الوكيل
كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...
العربية
المؤلف | حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إن من يتتبَّع بعضَ أحوالِ الناسِ في أروِقةِ المحاكم يجِدُ ما يأسَى له المُسلم من تصرُّفات بعض الآباء في إيجاد أسباب العداوة بين ورَثَتهم؛ فكم يحصُل بسبب هذه التصرُّفات بين الورَثَة من الخُصومة والتقاطُع والتشاتُم والمُرافَعات بسبب التصرُّفات المُخالِفة لشرع الله -جل وعلا- في وقفِ المال، وفي الوصيَّة. فمن ذلك: أن بعضَ الناسِ يُريدُ منعَ أولاده من التصرُّف في ماله بعد انتِقاله إليهم من بعد موته، فيتَّجِهُ حينئذٍ إلى حِيلَةِ الوقفِ؛ قاصِدًا منعَ الورَثَة من التصرُّف في الموروثِ ببيعٍ أو هِبةٍ أو تصرُّفٍ ناقلٍ للمُلكِيَّة ..
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِهِ أجمعين.
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون: يقول ربُّنا -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].
إنه الأمرُ للمؤمنين بأن يقولوا القولَ السديدَ، وأن ينهَجوا المنهجَ الرشيدَ.
ويا عباد الله: إن من يتتبَّع بعضَ أحوالِ الناسِ في أروِقةِ المحاكم يجِدُ ما يأسَى له المُسلم من تصرُّفات بعض الآباء في إيجاد أسباب العداوة بين ورَثَتهم؛ فكم يحصُل بسبب هذه التصرُّفات بين الورَثَة من الخُصومة والتقاطُع والتشاتُم والمُرافَعات بسبب التصرُّفات المُخالِفة لشرع الله -جل وعلا- في وقفِ المال، وفي الوصيَّة.
فمن ذلك: أن بعضَ الناسِ يُريدُ منعَ أولاده من التصرُّف في ماله بعد انتِقاله إليهم من بعد موته، فيتَّجِهُ حينئذٍ إلى حِيلَةِ الوقفِ؛ قاصِدًا منعَ الورَثَة من التصرُّف في الموروثِ ببيعٍ أو هِبةٍ أو تصرُّفٍ ناقلٍ للمُلكِيَّة.
وهذا مذمومٌ شرعًا على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لما يقعُ بسببه من مفاسِد وإضرارٍ بالورَثَة، وقد ذكر شيخُ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- أن هذا الوقفَ وقفٌ غيرُ مشروعٍ، وذكرَ ذلك مثلَه شيخُ الإسلام حفيدُه المُجدِّد الإمام عبدُ الرحمن بن حسن، ثم قال في إرادة مثلِ هذا الوقفِ، قال: "فالواقفُ في الحقيقةِ يُريدُ أمرَين: تحريمَ ما أحلَّ الله لهم -أي: للورثة- من بيعِه وهديَّته والتصرُّف فيه، والثاني: حِرمانَ زوجات الذكور، وأزواج الإناث، فيُشابِهُ ما ذكرَه الله في سورة الأنعام".
معاشِر المُسلمين: ومن تلك التصرُّفات الخاطِئة: أن يُفضِّل المُوقِفَ بعضَ الأولاد على بعضٍ في الوقفِ، فذلك مما حرَّمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "اتقوا الله واعدِلوا بين أولادكم". والأحاديثُ في هذا كثيرةٌ.
ولكن لو أوقفَ على المُحتاجِ من ذرِّيَّته لوصفِه لا لشخصِه فلا بأسَ؛ لما ذكرَه البخاريُّ عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه وقَّفَ نصيبَه من دارِ عُمر سُكنًى لذوي الحاجةِ من آل عبدِ الله، وقد وردَ أن الزُّبيرَ خصَّ المردودةَ من بناتِه دون المُستغنِيَة.
وكذا لو ذكرَ في وقفه تحضيضَ الأولاد على طلبِ العلمِ فخصَّه بطلبِ العلمِ لا بالشخصِ.
معاشِر المسلمين: إن بعضَ الناسِ يُوقِفُ على أولادِ الظهورِ دون أولاد البُطون؛ أي: أنه ينُصُّ على حِرمان أولاد البناتِ؛ فالذي ينظُرُ في هذا الوقفِ بتمعُّنٍ يجِدُ أنه أرادَ حِرمانَ أولاد البناتِ في عاقِبَة الأمر، إنما تستغِلُّ البنتُ الغَلَّة في حياتها، فإذا ماتت انقطعَ ما كان لها، وهذا مما حرَّمَه الله -جل وعلا-.
والمُحقِّقون من أهل العلم المُلتزِمون بكتابِ الله -جل وعلا- وبسنَّة رسوله -صلى الله عليه وسلم- دون تقليدٍ مذهبيٍّ، قد نصُّوا على أن هذا الوقفَ من أوقافِ الجَنَفِ والإثمِ؛ فقد ألَّف شيخُ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب في ذلك رسالةً مُستقلَّةً في صدَدِ الردِّ على من أجازَ وقفَ الجَنَف والإثمِ الذي لا يرضاهُ أحدٌ لبناته، ولا يرضاه أحدٌ لنفسه، أن يكون قاصِدًا لتفضيلِ بعضٍ على بعضٍ.
قال -رحمه الله-: "وأما مسألتُنا هذه فهي إذا أراد الإنسانُ أن يقسِمَ مالَه على هواهُ، وفرَّ من قِسمةِ الله -جل وعلا-، وتمرَّد عن دين الله؛ مثلَ: أن يُريد أن امرأتَه لا ترِثُ من هذا النخلِ ولا تأكلُ منه إلا حياةَ عينها، أو يُريد أن يُفضِّل بعضَ أولاده على بعضٍ فِرارًا عن وصيةِ الله بالعدل، أو يُريد أن يحرِم نسلَ البناتِ، أو يُريد أن يُحرِّم على ورَثَته بيعَ هذا العقار لئلا يفتقِرُوا بعده".
ثم قال: "ويُفتي له بعضُ المُفتين أن هذه البدعةَ الملعونة -أي: مثل هذه الأوقاف- صدقةٌ تُقرِّبُ إلى الله، ويُوقِفُ على هذا الوجهِ قاصِدًا وجهَ الله. فتأمَّل هذا بشراشِر قلبِك، ثم تأمَّل ما ذُكِر من الأدلة".
ثم قال -رحمه الله-: "فنقولُ: من أعظمِ المُنكرات وأكبرِ الكبائر: تغييرُ شرعِ الله ودينه، والتحايُل على ذلك بالتقرُّبِ إليه، وذلك مثلُ: إذا أراد أن يحرِم من أعطاه الله من امرأةٍ أو امرأةِ ابنٍ أو نسلِ بناتٍ وغير ذلك، أو أن يزيد أحدًا عما فرَضَ الله له، أو أن يُنقِصَه من ذلك ثم يُريد التقرُّب إلى الله بذلك مع كونِهِ مُبتعِدًا عن الله -جل وعلا-، فالأدلةُ على بُطلان هذا الوقفِ وعَودِه مُطلقًا وقَسمه على قسمِ الله ورسوله أكثرُ من أن تُحصَر". انتهى كلامُه المتينُ.
وقد ذكرَ مثلَ هذا الكلام بذاته: حفيدُه الشيخُ عبد الرحمن بن حسن، وغيرُهما من المُحقِّقين.
يقول الشيخُ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله-: "لا يحِلُّ لأحدٍ أن يُوقِفَ وقفًا يتضمَّنُ المُحرَّم أو الظُّلمَ، بأن يكون وقفُه مُشتملاً على تخصيصِ أحدِ الورَثَة دون الآخرين".
ثم قال: "فإن العبدَ ليس له أن يتصرَّفَ في ماله بمُقتضى شهواته النفسية وهواه؛ بل عليه أن لا يُخالِف الشرعَ ولا يخرُج عن العدلِ".
فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أنه لا يُنجيكم إلا شرعُ الله -جل وعلا-، فارتَضوا في قِسمةِ أموالكم بما ارتضاه الله -جل وعلا- لكم؛ تسعَدوا وتُفلِحوا في الدنيا وفي الآخرة.
أقولُ هذا القولَ، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أحمدُ ربي وأشكرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: لقد تواتَر من كتاب الله -جل وعلا- وسنةِ رسوله -صلى الله عليه وسلم- تعظيمُ شأن الأمانة، وتحريمُ الخيانةِ فيها أو الإهمال في واجباتها.
فيا نُظَّار الأوقاف: لقد ابتُليتم ببلوًى عظيمة، فاتقوا الله -جل وعلا- في هذه المسؤولية العظيمة، أدُّوها كما أمر الله -جل وعلا-.
احرِصوا على الأوقافِ وعلى الحِفاظِ عليها، وعلى تنميتها، وعلى صرفِها في مصارِفها دون اجتِهادٍ، ودون تفضيلٍ لأحدٍ على أحدٍ.
اتقوا الله -جل وعلا- في الأوقافِ، وإياكم وأن تنظُروا إلى مصالِحكم عن طريق الأوقافِ؛ فتلك جِنايةٌ عظيمةٌ تجِدون مغبَّتها (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 88، 89].
ألا وإن من أفضلِ الأعمالِ: الصلاةَ والسلامَ على النبي الكريم.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اللهم احفَظ المُسلمين في كل مكانٍ، اللهم احفَظ المُسلمين في كل مكانٍ، اللهم مُنَّ عليهم بالأمن والأمان، والاطمئنانِ والاستِقرار، اللهم هيِّئ لهم من أمرِهم رشَدًا، اللهم هيِّئ لهم من أمرِهم رشَدًا، اللهم ولِّ عليهم خيارَهم، اللهم ولِّ عليهم خيارَهم.
اللهم اغفِر للمُسلمين والمُسلمات، والمؤمنين والمُؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم اغفِر لنا ولهم الذنوب، وكفِّر عنا وعنهم السيئات، وضاعِف لنا الدرجات.