البحث

عبارات مقترحة:

المؤخر

كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...

الإله

(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...

المساجد وأثرها على القلوب

العربية

المؤلف خالد بن عبدالله الشايع
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - الصلاة
عناصر الخطبة
  1. العلاقة بين القلب والمساجد .
  2. أحب البلاد إلى الله وأبغضها .
  3. أجور أداء الصلاة في جماعة .
  4. المساجد بيوت المتقين .
  5. ثمرات عمارة المساجد .
  6. المساجد هي مجتمع المؤمنين .
  7. حرص الأعداء على تخريب المساجد .

اقتباس

إن مما يؤسف له أن نرى عزوفاً كثيراً من بعض المسلمين عن الإتيان إلى المساجد، والبعض الآخر إذا دخل المسجد كأنه دخل إلى السجن، ويريد أن يخرج منه بأسرع وقت، والبعض الآخر يستنكر على من يُطيل الجلوس في المسجد، وكأن المسجد ليس محلاً للعبادة، ولكن تقرُّ العين عندما نرى أولئك الرجال الذين لا يفارقون المساجد، فهم من صلاة إلى ذكر لله إلى تلاوة للقرآن إلى جلوس فيه للعبادة.

إن الحمد لله ...

أما بعد فيا أيها الناس: فإن قلوبَنا خلقت ضعيفة رقيقة، ولا يزال العبد ينغمس في الدنيا حتى تكون أقسى من الحجارة، كما قال سبحانه: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ..) لذا صار لزامًا على العبد أن يعتني بقلبه فالقلوب أمانة يجب أن نقوم بحقّها، وكثيراً ما يشتكي المسلم قسوة في قلبه، ويقول: أريد أن أُعالج هذا القلب المريض، فكيف أُليِّنُهُ؟ وكيف أُرقِّقُهُ؟ وكيف أجعله عامراً بذكر الله؟ هذه القلوب يا عباد الله لابد لها من تعاهد ومراعاة، وإعمار ومداواة، هذه القلوب التي إذا صدئت بكرِّ الذنوب وتواليها عليها، وعلاها الران، صار صاحبُها بعيداً عن الله عاملاً بالمعاصي، فلهذا صار لزامًا على العبد أن يسعى في علاج قلبه فالقلوب تمرض كما تمرض الأبدان، إن علاجات القلب الشرعية مُتعدّدة، وهناك علاجٌ مهم جداً للقلوب يغفل عنه كثير من الخلق، ونريد أن نلقي عليه مزيد من الاهتمام، ونُحيطه بكثير من الرعاية، ألا وهو: المساجد، فما العلاقة بين القلب والمساجد؟ وكيف يكون المسجد طريقاً لإصلاح القلب؟

أيها المسلمون: إن نبيّنا صلى الله عليه وسلم قد ذكر في السبعة الذين يُظلُّهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله «ورجل قلبه معلق بالمساجد»، فهناك علاقة قوية بين القلب والمسجد وقال سبحانه: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ) هذه البقاع الأرضية التي وضعت فيها البركة السماوية، وتحفها عليها الملائكة بأجنحتها، هذه أفضل البقاع عند الله، أماكن المنافسة في الخيرات، أماكن اجتماع المؤمنين، وأداء العبادات، ونزول الملائكة والرحمات، هذه الأماكن التي تُغسل فيها القلوب، وينجلي صدؤُها ،كما أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم: «أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها»، هذه الأماكن التي يجتمع المؤمنون فيها معاً، طاعة لله عز وجل، والرءوس تتساوى مع الأجساد قائمة لله تعالى ركوعاً وسجوداً وقياماً وخضوعاً، إنها كفيلة فعلاً بأن تُوقظ القلوب النائمة، وأن تُعيد القلوب الغافلة إلى رُشدها.

عندما يكون قلب المؤمن سراجاً في المسجد وقنديلاً فيه معلّقًا، عندما يكون معلقاً في هذا المكان يحصل له من الطُمأنينة والسكينة ما الله به عليم، قلبه معلق في المسجد ... شبه القلب بالقنديل والقنديل ملازم للمسجد، فهذا رجل كثير الملازمة للمسجد لا يخرج منه حتى يعود إليه، أو التعليق بشدة الحُب، فهذا قلب معلّق بالمسجد، إنه يُحبه حباً جماً، معلق بالمساجد من حبِّها أو من طول ملازمتها معنيان جليلان، ذكرهما العلماء في هذه المسألة، فإذاً ملازمة المساجد وكثرة الذهاب إليها وإعمارُها بطاعة الله عز وجل علاجٌ عظيم لنا في قلوبنا، إنه فعلاً دواءٌ لمن يبحث عن الدواء ويشتكي من الداء، وقلوبنا فيها أدواء وشهوات وشبهات.

إن نبينا صلى الله عليه وسلم من حُبه للمسجد لما مرِض مرَض الموت أمر أن يُخرج به يُهادى بين رجلين من أهله، تقول عائشة: "كأني أنظر رجليه تخُطان من الوجع"، تخُطان لأنه لم يكن يقدر على رفعهما من الأرض.

أيها المسلمون: قيام نصف ليلة ليس شيئاً سهلاً لكنه يُدرك بصلاة العشاء جماعة في المسجد، وإحياء الليل كلِّه في الصلاة أمر صعب وشاق لكنه يُدرك بصلاة الفجر جماعة في المسجد، ولذلك قيل لسعيد بن المسيِّب رحمه الله وقد اشتكى عينه مرةً: "لو خرجت إلى العقيق -مكان خارج المدينة- فنظرت إلى الخضرة، لعل النظر إلى الخضرة يعالج عينك"، فقال: فكيف أصنع بشهود العتمة والصبح، كيف أصنع بفوات صلاة العشاء والفجر مع الجماعة، ولذلك ما نُودي للصلاة أربعين سنة إلا وسعيد بن المسيِّب في المسجد.

ولما تزوج الحارث بن حسان رحمه الله امرأة في ليلة من الليالي فحضر صلاة الفجر مع الجماعة، قيل له: أتخرج وإنما بنيت في أهلك الليلة؟ فقال: "والله إن امرأة تمنعني من صلاة الفجر في جمعٍ لامرأة سوء"، لا يمكن أن أقبل بها، فهو إذاً يُدرك صلاة الفجر حتى في صبيحة عُرسه في جماعة، "والله لقد رأيتُنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان يؤتى بالرجل يُهادى بين رجلين حتى يُقام في الصف"، وقد نُقل عن عدد من السلف أنهم كانوا يُؤتى بهم إلى المساجد محمولين.

هذا التعليق للقلب بالمساجد والحرص على ذلك يؤدي إلى أن يلقى الإنسانُ ربّه وهو عنه راضٍ، وقد حضرت المنيّة جماعة من السلف وهم في المساجد، لكثرة تعلُّقهم بها، وهناك تشريف من الله تعالى للذين يأتون إلى بيته، ليس للذين يأتون إلى المسجد فقط بل حتى العودة منه، وتقعد الملائكة على أبواب المساجد في يوم الجمعة تكتب أسماء الناس، الأول والثاني والثالث وهكذا حتى إذا خرج الإمام رُفعت الصحف، هذا التكريم من الله تعالى لهؤلاء المرتادين دليل على شرفهم عنده، وليُبشر هؤلاء المشّائين في الظُلَم في العشاء والفجر إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة، وانتظار صلاة بعد صلاة في المسجد من الرباط في المسجد.

إن هذه المساجد بيوت المتقين، هذه المساجد التي كان الصالحون يؤدبون أولادهم في حضورها، كان صالح بن كيسان رحمه الله يؤدب ولد أمير المؤمنين ويتعاهده في صلاة الجماعة، فأبطأ الولد يوماً عن الصلاة، فقال له: ما حبسك؟قال: كانت مُرجِّلتي تُسكّن شعري، قال: بلغ من تسكين شعرك أن تُؤثره على الصلاة! فأخبر أباه ولم يزل يُكلِّمه حتى حلق شعره؛ تأديباً له على تفويته لصلاة الجماعة من أجل ترجيل شعره، فكيف بمن يرى أبناءه يتخلفون عن صلاة الجماعة أو لا يحضرونها وهم منشغلون بمتابعة القنوات الفضائية أو مشتغلون بملهيات أخرى ثم لا يكلمهم أو يؤدبهم؟ إنه بحق قد ضيّع الأمانة.

ولقد كان بعض السلف يسجد سجدة بعد المغرب في صلاة نافلة فلا يرفع منها إلا عند أذان العشاء، كما حصل ذلك لسفيان الثوري رحمه الله، وانظر لحماد بن سلمة فقد مات وهو في صلاة في المسجد. وغيرهم كثير ممن أدركته المنية وهو في المسجد؛ وذلك لأنه كان أغلب وقته في المسجد، حتى كان بعضهم يبكي عندما يخرج من المسجد؛ شوقًا إليه كما أُثر عن صوان بن سليم رحمه الله اللهم اجعلنا ممن يعمرون بيوتك في الدنيا بالطاعات أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم …

الخطبة الثانية

الحمد لله رب الأولين والآخرين، الحي الذي لا يموت والإنس والجن يموتون، أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً رسول الله، الرحمة المهداة، المصطفى من خلق الله، والأمين على وحي الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيداً.

عباد الله: إن الإنسان إذا قدم بيت الله لا يعدم خيراً، من فريضة يؤديها، أو نافلة كتحية المسجد يركعها، أو انتظار صلاة يكون في أجر الصلاة، أو ذكر ودعاء مُجاب بين الأذان والإقامة، أو ملائكة تُصلي عليه في مجلسه وتدعوا له، ودعاء الملَك المطهر من الذنوب ليس كدعاء المذنبين، وأخ صالح يلقاه، فلو أردت الصالحين أين تجدهم؟ المكان الأول لوجود الصالحين والأخيار هي المساجد، المساجد هي المجتمع للمؤمنين.

أيها المسلمون: إن بيوت الله تعالى كانت عُرضة للهدم من أعداء الله؛ لأنهم عرفوا قيمتها ربما أكثر من بعض المسلمين، فوجهوا إليها أنواع التدمير، ولذلك فإن الزيادة في حضورها وإنعاش دورها، مطلبٌ عظيم لكل معظّم للدِّين والتوحيد ومُريدٍ لنصرة الإسلام؛ لأن في قلوب أعدائنا غلاً وحقداً عظيماً على هذه المباني التي تُبنى لذكر الله، وكم قاموا بهدم المساجد في كثير من بلاد المسلمين.

وإن مما يؤسف له أن نرى عزوفاً كثيراً من بعض المسلمين عن الإتيان إلى المساجد، والبعض الآخر إذا دخل المسجد كأنه دخل إلى السجن، ويريد أن يخرج منه بأسرع وقت، والبعض الآخر يستنكر على من يُطيل الجلوس في المسجد، وكأن المسجد ليس محلاً للعبادة، ولكن تقرُّ العين عندما نرى أولئك الرجال الذين لا يفارقون المساجد، فهم من صلاة إلى ذكر لله إلى تلاوة للقرآن إلى جلوس فيه للعبادة.

نسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.