمة، ورزية كبيرة.

ولكن المسلم مأمور بالمصاب -أيَّ مصاب كان- أن يصبر ويحتسب وأن يسترجع، وأن يفوّض أمره إلى الله قال الله -عز وجل-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) [البقرة:155-156].

وقد قتل قبل الحسين من هم أفضل منه، قُتل والده علي بن أبي طالب، وقتل عثمان بن عفان، وقتل عمر بن الخطاب، وقتل من هو أفضل من هؤلاء، فقد قُتل أنبياء لله -عز وجل-، وليس يُطلب من الناس في المصائب سوى الاسترجاع والصبر على المصاب، ورجاء موعود الله -جل وعلا- للصابرين.

إلا أنه حصل أن وجد مذهبان منحرفان على إثر هذا الحدث؛ المذهب الأول اتخذ يوم مقتل الحسين مأتما يظهرون فيه الحزن والبكاء والنياحة ولطم الخدود وشق الجيوب، وكل هذه الأعمال ليست من أعمال الإسلام، وليست من دين الله؛ بل جاء دين الله بالتحذير منها، جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونها: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة على الميت". والنائحة -إذا لم تتب- تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب.

وجاء في الحديث الآخر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليس منا من لطم الخدود، وشقَّ الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية".

وثبت في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أنا بريء من السالقة والحالقة والشاقة"، والسالقة -عباد الله- هي التي ترفع صوتها بالبكاء والنحيب عند المصيبة، والحالقة التي تحلق شعرها وتقطع شعرها عند المصيبة، والشاقة التي تشق ثوبها عند المصيبة، والحكم يتناول الرجال والنساء؛ ولكن ذكر -عليه الصلاة والسلام- النساء لأن هذا هو الغالب فيهن.

وأما المذهب الآخر فهو مذهب على النقيض لهذا المذهب، وهو مذهب من يناصبون آل البيت العداء، فاتخذوا هذا اليوم يوم فرح وسرور، ويوم عيد وحبور، يوسِّعون فيه على الأولاد، ويتبادلون فيه الهدايا، ويصنعون فيه أنواعا من الأطعمة المخصوصة، ويجعلونه يوم فرح وسرور، وذاك المذهب باطل، وهذا المذهب باطل.

ودين الله وسط بين الغلو والجفاء، والإفراط والتفريط، والواجب أن نعرف لآل البيت حقهم، ولكن دون غلو وجفاء، ودون إفراط وتفريط.

رحم الله الحسين، ورضي عنه، وأسكنه الجنة وهو وأخوه الحسن سيدا شباب الجنة، كما جاء ذلك في الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ونسأل الله -جل وعلا- بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، أن يجمعنا وإياكم وإياه في جنات نعيم مع الأنبياء والصحابة وآل البيت والتابعين، وأن يهدينا وإياكم سواء السبيل، وأن يرزقنا التمسك بالسنة، والسير على وفقها، وأن يجنبنا البدع، وأن يعيذنا منها.

وصلوا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه: (إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتِهِ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمَاً) [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا".

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد...